جذور اللغة وتطورها في بلادنا - 3

جريس الهامس

الحوار المتمدن-العدد: 6420 - 2019 / 11 / 26 - 00:43
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

جذور اللغة وتطورها في بلادنا -3
ثم تطورت اللغة على أيدي السومريين في جنوب العراق , بإتباع أسلوب مختلف في التعبير ..حيث كتبت معظم الأسماء السومرية من مقطع واحد ..فكلمة (كا ) مثلاًكانت تعني ( االفم )..كما تدل صورة رأس الإنسان على كلمة ( كا ) وتدل فكرة أولحن الصوت على ( كا ) أيضاً..
ثم طوّر الأكاديون التصنيف السومري إلى ثلاثة مقاطع مع وضع كلمة ( كي )للدلالة على الأرض عند تسمية أحد الأقطار..وتوسعت اللغة بالإشتقاق .كما إستعملت أل - التعريف أمام أسماء الآلهة..ومنها جاءت كلمة ( إيل )الذي تطور بالإدغام إلى إسم ( الله )..ويرى الدكتور يوسف الحوراني أن ( ال ) التعريف في العربية أتت من الأكادية.. بينما إختارت اللغة الآرامية (ها) كأداة للتعريف وهي تستعمل للضمائر وإسم الإشارة ..ومنه إشتق إسم ( يهوه ) ....
أما الكنعانيون والفينيقيون فإستعملوا التنوين كأداة للتنوين فتقول لبنان وأصلها ( لبناً )أي الأبيض ..وهو إسم جبل لبنان ( - البنية الذهنية الحضارية -- للدكتور يوسف حوراني ص 172 -- 178 ..)
وهكذاأخذت الصورة قيمة صوتية أصبح يمكن إستخدامهاكرمز أوإشارة صوتية ’.. وبجمع هذه الرموز والإشارات تكونت الأسماء .والكلمات المركبة ..كما وضع على كل كلمة علامة مميزة لتدل عليها ..
ثم إختصرت الصورة وبُسّطَت ..فلم تعد ترسم . إنما يستدل على معناها بالأثر الذي يتركه قلم خشبي أو معدني كان يطبع على الطين ثم يجفف لتصنع منه الأختام والرُقُم والوثائق الرسمية , والتعاويذ .والأشعار والملاحم ..إلخ لتحفظ في المعابدأو مراكز الدويلات الأولى ..لهذا أطلق على هذه الكتابة المختزلة عن الكلمة الصورة إسم : الخط الإسفيني ..أو المسماري ..
كما طوّر الأكاديون الكتابة الإسفينية وإستخدموا الإشارات الصوتية لكتابة أسماء الملوك وتسجيل الأرقام كحروف الكلمات ...
أما الهيروغليفية المصرية فقد إحتفظت بشكلها التصويري أكثر من ثلاثة آلاف عام ..وبقي الفراعنة يستعملون العلامات للمقاطع والأصوات الساكنة .كما فعل السومريون والبابليون ...وبقيت الهيروغليفية أسيرة الحرف والكلمة الصورة ...مع تطور بطيء جداًفي الشكل والرمز في عصور السلالات المتأخرة ....
.... وكان إطار اللغات القديمة يتسع ويتقلص وفق التوسع العسكري والإقتصادي والسياسي للدول التي تعيش فيها ..وولدت الحروب بين الدويلات بولادة الملكية الخاصة ونظام الرق الذي أعقبه في الصراع بين المدن السومرية في جنوب العراق ..لبناء سلطة مركزية كانت مقدمة لولادة الإمبراطوريات الضخمة على أشلاء المدينة الدولة الخلية الأولى في البناء الإنساني.....
كما لعبت التجارة وتبادل المنتجات الزراعية , والحرفية دوراً هاماً في توسيع نفوذ اللغة وإنتشار مصطلحاتها ..مع إبقاء الخصوصية في كل منها.. ورغم ذلك لم تستطع اللغات القديمة في سومر , وأكد, وبابل, وآشور والدولة الحثية .أو الآمورية..وغيرهاتجاوز الخط المسماري أو الحرف الصورة والإشارات الصوتية القديمة ..وبقيت اللغة تضم آلاف الرموز والإشارات والصور المتباينة ..وبقيت محصورة بسدنة المعابد والقصور وكتابها وكهنتها ...أي أصبح البناء الفوقي متخلفاً عن تطور المجتمع الإنساني ووسائل الإنتاج التي تتطور باستمرار ..
ومع النمو السكاني والإقتصادي في المشرق العربي القديم وإتساع رقعة التبادل التجاري الذي بدأ بمقايضة السلع ..إلى مرحلة صك النقود وإستعمال المقاييس والمكاييل والأوزان .زخصوصاُ في بلاد الشام وما بين التهرين عبر الطرق البرية شرقاٌ أو البحرية جنوباً عبر الخليج العربي ومركزه التجاري الرئيسي في (دلمون ) أي البحرين الحالية ...أو غربا نحو سواحل المتوسط...
و مع هذا التطور في البناء التحتي الإقتصادي والسياسي والإجتماعي .كان لابد للغة ومشتقاتها الحضارية أن تواكبه في التطوروتسهّل عمله وتطوره دون عراقيل
...وعندما يتوقف البناء الفوقي الفكري أو اللغوي عن التطور في مواكبة الواقع المادي الذي أنتجه يتحوّل إلى معرقل لتطور هذا الواقع وبالتالي يؤدي لإنحراف الإثنين معاً عن مسار الجدلية المستمرة بين الفكر والمادة ..أو إلى فنائهما معاً ...
..من هنا تأتي أهمية الثورة اللغوية في البناء الفوقي بإبتكار الأبجدية الأولى الآرامية في تاريخ البشرية..بأحرف محددة . ومبسطةوعامة ثم وضع قواعدصرف ونحو ثابتة ...يستطيع كل الناس على وجه الأرض تعلمها وإستعمالها في كل مكان...إلى جانب إعتماد الأرقام الهندية الإبتكار -ثم إستعمال الأوزان والمكاييل وغيرها في حياة الأنسان.
وأتت اللغة الضرورة بعد مخاض طويل وتراكم مادي كبير لتحدث الثورة الفكرية والعملية المطلوبة لتواكب البناء التحتي ..صاغتها عبقرية الآراميين في لغة أبجدية منمنمة .. إختصرت آلاف السنين من عمر اللغات القديمة ..على الأرض لتوجزها في أبجدية مبرمجة من إثنين وعشرين حرفأ..وقواعدثابتة إختزلت تجارب المجتمع البشري منذ آلاف السنين ......
وإلى الآرامية الأم في الأبحاث القادمة - 25 / 11 -- لاهاي.

#جريس_الهامس (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل