أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راوند دلعو - الطفل الذي قتل الله ثم مات !















المزيد.....

الطفل الذي قتل الله ثم مات !


راوند دلعو
(مفكر _ ناقد للدين _ ناقد أدبي _ باحث في تاريخ المحمدية المبكر _ شاعر) من دمشق.

(Rawand Dalao)


الحوار المتمدن-العدد: 6471 - 2020 / 1 / 23 - 21:42
المحور: الادب والفن
    



من رحم الحرب ، و في عز أتونها ، بل من تجاويف ظلماتها و أشباح سجونها .... وُلد المجرم الصغير وسيم زكّور ... ذلك الطفل السوري الذي قتل الله عمداً و عن سابق إصرار و ترصد !

ذلك الطفل الذي ساقته أقداره اللعينة ليَصلى حَارَّ الحرب و نارها ، في أحلك بقعة زمكانيّة في التاريخ البشري الحديث ... تباً له ! سيقتُلُ الله عمّا قليل !

هنا سوريا ... هنا الجحيم ... هنا حيث سيموت الله في بضعة أيام ! هنا وحشية حرب عام 2011 التي تلتهم الجميع بما فيهم السلاح و الحجر و الشجر و المدر و البشر .... بل تكاد تتخطَّف من السماء ذلك القمر ... !

و إليكم تفاصيل القصة :

في عائلة صغيرة لا ناقة لها بهذه الحرب و لا جمل ، ثم في غفلة من زمن ساقط ... سقطت قذيفة اللؤم في ديار صغير .... فهربت شظاياها بعائلة الطفل وسيم زكور إلى ما وراء الكون ، هربت بها على أجنحة من ملائكة الأبد إلى أبد الأبد ...

هنالك في كبد السماء حيث نامت العائلة نومة السرمد تاركة وراءها طفلاً يتيماً يدعى وسيم ، يذوي كالوردة في عراء الحرب .... مضغةً من لحم يتيم ترتعش ما بين خطابات القذائف و هتافات الرصاص و مراسلات الصواريخ .... بقيَّةَ روحٍ من ماء و دم و دمع تتناهشها ضوضاء الألم و سكاكين الرصاص ...

رغم أنه كان اللون الوحيد بين حوارات الأسلحة تلك ... و الوميض الوحيد بين أشباح العتمة هناك .... إلا أن ذلك لم يكن ليشفع له عند زعماء الحرب و لصوص الأرواح و تجار الديانات و المذاهب !!!

ها هو و قد استفاق وحيداً ما بين ميمنة من دم و ميسرة من هدم ...

يصرخ أبي ...
يصرخ أمي ...
يصرخ إخوتي ...
فلا أحد يرد ...

لا أحد ... لا أحد !!!

اللهم إلا مارجاً من نار يتلوّى التهاباً في زوايا المكان و هدير رصاص يزمجر احتراقاً بدقائق الزمان ...

غبار
غبار
غبار في كل مكان !

يصرخ بالآه و الأوّاه .... فلا يجيبه إلا أزيز الجوع و صرير البرد و عويل الجروح ... و ذكرى البابا و الماما ... اللذان اختفيا إلى الأبد ...

أبي أين أنت ؟ ... أمي أين انتِ !

لم يجد من آثار لحوم أهله المشوية تحت نار القذيفة إلا كيس ( زبالة) أسود من الحجم الكبير ... و حذاءاً لأبيه يكبر قدمه الصغيرة بعدة مقاسات .... كانا ميراثه الضخم و تركته المترفة من بقايا حطام بيت أبيه.

و بعد أيام من براثن الوحدة و سكاكين الخوف الذي يُقطِّع الجَوف ... نهشه الجوع نهشة شبه قاضية شلت قواه ... ثم لاحقته أنياب الدخان تخلب غضاضته بالاختناق ... فأنزل قدمه الصغيرة _ التي تشرِّفُ جباه زعماء العالم و تكبرهم قدراً _ في حذاء أبيه ، ليداري به جلد أسفل قدميه الطري الذي لم يكد ليتخلق بعد ... !

ثم مشى بين الركام و صوت اصطكاك حذائه بالأرض ينادي الله دون أن يجيب ، و يلعن الإنسانية جيئة و ذهاباً .... ها هو يبحث عن أبيه و أمه و ذكريات إخوته .... فلم يجد من لحومهم إلا روائح شوائها ... و من ذكرياتهم إلا ذكرياتها .... لقد يئسَ منه قدره ... فانطلق يبحث عن الطعام بين نفايات المزابل قرب أطلال بيته الهدم و حَيِّه الرّدم ...

و بعد طول بحث بين المزابل حاصر شبح الوهن عظامه الطرية ... و مزق الغبار عينيه العسليتين ، ثم خنقه العطش و جنزرته الوحدة بسلاسلها ...

