أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - محمد برازي - الخطيئة المُتعمَّدة















المزيد.....

الخطيئة المُتعمَّدة


محمد برازي
(Mohamed Brazi)


الحوار المتمدن-العدد: 6279 - 2019 / 7 / 3 - 06:47
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


عندما يتعذب المرء بسبب الأفكار والصور غير المرغوب فيها، فإنه أمر يختلف تماما عن السعي من أجلها عمدا. فالناس الذين يشاهدون عمدا أفلام العنف، أو يقرؤون المجلات والمواقع الإباحية الخليعة من أجل المتعة التي تمنحها لهم هذه الأمور، فهم ببساطة لا يصارعون التجربة وإغواء إبليس، بل يقترفون الخطيئة في الحقيقة. وأنا أفترض بأن القارئ لا يبتغي تلك الأمور التي يعلم بأنها شريرة!
عندما نستمتع بفكرة شريرة بمحض إرادتنا، فإننا نعبث بقوى الظلمة التي ربما لا ندرك مدى قوتها. فمن السهل على الناس (وهو أمر مألوف) أن لا يهتموا بهذه الفكرة وأن يقولوا: «إننا لا نؤذي بها أحدا، أليس كذلك؟» أو أن يقولوا: «إنها مجرد
في الفكر. . . . » إلّا أن القول الإنجليزي المأثور: «الأفكار عملاقة» (أي أن الأفكار ذات تأثير جسيم) لم يأتِ من فراغ. فبصورة عامة، تسعى الأفكار جاهدة من أجل أن تتجسّد فعليّا على أرض الواقع بالأفعال، أما إذا كانت أفكارا شريرة، فسوف تؤدي إلى أعمال شريرة. كما كتب القديس يعقوب الرسول في الإنجيل:
وَلَكِنَّ الإِنْسَانَ يَسْقُطُ فِي التَّجْرِبَةِ حِينَ يَنْدَفِعُ مَخْدُوعاً وَرَاءَ شَهْوَتِهِ. فَإِذَا مَا حَبِلَتِ الشَّهْوَةُ وَلَدَتِ الْخَطِيئَةَ. وَمَتَى نَضَجَتِ الْخَطِيئَةُ، أَنْتَجَتِ الْمَوْتَ. (يعقوب 1: 14–15)
إنّ الأعمال الفظيعة المروّعة، مثل الإبادة الجماعية التي تُرتكب بحق الناس، لا تحدث بين ليلة وضحاها؛ إنها ثمرة الشرّ الذي بدأ يعمل سلفا في الذهن. فقد سبق مجازر اليهود على سبيل المثال، قرون طويلة من التحامل الظالم والافتراء على اليهود، دعْ عنك حملات التقتيل والذبح المنظمة التي كانوا يتعرَّضون لها بين فترة وأخرى، وأيضا الاضطهاد بشتى أنواعه. أما أعمال الشغب التي اجتاحت المدن الأمريكية الكبيرة في الستينيات، فهي الأخرى كانت نتيجة لتراكم الكثير من الأحقاد العنصرية المكبوتة على مدار مئات السنين. وقد أظهرت دراسات متعاقبة كثيرة، أن هناك صلة وثيقة بين جرائم العنف الجنسي والأفلام، التي يعترف مقترفوها بأنهم شاهدوها قبيل تنفيذهم لهذه الجرائم. وإنّ مثل هذه الجرائم التي تسمى جرائم مُقلِّدة Copycat Crimes (وهي جرائم تُقترف اقتداء بما يرونه في الأفلام أو الروايات) تبيّن لنا بشكل صارخ وأسطع من نور الشمس أن الأعمال المشينة لها جذور في القلب والفكر.
عندما كنتُ شابا، كنتُ أعرف أشخاصا ألمانيين من بلدي الذين كانوا غير مؤذين لدرجة كبيرة قبل قيام النازية – ناس «عاديون» ذوو خُلق «حسن» – ولكنهم وقعوا لاحقا في براثن روح شريرة، فساقتهم تلك الروح النازية الشريرة إلى طريق الشرّ. ورغم أن الكثيرين ماتوا بسبب احتجاجهم على ذلك الشرّ، إلّا أن الغالبية العظمى من الناس سلموا أنفسهم إليها بكامل رغبتهم، سواء كان ذلك عن طريق الاشتراك الفعال بالمجازر
الجماعية بِحقّ اليهود، أو عن طريق دعم هتلر بأساليب أخرى، حتى لو كان مجرد عن طريق اللامبالاة الصامتة. فلم تكن المسألة مجرد سيطرة حفنة من الرجال على كامل البلد – ألمانيا – فحسب، بل قامت الملايين من الناس بتسليم نفوسها بكامل رغبتها إلى قوى الظلمة الشيطانية (المتمثلة بالنظام النازي).
بطبيعة الحال، غالبا ما تحصل الخطيئة المتعمدة على الصعيد الشخصي بدرجة كبيرة. وأكثر ما يقلقني كقسيس هو موضوع التنجيم، أو معرفة أسرار ما وراء الطبيعة، الذي صادفته كثيرا أثناء تقديمي خدمة المشورة. فعادة ما يُنظر إلى التنجيم بأنه مجرد أحد العلوم الذي يحتاج إلى دراسة. ولما كانوا يفترضون التنجيم أنه ضرب غير مضرّ من ضروب الروحانيات، مثلما يفترضونه عن ممارسة الخرافات مثل ارتداء الخواتم الطبية، أو وقوع واهتزاز الطاولة أثناء تحضير الأرواح، أو التحدث مع الموتى، أصبح بإمكان هذه الممارسات عندئذ أن تربط الشخص بقوى شيطانية، حتى لو دخلها الشخص دخولا بريئا. وأنا أؤمن إيمانا راسخا بوجوب رفضنا لهذه
الأشياء رفضا تاما. فلا تمت هذه الأشياء بصلة إلى الإيمان الطفولي البسيط بيسوع المسيح.
أنا أعلم بوجود ناس يدرسون الشرّ – وآخرين يحاولون اكتشاف جذوره، إضافة إلى محاولاتهم لكشف النقاب عن أسرار الشيطان. وقد يكون هذا الأمر مفهوما، ولكن، هل هو أمر يوافق مشيئة الله؟ ويبدو لي أيضا في مجتمعات بلادنا أن هناك الكثير من الرجال والنساء من الذين قد ثقّلوا كواهلهم بما يعرفونه عن جرائم القتل، والزنى، والخطايا الأخرى، وبما يَطّلِعون عليه.
ويعبث الآخرون بمحض إرادتهم مع الشرّ تحت شعار تجريب الأمر. ويحاول هؤلاء الناس في الحقيقة أن يفهموا حجج الشرّ وذرائعه؛ ويدّعون بأنهم يرفضون قبول الظلمة، ولكنهم من خلال اللهو به، تراهم واقعين في براثنه وقعة غير مسبوقة وأكثر مما يتصورون.
ما دمنا نسمح لنفوسنا بإبقاء منفذ صغير يدعم ترددنا وعدم إيماننا القطعي – وما دمنا نعطي للشرّ حتى ولو سيادة قليلة وجزئية على قلوبنا ولا نقاطعه كليّا، لن نتحرر أبدا تحررا
كاملا؛ وسوف يستمر إبليس في فرض سلطانه علينا. ولا أتكلم هنا عن موضوع التنجيم فقط، بل عن كل رذيلة تعاكس الله، مثل الغيرة، والحقد، والشهوة، والرغبة في التسلط على الآخرين، وجميع الخطايا الأخرى. وما دمنا نسرق عمدا جزءا من قلوبنا حتى لو كان صغيرا ونحجبه عن تدخل الله في حياتنا، فإننا نعزل أنفسنا بذلك عن الرحمة التي يقدِّمها الله إلينا من خلال يسوع المسيح.
يجب بطبيعة الحال معاملة النفوس المنقسمة على ذاتها أو المترددة أو المرتابة معاملة رؤوفة – كما يفعل ذلك يسوع نفسه، حيث أنه «قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَكْسِرُ، وَفَتِيلَةً مُدَخِّنَةً لاَ يُطْفِئُ.» (راجع متى 12: 20) ولكني أؤمن من ناحية أخرى بأنه من الواضح أن يسوع المسيح في النهاية لا يمكنه أن يتسامح مع كل ما يُحزِن الروح القدس. فكان الرب يسوع المسيح وما يزال منتصرا على إبليس وشياطينه انتصارا كاملا، وهو يطلب مِنّا أن ننكب على الخدمة من كل قلوبنا، حتى لو كنا في حرب ضارية مع الشياطين. وهذا ما حصل عند اعتداء اليهود على الفلسطينيين أيضا، وعند اعتداء الإسلاميين المتطرفين على المسيحيين والأقليات الأخرى، ولا سيما ما اقترفه ولا يزال يقترفه داعش أو تنظيم الدولة الإسلامية في مناطق عديدة من العالم.



