أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - مشاهد من ضياعنا في مثلث ترامب















المزيد.....

مشاهد من ضياعنا في مثلث ترامب


جواد بولس

الحوار المتمدن-العدد: 6478 - 2020 / 1 / 31 - 02:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مشهد القهر
حاولت ألا أكتب الآن عن صفقة القرن؛ فالصحافة المحلية والعالمية ومعظم المنصات الاعلامية ووسائل التواصل على أنواعها، تفيض، جميعها، بالاراء وتغرق بالتحليلات وبالتعليقات التي ترهق القراء والمتابعين .. على قلّتهم المفضوحة.
لم أتمالك نفسي؛ اذ شعرت بحالة من الغضب الانساني الحقيقي مثل ملايين المشاهدين الذين تابعوا اعلان الرئيس الأمريكي واستمعوا الى لغة جسده وهو يتلو تفاصيل وثيقته بلذة ظاهرة، وبانحياز سافر ومستفز.
لم أصغِ بانتباه في بعض اللحظات إلى المضامين، ولم أدقق في أبعادها السياسية وفيما تخفيه الحروف وتلوّنه النوايا؛ فوقع المشهد برمته كان ساحقًا لكل نفس حرّة، ونبر الرئيسين، ترامب ونتنياهو، كان يستحضر رعونة التاريخ الذي كتبته، بمحابر من دم، عنجهيات قادة سطاة لم تعقهم حكمة الندم الخالدة، بأنّ الدهر ذو دول.
أجرى الكثيرون مقاربات لافتة بين هذه الصفقة وبين بعض المحطات الفارقة في تاريخ القضية الفلسطينية وصراعها الطويل مع مطامع الحركة الصهيونية؛ فكان أبرزها تلك التي شبّهت وعد "ترامب" الحالي بوعد "بلفور" الشهير بوصفه الوعد المشؤوم.
لا فرق ان كانت هذه المقارنة صحيحة من الناحية التاريخية والعلمية؛ فهي، لمجرد حضورها بهذه القوة في أذهان بعض النخب وعامة الناس، تشكّل برهانًا قويًا على اننا، كفلسطينيين، ما زلنا رهائن لنفس المخاضات العسيرة وضحايا أكيدة لانتكاسات محتملة جديدة؛ وأننا، رغم جميع انتصاراتنا الصغيرة أو الكبيرة، الصحيحة أو الوهمية، لم نخرج بعدُ من رحم المأساة ، لا بل قد يكون ما يخفيه لنا هذا الزمن الارعن من ولائم، أفظع وأوخم.
سيُكتب عن هذه الأيام الكثير، وسيختلف المؤرخون والسياسيون حولها، تمامًا كما اختلف الذين قبلهم وتقارع مَن كان يقف خلف "المفتي" ومَن ضده؛ وقد لا تعرف أجيال الغد، بعد وفاة الجنود، من هو المنتصر ؛ وستبقى الحقيقة حول فلسطين المشتهاة، كما كانت منذ أكثر من قرن، ذات وجهين، أو كسنونوة تائهة تفتش عن وطن .
حدّقت في تعابير وجه ترامب وهو يستشهد بعدل ربّه وبوعود السماء؛ وفتشت عن وداعة المسيح في كلامه وعن تواضعه وعن ذلك " الراعي" الذي وقف مع المساكين والفقراء ونافح الطغاة، فلم اجد إلا "بيلاطس"، وأصغيت لكلامه، فلم أجد "ابن الانسان" هناك، وتيقنت، مجددًا، بأن دين الظالمين واحد، وكذلك ربهم.
لوهلة تمنيت لو كنت أمامه لاتلو على مسامعه ومسامع من حضروا تراتيل الناصرة والقدس وبيت لحم، ولأذكره بما كتب، قبل ألفي عام، "لوقا الانجيلي" عن الفرق بين أنين دمعة قلب كسير وبريق دموع "العشّارين" ؛ فعندما أقترب يسوع الفلسطيني ورأى أورشليم/القدس، بكى عليها وقال : "ليتك اليوم تعرفين مصدر سلامك، لكن ذلك مخفي عن عينيك الآن. ستأتي عليك أيام يبني فيها أعداؤك الحواجز حولك. سيحاصرونك ويضغطون عليك من كل الجهات. سيدمرونك أنت وأهلك، ولن يتركوا حجرًا على حجر داخل أسوارك ..".
كانت تلك مجرد أمنية رمادية سكنتني في حالة قهر عبثية ؛ فأنا أعرف أن "مسيح" ترامب لا يشبه ذلك "الفادي" الذي جاء من أجل خلاص البشر، ولوحق وتعذب وبكى، كما أفادنا "لوقا" بنصه الجميل، الذي سيبقى الشاهد على أن " الحجارة " والدول قد تسقط مرّة بعد مرّة؛ ولكن "ذو الحق يبقى ويبقى حقه أبدًا.. لا، لست يا ظلم أقوى منهما أبدا "، كما أنشدنا أبو الحكم، شاعر قانا الجليل، جريس دبيات.
مشهد التشاؤم
رغم الغضب الذي أظهره الكثيرون ازاء ما شاهدوا في مسرحية البيت الأبيض وما سمعوه مثلي، اكتفى بعضهم بتتفيه مبسّط للحدث، وباسداء النصيحة لنا ألا نعير مضمون الوثيقة أي اهتمام؛ فمصيرها، هكذا أكد لنا "أنبياء السراب"، سيكون حتما "مزبلة التاريخ".
في المقابل عبّر غيرهم عن قلقهم الكبير ازاء ما قد تفضي إليه هذه المقترحات، لا سيما وقد استحضرت تفاصيلها ،كما قلنا، تداعيات وعد بلفور، الذي أفضى إلى أقامة دولة اسرائيل بعد أقل من ثلاثة عقود على اعلانه؛ هذا علاوة على أن هذه الوثيقة قد أُعدّت، على الطريقة الأمريكية، وحيكت بخبث وبدراية في ظل ترحيب ودعم وتفهم وصمت وتواطؤ دول كثيرة، وبضمنها معظم الدول العربية والاسلامية وبعض الدول التي كانت تعد حليفة لفلسطين.