أبي أين أنت ؟ أمي أين أنتي ؟ أين إخوتي ؟ أين ذهبتم جميعاً !

و لا أحد ... لا أحد ...

لا أحد يشعر بطفولته التي صادرها زعماء العالم بتواقيعهم على اتفاقيات النفط و الغاز و المال و السلاح ... و التي أدت إلى إلقائه و أهله خارج أسوار المدنيّة ... طعاماً لبركان الحرب التي أججتها الطائفية و الإرهاب و برك النفط و الإيديولوجيات الإقصائية التي اجتاحت سوريا من شمالها إلى جنوبها ...

ها هو يدفع الثمن .... ثمن التطرف و الجهل و إرواء (أنا) الوحوش الكاسرة التي تحكم الكوكب ... ها هو يدفع ثمن جهود مُبَشِّري الأديان و مؤسسي العرقيات و مهندسي الموزاييك الطائفي المتناحر في المنطقة ...

ها هو يدفع ثمن اختلافنا حول الله و صفات الله و تمذهبنا و تكفيرنا لبعضنا و اختراعنا للأديان !!

ها هو يُلقى على قارعة طريق ( الوطن ! ) .... لا كبائعة الكبريت في الأدب العالمي بل كالكبريت نفسه ، إذ يشتعل احتراقاً بالخوف ثم يحترق اشتعالاً بالجوع ....

ها هو و قد استلقى مغشياً عليه بعد أن أنهكه اليتم و الجوع ... ها هو و قد ابتلعه ظلام الغوغاء .... و افترسته غياهب الوحدة .... ظلمات بعضها فوق بعض ...

فخطب بزعماء العالم خطبته الأخيرة قائلاً بنبرة طفولية شاحبة :

" أوقفوا المَدافع و الحروب و الرصاص ... أريد حضن أمي ... تباً لنفطكم و أموالكم و أديانكم و طوائفكم و أنبيائكم و آلهتكم ... أريد حليبي الذي صادرتموه من ثدي أمي ب( زعرنتكم ).... أريد دفتر العلوم الذي اجتثثتم أسطره بأسلحتكم ... أريد مقعد دراستي الذي حطمتموه بنزاعاتكم .... أريد نور عينيّ الذي أطفأتموه بتكفيركم لبعض ...

أنا لست سنياً لأموت بقذيفة شيعية ... و لست شيعياً لأموت بسيف الجهاد و الإرهاب ... و لست برجوازيا لأموت بلغم شيوعي ... كما أنني لست ماركسياً لأموت بال F 16 الإمبريالية ...

أنا طفل و كفى ... و الصلاة على المصطفى .... !

أريد دباديبي و لعبي ... و ماما ماما يا أنغاما ... أريد صفاً و معلماً كي أثرثر لأزعجه فيأمرني بالوقوف جزاءاً لثرثرتي و مشاكستي .... أريد مدرسة كي أهرب منها لأشتري الحلوى من عند أقرب مخبز ... و أطارد القطط ما بين الحارات ...

لا تهمني الولاية اللعينة إن كانت لعلي أم لأبي بكر أم لأبي لهب ... أم لماوكلي ... فمحمد كله لا يهمني ...

و لا تهمني خلافة محمد التي تتصارعون عليها ما بين سنة و شيعة إن كانت لجيفارا أم للبغدادي ... أم لشيرخان !

و لا يهمني ربكم الذي تقتتلون من أجله إن كان سنياً أم علوياً أم شيعياً أم مسيحياً .... و لا يهمني محمدكم و لا يسوعكم ... فأنا لا أكترث لفلسفاتكم و لا لتوحيد الأسماء و الصفات ...
و لا الشرك الخفي .... و لا حادثة صلب المسيح و لا فقه الولاء و البراء ... ولا سخافات ماركس و أنجلز و هيغل و لا فتاوى ابن تيمية و لا خزعبلات بولس الرسول و لا يهمني ما جاء في التلمود ...

لم أزنِ بمحصنة حتى أستحق كل هذا الرجم ... !

لست قاطع طريق حتى أستحق كل هذا الصلب و التقطيع من خلاف ...

أنا ما اقتربت من ينابيع نفطكم التي تقتتلون عليها في دير الزور و الرقة .... و لم أحلق لحيتي فسقاً كي يقام علي حد ابن حنبل ... إذ لا لحية لدي بعد ... و لا عانة كي أكلف ...

و لم أقتل الحسين حتى تحملوني وزر دمه ....و لا سبيت زينب .... لا مرة و لا مرتين ... !

لم أكسر صليباً لا عمداً و لا بالخطأ .... و لا أعرف كيفية قراءة القرآن حتى أُتَّهم بالطعن فيه !

