أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شكيب كاظم - الراديكاليون المتعصبون والكتاب














المزيد.....

الراديكاليون المتعصبون والكتاب


شكيب كاظم

الحوار المتمدن-العدد: 6460 - 2020 / 1 / 9 - 20:43
المحور: الادب والفن
    


في الإرث المسيحي ثمة مقولة: في البدء كانت الكلمة، التي تضاهيها إسلاميا، فعل الأمر والطلب: إقرأ، في حث رائع على التعلم والقراءة، واطلبوا العلم ولو في الصين، وإذ يقع بعضهم أسرى في معركة بدر، فتكون المفاداة؛ فديتهم تعليم عدد من المسلمين القراءة والكتابة، ويزدهر العلم والأدب زمن المأمون العباسي، فأنشأ دار الحكمة ببغداد، ونشطت حركة الترجمة عن اليونان، على الرغم من الفكر الوثني الذي طبع فكر اليونان وفلسفتهم، هذه الحركة الدائبة في الترجمة، لعلها بعض أفضال المعتزلة، القائلين بالمنزلة بين المزلتين، والتي أعلت من شأن العقل في مواجهة النص والنقل، ولعلها رد على مناوءة العقل التي قادها الخليفة المهدي العباسي، وقتل عديد الشعراء بتهمة الزندقة وإلالحاد وراح ضحيتها بشار بن برد، فضلا عن صالح بن عبد القدوس، الذي أطار السياف رأسه بسبب بيت شعر:
والشيخ لا يترك عاداته-- حتى يوارى في ثرى رمسه
فضلا عن كتابه ( الشكوك) الذي يقول ابن عبد القدوس عنه: إن قرأه شك فيما كان، حتى يتوهم فيما كان إنه لم يكن، وشك فيما لم يكن حتى يظن أنه كان".
وإذ عاش الكتاب تألقا وازدهارا زمن المعتزلة، فإنه عانى تراجعا ونكوصا وحرقا، لقد أحرق ( الموحدون)،الذين أقاموا دولتهم في المغرب العربي على أنقاض دولة ( المرابطين) في القرن السادس الهجري، لتعيد للذاكرة أيام ملوك الطوائف بالأندلس ونزاعاتهم السخيفة؛ الأخوة الأعداء، أقول: أحرقوا كتب المذاهب الأربعة، هم الذين اعتنقوا المذهب الظاهري، الذي قال به ابن حزم الأندلسي، المتأثر بفكر الأشاعرة أصحاب أبي الحسن الأشعري، الذي يأخذ ما جاء في القرآن الكريم ويفسره على ظاهره؛ ظاهر النص، متهمين بقية المذاهب بالتأويل والتعليل والقياس، فأحرق يعقوب بن يوسف بن تاشفين الكتب، لأن ليس هناك أكثر هشاشة من الورق، لذا جاء في الأدبيات الإسلامية، ضرورة تدريب الحافظة والذاكرة في مواجهة الحرق والنسيان، أما الذي يعتمد منهم كتابا في التوثق والتأكد من أمر، فيعاب عليه ذلك ويوصف ب( الصحفي)ولا يؤخذ بما يقول ولا يعتد بقوله، ولقد أُثر عن الخليل بن أحمد الفراهيدي قوله: ما في صدري فهو علمي، وما في قماطري فنفقة". ويقصد الخليل بما في قماطره، مكتبته.
وإذ أحرق يعقوب الكتب فقد وجدت هذه العملية امتدادا لها أيام وزير الدعاية في الحكم الهتلري (جوزيف كوبلز)، الذي ما اكتفى بحرق مكتبات اليهود الألمان، وحولها إلى مواد أولية لصناعة الورق؛ إلى عجينة ورقية، بل أمر بإحراق كتب: هاينريش مان، وسيكموند فرويد، واميل زولا، ومارسيل بروست، واندريه جيد، وأج. جي. ويلز، وستيفان زفايك، الذي اضطر للهجرة إلى أمريكة اللاتينية، وانتحر في ساعة يأس مع زوجته في مغتربهما سنة 1942، لأن حرق هذه الكتب كما قال كوبلز: يتيح لروح الشعب الألماني أن تعبر عن نفسها من جديد، هذا اللهب لن يضيىء نهاية عصر قديم فحسب، بل بداية عصر جديد.
وإذ أتهم العرب المسلمون، بحرق مكتبة الإسكندرية أيام الفتوحات، فإن المؤرخ الإغريقي (بلوتارك) ينفي ذلك، كما ذكر الكاتب الأرجنتيني اليهودي (البرتو مانكويل) في كتابه الرائع (المكتبة في الليل).
قال بلوتارك: إن حريقا شب في ترسانة الأسلحة، لتصل إلى المكتبة فتحرقها.
لقد ظل ينظر إلى العمل الذهني بوصفه ترفا، ترف بطرين معتكفين لا يدرون ما يجري في الدنيا، معلين من شأن العمل اليدوي، فهذا الجنيد البغدادي المتصوف دخل على أبي علي إسرائيل المغربي، فوجده قاعدا يكتب، سائلا إياه؛ سؤالا إنكاريا على لغة النحاة:
- إلى متى الكتبة؟ متى العمل؟
فأجابه المتصوف المغربي:
- أوليس هذا عملا؟
يقول الجنيد: فبقيت دهشا لا أدري ما أقول.
تساؤل الجنيد البغدادي، يعيد لذاكرتي، قول القاضي للشاعر الروسي المنشق (جوزيف برودسكي) الذي اعتقلته السلطة الأمنية بتهمة (التطفل) أي التعطل عن العمل اليدوي، حين يقدم للمحكمة، يسأله القاضي لماذا لا تعمل وما هي مهنتك؟
فيجيبه برودسكي: أنا شاعر أكتب القصائد وأترجم، لكن القاضي المؤدلج، أو الخائف من الأخ الأكبر، أو كليهما معا لا يفهم هذا الكلام، فيسجن.
لم يقترف برودسكي عملا مخلا، إنه ما أراد أن يكون ظلا لظل، أراد أن يقول شيئا قالته: انا اخماتوفا، أو مايكوفسكي، أو الشاعر بيلنسكي، أو بوريس باسترناك، أو الشاعر يفجيني ايفتوشنكو، أو الروائي سولجنتسين، وحتى مكسيم كوركي الذي قتلوه وساروا في جنازته، لا بل حمل الأخ الأكبر تابوته على منكبه!
هذا المتطفل؟! سيطلق سراحه ثم يغادر وطنه سنة 1972، وتمنحه الأكاديمية السويدية جائزة نوبل للأدب سنة 1987، وليغادر برودسكي الحياة سنة 1996. وهذه إشكالية الأديب في دول الراديكاليات، هو يرى نفسه قائدا في المجتمع، وهو محق في رؤيته، وهي تعمل على تطفيف تأثيره وتدجينه بالترغيب أو بالترهيب.