حاولت أن أتصرف بنضوج، وألا أظهر غضبي الشديد ؛ لكنني لم انجح باخفاء قلقي بعدما أحسست بحزن ابنتي وبثورة أصحابها ؛ فقد نشأوا في حضن حلم بشّرهم بمستقبل وردي فصحوا على "صفعة" أعادتهم الى عوالم التيه واليأس.
اتسمت نقاشاتهم بوعي مطمئن، وحملت كثيرًا من الوجع. أصغيت إليهم ولفت انتباهي اجماعهم على أن من أخطر ما ورد في الوثيقة بالنسبة لنا ، نحن المواطنين العرب في اسرائيل، هي تلك الفقرة التي تحدثت عن امكانية التبادل الجغرافي، وتطرقها بوضوح وبالتفصيل الى امكانية إتباع مناطق واسعة من "المثلث" الى سيطرة السيادة الفلسطينية، مما سيعني، على أرض الواقع، سلخ اكثر من ثلاثمائة الف مواطن عربي عن أشقائهم في الجليل والنقب.
ولقد وافقتهم؛ فتضمين هذا الموقف في وثيقة دولية رسمية يحمل مؤشرًا خطيرًا على حصول تغيير جوهري في نظرة "العالم" الى مكانتنا والى حقنا في البقاء كمواطنين في اسرائيل.
فعلى الرغم من أن المقترح لا يؤدي، كما أكد ترامب، وقبله صاحب الاقتراح الاصلي ايفيت ليبرمان، الى اقتلاع السكان من أراضيهم، يبقى قبول الفكرة، بصورة مبدئية، مؤشرًا مقلقًا على مستقبلنا وعلى مصيرنا.
لقد استخف القادة العرب بيننا بايفيت ليبرمان عندما عرض، قبل سنوات قليلة، خطته ازاء منطقة المثلث ومعظمهم اغفلوها؛ وقامت مجموعات واسعة بتقزيمها وبالاستهزاء منها؛ في حين توعدتها قطاعات كثيرة الضجيج في مواقعنا ووصفتها بالترّهات التي لا حاجة للحديث عنها.
مر أقل من عقد على طرح الفكرة في أسواق السياسة العنصرية الاسرائيلية فتحولت، على حين غفلة، الى جزء هام من برنامج دولي متكامل، لن تكف امريكا وحلفاؤها عن محاولات تنفيذه كخطوة من مخطط شامل لترسيم حدود شرق اوسط جديد، ستكون درّته مملكة اسرائيل الكبرى.
لا أعرف، في ظل هذه المعطيات وفي كنف نظام دولي يمتهن المقايضات والخاوات، على ماذا يعوّل مبشرونا بالفرج القريب؟ ولا افهم كيف سنواجه هذه المخاطر المصيرية التي لم تعد مجرد فذلكات أو هلوسات يطلقها بعض غلاة اليمينيين الاسرائيليين العنصريين؟
فأمريكا اليوم هي الدولة الأقوى في العالم وتتحكم، بالتوافق مع دول قوية أخرى مثل روسيا والصين والهند واوروبا، وبالعربدة وبالتآمر أيضًا، في مصائر معظم الدول الضعيفة وأشباه الدول؛ ولا استثني من ذلك غالبية الدول العربية والاسلامية والافريقية وغيرها.
نعم فهي تتصرف برعونة الامبراطوريات التي داست على أنف التاريخ قبل أن تصبح رماده، ولأنها كذلك علينا أن نسأل انفسنا، نحن المواطنين في اسرائيل، من سينقذنا وسيفيدنا وقد اصبحنا هدفًا على رقعة رمايتها؟ وكيف سنواجه حكومة اسرائيلية يجمع الكل انها ستكون آية في اليمينية والعنصرية، مدعومة من امريكا ويرقص في احضانها "أشقاؤنا" العرب و"حلفاؤنا" من أتراك وصرب وغجر ؟
كم تهكمنا على "شيطنة" ليبرمان حين اقترح على ابناء المثلث الفلسطينيين ان ينعموا بالسيادة الفلسطينية مؤكدًا على انهم سيبقون في أرضهم واسرائيل هي التي ستنقلع عنهم وتنقشع !
سبّب عرض ليبرمان احراجًا صارخًا لكثير من المواطنين العرب ولقياداتهم التي تلعثمت لانها كانت تتكىء على معادلة مواطنة عاقرة؛ واليوم، بعد هذا الحشد الامريكي للفكرة، صار احراجهم عاريًا وقد يصبح قاتلًا؛ فالاكتفاء ،كما فعل البعض، باهمال الفكرة أو برفضها بحجة ان الناس ليست سلعًا يُتلاعب بمصائرها، يعكس وجود أزمة سياسية جدية بينهم، ويكشف عن عورة هؤلاء السياسية وعن قصور حججهم غير المقنعة.
قليل من التشاؤم لن يضر وهو أفيد من تفائل كذاب خاصة اذا كنا في ذروة العاصفة.
علينا، كمواطنين في دولة تستعدينا حكوماتها، ان نبدأ، بجدية وبحزم، في تحديث صياغة معادلات وجودنا وعلاقتنا بها؛ شريطة ان نفعل ذلك بجرأة وباصرار واع، على ان "مواطنتنا" هي سقفنا الحامي والأضمن وهي الكفالة لبقائنا هنا.
فإما أن نصحو من احلامنا الواهمة وإما سيكون ما قاله ليبرمان بداية نهايتنا؛ والبقية ستأتي من عند السيّد "بلفور الجديد" ومعه من كنا نسميهم الامبرياليين والرجعيات العربية وعتاولة الصهاينة الساعين نحو وطن يهودي خال من العرب .. ومن الاغيار .



