أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - عبدالخالق حسين - رحيل باحث نزيه - بمناسبة أربعينية الفقيد علي كريم سعيد















المزيد.....

رحيل باحث نزيه - بمناسبة أربعينية الفقيد علي كريم سعيد


عبدالخالق حسين

الحوار المتمدن-العدد: 447 - 2003 / 4 / 6 - 14:23
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


 

انتقل إلى دار الخلود بعد عودته من الحج الدكتور علي كريم سعيد بدمشق فجر يوم 26/شباط/2003 ودفن في مقبرة الغرباء قرب السيدة زينب. وكان لرحيله وقع صاعق على قرائه وأصدقائه ومحبيه ويعتبر خسارة كبيرة لنا جميعاً وللثقافة العراقية والعربية بشكل عام. لا أريد في هذا النعي التطرق إلى سيرة حياة فقيدنا، حيث تناولها غيري من الكتاب الأفاضل أصدقاء الراحل، وإنما أود التطرق فقط إلى موقف الفقيد الفكري وحياديته العلمية كباحث متميِّز.
نعم، كان الراحل باحثاً نادراً من نوعه وربما خارجاً عن المألوف. إذ هناك شبه إجماع لدى الباحثين أنه من الصعوبة بمكان الحياد التام في بحوث العلوم الإجتماعية والسياسية، لأن الباحث يقع تحت تأثير آيديولوجيا معينة تؤثر سلباً على نتائج بحوثه بشكل وآخر بدافع العاطفة حتى ولو حرص على الحيادية العلمية.
ولكن لو راجعنا بحوث الدكتور علي كريم سعيد وعرفنا انتماءه السياسي وآيديولوجيته السياسية لعرفنا أننا أمام باحث مختلف خارج عن هذه القاعدة. فهو نادر من ناحية التزامه بالحيادية التامة في بحوثه ومن ناحية إخلاقه الشخصية الرفيعة وعلاقاته العامة، وسلوكه المسالم إلى حد يمكن الجزم معه أنه لم يكن له أعداء, وإذا كان له عدو فهو عدونا جميعاً، عدو الشعب العراقي والإنسانية جمعاء، النظام الجاثم على الصدر الشعب العراقي كالكابوس والذي كان الراحل يتمنى أن يكتحل نظره بسقوطه وخلاص الشعب منه، ولكن شاءت الأقدار أن يرحل عنا قبل تحقيق هذه الأمنية ولو بأسابيع. لا نقول ذلك من باب المبالغة في صفات الراحل أو عملاَ بالحديث الشريف (اذكروا محاسن موتاكم)، بل لأننا لم نعرف عنه سوى المحاسن.
لقد بدأت علاقتي بالراحل كقارئ تطورت خلال فترة قصيرة إلى تعارف ثم صداقة مبنية على تقارب الأفكار والرؤى. كان ذلك عام 1999 وأنا أزور المكتبات العراقية في لندن كلما سافرت إلى هذه المدينة العريقة. وفي مكتبة دار الحكمة أشار عليَّ صاحبها الصديق حازم السامرائي، وهو يعرف إهتماماتي الثقافية، إلى كتاب حديث وصلهم تواً (عراق 8 شباط 1963.. من حوار المفاهيم إلى حوار الدم.. مراجعة في ذاكرة طالب شبيب)  وفي قطار العودة بدأت بقراءة الكتاب بنهم ومنها بدأت رحلة إدماني على كل ما يكتبه الدكتور علي كريم سعيد.
بعد أشهر كنا، أنا وأصدقائي، نهيئ لعقد ندوة في لندن بناسبة الذكرى الثانية والأربعين لثورة 14 تموز. فاتصلت به تلفونياً دون سابق لقاء شخصي بيننا، وبعد عبارات التعارف والمجاملة أكد لي أنه يعرفني من خلال كتاباتي التي يتابعها ..الخ فشكرته على ذلك يملأني شعور بالفرح والنشوة أن كاتباً كبيراً مثله يتابع كتاباتي.. أنا الذي اعتبر نفسي من الهواة في الكتابة ليس غير..! دعوته للمشاركة في الندوة مقترحاً عليه المادة وهي: (ثورة 14 تموز والوحدة العربية) لكونه من التيار القومي العربي. ولم يحتاج إلى وقت للتفكير، بل وخلال ثوان رحب بالدعوة وهكذا كان. تحمل عناء السفر من بلد إقامته، هولندا إلى لندن وكان لمشاركته دور واضح في نجاح الندوة.
