|
تونس، من -ثورة الياسمين- إلى ثورة -النبق-
عذري مازغ
الحوار المتمدن-العدد: 6353 - 2019 / 9 / 17 - 16:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
سأستند في هذا المقال إلى الإستجواب الذي أجراه موقع اليوم السابع مع الرئيس المحتمل لتونس السيد قيس سعيد حول السياسة التي سيعتمدها في تونس والذي ستجدون مضمونه في هذا الرابط: https://www.youm7.com/story/2019/9/16/%D9%82%D9%8A%D8%B3-%D8%B3%D8%B9%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%AA%D9%85%D9%84-%D9%84%D8%AA%D9%88%D9%86%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AD%D8%B2%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%A2%D9%84%D9%87%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AF%D8%AB%D8%A7%D8%B1-%D8%B3%D8%A3%D9%84%D8%BA%D9%89/4418862 من الوهلة الاولى، لا برنامج سياسي للرئيس المحتمل فيما يخص القضايا التي تعيشها تونس، لكن لديه تصور خاص لما يجب ان تكونه تونس، إنه من البدأ أسس حملته بالدعوة لإنشاء دولة "جديدة" من خلال "انتقال ثوري جديد"، انتقال يعلنه حين يقر بأن "دور الأحزاب انتهى" وأن دور الديموقراطية النيابية أيضا انتهى ومتجاوز حتى في الدول الأوربية (وفي هذا نتفق على ظاهر القول، لكن لا نتفق في المضمون خصوصا حين يعرض في حواره هذا خطوطا عريضة لإنهاء دور "النيابية" في الثورة الجديدة.. إن هذه "الثورة الجديدة" ستجد أساسها في التشريع القانوني، أي بناء أسس تشريعية تنهي دور المجتمع المدني والسياسي باعتباره في نظر الرئيس المحتمل لتونس قد استنفذ تاريخه، والثورة هذه ليست اجتماعية بقدر ما هي ثورة في التشريع للسلطة السياسية (حتى وإن بدا انه يلمح إلى انها ثورة اجتماعية "قاعدية" تنطلق من الدرك الأسفل للهرم إلى الدرك الأعلى له ظاهريا بينما هي أساسا تؤسس لمفهوم الحزب الوحيد، حزب الدولة، حتى وإن لم ينطقه صراحة فإنن تصوره للمؤسسات التشريعية لها نفس هيكلية الحزب الكلاسيكي الذي ينبذه: إنتخاب الشعب للمجالس المحلية، هذه المجالس تنتخب فيما بينها مجالس جهوية وهذه الأخيرة تنتخب المجلس الوطني التشريعي (البرلمان) الذي بدوره ينتخب الرئيس، إنها هرمية أي حزب كلاسيكي في تونس نفسها: إنها نفس الهيكل لأي حزب ونفس الهرم في ابجديات القانون الأساسي للأحزاب والجمعيات واالنقابات، القواعد تنتخب لجن محلية، هذه تنتخب لجن إقليمية وهذه الأخيرة أيضا تنتخب اللجنة الوطنية التي بدورها تنتخب السكريتير العام، والحال أن هذه الهرمية الحزبية أثبتت تاريخيا شكل إفلاسها من خلال هيمنة نفس السكريتير العام على الحزب لأجيال متعددة وتوريثه لأحد الأشخاص من نفس اللجنة الوطنية ومعنى هذا أن كل ما أبدعه الرئيس المحتمل لتونس ليس أكثر من تحويل حزب يعبر اجتماعيا عن إيديولوجيا معينة إلى حزب هو الدولة نفسها أي انه يؤسس للإجماع الوطني وقتل للإختلاف باعتباره يمثل أراء طبقات اجتماعية متناحرة، هذه الهيكلية نفسها هي التي