أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الصديق بودوارة - الركن المسكوت عنه















المزيد.....

الركن المسكوت عنه


الصديق بودوارة

الحوار المتمدن-العدد: 6367 - 2019 / 10 / 2 - 16:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مجرد صفاء الجو، وخلو سماء عينيك من الغيوم، لا يعني وضوح الرؤية .
أحياناً تضطرب مفاهيمك ، وتغيب عنك واضحات الحقائق، وتحتاج في لحظة بعينها إلى أن ينير لك غيرك الدرب، كي لا تتمادى في الخطأ.

دائماً يُطرح نفس السؤال، ونحن نتابع "تسونامي" التجهم عبر الفضائيات، ونراقب الوجوه العابسة وهي تشرعن للقسوة والشر، ثم تصنع من العقيدة مشجباً تعلق عليه الرؤوس المقطوعة، دائماً تطرح علام الاستفهام نفسها، ويطل من جديد ذلك السؤال : لماذا يحرص الكثيرون على إخفاء تعاليم الرحمة من أدبيات الأديان؟ وكيف تمكن سادة الاستبداد الجدد من مواراة آيات المودة والرحمة والتعايش بين البشر ؟ وبأي قدرة خارقة استطاعوا أن يطمروا من كتب السيرة آلاف الروايات عن قصص مذهلة للتراحم والتسامح بين الناس ؟

الجهل ليس شراً مطلقاً .. أحياناً نبني من جهلنا بيتاً نأوي إليه، نوقد نار التجاهل، ونتكيء على لامبالاتنا بكل شيء، أثناء ذلك، نعيش سعداء، إلى أن نتعلم من جديد .
المعرفة طريقهم إلى الجهل :
شخصياً، اعترف لهؤلاء "الأشاوس" بقدرٍ مذهلة على "التجهيل" وليته هذه المر تجهيلاً إجبارياً، إنهم "يجهلونك" باختيارك وبرضاك الكامل ، والوسائل بلا عدد .
قد يجهلونك بمسابقةٍ جائزتها الأولى سيارة فارهة، أو يجهلونك بآخر إصدارات "آيفون"، وربما يجهلونك حتى بمجلدٍ كامل من سلسلة "عالم المعرفة"، من قال إن المعرفة لا تكون أحياناً طريقاً ملوناً يقودك إلى الجهل ؟
ولكي لا تخدعنا جوائز السيارات الفارهة، ولا آخر إصدارات الآيفون، دعوني أخبركم شيئاً عن مثالٍ رائع للتعايش، لم يتطوع أحد المنظرين وجهابذة الكراهية بإخبارنا عنه ولو بنصف حرف، دعوني أخبركم شيئاً عن " باقول الرومي " .

(( باقول الرومي، مولى سعيد بن العاص كان نجاراً بالمدينة، روى عنه صالح مولى التوأمة : "أنه صنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم منبره من طرفاء، ثلاث درجات: القعدة ودرجتيه".
أخرجه الثلاثة، وقال أبو عمر: إسناده ليس بالقائم. ))
في "أسد الغابة في معرفة الصحابة " لابن الأثير نكتشف ــ بعد أن نعرف أن "الطرفاء" هي نوع من خشب شجرة معينة ــ أن بصيصاً من النور يكمن هنا، بالتحديد، في باب الباء والألف، وغاية بداية المعرفة هنا هو موت الجهل، ذلك الجهل الذي يحكم فيما يحكم باستعباد غيرنا من الأمم، وهوانهم علينا، فهاهو رسول أمة الإسلام وقد عاش معه في نفس المدينة نجار ماهر، فلم ير فيه سوى صاحب صنعة يمكن أن ينتفع الناس بصنعته .
لم يتعرض الرجل لخطرٍ يتهدده، ولم يدس له أحد على طرف رداءه ولا شرفه ولا عقيدته، بل أن رسول الأمة شخصياً يستعين به ليصنع له منبره الذي يخطب عليه للناس .
أحياناً يزول جهلك، أو ينحني قليلاً لبصيص نور المعرفة، فقط ، لو كنت راغباً بأن يزول الجهل !!

لكن "باقول" ليس وحده مثال التسامح في الموروث الإسلامي، فأنت لو تحليت بروح التسامح في داخلك، فسوف تتلمس بإحساسك تلك الرعشة الودودة التي تخبرك أن الكراهية هي ثقافة خراب، وأن الحقد والتوتر هما "سلاح كيمياوي" يحرق جذور الإبداع في صدرك، فهل يمكن لنا أن نحارب سلاحك الكيماوي البشع بقليلٍ من الحديث الودود عن " سفيان بن حرب " ؟

من نهايات الجهل أن ينتهي بك اعتقادك إلى طريقٍ مسدود، وأن ترى في خصمك كائناً لا نهائي العداوة، وأن تحتكم في علاقتك به إلى حد السيف وحده، وأن تمضي طوال عمرك في مشوار الكراهية هذا، غير أنك سترجع في نهاية المطاف خائباً، وسوف تكتشف ذات يومٍ بعد أن تخسر كل شيء، أن الطرق المسدودة لا تؤدي إلى طريقٍ بعدها.

وتمعن الكراهية في دهاليز الجهل، وتغفل عن حقيقة التاريخ التي تخبرها بكل مودة أن رسول الإسلام شخصياً قد استعمل "سفيان بن حربٍ" على "نجران"، وولاه الصلاة والحرب .
إن رسول السماء لم يكن يصغي لثقافة البغض بأي حال . فالسماء التي يمطر غيمها على الجميع بلا تمييزٍ، لا تقيم للتعصب وزناً، ولا تساوم الكائنات من تحتها بقطرات المطر .
إن "بن حرب"، ورغم تاريخه الحافل في الحرب على الدين الجديد، آنذاك، يجد نفسه وقد استلم مهمة رسمية بالغة الخطورة، فلم يُدرج اسمه ضمن قوائم "رموز العهد البائد"، ولا ضمن "فلول" الحزب المنحل، لقد كانت ثقافة التسامح تنتصر على الكراهية، ربما لأن رغبة البناء كانت أصدق وأكثر حضوراً من رغبة الانتقام آنذاك .