#جواد_بولس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا بعد سقطة حزب ميرتس؟
- الحرية للاحمدين، قطامش وزهران
- العرب في اسرائيل والمقاطعة المستحيلة
- العرب في اسرائيل ولعنة التطبيع
- خدوش على صفحة هوية ملتبسة
- جامعة بير زيت، تبدد الحلم
- التعليم العربي: بين برج بابل وبرج بيزا
- سامي ابو دياك، وموت أمنية فلسطينية
- القدس مدينة الحجارة الباكية
- مواطنون بين صاروخين
- خيمة الاصرار والامل
- انتهت معركة -المطّلع- وبقيت القدس عليلة
- لنصلي من أجل لبنان وفلسطين
- بسام الشكعه..العظماء لا يموتون
- ليل هبة البارد والطويل
- خوف ورياء وقتل
- العرب في اسرائيل بين نارين
- خلاصات أولية من معركة لم تحسم
- الانتخابات في اسرائيل، يوم الحسم، نداء الواجب
- انتخابات الكنيست، خطاب العقل


المزيد.....




- -إسرائيل تنتهك قوانينا.. وإدارة بايدن لديها حسابات-.. مسؤولة ...
- الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في محيط مستشفى الشفاء بغزة لل ...
- موسكو تدمر عددا من الدبابات الأوكرانية وكييف تؤكد صدّ عشرات ...
- مفتي روسيا يمنح وسام الاستحقاق لفتى أنقذ 100 شخص أثناء هجوم ...
- مصر.. السفيرة الأمريكية تثير حفيظة مصريين في الصعيد
- بايدن يسمي دولا عربية -مستعدة للاعتراف بإسرائيل-
- مسؤول تركي يكشف موعد لقاء أردوغان وبايدن
- الجيش الاسرائيلي ينشر فيديو استهدافه -قائد وحدة الصواريخ- في ...
- مشاهد خراب ودمار بمسجد سعد بن أبي وقاص بمخيم جباليا جراء قصف ...
- قتيل بغارة إسرائيلية على جنوب لبنان والمقاومة تقصف شبعا


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - مشاهد من ضياعنا في مثلث ترامب