كل ما أعرفه من هذه الدنيا هو عبارة عن دولة صغيرة من لعبي و ( البلاي ستيشن ) الذي اشتراه لي أبي السنة الماضية كمكافأة على حصولي على علامة 10 من 10 في الرياضيات ..... و ريمي بندلي .... نعم أعرف ريمي جيداً و أحفظ أغانيها (غسل وشك يا قمر ) (عطونا الطفولة) .....

كل ما أعرفه عن هذه الدنيا هو وطن صغير من ضحكات أهلي الذين قتلتموهم ... و طريق قصير إلى رأس حارتنا حيث أشتري لوح الشوكلاتة من عند صافي البقال ...

ردوا لي طفولتي .... أعيدوا لي وجودي !"


و بعد أن انتهى وسيم من خطابه السابق في حضرة زعماء الكوكب اللامبالين ... عم الصمت المكان ... و ألقيت الرهبة في قلوب الزعماء ، فبلع كل زعيم ريقه من الخوف ... فجسد وسيم يتكلم و هو على وشك أن يقتل الله !

نزل وسيم عن المنصة بعد أن أنهى خطابه .... ثم استسلم وحيداً هادئاً جداً على رصيف من أرصفة سوريا المهترئة ، بعد أن ركَّعهُ الجوع و بطحه البرد ليهزمه الألم بالضربة القاضية ...

إلى أن ارتفعت سكين العطش في السماء ليعمي بريقها عيون الله في السماء ... ثم وييييييي .... لِتَهوي على رقبة وسيم الصغيرة الطرية ، فتذبَحَهُ ذبحةً أخيرة أطفأت عينيه إلى الأبد ....

و عند هذه اللحظة المفصلية في تاريخ الكون ، يصرخ الملأ الأعلى بكل نجومه و كواكبه و ملائكته و جبروته :

مات وسيم زكّور ...

مات وسيم زكّور ...

مات وسيم زكّور !

و كأني بنجوم و كواكب الكون عدسات تراقب خروج الروح من الجسد الصغير ...

مات وسيم وسيماً على قارعة الرصيف السوري متلحفاً ميراثه الضخم الذي ورثه عن أبيه ، ميراثه المكون من كيس الزبالة الأسود ... و حذاء أبيه ، ذلك الحذاء الذي يكبر مقاس قدمه الصغيرة بأضعاف مضاعفة ... إنه الذكرى الوحيدة التي بقيت من أطلال بيت أبيه الذي اختفى ... يا لها من تركة ضخمة مترفة !

مات وسيم و نمرة حذائه الفضفاض تكبر مقاس قدمه الصغيرة بأربعة أضعاف ... مات و نمرة حذائه تكبر مقاس كوكبنا الإجرامي القذر بأربعة أضعاف !

مات ثم تحلَّل جثمانه الطاهر على الرصيف في سوريا دون أن يجد من يقدس التراب بمواراته فيه ...

مات وسيم وحيداً على الرصيف و الريح تلعننا إذ تصفر بتجاويف جمجمته التي أكلها الدود فوق الأرض ...

مات و أزيز ارتجاف لحمه الطري تحت وطأة البرد يطعن كرامتنا و يحاكم وجوديتنا و يلعن واقعنا و فلاسفتنا و كهنتنا و مُنَظِّرينا و صانعي أيديولوجياتنا و سياسيينا.

مات و جسده الصغير يصرخ و يقول ... فلتأكلني القطط و الكلاب ... أشرف لي من أن تواريني أكف جنسكم البشري الآثم ...

مات وسيم زكور ثم نهش جثمانه الكلاب ... دون أن يجرُأَ على دفنه أحد ...

رحل عن عالمنا و لم يترك إلا كيس زبالة من المقاس الكبير و حذاءاً أسوداً بلا نعل ولا مسامير.

#الحق_الحق_أقول_لكم ....

لم يمت وسيم زكور ...

بل مات الله يوم مات وسيم !!!



#راوند_دلعو (هاشتاغ)       Rawand_Dalao#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الانتماء على مذبح العقل
- أسئلة على مائدة الله و الحقيقة _ ١
- عباس بن فرناس علامة فارقة
- هادم الأصنام الحقيقي
- وطن من علماء _ يا وطني !!
- فيه اختلافاً كثيراً _ أخطاء قرآنية واضحة في السجعية الثالثة ...
- فيه اختلافاً كثيراً ... خطأ قرآني واضح في السجعية الأولى من ...
- مكمن الصواب في خلع الحجاب
- هدم الأساس العقائدي لمذهب القرآني محمد شحرور
- أسئلة على مائدة الله و الحقيقة ٣
- البيان في عدم تواتر القرآن
- ملاحم غيرت التاريخ


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راوند دلعو - الطفل الذي قتل الله ثم مات !