وفي مساء اليوم التالي للندوة كان لنا لقاء جمع نخبة من المثقفين الذين شاركوا وهيئوا لها ومعنا صديقنا الراحل في بيت أحد الأصدقاء حيث توفرت لنا فرصة للتعارف على الآخر عن قرب. فعرفنا فيه ذلك الإنسان الوديع الطيب الهادئ الخلوق الغزير بالمعرفة الموسوعية سواء بالفلسلفة أو بتاريخ العراق وغيره. كان أغلب الحضور من ذوي خلفية يسارية ولم يخطر ببالي أنه كان منتم إلى حزب البعث. لأنني كعراقي، فصورة البعثي مرتبطة في ذهني بالسلبيات، سواءً ما حصل بعد ثورة 14 تموز 1958 حيث عمليات الإغتيالات وفرض الإضرابات على الطلبة بالمسدسات أو بعد إنقلاب 8 شباط 1963 والحرس القومي إلى مرحلة صدام حسين وما جلب عليه من كوارث. هذه هي صورة البعثي في مخيلة العراقيين. فكيف يمكن فصل إسم البعث عن كل هذه الكوارث؟ وهل يصح أن يكون هذا الإنسان المليء بالإنسانية بكل معنى الكلمة أن يكون بعثياً.. خاصة وإنه قد انصف الزعيم عبدالكريم قاسم ورفعه، سواءً في حديثه في تلك الندوة أو في كتابه المشار إليه أعلاه، إلى مستوى القديسين.. فهل هذا حقاً ينتمي إلى حزب ساهم بقتل هذا الزعيم بكل شراسة؟ لذلك لم نصدق أن يكون علي كريم سعيد منتمياً إلى هذا الحزب.
ورداً على أحد المعلقين في الندوة، رفض علي كريم سعيد وصف عبدالكريم قاسم بالدكتاتور، قائلاً أن الدكتاتورية نظام حكم له خواصه ومؤسساته القمعية والإستخبارتية تراها تلاحق الناس في حياتهم اليومية في جميع أركان ودوائر السلطة وفي الشارع والمدرسة والعائلة. هذه الصفات لم تكن موجودة في عهد قاسم ولا في شخصه. وقال أنه منهمك في بحث حول شخصية قاسم ولحد تلك اللحظة ظهر له أن قاسماً كان أبعد ما يكون عن الديكتاتورية وأن قوة قاسم الحقيقية ظهرت بعد مصرعه. وذكر في كتابه المشار إليه عن تسامح قاسم قائلاً: "واعتقد أن تسامح قاسم وعدم إستخدامه التعذيب الوحشي والقسوة ومعاقبة الزوجة والأطفال والإخوان… الخ مما مارسته الحكومات التالية، ساعد البعثيين في تنفيذ خطتهم ضده...) وفي مكان آخر ذكر عن وحشية قتل الزعيم ومحاولة إهانة جثته على شاشة التلفزيون قائلاً: (.. كان ذلك المشهد التلفزيوني أسوأ اللقطات المسجلة في تاريخ العراق المعاصر، فلم يكن العراقيون حتى يُمَيَّزوا بهذه المعاملة عن غيره. بل ربما كان صراعاَ لعب فيه قاسم دوراً أكثر المتصارعين وداعة وتسامحاً وأقلهم همجية وأدلجة وتشريعاَ للقتل، فقد سن عملياً قاعدة: {عفا الله عما سلف} وكان فيها أقرب إلى عقلية العراقيين البسطاء قبل عصبية الأيديولوجيا الواردة.". فهل يعقل أن يصدر هذا الكلام من بعثي؟ هذا هو علي كريم سعيد.
كان الكتاب بحد ذاته إبداع دون سابقة. فقد قام بتحقيق مذكرات طالب شبيب، أحد رجال إنقلاب 8 شباط الأسود، ولم يتدخل في سياق النص وحتى في حالة وجود مغالطات تاريخية. بل كان يعمل كمحقق يعلق عليها في الهوامش التي كانت تشكل القسم الأكبر من الكتاب، معتمداً على مصادر تاريخية ومعلومات استقاها بنفسه من مقابلات العديد من الشخصيات التي لعبت دوراً في صنع الأحداث في تلك الفترة التي تطرق إليها طالب شبيب. وبذلك كان ينقي المعلومة ويتأكد من صحتها حتى ولو كلفه ذلك شد الرحال والسفر إلى أماكن بعيدة من أجل اللقاء بالمصدر ويقدمها للقارئ بعد أن يخلصها من الشوائب. وهكذا قابل محمد حديد في لندن وعبدالكريم فرحان في السويد ويونس الطائي في دمشق وغيرهم كثيرون. فكتّاب المذكرات غالباً ما يحاولون تبرئة أنفسهم من الخطأ يظهرون أنفسهم كأنهم أئمة معصومين ويلقون اللوم على الآخرين فيما حصل من كوارث. ومن هنا تبرز الحاجة الماسة إلى تحقيق هذه المذكرات على الطريقة التي أبدعها الدكتور علي وأهمية دور الباحث النزيه في تنقية هذه المذكرات من الشوائب التي تعمل على تزييف حقائق التاريخ.