تجوزت في الدول الغربية، لكن بشكل مختلف تماما تضرب في العمق مفهوم النيابية، فالرئيس المحتمل لتونس لا ينفي الديموقراطية النيابية التي يشهر شعبويا أنه ضدها بل على العكس من ذلك يؤكدها من خلال انتخاب أعضاء محليين ينتخبون أعضاء جهويين هم الآخرين ينتخبون اعضاء المجلس الوطني أو البرلمان الذي هو الآخر ينتخب الرئيس، في كل هذه العملية يفترض وجود ملاحظين من الدولة المركزية (والحقيقة ليس ملاحظين بل مراقبين باعتبار المراقبة اصطلاحا لها طابع سلطة سياسية وهو ما يقوم به المخزن في المغرب من خلال وزارة الداخلية، بمعنى ان الرئيس المحتمل لا يعد إلا بمخزنة تونس على الطريقة الملكية المغربية) إنه تكريس للديموقراطية النيابية نفسها في الحزب الوحيد حزب الدولة التي يبني لها الرئيس المحتمل باعتبار أن اعضاء المجلس المحلي ينوبون على المواطنين في انتخاب المجالس الإقليمية التي تنوب بدورها على المواطنين ومن خلالهم أعضاء المجالس المحلية على المجالس الإقليمية وهكذا ذواليك.. أي أن الرئيس المحتمل لتونس أشعل ثورة هي في الحقيقة ردة على المكتسبات التي أتاحتها ما يسمى ب"ثورة الياسمين" لتصبح ثورة قطف "النبق"، بينما في أوربان والدول الغربية التي عمليا تشبعت بالديموقراطية النيابية، فالذي يتجاوز عمليا ليس تعدد الأحزاب، بل شكل هيكليتها النيابية من حيث أبدعوا لجن حتى وإن كانت محلية او جهوية فهي لجن تنسيقية ليس لها طابع التقرير أو القرار السياسي الذي يعود أساسا إلى المواطنين، بمعنى أن المواطن تجاوز فكرة أن ينوب عليه أحد في تقرير مصير الشعب، فمهمة اللجن التنسيقية سواء كانت محلية أو جهوية أو وطنية ليست لها صفة التقرير بل لها صفة إعداد التقارير المنبثقة عن التقارير المحلية والجهوية والوطنية وإخضاعها مرة أخرى للتصويت الوطني من خلال التصويت الرقمي الذي تتيحه الآن تيكنولوجيا المعلوميات، أي ان ما لم يكن متاحا سابقا كتصويت المواطن من خلال زر إلكتروني هو ما سمح بظهور الديموقراطية النيابية لغياب آلية لتصويت المواطنين سابقا، بظهور هذه الآلية الرقمية انتقل المجتمع الأوربي والغربي بشكل عام، في التفكير، إلى تسخير هذه الآلية والمطالبة بها انتقالا من ديموقراطية نيابية إلى ديموقراطية تشاركية تسيد الموقف الوطني في القضايا الوطنية على الموقف النيابي باعتباره يخضع للوبيات وازنة قد تكون خارجية وليس فقط طبقية. إن شعار "الشعب يريد" هو أصلا شعار بوديموس الإسباني (شعار نحن نريد)، كان ليعطي زخما قويا في حملة انتخابية لعبت فيها الإيديولوجيا في تونس وهم الشعب يريد، فالشعب ليس هو مجالس منتخبة تحت إشراف مراقب، بل إن الشعب هو كيان قائم بذاته، يستطيع بالفعل أن يقوم بواجباته نحو السياسات المحتملة في الوطن من خلال التصويت المباشر من خلال تكنولوجيا المعلوماتية على قرارات لجن تنسقية بقبولها او رفضها، هذا ما كانه "بوديموس" الإسباني وليد الحراك الإجتماعي في إسبانيا، وليد حركة 15 Mالتي كانت القرارات فيها تشاركية بالفعل