منال شوقي
الحوار المتمدن-العدد: 6287 - 2019 / 7 / 11 - 02:28
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
إن مثقفاً حقيقياً يدعي أنه يحمل مشعل التنوير ووطنياً صادقاً يزعم أنه يعمل لصالح وطنه وليس لمصالحه الشخصية ، سيطالب رجال الدين بعدم التعاطي مع الشأن العام للدولة بأي شكل من الأشكال، و سيعمل على تعبئة الرأي العام بهكذا ضرورة مهما كلفه الأمر من مشقة حتى و إن بدا له أنه يؤذن في مالطا، فمشوار الألف ميل يبدأ بخطوة و فلاسفة عصر الأنوار الذين قادوا أوروبا من مستنقع العصور المظلمة بدأوا مهمتهم المستحيلة في بدايات القرن السابع عشر و في مجتمعات يسيطر عليها الكهنوت الديني سيطرة مطلقة ليقطف ثمار جهودهم أحفاد أحفادهم في القرن العشرين، و لو كان هؤلاء تملقوا الكنيسة أو انحنوا أمام جبروتها ما كانت أوربا قد رأت ما هي عليه من تقدم و ازدهار و لكانت الأن – شأنها شأن الشرق الأوسط ، بقعة جغرافية منكوبة بالحروب و الإرهاب و التطرف و التخلف و انتهاكات أبسط حقوق الإنسان .
لو كان هؤلاء المثقفون الحقيقيون و الوطنيون الصادقون تجار أفيون كمدعي الثقافة و الوطنية عندنا لظلت شعوب أوربا تتعاطى الدين في كل نفس تتنفسه كما نفعل نحن في الشرق الأوسط و قد أٌبتٌلينا بالمنافقين، لاعبي السيرك الذين يعملون لمصالحهم الشخصية و يتاجرون بمصير ومستقبل أجيال كاملة لقاء مكاسب شخصية تافهة .
فما بين الكنيسة التي تسند خاصرة الوطن و الأزهر الذي يسند ورك الوطن يتشقلب الوطن و لن يكف عن التشقلب طالما ظل شيخ الأزهر أباً للمصريين و بطريرك الكنيسة الوطنية ( حلوة الكنيسة الوطنية دي ) أباً للمصريين و رئيس الجمهورية أباً للمصريين و ظللنا نحن الشعب عيلة حلوة كدة في بعضينا و زيتنا في دقيقنا كأي قبيلة يُراعي أفرادها خواطر بعض ونحتال علي مشاكل مجتمعنا وانتهاك حقوقنا بالاحتساب والصبر على قتامة الدنيا الفانية طمعاً فيما ينتظرنا في الآخرة من القصور الشاهقة والأساور الذهبية و الأرائك الوثيرة و لحم الطير و شرب الخمر.
أكاد أجزم أن المروجين لأي دور سياسي يلعبه رجل الدين هم من المنتفعين الذين يتعيشون على إدمان شعوبهم للأديان و أن علاج هذه الشعوب و استيقاظها يهدد ببوار تجارة هؤلاء المرتزقة .
لن تخرج مصر من مستنقع الجهل و الفقر و المرض و لن تتخلص من الطائفية إلا إذا منع الدستور تواجد الدين - أي دين –خارج جدران دور العبادة سواء كانت مساجد أو كنائس، و لن يتغير الدستور و لن يتحرك القانون إلا بقوة شعب واعي يدرك مصالحه و يعي كيف يتم استخدامه بواسطة الذين يتصدرون المشهد و هم إما إنتهازيون أو خونة أو عديمي كفاءة لو استفاقت شعوبهم من غفلتها لسحقتهم ، و لن تستفيق شعوباً تستنشق الأفيون الديني المقدس بلا كلل ولا ملل ، لن تستفيق شعوباً تُطرح مشاريع قوانين مجلسها النيابي علي أبو عمة يقبلها أو يرفضها بناءً علي اجتهاداته الدينية و التي يستند فيها علي عقول سلفه الصالح ، تلك العقول التي حَرَّمَت يوماً ما استخدام صنابير المياه !
هل تعلم عزيزي القارئ لماذا يٌسمي الصنبور حنفية بالعامية المصرية ؟
ذلك لأن أصحاب المذاهب الثلاثة الحنابلة و الشافعية و المالكية عارضوا مد مواسير المياه إلي المنازل متعللين في ذلك بأن الوضوء من ماء الصنبور حرام شرعاً و مستندين في فتواهم تلك إلي الحديث الذي يقول أن كل بدعة ضلالة وأن كل ضلالة في النار بينما أجاز المذهب الحنفي الوضوء بماء الصنبور الذي أُطلق عليه حنفية نسبةً للمذهب الحنفي .
ماذا لو كان المذهب الحنفي قد حَرَّمَ أيضاً استخدام ماء الصنبور ؟
ألم يكن كثيرون اليوم يتبعون فتوي التحريم تلك مخافة ارتكاب إثم ؟ و بالتالي لربما كنت أنت نفسك اليوم تتعامل مع السقا و تتسلم حصتك اليومية من المياه في قربة .
