أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالخالق حسين - (ثورة أكتوبر( وثياب الإمبراطور الجديدة!















المزيد.....


(ثورة أكتوبر( وثياب الإمبراطور الجديدة!


عبدالخالق حسين

الحوار المتمدن-العدد: 6413 - 2019 / 11 / 19 - 23:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حكاية الإمبراطور وثيابه الجديدة للكاتب الدنيماركي هانس كريستيان أندرسون (1805- 1875م) باتت معروفة عالمياً، ودخلت ثقافات جميع الشعوب، وتدل على خبرة الكاتب العميقة، وعبقريته الفذة في فهمه لسايكولوجية البشر، ومدى سهولة خدعهم من قبل النصابين، وقيادتهم إلى الهاوية. ملخص الحكاية: "أن إمبراطورا غبيا كان ينفق الكثير من ماله على شراء الملابس الغالية... طرق باب قصره ذات يوم محتالان ادعيا أنهما من أمهر الخياطين، وأن بمقدورهما حياكة ملابس جميلة ورائعة جداً، وذات خاصية سحرية كونها لا تبدو لأحد في الإمبراطورية بأسرها، ممن ليس مخولا برؤيتها كالحمقى والأغبياء. أُعجب الإمبراطور بالفكرة، وخولهما بالبدء في حياكة الثياب ... نفذ المحتالان خدعتهما، وأبدى الجميع إعجابهم الشديد بتلك الملابس السحرية المدهشة، وإن لم يروها خوفاً من اتهامهم بالغباء. وفي الموعد المحدد، و وسط صيحات الإعجاب المفتعل من المحتالين وبقية الحاضرين، ارتدى الإمبراطور ملابسه الجديدة وخرج إلى الجموع المحتشدة أمام القصر احتفالاً بالمناسبة، خرج عاريا تماما كما ولدته أمه وسط إعجاب مفتعل من الجميع وهم يصيحون: "يا لها من ملابس رائعة يا جلالة الإمبراطور!!!" واستمر هذا النفاق يلعب بعقول الناس .. والوهم يلعب بعقل الإمبراطور، إلى أن صاح أحد الصبية قائلا: "ولكنه بلا ملابس". ولم يمض وقت طويل حتى صاح أحد الكبار: نعم إنه بلا ملابس .. ثم تبعهما آخر .. وآخر .. إلى أن خرجت الرعية بأسرها عن صمتها فصاحت وبصوت واحد: (ولكنه بلا ملابس !!!). وعند ذاك فقط أدرك الإمبراطور أنهم على صواب.. ولكنه بغبائه المعروف وعناده المعتاد .. كان قد تابع موكبه الكبير دونما اكتراث ... وذلك في محاولة منه للمحافظة على هيبته رغم تغير الظروف.
******
في الحقيقة، هذه الحكاية الحكيمة ذات المغزى العظيم، تتكرر في كل مكان وزمان، ولكن بصيغ وظروف وأشكال ومضامين مختلفة، وأحسن مثال هو المحنة المعقدة التي يمر بها عراقنا اليوم. فما يجري في العراق منذ الأول من تشرين الثاني الماضي من حراك جماهيري بدأ أول الأمر على شكل تظاهرات بدت وكأنها عفوية وسلمية للتخلص من مشاكل متراكمة مثل (الفساد، وتردي الخدمات، وتفشي البطالة)، ولكن سرعان ما تحولت إلى تظاهرات مصحوبة بالعنف، وفرض الإضرابات على المؤسسات الحكومية بالقوة، واستخدام العنف المسلح، و وقوع قتلى بالمئات، وجرحى بالألوف. بعبارة أخرى، خرجت الانتفاضة من أيدي المتظاهرين الشرعيين، وتحولت إلى ما يشبه الحرب الأهلية. فقد تغيرت الأهداف من المطالب المشروعة التي نادوا بها أول الأمر، إلى مطالب جديدة أخرى تتغير مع الأيام منها: التخلص من هيمنة الأحزاب الدينية الفاسدة، واستفحال النفوذ الإيراني، وتغيير الدستور، وإسقاط الحكومة، وإجراء انتخابات برلمانية جديدة، ومنع كل سياسي شارك بالعملية السياسة منذ 2003 من الترشح، أو المشاركة في السلطة القادمة، وإلغاء المجالس المحلية... وغيرها كثير وبدون أن تُعرف لهذا الحراك أية قيادة مرئية. إضافة إلى الإهتمام البالغ للإعلام الغربي وبالأخص الأمريكي، وكذلك العربي الخليجي، مع انحياز واضح ضد حكومة السيد عاد عبدالمهدي، والتركيز على النفوذ الإيراني في العراق، وشيطنة الأحزاب الشيعية فقط، وصمت مطبق من قبل قادة الأحزاب السنية والكردية.
فالانتفاضة الشعبية العارمة، أو "ثورة أكتوبر الكبرى"، كما يسميها البعض، أو ثورة الشعب، كما يسميها آخرون، المفروض بها أن تكون ثورة تشارك بها جماهير من كل أطياف الشعب العراقي دون استثناء، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، وليست ثورة مكون واحد فقط، وهو المكون الشيعي. ففي هذه الحالة تكون الثورة عرجاء، أو عوراء، ولا بد أن هناك شيء غير طبيعي.

