أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - محمد برازي - الحقد و الكره و ما الحل للخروج من فخ الانتقام؟















المزيد.....

الحقد و الكره و ما الحل للخروج من فخ الانتقام؟


محمد برازي
(Mohamed Brazi)


الحوار المتمدن-العدد: 6267 - 2019 / 6 / 21 - 04:45
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


إنَّ الغُفران هو الطريق للسلام والسعادة، وهو السرُّ الذي إن لم نسعَ لاكتشافه لظلّ خفيّاً عناّ. لأنّه من المُستحيل أن تُخبر شخصا كيف يجب أن يغفر، إنّ الغُفران أمرٌ ممُكن، حيثُ تُعلّم الناس أن يغفروا حتىّ في أصعب الظروف. وأنا أتمنّى أن أُساعدك للوصول إلى الباب الذي يقودك إلى طريق الغُفران بسردي لتلك القصص، وبمُجرّد أن تصل إلى الباب، فستكون أنت الشخص الوحيد الذي يكون بمقدوره أن يفتحه.
ما معنى الغُفران؟ أنّه يتعدّى حدود العدل الإنسانيّ، إذ أنّه يصفح عن تلك الأمور التي لا يمُكن الصفح عنها أبداً. فهو إذن أكبر من مجرد اِلتماس العفو، فعندما نلتمس نحنُ العفو من شخص ما، فإنّنا ننحي جانباً الأخطاء التي ارتكبها ولا نُعاقبهُ عليها، لكننا عندما نغفر، فنحن لا نتسامح في الخطأ أو الفعل المُتعَّمد للشر فحسب بل نعلم أيضا جيّداً أن ذلك الشخص هو المسئول عن الخطأ، ونسعى إلى إعادة تأهيله واستعادته مرة أخرى. وقد لا يكون غُفراننا مقبولا دائماً، لكن بمُجرّد أن نبادر بالغُفران فستصبح نفوسنا طاهرة من الشعور بالكراهية. رُبمّا نظل مجروحين، لكننّا على الأقلِّ لن نستخدم الألم الذي نشعر به لإحداث مزيد من الألم للآخرين.
فنحن عندما نستعيد مرّة أُخرى تلك الذكريات السلبيّة الخاصّة بإساءة آخرين في حقنِّا، فإن أمرا كهذا سيستفحل ليصير ظنوناً سيئة، ولا يهمّ ما إذا كان سبب هذا الظنّ صحيحاً أم وهماً، إذ أن تأثير كلاهُما واحد. فبمُجرّد أن نصل لتلك المرحلة، سنجد أنّ الظنّ قد استهلك قُوانا حتّى ننفجر ونُفسد كلّ شيء من حولنا.
جميعنا يعرف أناس يشعرون بالبغض، فمثل هؤلاء لديهم ذاكرة مُدهشة لأدقّ التفاصيل، وهُم يغرقون في فخ الشعور بالشفقة على الذات وفخ الكراهية. كما أنّهُم يسجلون كُلّ ظُلم وقع عليهم، ويكونون على استعداد دوما لأن يُظهروا للآخرين إلى أيّ مدى هُم متألّمُون، وهُم قد يبدون هادئين من الخارج، لكنهم يكونون في واقع الأمر مملوئين بالكراهية من الداخل.
وعادة ما يُدافع هؤلاء الناس عن شعورهم بالسخط والنقمة باستمرار قائلين إنّهُم قد تألمّوا وعانوا كثيراً، وأمرا كهذا - بحدّ ذاته - كفيل لأن يكون ذريعة تعفيهم عن مسامحة غيرهم. لكنّ الحقيقة هي أنّ هؤلاء الناس يحتاجون إلى الغُفران أكثر من غيرهم، فقلوبُهُم في بعض الأحيان تمتلئ بالضغينة للدرجة التي تجعلهُم يفقدون القُدرة على المحبّة!
