أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الذهبي - الكُتاب هم أناس مثلنا من لحم ودم وليسوا آلهة














المزيد.....

الكُتاب هم أناس مثلنا من لحم ودم وليسوا آلهة


حمزة الذهبي
كاتب وباحث

(Hamza Dahbi)


الحوار المتمدن-العدد: 6344 - 2019 / 9 / 7 - 19:07
المحور: الادب والفن
    


تُعجبني قراءة الرسائل التي يكتبها مُؤلفي الكتب إلى عائلاتهم و أصدقائهم وعشيقاتهم ومعارفهم وما إلى ذلك، والتي يتم جمعها بين دفتي كتاب غالبا بعد وفاة كاتبها ، إن الرسائل جنس أدبي ، إبداعي ، متفرد ، له حلاوته الخاصة التي تميزه عن باقي الأجناس الإبداعية الأخرى أجد متعة ولذة في اطلاع عليه ، زد على ذلك أن له منفعة وفائدة التي تتجلى في السماح للقارئ – الفضولي مثلي أنا - بالتعرف على الكاتب أكثر وفهم حياته وما يدور في خلده في حدود ما أراد الإفصاح عنه للآخر المرسل إليه .
لذا أجدني من وقت لآخر أبحث وأنقب في المكتبات المحلية أو عند بائعي الكتب المستعملة الذين يفترشون كتبهم على رصيف شارع ابن الهيثم أو على الأرض في سوق الخردوات المتواجد في مدينة سلا ، وحينما أعثر على كتاب من هذه الكتب ـ كأنني عثرت على كنز ثمين ـ أتلقفه من الرف أو من على الأرض بسرعة خوفا من أن تمتد إليه يد أحد أولئك المهوسين مثلي وتحرمني من متعته ومنفعته. وبعد ذلك أقصد غرفتي ـ ملاذي الآمن بعيدا عن عنف المدينة وشغبها وصخبها وضجيجها الذي لا يهدأ ـ وأبدأ في فك محتواه . فأكتشف ، والحق يقال ، أشياء جديدة على عكس ما كنت أتوقعه في أغلب الأحيان عن حياة هؤلاء العظام ، أهل الأدب و الفكر ، محترفي الكلمة المكتوبة ، أحفاد بروميثيوس ، سارقو النار ، الذين أناروا سماء الأدب والفكر بأعمالهم الخالدة .. خذ على ذلك أيها القارئ الكريم نموذجين كان وقع محتوى رسائلهما علي مفاجئا إن صح القول .
أول هذه النماذج هو الكاتب الروسي دوستويفسكي الذي بلغت شهرته الأفاق ، فرسائله الصادرة عن دار السؤال ترجمة خير الضامن التي تحتوي على أكثر من 250 رسالة تتناول معظم مراحل حياة الكاتب، كانت مباغتة ، إذ كسرت ما كنت أتوقعه وكشفت لي بما لا يدعو مجالا للشك أن حياته هي عكس ما يمكن أن يظنه قارئ أعماله الأدبية ، فهو لم يعش في بحبوحة وراحة البال، بل حياته كانت حياة شاقة وبائسة، مليئة بالشكوى والألم والمعاناة والمرض والفقر والعوز ، دائم الهروب من الآخرين الذين استدان منهم دون أن يقدر على إعادة المال لأصحابه. لذا نجده غالبا ما يطرح سؤال ماذا علىً أن أفعل ؟ وهو يرى المصائب تنهال على رأسه وتثقل كاهله ، الأمر الذي جعلني أردد ما قاله أندريه جيد في دراسته حول دوستويفسكي " نتوقع العثور على إله ، فإذا نحن أمام إنسان بائس ، تعب ، مريض ".
ثاني هذه النماذج هو الروائي الفلسطيني غسان الكنفاني ، فرسائله إلى غادة السمان التي قرأتها قبل ثلاثة أسابيع أو أربعة من كتابة هذه الأسطر التي تتطلعون عليها الآن ، مكنتني من أن أقف عند صدق العبارة التي خطها في يوم من الأيام الكاتب الليبي ، إبراهيم الكوني الذي لا يحتاج إلى ورقة تعريف ، في كتابه ثوب لم يدنس بسم الخياط وهي أن : " العظماء ، في رسائل عشقهم ، ليسوا عظماء !. "
فالمناضل العظيم غسان كنفاني ، صاحب إحدى أهم روائع الأدب في القرن العشرين وأقصد بذلك تحفته رجال في الشمس ، نكتشف من خلال رسائله إلى غادة السمان أنه كان عاشق خائب ، يائس ، مهزوز و ضعيف ، خاضع لسلطتها ويدور في فلكها كما تدور الأرض حول الشمس. وأكاد أقول أن كاتبها لم يكن يظن أن رسائله التي وضع فيها أسراره سيطلع عليها الآلاف من القراء في يوم من الأيام. وأرى أن الكاتبة غادة السمان خيرا فعلت بنشرها هذه الرسائل المفعمة بالرغبة والحب إذ جعلتنا نتعرف على غسان الإنسان ببؤسه وضعفه ويأسه بعد أن تعرفنا في أعماله الأدبية الإبداعية على غسان الفنان بعمقه وتفرده وغناه.
في النهاية هذين فقط نموذجين من نماذج كثيرة لكتاب وفنانين ومبدعين كسرت رسائلهم ذلك الإطار أو الصندوق الذي حشرناهم فيه . وأيقظتنا في الآن نفسه من أوهامنا عن طريق مباغتتنا، إذا لا يوقظنا إلا من يباغتنا ، وجعلتنا نتذكر ما كنا قد تناسيناه ، أو جعلتنا نرى ما تعامينا على رؤيته وهو أن هؤلاء الكُتاب ، الفنانين ، المبدعين ، هم أناس مثلنا من لحم ودم ـ ليسوا آلهة ولن يكونوا كذلك .