لذلك، وفي هذه الحالة، من المنطق الاعتقاد بأن هذه الانتفاضة تريد تغيير نظام الحكم في العراق بالقوة، وتحت مختلف المبررات، وما المطالب المشروعة المعلنة في أول الأمر إلا وسيلة لإشعال فتيل "الثورة" لأغراض غير معلنة، وراحوا يسبغون عليها بشكل غير معهود صفات ثورة عظمى، ووطنية خالصة، وأنها داخلية مائة بالمائة، ولا علاقة لأية يد خارجية بها، والذي يعتقد خلاف ذلك فهو مصاب بمرض "نظرية المؤامرة". لذلك فكثير من الناس ركبوا الموجة، منهم وفق مقولة (على حس الطبل خفن يرجلية)، ومنهم خوفاً من اتهامهم باللاوطنية، و تهمة دعمهم للأحزاب الإسلامية الفاسدة...الخ.

ونحن إذ باركنا في أول الأمر هذا الحراك الجماهيري السلمي، وطالبنا المسؤولين بالاستجابة للمطالب المشروعة، ولكننا لا حظنا فيما بعد أن هذه المطالب المشروعة كانت مجرد طعماً لجر المحرومين من حقوقهم المشروعة إلى التظاهر، تم استغلالها من قبل جهات خارجية وداخلية معادية تريد جعل العراق ساحة للحروب بالنيابة بين أمريكا وإيران، وهذه الظاهرة أصبحت واضحة للعيان الآن أكثر من أي وقت مضى، حيث نجد تركيز الصحافة الغربية وبالأخص الأمريكية، والعربية، على موضوع واحد وهو إسقاط الحكومة والتخلص من النفوذ الإيراني في العراق. (راجع مقالنا: تظاهرات سلمية أم حرب بالنيابة بين إيران وأمريكا؟)(1).

نعم، المشكلة معقدة، تتلخص في معاناة شعب عانى الكثير من الظلم والجور لقرون طويلة وبالأخص خلال 35 سنة من الحكم البعثي الصدامي الجائر، حيث مُنع المواطنون من استخدام عقولهم، لأن الدكتاتور وحده كان المخول أن يفكر نيابة عنهم جميعاً، لذلك فقدوا القدرة على التفكير السليم، والتعبير الحر عن آرائهم، إلى أن جاءت أمريكا فحررتهم من هذا البلاء، وأسست لهم نظاماً ديمقراطياً، يفسح لأبناء الشعب المجال لاختيار حكامهم بانتخابات حرة ونزيهة.

