أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالرزاق دحنون - ماذا سيحدث غداً يا تولستوي؟














المزيد.....

ماذا سيحدث غداً يا تولستوي؟


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 6446 - 2019 / 12 / 24 - 10:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


(يلقي مجنون حجراً في بئر فيعجز أربعون حكيماً عن إخراجه)

مثل أرمني

يطرح الكاتب الفرنسي فرانسوا جاكوب الحائز على جائزة نوبل في الطب وعضو الأكاديمية الفرنسية، في كتابه (الفأر والذبابة والإنسان) سؤالاً يدور على ألسنة كثير من الناس العاديين، ماذا سيحدث غداً؟ ولماذا يحدث بهذا الشكل؟ ذلك أن مخيّلة المرء لا تتوقف أبداً عن استعراض الصورة المتجددة دوماً لما سوف يحدث، إن ما نتنبأ به أو نتوقعه اليوم لا يتحقق، والنفس البشرية ديدنها التنبؤ بما هو آت، فلماذا الأمور عصيَّة على التوقع، حتى وإن بدت بعد ذلك قابلة للفهم؟

(1)

تناول الأديب الروسي ليف تولستوي هذه الحالة وحلًّلها في الفصل الأخير من ملحمته الخالدة (الحرب والسلام). فليس هناك، بالنسبة لتولستوي، أي توافق بين الأحداث وما يريده بنو البشر، بين مسار المعارك في الحملة على روسيا وجهود قائدي تلك الحرب، نابليون و كوتوزوف. المثال الساطع على انعدام التوافق ذاك منحته لنا معركة (بورودينو) فلا الفرنسيون ولا الروس يمتلكون أدنى مبرر لخوضها ونتيجتها كانت بالنسبة للروس خطوة باتجاه فقدان جيشهم، وهو الأمر الذي كانوا يخشونه أكثر من غيره. وكانت كذلك خطوة جديدة نحو خسارة الفرنسيين لجيشهم وهو أكثر ما كان الفرنسيون يخشونه. والحال هذه، فقبل بداية المعارك بوقت طويل، لم تكن تلك النتيجة تُثير أدنى ريبة أو شك، ولكن ذلك ما كان ليمنع نابليون من الزج بجيشه في أتون تلك المعركة، ولا كوتوزوف من قبول خوض غمارها. لقد حاول كوتوزوف مطولاً أن يتصور ويتمثل في ذهنه قدرات نابليون على المناورة. فقد تصور أن يستجمع جيشه ويركزه في حيز معلوم منعاً للتصدع، أو أن يقوم بنشره على قطاعات أو ألوية لتفادي تطويقه. استحضر تجاربَ سابقة، وأمعن في التفكير وتصور حلولاً عديدة. ولكن الأمر الوحيد الذي ما كان يتوقعه هو الذي حصل بالضبط، إنه حالة الكر والفر غير المعقولة والمتشنجة التي استبدت بجيش نابليون.

(2)

عن ذلك يقول تولستوي في روايته تلك: (ما كان لأحد أن يتوقع ما يبدو لنا اليوم أمراً بديهياً، انهار جيش قوامه ثمانمئة ألف جندي، هو الأفضل في العالم، يقوده أحسن القادة في مواجهة جيش أضعف منه مرتين، بلا تجربة ميدانية، يقوده جنرالات بلا خبرات تذكر. إنه ليس فقط أمراً ما كان لأحد أن يتوقعه قط إلا أنه وبينما كان الجانب الروسي يُجهد نفسه، كما لو أن ذلك كان يمتعه، في التخلص من الإجراءات التي كان بإمكانها أن تُنقذ روسيا، كان الفرنسيون في الجانب الآخر، على الرغم من عبقرية نابليون العسكرية المزعومة، يبذلون قصارى جهودهم للوصول إلى موسكو مع نهاية الصيف، أي بعبارة أخرى القيام بما سوف يتسبب في ضياعهم التام). وهكذا، يواصل تولستوي قائلاً: إن قادة الحرب يعتقدون أنه بإمكانهم التنبؤ بمجرى الأحداث، واتخاذ القرارات القيادية والتحكم في مسار الأمور، وفي الحقيقة فالأمر برمته قد يتعلق بعمل يقوم به عرضاً أحد المتنفذين، أو الإتيان بحركات عفوية تقوّم جيوشاً بأكملها أو تتسبب بكل ارتجالية في انكسارها. إن أي قائد عسكري أو أي رئيس يجد نفسه دوماً وسط سلسلة متتالية ومتصاعدة من الظروف، وبذلك يكتمل الحدث ويأخذ معناه شيئاً فشيئاً.

