أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهدي شاكر العبيدي - أبو حيان التوحيدي ونبع النتاج الأصيل















المزيد.....

أبو حيان التوحيدي ونبع النتاج الأصيل


مهدي شاكر العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 6311 - 2019 / 8 / 5 - 00:20
المحور: الادب والفن
    


أبو حيان التوحيدي ونبع النتاج الأصيل

مهدي شاكر العبيدي
اوستن- تكساس

لعَلـَّه أعظم كـُتـَّاب النثر العربي على الإطلاق كما يقول المستشرق السُّويسري آدم متز ، إنـَّه علي بن محمد بن العباس الذي عاش في القرن الرَّابع الهجري ومات في بداية القرن الخامس ، وكان من معاصريه جمهرة عديدة من الكـُتـَّاب والشُّعراء بينهم مهيار الدَّيلمِي ، والشَّريف الرَّضي ، والصَّاحب بن عبَّاد ، ومسكويه ، وأستاذه أبو سعيد السِّيرافي عالم العالم وشيخ الدُّنيا ومقنع أهل الأرض كما كانَ يصفه على سبيل الاعتراف بعلمه الغزير وأدبه الجم ، وفي الوقت الذي كان معاصروه من المنشئينَ معنيينَ بالتكلف اللفظي , كانَ التوحيدي يجاهر :ـ " الذي ينبغي أنْ يهجر رأسا ً ويرغب عنه جملة التكلف والإغلاق واستعمال الغريب والعويص وما يستهلك المعنى ويفسده أو يحيله ، والغرض الثانِي تخيُّر اللفظ ، والغرض الثالث في تسهيل اللفظ وحلاوة التأليف واجتلاب الرَّونق والاقتصاد في المؤاخاة واستدامة الحال " ، ولعلَّ في مجمل هاتيك الأقوال الرَّائعة صارفا ً لناشئة الأدب عن حفظ النصوص الجامدة وتدارس المعطيات غير النابعة من القلب , إنـَّما أثقلتْ بالحذلقة والتقعُّر اللفظي والافتقاد إلى الفكر والإحساس .

ورغم أنَّ أبا حيَّان لمْ يؤلفْ كتابا ً في النقد الأدبي ، فقدْ أودع مؤلفاته العديدة ، ومنها :ـ ( الإمتاع والمؤانسة ) ، و ( المقابسَات ) ، و (مثالب الوزيرَين ) ، كثيرا ً من الخطرات النقدية والنظريات الجمالية الدَّالة على رهافة حس ٍ وسلامة ذوق ٍ فعدَّه الباحثون من فلاسفة الفن .

وإذا كان هذا الأديب العظيم قد عاش في بؤس وغربة عمَّنْ حوله ، قدْ شاء لكتبه التحريقَ والتمزيق , فإنَّ التاريخ شاء أنْ يبعثه مجدَّدا ً وينشر فكره بين الأحياء ، فيعنى المحدثون بدراسته وتحقيق مؤلفاته ، ومن مريديه في الدِّراسات العربية المعاصرة الأكاديميونَ والأساتذة :ـ إحسان عباس ، ومحمد توفيق حسين ، وإبراهيم الكيلاني ، وأحمد الحوفي ، وعبد الرَّزاق محيي الدِّين ، وزكريا إبراهيم ، وأحمد أمين ، ولابدَّ أنَّ القارئ المتابع صار إلى دراية بغياب أغلبية أولاء الأساطين .