ولكن بسبب سياسة (فرق تسد) التي اتبعها النظام الساقط ، حيث فرق الشعب إلى مكونات طائفية وعرقية وأثنية متصارعة فيما بينها، فجاءت الديمقراطية بدون المرور بمرحلة تمهيدية انتقالية لتهيئة المجتمع لها. ففازت أحزاب وفق انتمائها الديني والطائفي والأثني، وأغلب المسؤولين بلا خبرة سابقة في الحكم، فاستغلوا مكانتهم في السلطة، وبدلاً من حل المشاكل الاقتصادية والثقافية والصحية والنفسية، وتراكمات قرون من المظالم، راحوا ينهبون أموال الدولة، ومارسوا المحسوبية والمنسوبية والحزبية في احتلال الوظائف وكسب المنافع. وباختصار شديد، وُلد الثالوث القاتل: (الفساد، وتردي الخدمات، والبطالة). إضافة إلى تكالب دول الجوار والمتضررين من الديمقراطية على النظام الجديد. وأكبر غلطة ارتكبتها السلطة المحسوبة على المكون الشيعي، أنها تنكرت لفضل أمريكا التي حررت العراق، وتحالفت مع ألد عدو لها، ألا وهي إيران.

العلاقة مع أمريكا
لقد حذرنا السلطة مراراً وتكراراً، أن لا تخرب علاقتها مع أمريكا، لأنها دولة عظمى، ولها إمكانيات هائلة في جميع المجالات يمكن الاستفادة منها، ولأن بإمكانها تفجير أي لغم في العراق، فالشعب العراقي مملوء بألغام الفتن الطائفية والعرقية النائمة، يمكن إيقاظها وتفجيرها في أي وقت ولكل من يريد. فاتهمنا أعداء أمريكا بالعمالة لها، وبأجور دسمة!!. بينما الحقيقة كان قصدنا وما يزال، حماية العراق الجديد فيما لو تنكر العراقيون لمن أسدى لهم الفضل. فأهل العراق، معروفون في الضرب على اليد التي تمتد لمساعدتهم، حيث عانى الإنكليز الأمرين حين تورطوا في تحرير العراق من الاستعمار التركي العثماني في الحرب العالمية الأولى، وبالأخص المكون الشيعي الذي كان مضطهداً من السلطة العثمانية، فشنوا حرب الجهاد على الجيش البريطاني، ومن ثم ثورة العشرين، وبالتالي رفضهم المشاركة في الدولة العراقية الوليدة، مما حدى بونستون تشرتشل أن يقول قولته المشهورة: (العراق، يا له من بركان ناكر للجميل). فرفض الشيعة التعاون مع الانكليز، والمساركة بالدولة الوليدة، أدى بهم إلى حرمانهم من حقوق المواطنة لثمانين سنة.
واليوم يعيدون نفس الغلطة الكبرى التي ارتكبها آباؤهم وأجدادهم، فتنكروا لأمريكا التي حررتهم من جور النظام البعثي الصدامي الفاشي الذي رفع شعار: (لا شيعة بعد اليوم)، ووصفهم بالشراكوة، وأن محمد القاسم جلبهم من الهند مع الجواميس..الخ، ومقالات صحيفة الثورة البعثية سيئة الصيت: (لماذا حصل ما حصل) التسقيطية لجميع الشيعة. لذلك أقول لا يمكن للعراق أن يستقر ما لم تكن علاقته قوية بأمريكا. وهذا لا يعني قبول المذلة، كما يعتقد بعض الأصدقاء مستشهدين بقول الإمام الحسين (هيهات منا المذلة). فالحسين أطلق قولته تلك في مكانها المناسب. أما استخدامها في العلاقة مع أمريكا فغير مناسب، بل المصالح تقضي العمل بفن الممكن. فأمريكا لا تريد سرقة ثروات العراق، ولا استعباد شعبه كما يدعي البعض، بل تريد العراق أن يكون خارج النفوذ الإيراني فقط.

