أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شكيب كاظم - ثلاثية شيكاغو: محمود سعيد يستعيد حنين العراق على ضفة الارض الاخربلغة سردية مسكونة بعواطف الخيبة(1)















المزيد.....

ثلاثية شيكاغو: محمود سعيد يستعيد حنين العراق على ضفة الارض الاخربلغة سردية مسكونة بعواطف الخيبة(1)


شكيب كاظم

الحوار المتمدن-العدد: 6345 - 2019 / 9 / 8 - 20:17
المحور: الادب والفن
    


ينفتح الفضاء الروائي، لرواية (حافة التيه) للروائي العراقي المبدع والمغترب في شيكاغو الامريكية محمود سعيد على دائرة قمر عملاقة تحجبها اشجار غابة تمتد الى ما لا يتصور احد يسور اشجار الغابة حاجز المنيوم بارتفاع نصف متر، يمتد نحو ميل، محددا شارع 87 جنوبي شيكاغو، وفتاة تنزل من سيارة، ما ان سلمها الكهل مبلغا ماليا حتى انطلق مبتعدا كأنه يخشى مداهمة الشرطة المفاجئة، وحيدة على رصيف الشارع العريض، وما هي الا برهة حتى ظهر من يطلبها، بعد ان انجزت عملها، يطلبها لتعود الى النُزل الضيق، كي تلبي رغبات الزبائن، الذين ملت عشرتهم وهذه الحياة الفارغة التي دفعتها قساوة الحياة الى الخوض فيها، بعد ان وجدت نفسها، هكذا لا اب يرعاها ولا ام تحدب عليها، فاضطرت الى سلوك هذا المسلك الشائن الرخيص، بيع الجسد لذاذة كي تعيش، وفي البرهة التي قررت فيهاالهرب من واقعها المؤلم هذا، يظهر الرجل السمسار، لكنها تهرب منه نحو الغابة المظلمة الكثيفة، وما ان هّمَّ بالامساك بها والوصول اليها بعد مطاردة طويلة يسقط في بريكة صغيرة، وصوت اجش ينطلق به آمرا.
– قف.
موجها اليه فوهة مسدس، لا تشك البتة انه غير حقيقي، فلم يجد السمسار بدا من الرجوع الى حيث اتى، يجر خيبته وخسرانه.
مصادفات تصنع حياة
المصادفات الجميلة وحدها هي التي تصنع حياة الافراد، والا اية مصادفة جميلة هذه ان تجد هذه الفتاة، التي جاءت الى الحياة، من غير ان تعرف لها اما او ابا، وظلت تعيش في بيت من تبناها (جونير) وزوجته، سنوات عدة حتى اذا تفتحت انوثتها عن اكمامها حاول هذا المتبني الذي تعصف برأسه الحشيشة كل يوم الى مراودتها عن نفسها ليلا لكنها استعصمت وخيبت ظنونه مهددة اياه بالصراخ، واذ تخبر زوجته امها المتبنية بالذي حصل كذبتها ثم لامتها، مناجية نفسها: لست ادري لماذا تبنياني؟ كانا يعاملانني كغريبة، لم اشعر بالحب، بالحنان عندهما قط، ربما فرحا لانها تخلصا مني (…) سألتهما اكثر من مرة مَن ابواي عن امي، لم تخبرني بأية معلومة، تقول لا اعرف شيئا عنهما، لماذا تفكرين فيهما؟ كنت افكر في امي كثيرا، لم افكر في ابي قط، معظم الطلبة الذين كانوا معي يعيشون مع امهاتهم، ص119
المصادفة هي التي وضعت امامها وهي تهرب من واقعها المؤلم، تضع امامها من سيكون منقذا لها، واضعا لها خارطة طريق عليها ان تسلكها ويبدأ بتنفيذها تدريجيا كي يضعها على جادة الطريق، وتضع امامها شخصا اخذ نفسه بالقوة، كابحا زمام نفسه وغرائزه ولطالما شعر بالاثم ينخر اهابه ان اتى منكرا، او فعلا لا يأتلف مع تربيته واخلاقه وطباعه الشرقية.