لمْ يكنْ التوحيدي كما يقول الدكتور زكريا إبراهيم من الفلاسفة ذوي الفكر المنظم المحدَّد ، إنـَّما كان ملما ً بأصناف المعرفة البشرية ومن دعاة التنوير في تاريخ الثقافة الإنسانية ممَّنْ يمتازونَ بحرية التفكير وعمق الثقافة ونضج العقلية والتسليم بنسبية المعرفة وقصور العقل البشري عن اجتلاء الحقائق الكونية بأتم شكل ، رغم سبقه إلى كثير من الآراء الثاقبة حول الفلسفة والفن والجمال ، فقد عني بقضية الإبداع الفني وميَّز بين الطبيعة والصِّناعة ، أي الموهبة الطبيعية والجهد الذاتي ، وخلص إلى أنَّ الموهبة لا تكفي وحدها لخلق الفنان ، وإنـَّما لابدَّ أنْ تضاف إليها الحرفة والصِّناعة ، ما دامَتْ في حاجة إلى الصَّقل والتهذيب حتى تستحيل إلى موهبة فنية متكاملة ، وحاول أنْ يطبِّقَ هذه النظرية على فن البلاغة , فنراه يقرِّر أنـَّه إنْ كان لابدَّ للأديب من طبيعة جيدة ومزاج صحيح وسليقة سليمة , فلا غنى له عن صناعة متقنة وإلمام جيد ودراسة طويلة ، وكذا يؤكد أهمية السَّليقة الأدبيَّة أو العفوية في الأداء في جانب ، وأهمية الصِّناعة والجهد والإرادة في آخر ، فبالنسبة للأولى يقول في رسالته عن العلوم :ـ " إنَّ من استشار الرَّأي الصَّحيح في هذهِ الصِّناعة الشَّريفة علمَ أنـَّه إلى سلامة الطبع أحوج منه إلى مغالبة اللفظ ، وأنـَّه متى فاته اللفظ الحر لمْ يظفرْ بالمعنى الحر ، لأنـَّه متى نظم معنىً حرا ً ولفظا ً عبدا ً أو معنىً عبدا ً ولفظا ً حرا ً ، فقد جمع بين متنافرين ِ بالجوهر ومتناقضين ِ بالعنصر " ، وبالنسبة للثانية ـ أي الصِّناعة ـ فإنـَّه يجري القول على لسان أستاذه أبي سليمان المنطقي المشهور :ـ " إنَّ البلاغة هي الصِّدق في المعاني مع ائتلاف الأسماء والأفعال والحروف ، وإصابة اللغة وتحري الملاحة المشاكلة برفض الاستكراه مجانبة التعسُّف " ، فالبلاغة الصَّحيحة عنده هي التي تجمع بين عمق المعنى وجودة اللفظ أو بين سلامة التفكير وحسن التعبير .

وممَّا سبق أبو حيَّان غيره من فلاسفة الفن إلى مراجعته وإثارة النقاش حوله هو مشكلة الصِّدق الفني ، فيكتشف أنَّ للصِّدق الفني في البلاغة منطقا ً آخر غير منطق الصِّدق في الحياة الواقعية ، إذ لا تقتصر على محاكاة الواقع ، وكثيرا ً ما يتورَّط البليغ في الكذب دون أنْ يكون خارجا ً على قواعد الصِّدق الفني .

إنَّ ظهور أبي حيَّان التوحيدي في القرن الرَّابع الهجري يمثل امتدادا ً لمدرسة الجاحظ ومذهبه في الكتابة وإحياء لطريقته في التصوير الواقعي ، ففي الوقت الذي عُنِي غيره بالسَّجع والجناس والبديع وإثقال الكتابة الأدبية والرَّسائل والخطب بها ، أمعن التوحيدي في تسفيهها والزِّراية بها واستهجانها ، مستوحيا ً سليقة الجاحظ وعفويته وترسُّله ، لكنـَّما يستبين ثمَّة فرق بين أسلوبيهما ، فقارئ الجاحظ يجتلي روحا ً ساخرة متفكهة متندرة لا عهد لصاحبها بشعور الحيرة والضَّياع والتمزُّق ، على حين يلمح في أسلوب الثاني تصويرا ً رائعا ً وتجسيدا ً نابضا ً لما كابده في حياته من البؤس والحاجة وقلة الكفاف ، إنـَّه الكاتب المتألم حقيقة والألم كان وما يزال نبع النتاج الأصيل ، يقول من رسالة في شكوى البؤس ورجاء المعونة وجه بها إلى الشَّيخ أبي الوفاء المهندس :ـ " خلصنِي أيُّها الرَّجل من التكفف ، أنقذنِي من لبس الفقر ، أطلقني من قيد الضُّر ، اشترني بالإحسان ، اعتبدني بالشُّكر ، استعمل لساني بفنون المدح ، اعفني مؤونة الغداء والعشاء ، إلى متى التأدُّم بالخبز والزيتون ، قد والله بحَّ الحلق ، وتغيَّر الخلق ، الله الله في أمري ، أجبرنِي فإنـَّنِي مكسور ، اسقني فإنـَّنِي صَدٍ ، أغثنِي فإنـَّنِي ملهوف " .

