أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبيد لبروزيين - سيميائية الأهواء في المجموعة القصصية -هيهات- لمحمد الشايب














المزيد.....

سيميائية الأهواء في المجموعة القصصية -هيهات- لمحمد الشايب


عبيد لبروزيين

الحوار المتمدن-العدد: 6383 - 2019 / 10 / 18 - 15:23
المحور: الادب والفن
    


شهدت المناهج النقدية ما بعد البنيوية انتقادات كثيرة لإقصائها العناصر الخارج-نصية من عملية التحليل والتفكيك والتركيب، اقصاء جعل النص مادة محنطة خالية من القيم المعرفية والموضوعية والنفسية والعاطفية بعد موت المؤلف أو قتله على الأصح، واعتبار النص بنية مستقلة عن سياقها السوسيوثقافي، غير أن كريماص تنبه للأمر وأحدث فرعا من السيميائيات يهتم بالأهواء والعواطف والرغبات، مستحضرا هذا الجانب الذي أقصته المناهج النصية، وهو ما سنحاول مقاربته في المجموعة القصصية "هيهات" لمحمد الشايب الصادرة عن دار التنوخي للطباعة والنشر والتوزيع، فإلى أي حد تحضر الأهواء في هذه النصوص القصصية؟ وكيف يمكن للأهواء والعواطف أن تسهم في بناء النص القصصي؟
تعالج المجموعة القصصية مواضيع مختلفة من خلال أحداث يومية تكشف جملة من الانفعالات المتناقضة، هذه الانفعالات التي تظهر في القصة الأولى "ريح يوسف"، والتي يهيمن عليها الحقد والغضب، هذه العاطفة التي نمت شيئا فشيئا نتيجة الصدمات النفسية للسارد من الحال التي أصبح عليها الإنسان، والتي استدعى من خلالها الكاتب قصة يوسف للتعبير عن حجم الغضب الذي يعتوره اتجاه مجتمع يتفكك باستمرار، وتظهر فيه سلوكات عدائية حتى أصبح تربة خصبة للكراهية والعنف، يقول السارد وهو يتحدث عن الواقع والأمل، بغضب مضمر في ثنايا الخطاب "أخوك يتمنى أن يحب الإخوة أخاهم، لكنهم له كارهون، في كل بيت أخ مختلف، وفي كل بيت إخوة لا يطيقون الاختلاف، فلماذا يا أخي هم الإخوة هكذا يكرهون ولا يحبون؟ تعبت من هذا الرحيل، أمضي طوال الوقت، يتجاهلني المطر، ولا تعرفني الرياح ودروبي ما عادت تطيقني" . وهكذا يغدو الرمز الديني بحمولته الإيحائية دلالة على الغضب المضمر في الوجدان من سوء أوضاع الإنسان، إحساس نما في منطقة الغياب اللاشعور، ليتحول إلى منطقة الحضور الشعور، سلوكا معبرا عنه بأدبية تأبى أن ترضخ لليومي وللمسخ الذي طال هذا الكائن، إنه غضب ينقلب إلى إحساس عميق بالغربة، عزلة تنمو في النص لتعلن الغضب والرفض لكل ما الت إليه الأمور، تحول العاطفة إلى سلوك وموقف حتى أن مطرات القطر تتجاهله، والرياح والدروب ما عادت تطيقه، إنها صرخة في وجه المسخ.
وهكذا يتحول الغضب من حالة نفسية اتجاه الواقع اليومي إلى سلوك وأفعال، الإخوة يكرهون أخاهم، ويضمرون له العداوة، الغضب هنا من هذه السلوكات حالة نفسية تعكس تفسخ القيم وانحلال الأخلاق وترهل العلاقات الإنسانية التي أثارت حنق السارد، كره يتحول فجأة إلى شفقة في قول السارد "سرت وسط موكب الجنازة، فتحولت من جديد إلى ذئب ورأيتني أرحم بكثير من الإخوة، مر الموكب من كل شوارع المدينة وأزقتها وبكت يوسف كل الأشجار والأزهار" . أن يحول السارد إلى ذئب مع كل ما له من صورة نمطية في المخيال الشعبي من غدر ووضاعة خسة، ذلك يعني أن غضبه شجرة تغطي غابة من السلوكات الدنيئة للإنسان والمسكوت عنها في النص، هكذا يغدو الغضب موقفا من العالم، مواجهة بالغضب، وهو اخر أسلحة السارد لمواجهة قبح العالم في العالم الجديد الذي يهيمن عليه الإنسان وقتل فيه كل أسباب الحياة.
انفعالات متناقضة تسائل الأهواء النفسية في تشكيل عوالم النصوص، غير أنها عواطف تتشكل في لحمة واحدة، فها هو الغضب يؤدي إلى الشفقة، فيكون التفاعل بين هذه الأحاسيس هو كيمياء النص الحقيقية.
ونجد أيضا من بين هذه الانفعالات التي تشكل فسيفساء النص الرغبة والحب في قصة "هيهات"، الحب الذي يسبق وجود المحبوب، العاطفة المتجذرة في فطرة الإنسان، لذلك يشكل السارد صورة حبيبته المنشودة على هواه حين يقول "حسناء وارفة الظلال، في عينيها موج من الضياع ومن ثغرها يسل الدواء حينا والداء حينا. وأخيرا كتبتها هيفاء كالنغمات، وتهب كالريح وقت الهجير.. وأخيرا كتبتها عجزاء تدبر فتتبعها الأغاني وتهطل المدام" إنه الحب المتقد في صدر السارد، غير أنه حب متوقف عن النبض، وهكذا يحضر الحب أيضا في قصة "الحب المشتت"، حب منكسر يبحث عن الحب.
ظل الشوق يحرك لواعج النفس ليتحول إلى رغبة في اقتحام عالم الاخر، إنها الرغبة في السراب، أو في مجالسة طيف بعيد في زاوية من زوايا خيال السارد، كما يستحيل هذا الإحساس إلى رغبة في معرفة الذات، أو الوعي بها في علاقتها بالاخر، يقول السارد "وانطلقت كالسهم، فولجت غابة ملونة بشتى المعارف، فسيحة لا يحدها البصر ثم أخذت تحدو تارة بين الرفوف وتتوغل في أعماق السطور، وتارة تطير في سماء الخيال والحلم وتنأى بعيدا" ، حب مستحيل، لكنه، في حقيقة الأمر، ليس حب المرأة، بل هي هذه القيمة الإنسانية النبيلة التي يفتقدها المجتمع، إن هذه العاطفة التي يتغنى بها السارد هو ما نحتاج إليه، نحتاج إلى الحب والحب وحده.
وهكذا يستسلم الحب المنشود في قصة "نرجس" حيث يقول السارد "هكذا أبن أحدنا نرجس التي حفرت لنفسها قبرا في الماء ومضت بعيدا في غياهب الغياب" لتتحول نرجس، رمز الحب المفقود في نهر سبو إلى مزار يقصده الناس بين الفينة والأخرى، هكذا شيع السارد الحب، وحفر له قبرا في الماء، لتطفو الكراهية والحقد والعنف...