في هذا الجزء من ثلاثية شيكاغو التي ابدعها قلم الروائي العراقي محمود سعيد، الذي قرأت اولى رواياته (زنقة بن بركة) التي اثارت ضجة واسعة لدى صدورها اول مرة وحصلت على جائزة افضل عمل روائي في العراق صدر عام 1994، وتناولتها اقلام النقاد، وفي الذاكرة دراسة الدكتور علي جواد الطاهر عنها والتي نشرتها مجلة (الاقلام) العراقية، وكتبت عنها حديثا نقديا نشرته جريدة (الصباح) العراقية (كانون الثاني 2004) كما تلاقفتها ايادي القراء، في هذا الجزء الاول الموسوم بـ(حافة التيه) يسرد علينا الروائي على لسان (عمر) الراوي المركزي، شيئا من حياة العرب الامريكيين وخاصة العراقيين في الولايات المتحدة وشيكاغو تحديدا، ليطلعنا على الحياة في امريكا، وعلى بعض تصرفات العراقيين، التي ما غادروها على الرغم من السنوات الطويلة التي عاشوها هناك، مما يؤكد مقولة: مَن شَبَّ على شيء شاب عليه.
تيار الوعي
استخدم الروائي محمود سعيد فن تيار الوعي بِحِرَفية عالية كي يتمكن من ربط احداث روايته هذه، فكنت وانا اجوس خلال سطورها الباهية المكتنزة بالاحداث والرؤى والافكار، أؤشر على انثيال الافكار من خلال تداعيات تيار الوعي، والانفصام منه عائدا الى الحدث المعاش، كما استخدم ما يسميه النقد الحديث ببنى التضاد، واسميه انا – مستعيرا المصطلح البلاغي العربي – بنى الطِباق، فضلا على لغة انيقة ومعبرة لم تضعفها السنون، سنون الغربة الطويلة ومغادرة اللغة الام، تحدثا وسماعا وعيشا، ومن صور هذا النسيان اللغوي يسأله صديقه العراقي جميل عن اسم الحصان الصغير؟!! فيجيبه عمر:
– مهر.
– آه نعم، مهر كيف لم يخطر ببالي؟ انستنا الغربة اللعينة لغتنا ظللت افكر عبثا طوال اليوم. لو كان عندك تلفون لاتصلت بك.
– لماذا تسأل عن المهر؟
– لأجل القصة التي تطلبها فاطنة، قصة مهرين. ص77. ص78
بعد ذلك اللقاء الغابي، وسط الغابة، غير المتوقع والذي نسجت خيوطه مصادفات الحياة، يعقد الحب اواصره بين (عمر) وبين الفتاة الهاربة التي تتعرف عن كثب على اخلاقه ونبله ويتعرف هو على اوضاعها البائسة، فيقرر انتشالها من هذه الوهدة التي اوقعها الزمان فيها، فتاة لقيطة تعيش مُتَبَناة لدى اسرة ما، يحاول رب هذه الاسرة في ساعة انتشاء بالحشيش الاعتداء عليها، لتغادر المنزل فتتعرف على (البير)، الذي ما يلبث ان يتركها لتذهب للعيش مع (هيلين) العراقية، التي طردها ابوها من منزل الاسرة، لانها حملت سفاحا، مما يؤكد عدم استطاعة الاسر الشرقية معايشة الاجواء في الغرب المنفتح الى حد السخف وتحويل الحياة الى متع ولذائذ، ليتلقفها اخيرا القواد (ج. جورج) كما انها في حياتها البائسة هذه تدمن على المخدرات، التي ما ان تتأخر عن اخذ الجرعة المعتادة يوميا حتى تتحول الى انسان آخر، تتعرق وترتفع درجة حرارة جسمها، وتتحول الى مشاكسة عدوانية.