#شكيب_كاظم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تمثلات الحداثة وتراجعها
- رأي محمود أمين العالم بعبد الرحمن بدوي وحسرته على ضياع الدكت ...
- (ثورة الزنج) فيصل السامر المؤرخ الموضوعي العلمي الحيادي
- الدكتور علي جواد الطاهر ورأيه في طه حسين فصول ذاتية من سيرة ...
- توفيق صايغ: شاعر قصيدة النثر الرائد حياة مكتظة بالخيبات، ومي ...
- عبد الملك نوري ما أنصف نفسه وما بحث عن الإنصاف لدى الآخرين
- ناجي جواد المحامي من أبرز كتاب أدب الرحلات
- (بدايات)أمين المعلوف إهتمام مضن ودقيق بتراث الأسرة وتاريخها
- تأريخ ما أهمله التاريخ رواية( ليون الإفريقي) لأمين المعلوف
- مدني صالح الفيلسوف ناقداً.. الناقد فيلسوفاً
- أيهما أصح علميا السامية أم العربية؟
- الدكتور جورج حبش في صفحات من مسيرته النضالية
- ثلاثية شيكاغو.. محمود سعيد يستعيد حنين العراق (2)
- ثلاثية شيكاغو: محمود سعيد يستعيد حنين العراق على ضفة الارض ا ...
- عناد غزوان 1936-2004الموسوعي الذي تخصص في نقد الشعر
- الأديبة الفرنسية فرانسواز ساغان تروي أطيب ذكرياتها
- رحلة إلى تونس الخضراء
- روايات الإجهاز على الباشا نوري السعيد... جثمان من أحرق عصر ي ...
- ثقافة نخبوية باهية..نجيب المانع يكتب في الموسيقى والأدب
- القرامطة والعدالة الاجتماعية ... مناقشة هادئة مع ياسر جاسم ق ...


المزيد.....




- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شكيب كاظم - الراديكاليون المتعصبون والكتاب