ومهما كانت الدَّوافع والأسباب التي دفعته إلى إعداد مؤلفه الكبير ( مثالب الوزيرَين ) الذي أفرغ فيه هجاءً مرا ً للوزيرين ِ الأديبين ِ على عهده :ـ الصَّاحب بن عبَّاد ، وابن العميد ، فقد وصفهما بالجهل وقلة التحصيل وخبث الطوية وانتقد طريقتهما في الكتابة وولعهما بالإغراب والتكلف ، ملتمسا ً لنفسه عاذرة أو شافعا ً فيما يدَّعيه من تحقير شأنهما وجهل قيمتهما ، فإنَّ ما كتبه فيه حول الأسلوب المثالي يعدُّ سبقا ً خطيرا ً في باب التوجيه الأدبي ، فقدْ اشترط :ـ " لصحَّة الأسلوب شهادة العقل بالصَّواب ، ولبهجته ـ يعني رونقه ـ جوهر اللفظ واعتدال القسمة ، ولتمامه النظم الذي يستعير من النفس شغفها ومن الرُّوح كلفها " ، وكذا يعتبر الجمع بين البهجة والصِّحة والتمام الشرائط ضرورية للأسلوب المثالي ، كما لمْ يهمل الشِّعر في مواضع أخرى من كتبه ومصنفاته ، فيملِي استنتاجات طريفة مفادها :ـ " انَّ النفس الإنسانية تتقبل المنظوم بأكثر ممَّا تتقبل المنثور ، لأنـَّنا للطبيعة أكثر ممَّا نحن للعقل ، والوزن معشوق للطبيعة والحس ، فليس غريبا ً أنْ يكونَ إقبالنا عليه أكثر وولعنا به أشد ، وأنَّ الشِّعر موسيقى ذات إيقاع ، فالناس يتغنون به ويطربون له ، في حين أنَّ النثر كلام قلـَّما ينجح في اجتلاب الطرب " .



#مهدي_شاكر_العبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المقتبس من وحي الرسالة
- مآل كتاب مداخلات و مناوشات
- صديقي الذي أجهل اسم أبيه !
- من الصراحة الجارحة
- تفصيل في فحوى مقالة أثيرة وتعقيب عليها واضافة إليها
- كُتابنا في طفولتهم
- شيء عن منير البعلبكي
- عن الوحدة المطلقة
- أسماءٌ لا تموت
- شيخ المفلوكين
- نصوص المصطلح الصوفي في الإسلام
- مذكرات منسية
- مروية عبد الحميد المحاري
- تعقيب على مقالة الباحث شكيب كاظم بخصوص ريادة مارون عبود للنق ...
- قلم الأديب بغير حظٍ مُغزل
- وثيقة من مؤرخ الوزارات العراقية عبد الرزاق الحسني
- رباعيات الخيام بالعربية
- إستذكار عبد الحميد الرشودي
- حول تمثال إنقاذ الثقافة العراقية
- الجواهري في عيون معاصريه


المزيد.....




- Sigg Art in Monte Carlo: A hybrid vision of what it means to ...
- -سيغ آرت- في مونتي كارلو: رؤية هجينة لما يعنيه أن نكون بشراً ...
- -النجم لا ينطفئ-، ظهور نادر للفنان عادل إمام يطلق تفاعلاً وا ...
- ماريانا ماسا: كيف حررت الترجمة اللغة العربية من كهوف الماضي ...
- حاتم البطيوي: سنواصل فعاليات أصيلة على نهج محمد بن عيسى
- رسومات وقراءات أدبية في -أصيلة 46- الصيفي استحضارا لإرث محمد ...
- أنجيليك كيدجو أول فنانة أفريقية تكرم في ممشى المشاهير بهوليو ...
- -حين قررت النجاة-.. زلزال روائي يضرب الذاكرة والروح
- لا خسائر رغم القصف.. حماية التراث الثقافي وسط الحرب في طهران ...
- “فعال” رابط الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2025 دور اول ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهدي شاكر العبيدي - أبو حيان التوحيدي ونبع النتاج الأصيل