وكانت قاتلة لأوربا العتيدة لولا تراجع "بوديموس" عن الخط الثوري نحو ديموقراطية تشاركية حقيقية، لقد اجبره النظام السائد، النظام الرأسمالي نفسه ان يتحدد بابلو إغليسيا كسكرتير عام وهو ما يعتبر ردة في الموقف من حزب ولد عمليا تشاركيا واستحال إلى حزب نيابي، والردة هذه كلفته الثمن الباهظ على الرغم من انه ليس تماما ما يمثله حزب الرئيس المحتمل لتونس: حزب الوهم الإيديولوجي. ما يزكي تحليلي هذا هو نفسه مواقف الرئيس من الكثير من القضايا، موقفه من الإرث بين الرجل والمرأة، موقفه من الإعدام، موقفه من المثليين وهلم (إعطاء موقف صارم من قضايا لم يستشر فيها الرئيس المحتمل بعد مجالسه، هو ضمنيا موقف سابق على مواقف المجالس سواء كانت محلية او إقليمية أو وطنية، فالموقف هذا يختزل ما المنشود من تلك المجالس، فهو يفسر وضع المراقب من السلطة المركزية، أي ممثل الرئيس المحتمل، "المخزني"، "المقدم"، "الشيخ"، قايد وعامل الإقليم أي كل هذه الكائنات في أدبياتنا المخزنية بالمغرب)، هذا الموقف السابق له يفسر تناقض ديموقراطيته "اللانيابية" كما يعتقد ويضعه في موقف أمين عام حزب كلاسيكي تتوارث النخبة السلطة عليه. للأسف لم أرى في تونس التي حلمت ان تكون نموذجا لنا في الديموقراطية أي جديد ولن أزيد في الحديث عن رئيس محتمل شعبوي يحلم باسترجاع الاندلس .
#عذري_مازغ (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المرأة المنجمية في غالداميس أثناء الحرب الأهلية الإسبانية ال
...
-
خلاصات فايسبوكية
-
مقارنة بين دولة كافرة ودولة جارة مسلمة حول اغتصاب النساء
-
عيدكم أضحية مباركة
-
إزوار
-
جدلية المصور وإيصال الحقيقة والإنقاذ أو الإسعاف
-
-ليس فيهم من درس!!!؟؟-
-
مونة الجميلة ذات الشعر الطويل
-
النوم في البرلمان
-
-قفة- البؤس وأجمل ملكة جمال في العالم
-
من حكايا المهجر
-
تساير عصية على الموت
-
مشكل اللغة مرة أخرى
-
حسين مروة
-
حول الإسلام المثالي
-
لا أومن بإله يهتم اصلا بأخطائنا
-
مهدي عامل الرائع
-
كلمة شكر إلى الأستاذ سعيدي المولودي
-
يسار البؤس
-
دائرة المشردين -مريم ملاك-
المزيد.....
-
غضب في إسرائيل بشأن تصريحات نتنياهو عن أهداف حرب غزة
-
29 قتيلا في غارات إسرائيلية على غزة ومنظمة الصحة تندد بتقاعس
...
-
تغير المناخ والجفاف يقوضان الثروة الحيوانية بالعراق
-
وزارة الدفاع الروسية تنشر وثائق عن اقتحام الجيش الأحمر لبرلي
...
-
تجدد إطلاق النار في كشمير مع إجراء البحرية الهندية تدريبات ع
...
-
الإكوادور.. وفاة 8 أطفال بسبب عامل معدٍ لا يزال مجهولا
-
الدفاعات الجوية الروسية تصد محاولة هجوم بالمسيرات على سيفاست
...
-
الخارجية الأمريكية: الولايات المتحدة لن تلعب بعد الآن دور ال
...
-
تحذير صحي هام.. منتجات غذائية شائعة للأطفال تفتقر للعناصر ال
...
-
الدروز يغلقون عدة مفارق مركزية شمال إسرائيل في مظاهرات مطالب
...
المزيد.....
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
المزيد.....
|