يبذل (عمر) هذا العراقي المغترب جهدا كبيرا لتغيير حياتها ودمجها بالمجتمع والحياة لكن يظل هاجس مغادرته شيكاغو نحو السويد التي يرغب في امضاء ايامه الاخيرة فيها يؤرق عليها صفو حياتها هذه، انها احبته ولا تستطيع استساغة الحياة من دونه بالرغم من الفارق العمري الكبير بينهما الذي يمتد الى نحو اربعة عقود، ولا ادل على ذلك من انه وقد ازمع رحيلا نحو السويد، وجاءت (كاثي)، وقد تأخرت في ذكر اسمها على الرغم من كونها الشخصية المركزية الثانية في الرواية الى جانب (عمر) كما تأخر الروائي محمود سعيد في تعريفنا باسمها.
حتى ان النادلة العجوز في مطار اوهير، وقد رأت بكاءها وهي تودعه، امسكت كفَّ (كاثي) بيديها، قربتها من قلبها وهي تربت عليها: حبيبتي. نَبَرَتْ بصوت رقيق، اضافت: لا تفسدي رحلة ابيك. ثقي انه سيرجع. ارى ذلك امامي. نظرت (كاثي) اليها بعينين وارمتين من البكاء. ابتسمت العجوز. قبلتها من وجنتها: لا تبك حبيبتي) ص203 – ص204
نهاية مفتوحة
تتحرك رواية (حافة التيه) الجزء الاول من ثلاثية شيكاغو للروائي العراقي المبدع محمود سعيد على اكثر من صعيد، وعلى نحو اكثر تحديدا، نحو صعيدين اثنين مهمين، الاول يتولاه (عمر) الراوي الاساس، الذي يأتي السرد الروائي من خلاله، في انتشال (كاثي) من واقعها المأساوي وايجاد العمل المناسب لها، وجعلها على جادة الصواب، فتاة رائعة الجمال والاخلاق، يتمنى الكثير من الشباب، ان تكون زوجة له وسيدة منزله وتأخذ (هلين) على عاتقها العمل في الاتجاه الثاني، وهو البحث عن ام كاثي من خلال البحث والتقصي، لكن كان يحبط مسعاهما هذا، انهما لا تكادان تعرفان اي شيء عن هذه الام التي تخلصت من حملها سراعا، وتركته يواجه مصيره منفردا في هذه الحياة الجافية القاسية.
لكنها المصادفة؛ المصادفة وحدها من تدلهما على رأس الخيط الذي بواسطته ستنفتح امامهما آفاق التعرف على ام كاثي، في يوم من ايام الصحو، ربما كان ربيعا جاءتما (هيلين) بقصاصة مجلة، كانت فرحة وواثقة: وجدت امكِ، انها انت، انظري، يا لها من امرأة! انها نائبة في الكونغرس.
– تمزحين.
حدقت في الصورة:
– أنتِ على حق، نعم تُشْبِهُني، صورتي بعد خمس عشرة سنة، عشرين سنة، يا لكِ من عبقرية! اي عظمة! أين وجدتها؟
– على احد مقاعد المترو القهوائي، تبدو منتزعة من مجلة فضائح. ص139
وتبدأان عملية بحث مضنية عن المجلة، اذ لم تحتو هذه القصاصة اية معلومة حتى انهما لا تعرفان اسم المجلة، اذن كيف السبيل اليها في هذا السيل المتلاطم مما تدلقه المطابع من مجلات؟ ذلك ان (كاثي) كانت تحيا على هاجس انها ستلتقي بامها يوما، تحدق في وجوه النساء، عَلَّها تجد من تُشْبِهُها، حتى انها تطلب من (البير) الذي كان يطيع كل اوامرها، ويحاول اسعادها، وكانا موضع حسد الكثيرين، كانت تطلب منه مرارا – كانت تقول له:
– راقب اي امرأة تُشْبِهُني، سأتبعها، سأتكلم معها، مهمتك تمييز الصوت، ان كان يشبه صوتي فهي امي. ص137
لكنهما شكّا في الكثير من النساء اذ في كل امرأة منهن، ما يختلف عنها، يجعلهما يصدان، لون الشعر، الطول، الانف، لون العينين، لم تعثر (كاثي) و(البير) قط على الام، ولم تفكر قط في البحث عن الاب، لانها وطنت نفسها انه لم يكن اكثر من عابر سبيل، او عابر سرير على لغة الروائية احلام مستغانمي، افرغ لذاذته في جسد المرأة، التي ستحيا هي في ظلال رحمها لتدلقها الى هذا العالم الموحش في لحظة الم، توازي لحظة السعادة واللذاذة التي عاشتها مع ذلك الرجل في نزوة عابرة، او حاجة الى مال وما الى ذلك من تصاريف الحياة الدنيا.