العلاقة مع إيران
كذلك ليس من مصلحة العراق تخريب علاقته مع الجارة إيران لأن تربطنا معها علاقات دينية وتاريخية وجغرافية عميقة. لذا لا نريد معاداتها كما يريد البعض بدوافع عنصرية وطائفية. ولكن يجب أن لا نضحي بمصلحة الشعب العراقي في سبيل إيران. فالحكومة الإيرانية هي التي اختارت معاداة أمريكا، وراحت تبدد أموال شعبها على طموحاتها التوسعية، والتدخل في شؤون دول المنطقة، ومنها العراق بذريعة العداء لإسرائيل.(راجع تقرير نيويورك تايمس حول النفوذ الإيراني في العراق)(2). فنحن مع الشعب الفلسطيني في صراعه مع إسرائيل، ولكن من غير الصحيح أن نزايد عليه ونكون ملكيين أكثر من الملك. وعليه فعلى الحكومة العراقية أن لا تورط العراق بمغامرات الحكومة الإيرانية في سياساتها الخارجية. فالتدخل الإيراني الواضح في الشأن العراقي أدى إلى تذمر شرائح واسعة من أبناء الشعب، مما أمكن أمريكا من توظيف هذا التذمر لتفجير غضب الشعب. إذ نشاهد التركيز على هذه المسألة، واهتمام الإعلام الأمريكي بها مما يعطي دلالة واضحة على الدور الأمريكي في هذه الانفجار الشعبي.

ومن جهة أخرى لا يمكن لشيعة العراق أن يقطعوا علاقتهم بإيران، لأن في هذه القطيعة يفقدون عمقهم الإستراتيجي خاصة بعد أن تعرضوا لعمليات الإبادة من قبل إرهابيين (القاعدة وداعش)، الذين أرسلتهم الدول العربية. فهناك سوء الظن، وعدم الاطمئنان بين مكونات الشعب العراقي، كجزء من تركة النظام الساقط. فالسنة العرب في العراق يعتمدون في حمايتهم على 22 دولة عربية سنية، والكرد يعتمدون على أمريكا وفرنسا والوحدة الأوربية، والتركمان على تركيا. لذلك يخاف الشيعة من قطع علاقتهم مع إيران فيتعرضون للإبادة. فكما قال الإعلامي عبدالباري عطوان، إن سبب توسع النفوذ الإيراني في دول المنطقة، هو موقف الدول العربية وبالأخص السعودية المعادي لتلك الدول التي فيها مكونات شيعية مثل العراق، وسوريا، ولبنان واليمن، مما فسح المجال لإيران أن تملأ الفراغ. يرجى مشاهدة الفيديو في الهامش.(3)

دور البعثيين في الاضطرابات الراهنة
يتهمني البعض بأني مصاب بهوس الخوف من البعث، وأن البعث قد قُبر ولا وجود له، وهيهات أن يعود إلى السلطة فإنه مكروه ومحتقر حتى من قبل السنة العرب. وأنا إذ أتفق معهم بأنه هيهات عودة البعث للسلطة، إلا إني أرى بأنه من السذاجة الاعتقاد بأن البعث قد انتهى خطره وإلى الأبد. فالبعث اليوم هو بندقية للإيجار لكل من يريد زعزعة الوضع في العراق، إذ بإمكانهم استغلال أي ضعف في السلطة، وأي احتقان وغضب جماهيري لصالحهم، فعندهم الخبرة، والقدرة المالية والتكتيكية والعسكرية. فبالأمس ظهروا على شكل اعتصامات في ساحات المدن السنية بغطاء "داعش" وبذريعة تهميش أهل السنة، انتهى باحتلال داعش لجميع المحافظات الغربية. واليوم يستغلون ثورة الشباب في المناطق الشيعية بذريعة الدفاع عن حقوقهم المهضومة من "الحكومة العميلة لإيران" على حقد قولهم.
وفي هذا الخصوص أرسل لي صديق، رابط فيديو عن دور البعثيين في هذا الحراك الجماهيري الحالي قائلاً: (عندما تنادي الاصوات الشريفةً الوطنية باتخاذ الحيطة والحذر من محاولات البعثيين الصداميين من استغلال نقمة الشعب العراقي على الطغمة الفاسدة، وفساد الاحزاب الاسلامية الدينية، ومسؤوليتها في تدمير العراق فهي محقة جداً.(يرجى مشاهدة الفيديو في الهامش)(4).