وبذلك فقد أثبت فقيدنا أهمية الإبداع والنزاهة في البحث. وما أحوجنا اليوم لأمثاله خاصة وقد أسس النظام الصدامي جيشاً من شرطة الثقافة أناط بهم مهمة تزييف التاريخ في عملية سميت بإعادة كتابة التاريخ. ومن هنا تظهر لنا مدى الخسارة الكبيرة التي أصيبت بها الثقافة العراقية في موت علي كريم المبكر وهو في أوج مرحلة الإبداع وعطائه الفكري.
عمل آخر قام به الراحل في الفترة الأخيرة وهو صدور كتابه الجديد عن حركة الشهيد حسن سريع (البيرية المسلحة: إنتفاضة حسن سريع وقطار الموت) كدليل على إلتصاقه ببسطاء الناس من أعماق الشعب، وأبرز حياديته في البحث دون أن تؤثر عليه آيديولوجية الحزب الذي انتمى إليه. فنتائج بحوثه كانت على الضد تماماً من سياسات وآيديولوجية الحزب الذي عد من أعضائه. كذلك كان أغلب أصدقاء الراحل من اليساريين وخاصة الذين تعرضوا لإضطهاد السلطة التي تحمل إسم حزب ينتمي إليه الراحل. وبذلك يمكن القول أن الدكتور علي كريم سعيد كان مثقفاً أكثر منه سياسياً وربما لم يكن سياسياً بالمرة إلا بالإنتماء الشكلي وإن كان حزبياً فبالإسم فقط.
لا شك أن الراحل قد ترك أعمالاً كثيرة لم تنشر بعد، منها المنجزة وغير المنجزة. لذلك فأفضل خدمة يمكن تقديمها لتخليد ذكرى الراحل وخدمة للثقافة العراقية، هو أن يقوم أصدقائه المقربون أن بنشر بحوثه المنجزة ومحاولة تكملة غير المنجزة بغية نشرها فيما بعد. 
رحم الله فقيدنا الغالي الدكتور علي كريم سعيد وله الذكر الطيب والجنة والرضوان ولذويه الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.



#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا تأخرت الإنتفاضة؟
- الديمقراطية لن تولد متكاملة وقد لا تكتمل!
- الوصايا العشر إلى الحكومة العراقية القادمة
- الإقتصاد العراقي - الماضي والحاضر وخيارات المستقبل
- موقف فرنسا وألمانيا من الحرب المرتقبة انتهازي نفعي وليس اخلا ...
- هل تؤثر المظاهرات على قرار الحرب؟
- نصرالله يقوم بدور عمرو بن العاص
- أسباب اغتيال ثورة 14 تموز العراقية
- هل الحرب من أجل النفط؟
- رداً على المدعو -عبد الجبار علي الحسني- في تطاوله على الزعيم ...
- عراق الغد بين العلمانية والإسلاموية
- لماذا الهجوم على كنعان مكية والمعارضة العراقية في هذا الوق ...
- هل يستفيد العراقيون من التجربة الإيرانية؟
- مؤتمر المعارضة العراقية.. ما له وما عليه!
- موقف المثقفين العرب من القضية العراقية.. رد على إدوارد سعيد
- الحوار المتمدن علامة مشرقة في مجال تكريس الديمقراطية
- رد على بيان المثقفين السعوديين الجديد
- هل حقاً أمريكا تريد الديمقراطية للعراق؟
- هل يبقى العراق موحداً بعد صدام؟
- مناقشة هادئة لشعار: -لا للحرب.. لا للديكتاتورية


المزيد.....




- صدمة في الولايات المتحدة.. رجل يضرم النار في جسده أمام محكمة ...
- صلاح السعدني .. رحيل -عمدة الفن المصري-
- وفاة مراسل حربي في دونيتسك متعاون مع وكالة -سبوتنيك- الروسية ...
- -بلومبيرغ-: ألمانيا تعتزم شراء 4 منظومات باتريوت إضافية مقاب ...
- قناة ABC الأمريكية تتحدث عن استهداف إسرائيل منشأة نووية إيرا ...
- بالفيديو.. مدافع -د-30- الروسية تدمر منظومة حرب إلكترونية في ...
- وزير خارجية إيران: المسيرات الإسرائيلية لم تسبب خسائر مادية ...
- هيئة رقابة بريطانية: بوريس جونسون ينتهك قواعد الحكومة
- غزيون يصفون الهجمات الإسرائيلية الإيرانية المتبادلة بأنها ضر ...
- أسطول الحرية يستعد للإبحار من تركيا إلى غزة


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - عبدالخالق حسين - رحيل باحث نزيه - بمناسبة أربعينية الفقيد علي كريم سعيد