الصورة التي عثرا عليها، لا تجيب عن الكثير من الاسئلة عن شخصية المرأة: طولها، عرضها، لون عينيها، نغمة الصوت، اذن ما عليهما الا الذهاب الى المكتبة العامة علهما تعثران على المجلة التي نشرت على غلافها صورة تلك المرأة، التي تحسب (هيلين) انها ام كاثي، لكن المكتبة العامة كانت ضاجة بالتلاميذ الصغار مما يوحي بانهم يعلمون اطفالهم على القراءة وارتياد المكتبات سيرا على مقولة: خذوهم صغارا!
واذا اعيتهما الوسيلة قررتا الذهاب الى السوبر ماركت، والى الجناح الخاص بالمجلات، لتدلنا هذه المعلومة، ونحن نقرأ ما بين السطور، والمسكوت عنه الى حجم الاهتمام بالقراءة في تلك البلدان، جناح خاص بالمجلات اذن سيكون هناك جناح للجرائد، وآخر للكتب، في سوق غير مختص بالمطبوعات اساسا،ولانهما لا تملكان مالا كافيا، تذهبان بالمجلة الى مكان لا تصله كامرات الرصد في السوبر ماركت، وانتزعت هيلين الصفحة كلها، صورة السناتورة والكاتبة، طَوَّت الورقة كي تخفيها في كفها وخرجتا.
في هذا المستوى من رواية (حافة التيه) للروائي الماهر محمود سعيد، الذي تقوده (كاثي) وصديقتها (هيلين) في البحث عن امها، التي من خلال الصفحة المقتطعة من تلك المجلة، يتعرفان على بصيص ضوء يدلهما على الطريق، وصولا الى الام، التي كانت قد طردت من المدرسة الثانوية اكثر من مرة لتناولها الكحول، وحملت وهي في الخامسة عشرة من عمرها، ورفضت عملية الاجهاض، وتركت على اثرها الدراسة، واكد مدير المستشفى انها ولدت طفلة عام 1980، لا يعرف كيف تخلصت منها، ولا يعرف عنها احد شيئا، والان هي سناتورة!! تقرر مصائر بلدان!! هي التي ما تمكنت من قيادة نفسها، وصيانة مصيرها بل تركت لغرائزها المراهقة ان تقودها نحو تلك الهفوات، اللذاذات، التي انتجت للدنيا هذا المخلوق المحطم (كاثي)، والتي ما فكرت يوما – ولعلها فكرت – الا انها ما حققت افكارها بحثا عن ذلك المخلوق البريء، الذي تركته نهبا لغول الحياة، اذ لعل هذا التأريخ يسيء لحياة السناتورة الامريكية ومستقبلها السياسي!!