رؤية الواقع من خلال اللغة
يقول فلاسفة منهج التفكيكية، أن الإنسان يرى الواقع من خلال اللغة. فبإمكان كاتب متمكن من اللغة أن يجعل القبيح جميلاً، والجميل قبيحاً، والتلاعب بعقول الناس عن طريق التلاعب بالمفردات اللغوية. وهذا الذي يجري اليوم على الساحة العراقية، يشبه تماما حكاية الامبراطور وثيابه الجديدة، التي بدأنا بها هذا المقال. فهناك أعمال تخريبية ضد المصلحة العامة، يصفونها بأنها أعمال وطنية وأخلاقية مبررة. فكيف تم لهم ذلك؟ نحن لسنا ضد التظاهرات والإضرابات السلمية التي كفلها الدستور، ولكننا ضد العنف بجميع أشكاله ومصادره، ومنها فرض الإضرابات على مؤسسات الدولة بالقوة كما يحصل اليوم بتعطيل عمل الموانئ، والمؤسسات النفطية، والمصارف، والمدارس والجامعات وغيرها لشل الحكومة. ولكن الملاحظ أن راح مؤيدو هذه الأعمال التخريبية يسبغون صفات وطنية وأخلاقية عليها، وإبرازها كأعمال وطنية وأخلاقية راقية، وأنها من النشاطات الوطنية والديمقراطية والدستورية.
طيب، نحن نعرف مثلاً أنه عندما يضرب العمال عن العمل فذلك دفاعاً عن مصالحهم، مطالبين بتحسين ظروف العمل وزيادة رواتهبم. ولكن ما فائدة إضراب طلبة المدارس والجامعات؟؟ لا شك أن هذا الإضراب يضر بمصلحة المضربين أنفسهم، لأنه ضد التعلم، أي في صالح الجهل. ولكن على طريقة حكاية ثياب الإمبرطور، ينبري كتاب نتوسم فيهم الوطنية، فيضفون صفات الوطنية والأخلاقية على هذه الأعمال المضرة بمصلحتهم. يعني كما يقول المثل العراقي: (شيِّم البدوي وخذ عباته).

فإذا كان فرض الإضراب على المدارس والجامعات بالقوة عمل مبرر لأنه وطني وأخلاقي على حد زعمهم، فيمكن استخدام نفس هذا المنطق لتبرير الاضرابات الإجرامية التي فرضها البعثيون بالقوة عام 1963، على طلبة المدارس والجامعات، وقاموا بإشعال الحرائق في باصات المصلحة، ومحطات البنزين، تمهيداً لإنقلابهم يوم 8 شباط 1963 الدموي الأسود، ونعتبرها أنها كانت وطنية أخلاقية، ولكن الحقيقة كانت تلك الأعمال في منتهى الإجرام.
والمصيبة أنه عندما قارنتُ إضرابات اليوم بإضرابات عام 1963، في مقال سابق، علق أحدهم: "كيف تقارن حكم الزعيم عبدالكريم قاسم الوطني بحكم الأحزاب الإسلامية الفاسدة؟" فجوابي هو أن المقارنة ليست بين الحكومتين، فشتان بينهما، بل بين الإضرابين المتشابهين في التكتيك والأهداف، فكلا الإضرابين يشتركان بنفس النتائج الكارثية وفيها بصمات نفس السلالة البعثية.

