أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهدي شاكر العبيدي - صديقي الذي أجهل اسم أبيه !















المزيد.....

صديقي الذي أجهل اسم أبيه !


مهدي شاكر العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 6256 - 2019 / 6 / 10 - 10:35
المحور: الادب والفن
    


صديقي الذي أجهل اسم أبيه !

مهدي شاكر العبيدي
اوستن- تكساس

قد يكون اليوم مريضا ً ومقعدا ً وملازما ً بيته لا يبرحه إن لم يغادر هذه الدنيا ويعفي ذاته من كروبها وأوصابها ، فقد تعرفت عليه وارتبطت أسبابي به قبل ما يزيد على ستة عقود ، منذ كان موظفا ً بسيطا ً يدير مكتبة دار المعلمين بالأعظمية ويغري الطلبة بالإقبال عليها والاستعارة منها ، وكنت واحدا ً منهم حين أوشك العام 1950م ، أن ينقضي دون أن يهمني التعرف على اسم والده ـ وهذا أمر مدهش في تكوين الصداقات والصلات الحميمة - وحسبي مناداته بالسيد شوقي حين أبغي استعارة كتاب ما ، وكان على ما يبدو مشغوفا ً بالقراءة ، عارفا ً بما تنطوي عليه الكتب من الحقائق والأسرار ، وأذكر مرة ً أنـه نهاني عن تداول أي أثر لميخائيل نعيمة مدعيا ً أن نتاجه الأدبي آخذٌ بقدر من التجريد والابتعاد عن هموم الناس ، فهو من أشياع نظرية الفن للفن بدلا ً من تطويعه في سبيل الحياة ، الطريف أنـي بعد سنوات وقفت على هذه الملاحظة النقدية لأدب الكاتب من لدن باحث مصري يتبنى المذهب الواقعي ، ويدعو لتسخير الأدب في سبيل محو الفقر والجهل والمرض ، وإزالة هذه الأدواء من وجه الحياة ومن حياة الناس.

اعتدت خلال السنوات التالية وحين ألم ببغداد وافدا ً إليها من خارجها أن أزوره بين آونة وأخرى حين يتسع الوقت وتفرغ النفس من تمضية بعض الأشغال ، وفي إحدى المرات علمت أنـه أوقف صيف 1953م ، لاشتراكه في تظاهرة وطنية اخترقت شارع الرشيد استنكارا ً لقدوم شاه إيران ولياذه بحكام بغداد في ظروف تأميم الدكتور محمد مصدق لثروة بلاده النفطية ، والظاهر أنـه واجه في التوقيف الذي استغرق أشهرا ً أنماطا ً متباينة من الناس ، لا عهد له بأطوارهم وأمزجتهم ، أو تعلم من هذه التجربة العارضة درسا ً عن تواني من يعرفهم من الأناسي في إغاثته وعونه ، وربما خشي عواقب المستقبل وما يجر وراءه من نوائب أفدح وأجسم ، فخاف وآلى على نفسه أن يقطع صلته بالنضال ، واضعا ً حدا ً لعلائقه بالموسميين والمكابرين والثراثرة من المشتغلين بالسياسة وهواتها ، وأحسبه كان مصيبا ً ومنصفا ً حيال ذاته ما دام في أول الدرب وله أسوة بالشيخ عبد الحسين الجواهري الذي حكى عنه نجله الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري أنـه كان يغني ثم خاف وترك الميدان.