محمود سعيد الحكّاء الماهر، الذي ابهرنا بعمله الروائي هذا، يترك هذا المستوى المهم من الرواية الى نهاية مفتوحة، مما يزيد في تشويق القارئ في البحث عن الحل، فبعد ذلك الضوء الشحيح، الذي قَبَساه من تلك المجلة، تبدأان بمناقشة سبل التوصل الى السناتورة. (كي. جي. مياردين روز) وتقرران ثلاثة خيارات، الاول: كتابة رسالة الى السناتورة، او الاتصال الهاتفي بها، او ثالثا الذهاب اليها مباشرة، لكن الروائي محمود سعيد، ولمزيد من التشويق وحبكة الاحداث، يتركنا في نهاية مفتوحة على كل الاحتمالات، ومن دون اي ضوء مهما كان شحيحا، يقرر على لسان الراوي المركزي: توصلتا الى الاختيار الثالث، عليهما ان تعملا بجد لتجمعا تكاليف السفر بعد معرفة العنوان، حينئذ أحستا بالراحة. هانت الامور، اصبح لهما هدف تسيران نحوه. ص142
بُنْية طِباقية
واذ نصل الى هذه الذروة الروائية الرائعة والمشوقة، ذات النهاية المفتوحة، فانه ينقلنا الى المستوى الآخر، من الرواية، الذي اخذه على عاتقه الراوي المركزي، وهو وضع (كاثي) التي جعلها القدر مصادفة في طريقه، وفي تلك البقعة من غابة شيكاغو شحيحة الاضواء، وضعها على طريق صحيح، فينجح في تخليصها من المخدرات تدريجيا، ثم يعلمها قيادة السيارة، واخيرا يجد لها عملا في بيع المرطبات، وتأجير استوديو باسمها، ودفع اجرة شهر مقدما، اذن آن اوان رحيله الى السويد، هو الحالم بعيش سعيد، لم يجده في وطنه، فآثر الترحال في بلدان عدة، ليطوي شراع ترحاله في الربوع الامريكية، لكنه ما وجد نفسه فيها، ويبدو انه لن يجدها ابدا وفي اي مكان، وسيظل الانسان الباحث عن مدينته الفاضلة متعبا مهموما مكدودا فالمدن الفاضلة ليس لها ظل في الارض، هي التي اداخت افلاطون والفارابي وتوماس مور في يوتوبياه غير المتحققة على الارض، وسيظل راوينا المركزي دائخا حتى مبارحة الروح للجسد، اذ هو قرر تمضية ما تبقى من عمر في الارض السويدية، واذ يكمل مهمته، اذ وهب حتى سيارته الخاصة لها كي تستخدمها في توزيع المرطبات، ينقلنا الراوي الى مطار (اوهير) لينفتح الافق الروائي على (عمر) و(كاثي) تبكي مدرارا، واذ آنسنا والقراء ان الرحلة ستمضي بشكلها الطبيعي على الرغم من بكاء كاثي وطلبها منه البقاء معها وترك فكرة السفر، يطل علينا الحدث الصاعق المدوي، الذي اكتنزه لنا الروائي محمود سعيد، واكتنز كل امكاناته في السرد في بُناه الطِباقية المضادة لكل التوقعات، هو يحاول التخفيف عنها والحديث عن التغيرات التي طرأت على حياتها بنصائحه وفضله ومساندته لها:
– أرأيت؟ كل من يرانا يظنني اباك. لا استطيع تحمل ذلك. فكري بما حصلت عليه. عندك عمل. شقة. سيارة. تلفون محمول. وقفت على رجليك. انتقلت من درجة الصفر الى الطبقة الوسطى. تستطيعين الان ان تأكلي في اي مطعم، ان تسافري في العطل، ستتعرفين على شاب يناسبك. لكنها ترفض كل هذه، انها تريده، ان يعيشا معا وان يتزوجها، لكنه يتذرع بالفاصل الزمني بينهما، ومنذ برهة، قالت لها النادلة وقد شاهدت بكاءها المر، دعي اباك يسافر براحة! وسيعود اليك لا شك!!
