أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الذهبي - أصدقاء بدون مكر الأصدقاء














المزيد.....

أصدقاء بدون مكر الأصدقاء


حمزة الذهبي
كاتب وباحث

(Hamza Dahbi)


الحوار المتمدن-العدد: 6342 - 2019 / 9 / 5 - 23:48
المحور: الادب والفن
    


تتلمذت - ولا زلت أتتلمذ - على يد أساتذة، يُطلق عليهم لصوص النار، أكن نحوهم إعجاب أعتقد أنه لن يخمد، منهم أساتذة صارت أبدانهم منذ زمن تحت التراب فظن البلهاء - وما أكثر البلهاء - أنهم أموات، متناسين أنهم أحياء، أحياء بأرواحهم وأفكارهم، لا بأبدانهم. أحياء بما خطته أيديهم من كلمات ملغزة وحبلى بالدلالات. أحياء بأثرهم الذي لن ينمحي ما دامت هناك كائنات بشرية قارئة على هذه الأرض تتلقف ما يكتبونه. لأن وجود المبدع ـ كما ينسى البلهاء ـ رهين ، على حد تعبير الكاتب الليبي إبراهيم الكوني ، بوجود نصَه لا بوجود شخصه .
تتلمذت على يد أساتذة بدون سطوة الأستاذ وجبروته وعنجهيته ، ليسوا شيوخا يريدون مريدين يقولون سمعا وطاعة مع ما يستتبع ذلك عادة من تبجيل وتعظيم قد يصل حد التقديس إن لم أقل التأليه ، بل يمكن اعتبارهم بالأحرى أصدقاء ، أصدقاء بدون خيانة ألأصدقاء وخذلانهم. " فالخلان – كما يقول أحد الذين تعلمت على أيديهم في وقت من الأوقات - لم يخلقوا إلا ليخونونا ولم يصادقونا إلا ليخذلونا (...) إنهم يتخلون عنا إذا حاق بنا مصاب ، كما يتخلون عنا أيضا ما إن يحققوا ثراء أو مجدا أو سلطانا " . أما هؤلاء الكُتاب الذين لا يبدلون وجوههم كما يبدل الثعبان جلده ، فهم لم يخونوني ، ولم يخذلوني ، ولم يتخلوا عني وإن تخليت عنهم ، لم يطلبوا مني شيئا وأعطوني الكثير خلال هذه السنوات التسع أو العشرة التي انصرمت . أخذوا بيدي وذهبوا بي بعيدا ، في هذا العصر الذي هو غاية في التعقيد ، من ضيق الأفق إلى أفاق واسعة. جلت برفقتهم عوالم لا حدود لها ، وتعلمت منهم ما لا يحصى من الأمور . فقد أخذني على سبيل الذكر لا الحصر : المفكر المغربي ، الغني عن التعريف ، محمد عابد الجابري داخل العقل العربي وأراني كيف تشكل بداية من عصر التدوين إلى الآن وأسباب تعثره وسبل نهوضه . ومن الفيلسوف كانط تعلمت أن أكون شجاعا وجريئا في استعمال عقلي دون الاستعانة بالآخرين ، وتعلمت من الأمريكي تشارلز بوكوفسكي أن أتجنب الجموع ليس لأنهم أغبياء بل لأنهم يدفعون غباءهم عبر حياتنا بشتى الوسائل المتاحة لهم . وفتح الشاعر البرتغالي فيرناندو بيسوا عيني على أمر مهم وهو أن المرء يمكن أن يحتوي في داخله على حشد من الأشخاص لكل منهم رؤيته الخاصة للعالم . ومن مظفر النواب اكتشفت كيف يمكن للكلمة أن تقض مضاجع الطغاة. ولقنني إبراهيم الكوني حكمة وهي أن الإنسان يستطيع أن يفلح في أي أمر ، إذا استطاع أن يجعله هم يومه . وحكا لي إدواردو غاليانو عن تاريخ آخر للعالم مسكوت عنه ، محاط بالجدران والأشواك التي تكون مدمية لكل من سولت له نفسه التنقيب أو الكشف عنه . ودعاني سقراط لأن أتفلسف لأن الحياة بدون فلسفة ليست حياة لإنسان .أما كافكا ، هذا الإنسان المعذب ، فقد أوصاني بأن أقرأ فقط الكتب التي تستفزني و تزلزل كياني ـ ثم أضاف أنه إذا كان الكتاب الذي نقرأه لا يوقظنا بخبطة على جمجمتنا فلماذا نقرأ إذن ؟ على الكتاب أن يكون كالفأس التي تُهشم البحر المتجمد فينا .
إنهم كنوز لا تقدر بثمن ، مدين لهم ما دام في العمر بقية . كيف لا أكون مدينا لهم ، وقد علموني أن لا أركن لما يبدو لي للوهلة الأولى بديهي بدون فحص ومساءلة وحفر. وأمدوني بالوسائل التي تمكنني من تحصين نفسي ضد التفاهة والبلاهة التي تكتسحنا في هذا الزمن أكثر من أيما وقت مضى . كيف لا أكون مدينا لهم ، وقد أيقظوني من سباتي ، نفضوا عني الأوهام التي كانت تبدو لي أنها حقائق في وقت من الأوقات ، وبينوا لي ضعفها وتضاربها وتهافتها ، كيف لا أكون مدينا لهم وقد حرروني من السياجات الدوغمائية المغلقة التي قبعت فيها لوقت طويل ، نزعوا عني أغلال ، ومنحوني الطاقة الكافية كي أقف منتصبا وأخرج من كهفي الشبيه إلى حد ما بكهف أفلاطون .
لهذه الأسباب كلها فإني مهما كتبت عنهم ، أي مهما سودت من أوراق بيضاء ، لن أعطيهم حقهم . لذا سأختم قولي هذا بعبارة جميلة ومعبرة إلى أبعد حد إذ أنها تلخص كل شيء ، قالها عاشق الكتب والمكتبات الأرجنتيني ألبرتوا مانغويل : نحن نريد التعبير عن شيء معقد وكبير، وفي النهاية نكتفي بكلمة أحبك.



#حمزة_الذهبي (هاشتاغ)       Hamza_Dahbi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمد عابد الجابري – عيوب الخطاب العربي المعاصر
- نعيش في مجتمع عنيف :
- علاقة محمد عابد الجابري بفيلسوف قرطبة
- سقراط : أول شهيد للفكر .
- رواية طفل الرمال عكست لنا وضعا يُؤسف له كانت تعيشه المرأة
- التكفير جزاء من تجرأ على التفكير :
- لماذا تعثرت النهضة العربية ؟
- رواية الورم : السلطة تمسخ أهل السلطة
- فاتحة مرشيد : تقتل الأب كي يحيا الإبن
- عندما يصبح سؤال ماذا تفعل ؟ سؤال مرعب .
- المرأة السوداء في المغرب والعنف المزدوج
- الإبداع يولد من رحم المعاناة – دوستويفسكي نموذجا .
- رواية العريس للكاتب صلاح الوديع باعتبارها شكل من أشكال التعب ...
- رواية الحي الخطير : ليس هناك أي مخرج
- الروائية فاتحة مرشيد : ممارسة الجنس أمر محفز للإبداع


المزيد.....




- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الذهبي - أصدقاء بدون مكر الأصدقاء