إن التدخل السافر لرجل الدين في كل مناحي الحياة و التي لا يفقه فيها شيئاً لن يزيدنا إلا تراجع و فقر و معاناة، ففي حين تتشكل اللجان في الدول المتحضرة من كل المتخصصين للبحث عن حلول لمشكلة ما أو سن قانون يهدف للمصلحة العامة و المستقبلية ، نشكل نحن اللجان من المتخصصين لسن القوانين ثم نقدمها علي طبق من ذهب لمعمم أزهري ليبت فيها مسترشداً في ذلك بغبار جثث أسياده من المشايخ الراحلين منذ قرون .
و ليس غريباً أن يكون لرجل الدين قدرة خارقة على التأثير في شعب أفيونجي أديان ، و ليس غريباً أن يحرص حاكم عديم الكفاءة و جوقته من الإعلام الفاسد على استمرارية بقاء هذا الشعب تحت تأثير المخدر، أما الغريب و المؤسف معاً فهو ألا يجود الزمان عليكِ يا مصر بفرج فودة جديد بينما حظك من الأفاقين كبير !!!
أجرت صحيفة العين حواراً صحفياً مع الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر بتاريخ 30/04/2016 قال فيه : ، إن التبرع بالأعضاء حرام شرعًا لأن الإنسان لا يملك من نفسه شيئا، وليس يملك أن يهدي عضوا من أعضائه فهو ملك لله عز وجل.
هذا في الوقت الذي صدر فيه قانون التبرع بالأعضاء من الأحياء والأموات في مصر منذ عام 2010 و لكن السيد كريمة يأبي إلا أن يحشر أنفه في شأن ذو أبعاد طبية و اجتماعية و قانونية و النتيجة كانت إحجام كبير من المصريين عن التبرع بأعضائهم حال وفاتهم خوفاً من دخول النار و بالتالي فإن تجارة الأعضاء في منتهي الرواج في مصر بل إن أرباحها تفوق أرباح التجارة في المخدرات و اختطاف أطفال الشوارع وسرقة أعضائهم يُسعِد إله الشيخ كريمة بدليل أن هذا الإله لم يحرك ساكناً لمنعه بمعجزة من معجزاته بأن يشق بحراً اًو ترعة حتي.
من الذي لا يسمع للسيد كريمة و أمثاله في مصر إذن ؟
إنهم المعدمين الذين يبيع الواحد منهم كليته ليطعم أطفاله أو ليشتري دواءً لأمه المريضة بينما يأكل الدود ألاف الكُلي لأموات لن يستفيدوا بها شيئاً بعد موتهم إلا إرضاء إله كريمة و لو لم يكن كريمة و أمثاله في المشهد و بمباركة من الدولة لما احتلت مصر المركز الثالث عالمياً في تجارة الأعضاء البشرية و لما انتشرت ظاهرة خطف أطفال الشوارع و قتلهم وسرقة أعضائهم وبيعها للأثرياء.في مصر و خارجها.
عندما تُدرك خاصرة الوطن أنها ليست بحاجة للكنيسة لتستند عليها، و عندما يُدرك ورك الوطن أنه ليس بحاجة للأزهر كي يرتكز عليه سينهض الوطن من كبوته و عندما يكف الأفاقون الذين لم تسعفهم مواهبهم في الرقص بخواصرهم هم عن الرقص بخاصرة الوطن سينشغل أبناء الوطن بما هو أهم من الطائفية التي يتقوت عليها الراقصون .
إن الأوطان الكسيحة هي الأوطان ذات الخواصر المائلة التي تستند علي حوائط الكهنوت المتهالكة ، كهنوت من نوعية تحريم الوضوء بماء الصنبور لأنه لم يُعرف عن السلف الصالح أنهم هكذا فعلوا ، كهنوت مازال سبباً في ظواهر مؤسفة و إجرامية كتحريم التبني في الإسلام و عدم السماح بالطلاق في المسيحية و أخري رجعية بدوية متخلفة كميراث المرأة وشهادتها وزواج الرجل بأكثر من امرأة و حق الرجل في التطليق الغيابي بكلمة و الإنجاب علي طريقة الأرانب عملاً بمبدأ نحن نرزقهم و إياكم (ما تأكلوهم من الزبالة ، أليس ذلك رزق ؟ ) عندما تُحَيد الأديان بالنسبة للوطن و تستقيم خاصرته العوجاء سنكف عن ترديد و سماع عبارات مثل الرئيس الأب الذي يعلم ما لا نعلم و الذي يجلس عن يمينه أبونا الثاني شيخ الأزهر و عن يساره أبونا الثالث بابا الكنيسة ، سنصبح مواطنون في دولة و ليس أفراد في قبيلة علينا أن نوقر كبارها و نطيعهم ، سنتكلم بالقانون و بالحقوق و الواجبات و ليس بحسبي الله و نعم الوكيل و اتقي الله فينا و الله يخليهوملك و يجبر بخاطرك و خلصيلي ورقي يا حجة إلهي يكتبلك زيارة بيته و احلف إن سد النهضة مش هيعطشنا و اللي يحب النبي يزق.
#منال_شوقي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