إن دعم إضرابات الطلبة يذكرني بطريفة ذات مغزى ذكرها عميد الأدب العربي طه حسين، في سيرته الذاتية (الأيام)، مفادها أنه عندما كان طالباً في جامعة القاهرة، قام الطلبة مرة بالإضراب عن الدوام لسبب ما. ولما جاء أستاذ اللغة اللاتينية، وهو إيطالي، ليلقي المحاضرة، وجد الطلبة خارج القاعة، وطلب منهم الدخول ليلقي الدرس، فرفض الطلبة وأخبروه بأنهم مضربون. وهنا قال لهم الأستاذ: ولكن أنتم الذين ستخسرون، فقالوا ليكن!! وهنا ضحك الأستاذ وقال: أنتم تتصرفون مثل ذلك الإيطالي الذي تشاجر مع زوجته وأراد أن يعاقبها، فأخصى نفسه!!! ويعلق طه حسين أنه منذ تلك اللحظة كره الإضرابات ولم يشارك فيها.

ومن الشعارات لتجميل وتبرير عمل ضار على سبيل المثال لا الحصر، الشعار التحريضي: (ماكو وطن ماكو دوام)، أرجو قراءة مقال الدكتور غسان ماهر السامرائي، الموسوم (من أخطر الشعارات: "ماكو وطن")(5). فالقصد من هذا الشعار المضلل حث العمال والموظفين والطلبة على الإضراب. كما تصلني رسائل من أخوة في الجنوب أن موظفين في البنوك يعيشون في حالة قلق لأنهم يستلمون تهديدات بأن سيقع الهجوم على المصارف لنهب الأموال، مما حدى بهم إلى خزنها في أماكن حصينة تحسباً لأعمال الفرهود، وهم مرتعبون من الهجوم عليهم. فبدلاً من إدانة هذا الوضع، نرى البعض يفتخر به مدعياً أن الانتفاضة أرعبت الحكام الفاسدين!! لا أيها السادة، إنها أنزلت الرعب في قلوب الموظفين الصغار الذين لا حول لهم ولا قوة. أما المسؤولين الكبار في السلطة فلهم قواتهم المسلحة التي تحميهم.

ما العمل؟
1- طالما بقيت الحكومة العراقية ومهما كانت، أيديولوجيتها، معادية لأمريكا ومتحالفة مع إيران، فالعراق في طريقه إلى الخراب الشامل كما حصل في سوريا واليمن وليبيا. لذلك يجب العودة إلى كسب أمريكا لصالح العراق، لأن معادة أمريكا انتحار جماعي. وهذا ليس معناه الخنوع والخضوع، بل من متطلبات فن الممكن، ومصلحة الشعب الذي انهكته الحروب وعدم الاستقرار.
2- تشكيل حكومة انتقالية من الشخصيات الوطنية المعروفة بالكفاءة والنزاهة والوطنية، تستجيب للحقوق المشروعة للمتظاهرين، ومحاسبة الفاسدين،
3- التمسك الكلي بالدولة المدنية، العلمانية الديمقراطية، ودولة المواطنة، وفصل الدين عن السياسة وعدم أدلجة الشعب، والعمل بمبدأ (الدين لله والوطن للجميع).

وأخيراً، أرجو من بعض أصدقائي المثقفين، والأكاديميين الذين يرون في مقالي هذا ما يخالف آراءهم، التحلي بروح الديمقراطية، وقبول الرأي الآخر المختلف (فالاختلاف بالرأي لا يفسد في الودي قضية).
[email protected]
ــــــــــــــ
روابط ذات علاقة
1- د. عبد الخالق حسين: تظاهرات سلمية أم حرب بالنيابة بين إيران وأمريكا؟
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=654002

2- النسخة العربية من تقرير نيويورك تايمس حول التدخل الإيراني في العراق
"تجسس ورحلات صيد وحفلات".. وثائق مسربة من استخبارات إيران تكشف دور طهران الخفي في العراق
الوثائق جزء من أرشيف الاستخبارات الإيرانية السرية، حصل عليها موقع The Intercept الذي تشارك في نشرها مع صحيفة نيويورك تايمز في وقت واحد.
https://www.alhurra.com/a/%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82-%D9%88%D8%AB%D8%A7%D8%A6%D9%82-%D8%AA%D9%83%D8%B4%D9%81-%D8%B9%D9%86-%D8%B4%D8%A8%D9%83%D8%A9-%D8%AA%D8%AC%D8%B3%D8%B3-%D9%88%D9%86%D9%81%D9%88%D8%B0-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82/521729.html