وكذا توالت استعاراتي من المكتبة العتيدة للدوريات والمؤلفات التي يغلب عليها الطابع التقدمي بتوجيه وإرشاد منه ، وبحسب مواصفات ذلك الزمن كمجاميع مجلة (المجلة) التي صدرت في الموصل أيام الحرب العالمية الثانية ، ودأبت على التنديد بالفاشية والحرب ، وأخطرها كتاب (تاريخ الحركات السرية الهدامة) لمؤلفه محمد عبد الله عنان تناول فيه على شاكلة المستشرقين الروس حركات القرامطة والزنج والحشاشين في التاريخ الإسلامي ، وثورة الأقنان والعبيد المسماة في تاريخ الرومان بثورة سبارتكوس ، وحين تعينت معلما ً في إحدى مدارس قصبة الهندية ، فإن أول ما وجهت نظري له مكتبة المدرسة المتواضعة ، وسألت عما إذا كانت تحتوي على مؤلفات لمحمد عبد الله عنان ، حملق بوجهي الشيخ المدير وهو رجل مستنير وشاعر مقل ، و لاهج دوماً بحمد من أسدى إليه صنيعة ذات يوم ، و من ذلك ثناؤه و اطراؤه شخص الدكتور محمد فاضل الجمالي استاذه بمعهد اعداد المعلمين عام 1927م ، و من رأيه أن لو قنع بتحصيله من علوم التربية من وراء بعثته إلى جامعة أمريكية و لم ينجر إلى العمل السياسي لأسدى لبلده من الآلاء و الأفضال ما يجانب به الانكار و الجحود ، فلا غرو أن أبدى دهشته لإحاطتي بحياة هذا الكاتب وآثاره والذي يعده ـ بحسب تعبيره الذي أتذكره جيدا ً ـ أول من شتم فيصلا ً ، وحذر العراقيين من تنصيبه ملكا ً وإيلائه الثقة ، ولم اتقر هذه الحقيقة في مصدر ثبت بعد ذلك ، وجل ما أعرفه عن محمد عبد الله عنان ـ من خلال كتابات سلامة موسى ـ أنـه تقدم هو ونخبة من المتنورين ـ وعلى رأسهم هذا المفكر الحصيف ـ إلى الجهات المسؤولة بطلب إجازة حزب يساري متوق للابتلاء بمرض الطفولة اليميني ، فصدموا بمعارضة سعد زغلول ورفضه الطلب ذاك ، وسوى أنـه ترجم إلى العربية رسالة طه حسين العلمية عن فكر ابن خلدون ، ثم تحول وانقلب إلى باحث تراثي متعمق في نشأة الأزهر والآثار الأندلسية وحضارة العرب بعامة ، وانـه أقام بالمغرب زمنا ً منقـبا ً في مكتباته وخزائنه العلمية كعالم ومصنـف ، لكن لعنة التأسيس ظلت تطارده من لدن هذا الحزب أو ذاك من الأحزاب التي ظهرت في الساحة بعد حزبه المجهض بعقود ، مما لا يحيط به الحزبيون من كل صنف ولون ، وحين مات محمد عبد الله عنان في عام 1986م ، وقد شارف التسعين عاما ً نعاه كالعادة الراحل عبد القادر البراك إلى الوسط الثقافي مؤرخا ً وعالما ً ومحققا ً ومترجما ً ، وما ذاك إلا لأن للبراك الصحفي اتصالا ً بمصادر الأدب الحي ، قبل أن تسف الصحافة العراقية ويتهافت عليها الطارئون !.

وآخر لقاء لي بشوقي هذا المتنبئ بحوادث المستقبل وما تفرضه في حياة الناس من متغيرات كان في عام 1980م ، قبل أن تندلع شرارة الحرب مع إيران وفي مدخل شارع المأمون ، ونحن بانتظار الحافلة كل لوجهته ، قال مقسما ً ووجهه يرنو لتمثال الرصافي :ـ”وحق هذا الذي ظلمه الزمان ، وشرع ذوو الشأن يمجدونه بالتمثال ، وكأنـهم يعتذرون منه ، إنـنا في السنوات العشر القادمة سوف نجوع ولا نجد الأكل في السوق”، هكذا بلهجته البغدادية ذات البلاغة البسيطة بعد أن أبصر بأم عينيه توافد الأيدي العاملة المصرية التي تشتغل بأي شيء وسط ادعاء هذا بأنـه انتظم في الأزهر زمنا ً ، وازدهاء ذاك بأنه يحمل بكلوريوس تجارة ، وما عهدنا بمصر الثورة والنضال والصدق والحقيقة أن ينزل نفرٌ من بنيها لهذه الدرجة من الكذب والتدليس ، وهذه هي المرة الوحيدة التي أخطأ فيها شوقي بحدسه ، فقد شهدت سنوات الحرب التي أعقبت هذا اللقاء وفرة ً وانتعاشا ً في الأقوات والأرزاق لصرف الناس عن الاحتجاج على الحرب ، وكان يصدق لو علـقه بسنوات العقد التالي حيث فرض الحصار القاسي ، ولقي الناس منه ما لقوا ، سوى الانشغال ببناء مساجد الله ، وعناية المسؤولين بصحة الناس ، وإيصائهم بشرب العرق المختوم وتحديد أوقات بيعه.



#مهدي_شاكر_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من الصراحة الجارحة
- تفصيل في فحوى مقالة أثيرة وتعقيب عليها واضافة إليها
- كُتابنا في طفولتهم
- شيء عن منير البعلبكي
- عن الوحدة المطلقة
- أسماءٌ لا تموت
- شيخ المفلوكين
- نصوص المصطلح الصوفي في الإسلام
- مذكرات منسية
- مروية عبد الحميد المحاري
- تعقيب على مقالة الباحث شكيب كاظم بخصوص ريادة مارون عبود للنق ...
- قلم الأديب بغير حظٍ مُغزل
- وثيقة من مؤرخ الوزارات العراقية عبد الرزاق الحسني
- رباعيات الخيام بالعربية
- إستذكار عبد الحميد الرشودي
- حول تمثال إنقاذ الثقافة العراقية
- الجواهري في عيون معاصريه
- عبد الحسن زلزلة شاعراً
- درس في الاخلاق والثقافة
- شيء عن دزموند ستيوارت


المزيد.....




- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهدي شاكر العبيدي - صديقي الذي أجهل اسم أبيه !