ارتفع صوت ممثلة خطوط الطيران السويدية، تستدعي ركاب الرحلة الى السويد لآخر مرة، ويا للهول سمع اسمه من بعيد، التفت لمح صديقه (الدكتور موفق)، أيمكن قد جاء لتوديعه؟ لكن سيماء وجهه لا تدل على ذلك فضلا على التأخير، فهو في الدقائق الاخيرة التي تسبق اقلاع الطائرة، اذن ما الذي جاء به؟ واذ يلتقي به يطلب منه تأجيل سفره، لماذا؟ وقد اجلته مرارا، ويأتي الجواب الصاعق انهم يريدون الاستحواذ على (كاثي) بُعَيد سفرك ولكن كيف؟ وكيف تسمح لهم اخلاقهم بذلك، هم الذي حملوا كل عقد الوطن لتضاف اليه رذائل الحياة المنفتحة بدون حدود في بلد الاغتراب، مما يؤكد ظلم الانسان وانانيته، التي لا يقف امامها وازع من دين او ثقافة، وأنه لولا القوانين الرادعة لكان اشد فتكا من اشد الكواسر، يفجعه دكتور (موفق) بما خطط له اصحابه.
– لكنهم ماذا يستطيعون ان يفعلوا؟
قهقه الدكتور: ماذا يستطيعون ان يفعلوا؟ ما زلت غرا وانت في هذا العمر؟ فكروا بعشرات الخطط لم يبق غير التنفيذ.
حدق به (عمر) غير مصدق: اوضح رجاء لم افهم اي شيء.
– حسنا، اولا يرفعون قضية في الشرطة، انها سرقت شاحنة الآيس كريم، حتى انها لا تعرف صاحب الشاحنة. لم تره قط. لم توقع عقدا. ستقضي بضعة ايام في التوقيف ثم يتكفلها احدهم. يخرجها من السجن. يغرقها بالمخدرات، الى ان تفقد مقاومتها كليا، الا تعرف (جماعتنا) ما ان يشبعوا من واحدة، حتى يتخلصوا منها بطريقة ما. ص206
ليتركنا المبدع محمود سعيد نحيا بنية طِباقية صاعقة، ونهاية روائية مفتوحة على كل الاحتمالات، وايدينا على قلوبنا الواجفة.



#شكيب_كاظم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عناد غزوان 1936-2004الموسوعي الذي تخصص في نقد الشعر
- الأديبة الفرنسية فرانسواز ساغان تروي أطيب ذكرياتها
- رحلة إلى تونس الخضراء
- روايات الإجهاز على الباشا نوري السعيد... جثمان من أحرق عصر ي ...
- ثقافة نخبوية باهية..نجيب المانع يكتب في الموسيقى والأدب
- القرامطة والعدالة الاجتماعية ... مناقشة هادئة مع ياسر جاسم ق ...
- عزيز السيد جاسم؛ مفكر رفض التأطير ودعا لمواءمة بين الروح وال ...
- ه‍ل كان سقوط طائرة الرئيس العراقي الأسبق عبد السلام عارف سنة ...
- ملحمة قلقميش
- التاريخ يتماهى مع السرد.... (قسمت) رواية العصف الذي ضرب الكر ...
- هل تأثر المعتزلة بفلسفة اليونان؟ وهل قرأ الجاحظ (فن الشعر) ل ...
- فاضل العزاوي والبحث عن المنزلة النبوئية للشعر والشاعر
- الدكتور عبد الإله الصائغ في بحثه الشاهق -الزمن عند الشعراء ا ...
- ذكريات التلمذة على يدي الطاهر
- يا لخسارتنا الفادحة برحيل فوزي كريم
- مؤسف رحيل جاسم العايف بصمت قاس
- حين تسفح أعوام العمر..غانم الدباغ في عمله الروائي الوحيد (ضج ...
- هل تأثر المعتزلة بفلسفة اليونان؟
- يوم كان العراق يتحضر ويتقدم الطبيبة العراقية سانحة أمين زكي ...
- طه حامد الشبيب في روايته الخامسة عشرة. العيش. (في اللااين) ا ...


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شكيب كاظم - ثلاثية شيكاغو: محمود سعيد يستعيد حنين العراق على ضفة الارض الاخربلغة سردية مسكونة بعواطف الخيبة(1)