أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سوزان العبود - القفص














المزيد.....

القفص


سوزان العبود
فنانة تشكيلية

(Suzann Elabboud)


الحوار المتمدن-العدد: 6429 - 2019 / 12 / 5 - 00:49
المحور: الادب والفن
    


حدق في عينيي وحدقت في عينيه ، ناظراً إلي كأنه يرى حتى أصغر زاوية في أعماقي الحزينة ، كان بيننا حائط زجاجي ضخم غير قابل للإختراق ، وضعت يدي على الطرف المقابل له فتلاشى الزجاج ، وتلامست أيدينا .
جلس القرفصاء  متأملاً الناس المارقة تتباطأ خطواتهم عندما يمرون من أمامه مذهولين بضخامته وكثافة شعره الذي كان يغطي كل جسده  ، ليتوقفوا للحظات ، ثم يرمقونه بإبتسامة باهتة ويرحلون .
مقلداً  " الغوريلا " في جلستة التي كان يجلسها ، أسندت ظهري للحائط الفاصل بيني وبينه شارداً ، وقد أخذتني الذاكرة لعمر الثامنة عندما سمح لي ولأول مرة زيارة والدي السجين السياسي ... ، كان يفصل بيننا سُورَين ضَخمين من الشباك الحديدية السميكة يقف بينهما حارس ضخم مدجج بالأسلحة ، وكان كلما خاطبت أبي  استرق السمع لهمساتنا .. ، كنت أحاول جاهداً مد أصابعي الصغيرة من خلال الأسلاك المربعة المتراصة علها تطول وتطول ، وتستطيع لمس يد والدي من الطرف الآخر للسياج الحديدي ، لكن هيهات فخيالات الأطفال لا تتحقق على أرض الواقع ، أما أصابع أبي فلم تستطع إختراق السياج ولو بملمتر واحد .. ، لكن نظراتنا لم يستطع أحد وضع القيود لها .. ، تعانقنا بالنظرات حتى موعد إنتهاء الزيارة ، ولم يصدر منا إلا كلمات قليلة  أشبه بالهمسات .
عندنا كنت أرجع  من زياراتي له في سجنه كنت أنطوي في عوالمي الخاصة ، وأكتفي بنفسي مبتعداً عن كل الاطفال الآخرين ، وعن كل إهتماماتهم .. ، في أحد المرات القليلة التي انضممت فيها لهم ، جلسوا يتحدثون بفرح وحب عن كل تلك الحيوانات المحتجزة بحديقة الحيوان .. ، عن قوتها .. ضخامتها ، أو لطافة البعض منها .
أنا لم أحبها أبداً ، فقد كرهت العمدان الحديدية التي تحتجزها ، وكانت تقتلني نظرة تلك الكائنات  في عينيي ، وكأنها تعرف قلب الطفل فييَّ فتناجيه ، وتستصرخةً ليخرجها من هذا السجن اللانهائي ، لكن أقصى ما يمكنني أن أفعله لها أن أغلق على قلبي المكسور ، وأصمت .
لم أحب أيضاً أحواض السمك الجميلة ولا أقفاص العصافير ، وكانت تقتلني معرفتي أني لو حررت تلك الكائنات فإنها ستموت لأنها تعودت الأسر .
حتى المهرجين "الجنود المجهولين"  - كما كان يحلو لي لاحقاً أن أسميهم - والذين أَحبهم كل الأطفال الذين كانوا في مثل سني ، لم أحبهم ، ولم يضحكوني بل على العكس كنت أشفق عليهم ، من تلك الأقنعة الهزلية التي يغلفون فيها وجوههم لتدفن أحزانهم ، وتضحكنا .
بالمختصر .. ، أعتقد ٲني لم أحب كل ما ٲحبه الٲطفال الٲخرين ...
ٲنا الآن لا أحب هذا العالم ٲيضاً .. ، ربما ٲحب فيه شئ واحد فقط .. ، ٲني مازلت معلق كطفل بين عمدان ذلك القفص الحديدي ، عينيي تحملقان بعينيي ذالك الكائن الضخم والدمعة في عينيي وعينيه واحدة .



#سوزان_العبود (هاشتاغ)       Suzann_Elabboud#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معرض - أرواح ملونة - في برلين
- أفق
- -العبور-
- - في المسلخ -
- - بلاد العم سام -
- - ذهاباً إلى اسكودار -
- -بلد القانون-
- -اصمت-
- - قطتي -
- - وَلَدي -
- - غربة -
- - تعب -
- - سطح الدار -
- - قبلة -
- - رغبة -
- قصة / آزاد / سوزان العبود
- قصة / عصفور بشري/ سوزان العبود
- تصريح شرف
- أنا في مدينة العجائب
- حب افتراضي


المزيد.....




- ما قصة السوار الفرعوني الذي اختفى إلى الأبد من المتحف المصري ...
- الوزير الفلسطيني أحمد عساف: حريصون على نقل الرواية الفلسطيني ...
- فيلم -ذا روزز- كوميديا سوداء تكشف ثنائية الحب والكراهية
- فيلم -البحر- عن طفل فلسطيني يفوز بـ-الأوسكار الإسرائيلي- ووز ...
- كيف تراجع ويجز عن مساره الموسيقي في ألبومه الجديد -عقارب-؟
- فرنسا تختار فيلم -مجرد حادث- للإيراني بناهي لتمثيلها في الأو ...
- فنانة تُنشِئ شخصيات بالذكاء الاصطناعي ناطقة بلسان أثرياء الت ...
- فيلم -مجرد حادث- للمخرج الإيراني جعفر بناهي يمثل فرنسا في تر ...
- غداً في باريس إعلان الفائزين بجائزة اليونسكو – الفوزان الدول ...
- اليوميات الروائية والإطاحة بالواقع عند عادل المعيزي


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سوزان العبود - القفص