ويوجه الرسول الكريم مع أبي سفيان ،رجلاً شاعراً يدعى "راشد بن عبد الله السلمي"، وحدث أن راشداً هذا وقع له أمر، فأنشد أبياتاً ذاع صيت أحدها، وهو ذلك الذي يقول :
وألقت عصاها واستقر بها النوى / كما قر عيناً بالإياب المسافرُ
أنشد "السلمي هذا البيت، في حادثةٍ تخصه، وفي مناسبةٍ بعينها، لكن جهل من بعده بالمصداقية ومعرفتهم بمعنى التقرب، وواسع علمهم بحكمة التزلف للقوي كي لا تنال منهم قوته، قدمت لنا نماذج تدعو للتأمل في فضيلة الجهل عندما يُذعن لسلطان المعرفة .
إن بيتاً في التاريخ لم يُستعمل بمقدارٍ من الجهل كما استعمل هذا البيت، والأمثلة بلا حصر. وبيتاً من الشعر لم يحظ بتسامح المعنيين به كما حظي هذا البيت أيضاً، فكيف نال هذا البيت كل هذا الكنز من نيل الرضى وافتعال السبب لكي تقر عين القلق، وتهدأ ثائرة المتشائم، وتلين قناة المضطرب ؟
يخبرنا "أبو الفرج الرومي" أن الخليفة السفاح كان يخطب يوماً على المنبر، فسقطت منه العصا. موقفٌ محرج بلا شك، يتطير منه الأحباب، ويتشاءم من حدوثه الأعوان، وتنشرح له صدور الكارهين لكن المعرفة الواسعة بجدوى الجهل تنقذ الموقف، إن أحد أفراد القطيع يقف فجأة وينشد البيت المسكين :
وألقت عصاها واستقر بها النوى / كما قر عيناً بالإياب المسافرُ .
هذا مثل من أمثلة ، ولنأت إلى الثاني قبل أن نغادر بيت القصيد ..

"عبد الملك بن مروان"، يرسل "قتيبة بن مسلم" والياً على خراسان، فيدخل الوالي الجديد مسجد المدينة ويصعد المنبر مفتتحاً عهده مع الولاية، وأثناء ذلك تسقط من يده العصا، فيبدأ الهمس ، ويتداول بين الحضور الغمز واللمز، يبدو أن العصى المتساقطة لا تخشع للولاة كما ينبغي .
لكن المعرفة القديمة تستيقظ من جديد، هنا، يسميها البعض سرعة البديهة، متجاهلين أنها علامة ومبعوث خفي للحاكم كي لا يستبد، ولكن، من يقرأ العلامات التي تأتي بها عصا تسقط فجأة من يد صاحبها ؟ إن "قتيبة" يتدارك الأمر، ويعالج موقفه المحرج بمجرد بيتٍ من الشعر، هو ذاته نفس البيت :
وألقت عصاها واستقر بها النوى / كما قر عيناً بالإياب المسافرُ .
يا سرعة البديهة ، كم تسرعين أحياناً نحو جهلٍ نستلذ به كالخدر قبل نومٍ طويل !!

ولكن، هل كانت هذه "الحيلة اللفظية" ستجدي لو أن الصدور خلت من مودة القبول ونية البعد عن التطير، وإحساس التجاوز وتهوين العظيم من النوازل ؟ لا اعتقد، ولكم في ما يحدث اليوم ما لا يُحصى من العبرة والدروس .



#الصديق_بودوارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل نشكر ترامب ؟؟
- نحن .. ونساء أبي الشيص
- صندوق -أم البنين- الليبي
- ديمقراطية البيرو العربية
- مقبرة براغ وشواهد قبورنا
- ويمينها مشغولة بعناقِ
- تأويل ما نحن فيه
- جوزف بلاتير وابن الرومي
- ليبيا وأسماء المرقش
- المُغتسلة
- شيطان أبوهم يبقى إيه
- يد .. في وجه الوطن
- ميم
- مأزق الحوثيين
- لعبة شارلي ابيدو
- مجلس أمن الجثث
- القداسة .. بذيل قرد
- الدم الرخيص .. جداًً !!
- سوق متعة الكذب !!
- مطلوب غاندي .. ليبي !


المزيد.....




- الصفدي لنظيره الإيراني: لن نسمح بخرق إيران أو إسرائيل للأجوا ...
- عميلة 24 قيراط.. ما هي تفاصيل أكبر سرقة ذهب في كندا؟
- إيران: ماذا نعرف عن الانفجارات بالقرب من قاعدة عسكرية في أصف ...
- ثالث وفاة في المصاعد في مصر بسبب قطع الكهرباء.. كيف تتصرف إذ ...
- مقتل التيكتوكر العراقية فيروز آزاد
- الجزائر والمغرب.. تصريحات حول الزليج تعيد -المعركة- حول التر ...
- إسرائيل وإيران، لماذا يهاجم كل منهما الآخر؟
- ماذا نعرف حتى الآن عن الهجوم الأخير على إيران؟
- هولندا تتبرع بـ 100 ألف زهرة توليب لمدينة لفيف الأوكرانية
- مشاركة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في اجتماع مجموعة السبع ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الصديق بودوارة - الركن المسكوت عنه