هذا الاستسلام المضمر في ثنايا النصوص يتحول إلى حزن مطبق في "فاكهة الممشى" ليصبح بؤرة دلالية جديدة في توليد المعنى "حزينا جدا سرت في الشارع دون هدف لا أدري لم أنا حزين ، الشارع مملوء بالمارة وأصوات الباعة تتعالي في الحقيقة هناك أكثر من سبب للحزن" وقوله السارد أيضا "هناك أكثر من سبب للحزن، واصلت المسير والمدينة لا تكترث بي، مثقلا بالتوجسات أهيم في أنحائها وهي لا تريد أن تطلق سراحي" .
"هيهات" مجموعة قصصية حافلة بالانفعالات المتناقضة (الغضب والحب والحزن والشفقة...)، وهي تضطلع بدور أساس في بناء عوالم النصوص القصصية، وقد استطاع محمد الشاب أن يروض جموحها تعبيرا رائقا ولغة شعرية جميلة وبناء متماسكا... إنها مجموعة قصصية مستفزة جدا



#عبيد_لبروزيين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محاورة الذات في ديوان -سوق راسي- للزجال إدريس الهكَار التازي
- أركيولوجيا العشق في ديوان -أناديك قبل الكلام-
- أسرار معركة بوكافر قراءة في كتاب -أوراق بوكافر السرية- لميمو ...
- التراث في المسرح العربي
- آخر البشر... أو على هامش التاريخ
- متى ترخص الهاكا للقنوات التلفزية الخاصة؟
- معالم النقد القديم في -أثر البيئة في الشعر-
- تأملات في أشعار جماعة الموجة الثقافية
- مطلب العدالة لمصالحة الذاكرة في مؤلف -سياسات الذاكرة-
- ما معنى أن تكون مثقا؟
- الحكاية العجيبة وموضوعة الرحلة في حكاية -بوعتريس-
- ماذا لو تعرضت الرباط لانقلاب عسكري؟
- الغياب والحضور في رواية -هل سأعيش يوما-
- الهولوكست أو محرقة الأدب


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبيد لبروزيين - سيميائية الأهواء في المجموعة القصصية -هيهات- لمحمد الشايب