هل الجاهلية وصف صحيح لعرب ما قبل الاسلام!!

محمد عبعوب

الحوار المتمدن-العدد: 6447 - 2019 / 12 / 26 - 22:27
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

23/12/2019
يُنعت تاريخ المجتمع العربي بكل مظاهره وتفصيلاته قبل نزول رسالة الاسلام، بالعصر الجاهلي، فيُنعت نتاجهم الادبي والثقافي شعرا كان أو نثرا، عند تناوله من قِبل مؤرخين و كُتّاب و باحثين بـ"الجاهلي".. اعتقد أن هذا الوصف مخالف لواقع العرب المعرفي في تلك الحقبة، كما لا ينطبق عليهم المعنى المعجمي لمصطلح "جهل" كوصف مطلق لحالة معرفية لأي مجتمع عاش على مدى قرون ولا زلنا حتى اليوم مرتبطين بما أسسوا له عبر قرون.
تُعرّف المعاجم مصطلح جهل على النحو التالي:
"جهِلَ (فعل) جهِلَ بـ يَجهَل ، جَهْلاً وجَهالةً ، فهو جاهِل..
جَهَّلَ: (فعل) جهَّلَ يجهِّل ، تجهيلاً ، فهو مجهِّل ، والمفعول مجهَّل
جَهَّلَهُ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ عِلْمِهِ : أَوْقَعَهُ فِي الجَهْلِ.
جَهل: (اسم) الجَهْلُ : ( في اصطلاح أَهل الكلام ) : اعتِقاد الشيء على خلافِ ما هو علَيه.
الجَهْلُ البَسِيطُ : عَدَمُ الْمَعْرِفَةِ بِالشَّيْءِ.
الجَهْلُ الْمُرَكَّبُ : الاِعْتِقَادُ الجَازِمُ بِمَا لاَ يَتَّفِقُ مَعَ الحَقِيقَةِ ، إِذْ يَعْتَقِدُ الرَّجُلُ عَاِرفاً عِلْماً وَهُوَ عَكْسُ ذَلِكَ" ..
* * * *
بناء على هذا التعريف المعجمي المفصل لمصطلح جهل كما وضعه اساتذة اللغة العربية عبر العصور، فإن السؤال الذي يفرض نفسه :
- في الجانب الايماني، وباستثناء علاقة بعض العرب بالاسلام بعد نزول الرسالة المحمدية؛ كيف يمكننا إضفاء صفة الجهل كما هي معرَفة معجميا على مجتمع لم يتلق بعد رسالة من السماء تدعوه لعبادة الله وحد؟
فالوحي القرآني عندما استعمل مصطلح "الله" كاسم لخالق هذا الكون، لم يأت باسم جديد غريب على مسامع معاصريه، فالعرب قبل نزول الرسالة المحمدية كانوا يعرفون أن هناك قوة خفية خالقة لهذا الكون دعوها "الله" لكنهم كانوا يعبدونه بطريقة ساذجة ويشركون معه آلهة استمدوها من ثقافات قديمة سادت المنطقة لتقربهم اليه، الى ان نزلت الرسالة المحمدية فصححت جهلهم في الجانب الايماني وليس المعرفي المطلق؟
ايضا كيف يصدق هذا الوصف (جهل) على مجتمع يشهد له العالم والتاريخ بأنه ابدع لغة و وضع اسس ثقافية ومعرفية انطلقت منها الحضارة الاسلامية التي لازلنا نعيش في ظلها حتى اليوم؟!!
فإذا سلمنا بصحة مصطلح "جاهلي" لوصف نتاج العرب المعرفي في ذلك العصر والذي تعد اللغة العربية واحدة من منتجاته و الحاضن له؛ فإذا بأي لغة اكتسب القرآن صفة الاعجاز وقوة البيان التي تشكل واحدة من أسباب قوة حجته؟ بأي لغة وصل انتشاره شرقا وغربا واستطاع استقطاب الملايين للايمان به؟؟..
ألم ينزل القرآن بلغة كان للعرب كأفراد وقبائل قبل الاسلام دورا محوريا في بنائها وتطويرها عبر الزمن.. فهل يحق لنا أن نصف ثقافة شعب انتج هذه اللغة الحاضنة لهذا الكتاب المعجزة بـ "الجَهَلَة" ؟!!!
ان الاستعمال المنطقي والوحيد لمصطلح "جاهلي" في تناول تاريخ العرب يجب أن ينحصر في الجانب الايماني عند تناول موقف المعاصرين للرسول صلى الله عليه وسلم المعارضين لرسالته ، او من تولو إدارة العبادات الوثنية قبل نزول رسالة الاسلام واستمروا في غيهم.. أما أن نلصق صفة (الجهل) بشكل مطلق على ما انتجه العرب من ثقافة شعرا وفكرا كقولنا "الشعر الجاهلي" و "التاريخ الجاهلي" فهذا في تقديري استخدام خاطئ و لا يتفق وواقع العرب ما قبل نزول الوحي..
من المقبول والمنطقي ان يضفى وصف الجهل على أي فرد أو تجمع سواء في الماضي او الحاضر بلغته رسالة الاسلام ولم يقتنع بها وحاربها وادعى غيرها كدين يتبعه، على أن يقتصر هذا لوصف على وضعه الايماني .
وهل يمكننا اليوم القبول بنعتنا من قبل بعض المتطرفين الغربيين المعبئين بالكراهية للاسلام والعرب بالمتخلفين والجهلة، أي الصاق هذه النعوت السيئة بكل من يؤمن بالاسلام كدين او ينتمي حضاريا الى الامة العربية؟ حتما لا يمكن أن نقبل هذه النعوت، لذا فلا يعقل ان ننعت أجدادنا العرب وما انتجوه لنا من ثقافة ولغة لا زلنا نعيش بفضلها بالجهلة لمجرد انهم لم يكونوا مسلمين لتواجدهم على الارض قبل نزول رسالة الاسلام..

#محمد_عبعوب (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين