أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبيد لبروزيين - الهولوكست أو محرقة الأدب














المزيد.....

الهولوكست أو محرقة الأدب


عبيد لبروزيين

الحوار المتمدن-العدد: 5512 - 2017 / 5 / 5 - 09:27
المحور: الادب والفن
    


الهولوكست أو محرقة الأدب
عبيد لبروزيين
كتب الفيلسوف الألماني تيدور أدورنو Theodor Adorno عن محرقة اليهود في علاقتها بالأدب قائلا: كتابة قصيدة بعد "أوجفيتس" فعل همجي، لأن أي كتابة لاحقة ليست سوى كومة من القمامة، ومن هنا يمكننا أن نتحدث عن موت الأدب، أو هولوكست الأدب العربي.
المأساة في الأدب مثل الأفيون، جرعة زائدة تؤدي إلى الموت المحتم. بعد الربيع العربي، انتشرت رائحة الدماء المتخثرة، وتساقطت الجثث المتفحمة، فأخرست الأقلام كرها، وقتلت كل قريحة شعرية أو إبداعية، وجعلت فعل الكتابة دون جدوى، أو مجرد كومة من القمامة كما قيل. وأمام هول المجازر الإنسانية، وتحجر القلوب، أضحت كل صورة شعرية، أو عمل روائي، عاجزا، وفي أفضل الحالات ترفا فكريا تافها.
ما نشاهده اليوم في العراق وسوريا ومصر وتونس واليمن وليبيا من صور الأطراف البشرية المتناثرة، وبشاعة القتل الممنهج، أدت إلي هولوكست الأدب، إذ أصبح - الأدب بكونه تعبيرا إنسانيا - فعلا كسيحا، وعبثيا إلى درجة الغثيان. الربيع العربي أو ما أسماه بعضهم بالخريف العربي، كان أكبر من أن يعكسه انزاح شعري، أو أن يعبر عنه بطل رواية انصرف للتصوف أو حدث قصة يتغنى بوصف القمر، أو صراع درامي في مسرحية مبتذلة بين الخير والشر.
لطالما ارتبط الأدب بالبؤس والمعاناة، ولكن هذه المرة، كان البؤس بحجم السماء، الجرعة الزائدة، فتأخر الأدب وغابت شروط إنتاجه، ما أدى إلى نشازه وترهله. وليس غريبا أن يجمع النقاد بين مفهوم الأدب والحرية، العلاقة التلازمية، تجعل غياب واحد منها، انتكاسة للعنصر الآخر.
في ظل هذا الوضع، الذي انتصرت فيه البشاعة على الحياة، والقبح علي الجمال، شهد الأدب العربي محرقة كبيرة، قضت على الأخضر واليابس. ولكن، وفي براثين العهر، ستنمو زهرة الأدب الجديد، بدون لون أو رائحة، وأقصد أدب المؤسسة. أدب يوجه من بعيد بالحاكوم، بشكل مباشر أو غير مباشر.
تغيب الشروط، وتغيب الحرية، وحتى أكون واضحا، يجب أن تعرف عزيزي القارئ أنك لن تستطيع نشر سطر واحد إلا بموافقة الدولة، أو ضمن ما يسمي شروط التأليف، أو بموافقة أزلامها لهدف من الأهداف، مثل إضفاء مساحيق تحمل علامة مسجلة تدعى بالديمقراطية. على مد البصر، في الوطن المنكوب، من المحيط إلي الخليج، والإنسانية تنزف آخر قطرات دمائها، لن تنشر سطرا تنتقد فيه حاكما، لن تنشر سطرا تنتصر فيه للإنسان داخلك، لن تنشر سطرا وأنت تتحدث عن التاريخ الحقيقي للشعوب المغلوبة على أمرها. نحن بصدد أدب مؤسسات الدولة، خصص له وزارة بكاملها، تشجع فلان، وتجعل منه أسطورة عصره، وتحاصر علان وتجعله مغمورا، أو تتركه في أتون اليومي يتسول قوت يومه.
أعتقد أن الأدب عاجز عن وصف مآسي السوريين واليمنيين والمهمشين، لقد ألقت المؤسسة الأدب في محرقة كبيرة. وفي ظل تطاير الجثث، وتسليط سيف الرقابة علي رؤوس المبدعين، هذا متطرف، وهذا شيعي، وهذا يساري يتناول الطابو بوقاحة، اندثر الأدب الحقيقي، وتم خلق ذوق شعري هجين، يستحسن الرداءة، مستغلا ضعف القراءة في الوطن الجريح، التي وصلت نسبها حسب اليونسكو إلي أرقام مخجلة.. نشرا وقراءة.
في ظل الهولوكست الأدبي، لابد من وجود بعض الناجين والنازحين، رسم البعض لنفسه في طريق ثقافة الهامش والمهمشين مسلكا، فيعلو صوت ويخبو آخر، دون بلوغ المكانة التي يستحقها، ومنهم من هجّر إبداعه في غفلة من أعين الرقابة إلى أوربا أو أمريكا بحثا عن متنفس، أو عن أرض خصبة بعيدة عن أرض المحرقة.



#عبيد_لبروزيين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- العربية في اختبار الذكاء الاصطناعي.. من الترجمة العلمية إلى ...
- هل أصبح كريستيانو رونالدو نجم أفلام Fast & Furious؟
- سينتيا صاموئيل.. فنانة لبنانية تعلن خسارتها لدورتها الشهرية ...
- لماذا أثار فيلم -الست- عن حياة أم كلثوم كل هذا الجدل؟
- ما وراء الغلاف.. كيف تصنع دور النشر الغربية نجوم الكتابة؟
- مصر تعيد بث مسلسل -أم كلثوم- وسط عاصفة جدل حول فيلم -الست-
- ترحيل الأفغان من إيران.. ماذا تقول الأرقام والرواية الرسمية؟ ...
- الإعلام الغربي وحرب الرواية بغزة: كيف كسرت مشاهد الإبادة الس ...
- أطروحة دكتوراة عن أدب سناء الشعلان في جامعة الأزهر المصريّة
- يوروفيجن تحت الحصار.. حين تسهم الموسيقى في عزلة إسرائيل


المزيد.....

- دراسة تفكيك العوالم الدرامية في ثلاثية نواف يونس / السيد حافظ
- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبيد لبروزيين - الهولوكست أو محرقة الأدب