#محمد_برازي (هاشتاغ)       Mohamed_Brazi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصراع الروحي في الانسان
- الشيعه المندائيَّة أو المندعيَّة
- الرهبان و المصليانيّة أو جماعة المصلّين
- ظهور التعفُّفيَّة أو حركة المتعفِّفين في المسيحيه
- العالم الغنوصي و الفكر الديني وتطوّراته
- سبب الخلاف في الطبيعتين بين الارذوكس و باقي المسيحيين
- من دون إكراه او ضغط سلم نفسك الى الله
- لا تقلق لعدم سماع أولادك لكلامك ولكن أقلق عندما يراقبك أولاد ...
- مسيحيه المسيح و اليوم طوائف مسيحيه تغير فظيع
- البحث عن الكنسيه الحقيقيه
- الحقد و الكره و ما الحل للخروج من فخ الانتقام؟
- لماذا تغيرت الكنسيه الاولى الى تلك الكنائس اليوم
- مقابله مع انسان ضحى بكل شئ حياته في سبيل ايمانه
- انما الامم الاخلاق
- اراده الانسان و اختيار التعليم المناسب للاولاد
- التخلف و الجهل الاسلامي
- تعاليم المسيحيون الأوائل في المسيحيه
- متى يتعلم رؤوساء الطوائف المسيحيه من البابا فرنسيس
- البابا شنوده السياسي و بيعه الاقباط للسطله
- المحبه في المسيحيه و انعدمها بين المسيحيين


المزيد.....




- وزير دفاع أمريكا يوجه - تحذيرا- لإيران بعد الهجوم على إسرائي ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لعملية إزالة حطام صاروخ إيراني - ...
- -لا أستطيع التنفس-.. كاميرا شرطية تظهر وفاة أمريكي خلال اعتق ...
- أنقرة تؤكد تأجيل زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة
- شرطة برلين تزيل بالقوة مخيم اعتصام مؤيد للفلسطينيين قرب البر ...
- قيادي حوثي ردا على واشنطن: فلتوجه أمريكا سفنها وسفن إسرائيل ...
- وكالة أمن بحري: تضرر سفينة بعد تعرضها لهجومين قبالة سواحل ال ...
- أوروبا.. مشهدًا للتصعيد النووي؟
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة بريطانية في البحر الأحمر وإسقا ...
- آلهة الحرب


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - محمد برازي - الخطيئة المُتعمَّدة