(3)

وتأكيداً لهذه الفكرة يحكي تولستوي في سياق رواية لم تكتمل عن زمن بطرس الأول يقول: (لم يكن ذلك حقيقة ، بل هو القدر. ويد القدر جليَّة في ما ارتكبت. يد القدر، لمعرفتها علامة أكيدة: يد القدر ترسمها حشود لا تفكر على طريقتها. إنها تتدفق إلى إحدى كفتي الميزان بالألوف، بأعداد لا تُحصى، وما الذي يدفعها؟ إنها لا تعرف. لا أحد يعرف. ولكن هذه القوة هي التي تقلب الحكومات وتُغير مجرى التاريخ). ومن المؤكد أن الأحداث المعاصرة تختلف عن تلك التي صارت تاريخاً، في أننا لا نعرف النتائج التي ستسفر عنها، بينما الأحداث التاريخية نستطيع أن نقيّم مغزاها وندرسها ونتتبع آثار العواقب التي جلبتها في أعقابها، وأيضاً نتعلم منها ونزداد حكمة ومعرفة. وسيكون الأمر مختلفاً لو أننا أُعطينا فرصة أن نعيش مرة ثانية الأحداث التاريخية نفسها. فهل نتصرف بالطريقة ذاتها لو عشنا الأحداث الماضية من جديد؟ يُجيب القائد السياسي: نعم كنتُ أخطو الخطوات ذاتها، وأسير في الدرب نفسه الذي سلكته. ولكن أليس من الغباء أن نكرر السير في الطريق ذاته -بعد معرفة شعابه-ونقع في الحفرة نفسها مرتين؟ والظاهر أن من حسن حظنا، على الأرجح، أننا لا نستطيع قط أن تكون لنا هذه التجربة التاريخية الفذّة. و التاريخ، حسب كارل ماركس، يعيد نفسه أولاً في هيئة مأساة، ثم مهزلة. ولأنه ليس هناك أي تطور محتوم، فإننا يجب ان نتعلم بقدر ما من الماضي، لتجنب تكرار الأخطاء نفسها. ولا يحتاج المرء إلى أن يكون نبياً لكي يكون على وعي بالأخطار المحدقة بحياته.



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تجدُّد ماركس
- كيف تكون شيوعياً جيداً؟
- على عتبة المؤتمر
- في الحيلة لدفع الأحزان
- منصور الأتاسي وداعاً
- غزة في الوجدان
- براميل متفجرة وطناجر مطبخ
- دقيقتان مع ونستون تشرشل
- مات طباخ الرئيس
- عبدالله حنا يكتب عن خالد بكداش
- امرأة شجاعة من أهل البادية السورية
- قِلَّة أدب
- لينين حكيماً
- المستطرف الصغير
- لينين مات قبل أوانه
- وافق شَنٌّ طَبَقَة
- هل كان عروة بن الورد شيوعياً؟
- السخرية في رسالة الغفران
- عزيزي القناص لماذا قتلتني؟
- عبد المعين مع الكادحين


المزيد.....




- ميغان ماركل تنشر فيديو -نادرا- لطفليها بمناسبة عيد الأب
- مصدر لـCNN: إيران تبلغ الوسطاء أنها لن تتفاوض مع أمريكا لحين ...
- منصة مصرية لإدارة الأمراض المزمنة والسمنة
- لماذا يستخدم الكثير من الأطفال السجائر الإلكترونية، وما مدى ...
- إسرائيل تستشيط غضبًا بعد إغلاق أربعة أجنحة تابعة لها في معرض ...
- إيران تهدد بالانسحاب من معاهدة الأسلحة النووية وسط التصعيد م ...
- مفوض أممي يحث على إنهاء الأزمة الإنسانية في غزة
- اكتشاف دور للسكر في حماية الدماغ من الشيخوخة
- طبيب يفند خرافات شائعة عن ورم البروستاتا الحميد
- ما الذي يسبب العدوانية غير المنضبطة؟


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالرزاق دحنون - ماذا سيحدث غداً يا تولستوي؟