#حمزة_الذهبي (هاشتاغ)       Hamza_Dahbi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أصدقاء بدون مكر الأصدقاء
- محمد عابد الجابري – عيوب الخطاب العربي المعاصر
- نعيش في مجتمع عنيف :
- علاقة محمد عابد الجابري بفيلسوف قرطبة
- سقراط : أول شهيد للفكر .
- رواية طفل الرمال عكست لنا وضعا يُؤسف له كانت تعيشه المرأة
- التكفير جزاء من تجرأ على التفكير :
- لماذا تعثرت النهضة العربية ؟
- رواية الورم : السلطة تمسخ أهل السلطة
- فاتحة مرشيد : تقتل الأب كي يحيا الإبن
- عندما يصبح سؤال ماذا تفعل ؟ سؤال مرعب .
- المرأة السوداء في المغرب والعنف المزدوج
- الإبداع يولد من رحم المعاناة – دوستويفسكي نموذجا .
- رواية العريس للكاتب صلاح الوديع باعتبارها شكل من أشكال التعب ...
- رواية الحي الخطير : ليس هناك أي مخرج
- الروائية فاتحة مرشيد : ممارسة الجنس أمر محفز للإبداع


المزيد.....




- روسيا.. تصوير مسلسل تلفزيوني يتناول المرحلة الأخيرة من حياة ...
- اعلان توظيف وزارة الثقافة والفنون والتخصصات المطلوبة 2024 با ...
- هل تبكي عندما تشاهد الأفلام؟.. قد تكون معرضا بشكل كبير للموت ...
- مهرجان نواكشوط السينمائي الدولي يطلق دورته الثانية
- “نزل Wanasah الجديد” تش تش ???? وقت الدش.. تردد قناة وناسة ن ...
- فنان غزة الذي لا يتكلم بصوته بل بريشته.. بلال أبو نحل يرسم ح ...
- هاريس فرحت بدعم مغنية لها أكثر من دعم أوباما وكلينتون.. ما ا ...
- -الغرفة المجاورة- لبيدرو ألمودوفار يظفر بجائزة الأسد الذهبي ...
- النيابة تواجه صعوبة في استدعاء الفنان المصري محمد رمضان للتح ...
- فيلم اليكترا: تجربة بصرية وحسية لأربع ممثلات وكاتبة في بيروت ...


المزيد.....

- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الذهبي - الكُتاب هم أناس مثلنا من لحم ودم وليسوا آلهة