3- عبدالباري عطوان - المال الخليجي عدو العرب (عن النفوذ الإيراني في دول المنطقة)
https://www.youtube.com/watch?v=gj5H-y8Vs_A

4- فيديو قصير عن دور البعثيين في الحراك الجماهيري الحالي وما يخططون له
https://video.fzrh2-1.fna.fbcdn.net/v/t42.3356-2/77910683_474978893362989_2528427838197989376_n.mp4/video-1573956656.mp4?_nc_cat=102&_nc_oc=AQmpZx3iiWXyZugDXdDjk4BCMPOlGzM9XNwnsBgxth2Z62R2YMOd-KaP6Qgg8Fzaqo4&vabr=333857&_nc_ht=video.fzrh2-1.fna&oh=c10af3d9af7589916e1b836af2715726&oe=5DD3205E&dl=1

5- د. غسان ماهر السامرائي: من أخطر الشعارات: "ماكووطن"
https://www.facebook.com/ghassanmahiralsamarrai/posts/2559722580923610

6- حميد الموسوي: مابالكم؟!. مادواؤكم؟!. ماطبّكم ؟!
https://www.akhbaar.org/home/2019/11/264826.html



#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من المخدوع؟ اعرف الحق تعرف أهله
- العراق.. أين الخلل؟
- العراق يحترق
- تظاهرات سلمية أم حرب بالنيابة بين إيران وأمريكا؟
- من المسؤول عن الفساد في العراق؟
- العراق بين سندان أمريكا ومطرقة إيران
- لتكن تظاهرة البصرة السلمية نموذجاً يحتذى به
- يحرقون العراق باسم المطالب المشروعة!
- تظاهرات سلمية أم مناورة إنقلابية بعثية؟
- هل ترامب وجونسن في طريقهما للعزل؟
- النفط مقابل الدم!!
- الفرق بين العشائرية والانتماء العشائري
- الديمقراطية لا تولد متكاملة ولن تكتمل*
- هل في العراق الجديد من إيجابيات؟
- العشائر والدولة*
- هل ما حدث يوم 14 تموز 1958 ثورة أَم انقلاب؟
- لماذا ترامب لا يريد الحرب على إيران؟
- من وراء تفجير الناقلات النفطية في الخليج؟
- هل حقاً الشعب العراقي غير مؤهل للديمقراطية؟
- أتباع حزب (الفضيلة) يؤكدون تخلفهم


المزيد.....




- إزالة واتساب وثريدز من متجر التطبيقات في الصين.. وأبل توضح ل ...
- -التصعيد الإسرائيلي الإيراني يُظهر أن البلدين لا يقرآن بعضهم ...
- أسطول الحرية يستعد لاختراق الحصار الإسرائيلي على غزة
- ما مصير الحج السنوي لكنيس الغريبة في تونس في ظل حرب غزة؟
- -حزب الله- يكشف تفاصيل جديدة حول العملية المزدوجة في عرب الع ...
- زاخاروفا: عسكرة الاتحاد الأوروبي ستضعف موقعه في عالم متعدد ا ...
- تفكيك شبكة إجرامية ومصادرة كميات من المخدرات غرب الجزائر
- ماكرون يؤكد سعيه -لتجنب التصعيد بين لبنان واسرائيل-
- زيلينسكي يلوم أعضاء حلف -الناتو- ويوجز تذمره بخمس نقاط
- -بلومبيرغ-: برلين تقدم شكوى بعد تسريب تقرير الخلاف بين رئيس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالخالق حسين - (ثورة أكتوبر( وثياب الإمبراطور الجديدة!