أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فتحي البوزيدي - تداعيات إصبع قدم صغير














المزيد.....

تداعيات إصبع قدم صغير


فتحي البوزيدي

الحوار المتمدن-العدد: 6336 - 2019 / 8 / 30 - 15:09
المحور: الادب والفن
    


أنا أصغر منّي
أحبو على خيباتي الكبيرة..
خيباتٌ أكبرُ من رأسِ حاكم عربيّ.
أتخيّل رؤوس الحكام العرب عمودَ شاورما بحجم صحراء الرّبع الخالي.
ما أبشع مشهد الجثث و الأشلاء البشريّة المرصّفة على خازوق الشّاورما!
و ما أكبر رأس الحاكم العربي!
المهمّ أنّي أصغر منّي.
نحن الصغار لا نقدّر جيّدا الأحجام الكبيرة.
أمّا عن الأحجام الصغيرة فأنا أساوي تقريبا إصبع قدمي.
تقول والدتي كلما رأت ظُلْمَ الأقدار و عَمَاها:
"رأس الأصلع قريب إلى الربّ"
و أنا كإصبع القدم الصغير أقرب ما أكون إلى الرّفس في حافلات تشبه زريبة.
***
في الزريبة, اعتاد النّاس الثّغاء و السّير على حوافرهم...
الماشيةُ لا تخشى شيئا أكثر من أن يذبحها الرّاعي و يزيدها إلى اللّحم و الشّحم في رأسه..
خازوق الشّاورما يكبر أكثر...
كنت صغيرا جدّا عندما أعلموني أنّ أبي عُلِّقَ على ذلك الخازوق.
يقول البعض: "الكبار يحبّون مشاهدة النّشرات الإخبارية"
لعلّي لم أكبر لهذا السّبب..
لا أريد أن أكبر كي لا أشاهد صورة الحاكم في كلّ النّشرات و قد عَلِق لحمُ الذّبائح برأسه.
ظللت صغيرا لكنّي لم أكن مثل أبناء الأغنياء..
هم يحبّون سندويتشات الشاورما الغالية
ونحن الفقراء لا نأكل لحم آبائنا..
للأثرياء فقط الحقُّ في أكل اللحم البشريّ.
***
الآن كبرت قليلا, غير أنّي مازلت أصغر من إصبع قدمي الصغير.
سمحت لي أمّي بفتح صندوق كنزٍ ورثناه عن أبي.
كان الكنز تافها جدّا, مَثَله كَمَثل إصبع القدم الصغير لست أدري لأي شي يصلح؟
بعض الصّناديق المغلقة لا تختلف عن تابوت فرعونيّ تصيبك لعنته إنْ أنت فتحتَه.
صندوق الكنز أصابني بثلاث لعنات.
لماذا احتفظ أبي بهذه اللعنات؟
لعلّه لم يكن راضيا عنّي!
-أُولَى اللّعنات :كتاب المسخ لفرانز كافكا..
أتصفّحه..
غبارٌ..
غبارٌ يَثُور..
غبارٌ يُعميني..
حَشَرةٌ..
من بين الصفحات تقفز الحَشَرةُ.
كم من السنين ظلّت الحشرة تقتات من صورة أبي المخبّأة في الكتاب؟
"المسخ" على الأرض.
مِكنَسةٌ بيدي..
المكنسة تصلح لأقتل الحشرة و لأكنس الغبار وَ وَجه كافكا و وَجه أبي.
-ثاني لعنة: ورقة بخطّ والدي عنوانها :
"لِتَأْكُلَ رأسَ الحاكم لا تكُن صغيرا"
أنا أصغر من إصبع قدمي الصغير لذلك أفزعني هذا الكلام الكبير.
طلبتُ من أمّي أن تُنجِدَني بعلبة كبريت.
سأحرق الأوراق..
عودُ ثقاب..
عودُ ثقاب واحد يكفي لتُحرِق الحروفَ و يديْكَ.
-ثالث اللعنات خوْذة جنديّ بثقب من أَثَرِ رصاصة.
التّاريخ و الجغرافيا أكبر كثيرا من الصّغار أمثالي, لذا لم أسأل عن الزمن الذي تعود إليه هذه الخوذة, و لا عن هويّة صاحبها.
أنا مجرّد إصبع قدم
ما الذي يعنيني إن كانت الخوذة لجندي فرنسي قُتِل في مستعمرة إفريقية,
أو لجنديّ نازيّ قدّم حياته بيده اليُمنَى للفُوهِر
أو لمرتزق أمريكيّ سقط في خليج الخنازير
أو لتكن الخوذة لمقاتل عربيّ شارك في حرب أكتوبر؟؟؟
أنا في مطلق الأحوال أخشى أن يقدّمني زعماء الحروب في طبق فاخر من أطباق القضايا العادلة أو غير العادلة وَجْبَة لرصاصة رخيصة.
أضع عيْنا واحدة على ثقب الخوذة أغمض عيني الأخرى.
فلاش باك:
ليست مجرّد تقنية روائية أو سينيمائية.
فلاش باك:
معجزة السير إلى الخلف لنسند ظهورنا إلى حائط بعيد.
فلاش باك:
الرّصاصة ترتدّ من عيني الموضوعة على ثقب الخوذة إلى عين القنّاص على مكبّر البندقية!
فلاش باك:
الذاكرة تعيد الرصاصة إلى الخلف و لا تقتل القنّاص.
الذّاكرة.. تجعلني أشعر فقط بدماغ صاحب الخوذة ينفجر بين يديّ..
أمسح الدم في كتاب كافكا و في وصيّة أبي.
أسقط على الأرض مثل إصبع صغير في قدم تاريخ مصاب بمرض عضال.
أظلّ أصغر مني,
أظلّ إصبعا مبتورا من قدم التاريخ أو أصغر من ذلك بكثير.



#فتحي_البوزيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متلازمة اللّعنة و متلازمة الاحتراق
- التّفكير في طريقة ممتعة للانتحار.
- رُهَاب الرّقص على مزامير الملوك..
- سيرة الرّئيس
- مات الهلال وفي القلب خبز من القمامة !
- الربّ الأزرق و الأخطاء الحمراء (نصّ سوريالي)
- سكران صالح.. لِلْكَسْر
- ثلاث خيبات ومجنون في شارع الحبيب بورقيبة
- لا اسم لسادة القبيلة لأحنث
- نقط من كافكا إلى نضال


المزيد.....




- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فتحي البوزيدي - تداعيات إصبع قدم صغير