منذ ما يقرب من عشرين سنة تحدثت وأبي لوقت طويل مع امرأة من هذا النوع مُحاولين مُساعدتها، فقد مات زوجها لكنها كانت قاسية وبلا مشاعر مثل الصخرة، وعاشت حياة بلا لوم في نظر العالم، إذ كانت شديدة الترتيب والتدقيق وتعمل بجد، وأمينة ومقتدرة ويُعتمد عليها، لكنها كانت لا تستطيع أن تُحب. وبعد شهور من الصراع، اتّضح السبب وراء شعورها بفتور القلب، إذ أنّها لم تكن قادرة على الغُفران، ولم يكُن بإمكانها الإشارة إلى ألم مُعيّن بعينه بحياتها، لكنها كانت مُنحنيّة تحت ثقل الآلاف من الظنون الصغيرة مُجتمعة معاً.
إنّ مرارة الكراهية هي أكثر من مُجرّد نظرة سلبيّة للحياة. فهي هدّامة وتهدم الشخص بحد ذاته أيضاً. فعندما تحتفظ أنت عمداً بالضغينة تجاه شخص آخر، فسيكون لهذا تأثير مُدمّر على نفسك. إذ أنّ أمرا كهذا سيفتح الباب للشر، وسيترُكنا مُعرّضين لأفكار الكراهية والانتقام، بل ولأفكار القتل. وبهذا تتضرر النفس ويتضرر الجسد أيضاً. ونحن نعلم أن الشدّ النفسي يمُكن أن يتسبّب في حدوث قُرحة أو آلام الصداع، لكننا عادة ما نخفق في رؤية العلاقة بين مرارة الاستياء والأرق على سبيل المثال. فقد أظهرت الأبحاث الطبيّة علاقة وثيقة بين الغضب الذي تكون مشكلته غير محلولة، وبين النوبات القلبية: فيبدو أن الذين يحبسون استيائهم ومرارتهم يكونون أكثر عرضة للإصابة بالأمراض من أولئك الذين يتمكنون من تهدئتها عن طريق التنفيس عن مشاعرهم.
امرأة شابّة طُلب مني مُساعدتها قبل مدة قصيرة، لقد كانت قد تعرضت للاعتداء الجنسيّ وعلى الرُغم من أنّها ومن غير شك كانت ضحيّة بريئة لذلك الرجل الفاسق والرهيب، إلاّ أن شعورها بالبؤس والكآبة كان قد صار جُزءا من تكوينها النفسيّ، فلم ترغب بل لم تقدر على تجميع قواها النفسية لتغفر. وصرخت إليّ يائسة بعدما قضت سنوات طويلة في الخوف من الفضيحة وفي إدمان الكحوليّات التي كان يمدّها بها عمّها – معذِّبها - كلّ يوم كهدايا. اجتازت مشوارا طويلا في الحصول على استشارات من الأطباء النفسييّن، وكان لديها كلّ رفاهية ماديّة يمكن أن ترغب فيها. وكانت تشغل وظيفة مرموقة ولديها شبكة من الأصدقاء الذين قدموا لها الدعم، وقد تمَّ القيام بكل ما هو مستطاع لمساعدتها لاستعادة وضعها الطبيعي، لكن بدون جدوى. لكن، وبالرُغم من هذا، كانت مشاعرها تتأرجح بصورة كبيرة ما بين الضحك المُفرط والبُكاء الذي لا يمُكن إيقافه. وكانت تنغمس في التهام الطعام في أحد الأيام، ثمّ تضرب عنه في اليوم التالي. وكانت تشرب زجاجة وراء الأخرى من المشروبات الكحوليّة، مُحاولة بذلك أن تنسى مُشكلتها.
رُبمّا كانت واحدة من أصعب الناس الذين سعيتُ لمُساعدتهم. كُنتُ مُتردّداً في التحميل عليها بأيّ شعور بالذنب، لكن بدا واضحاً لي أنّها هي وحدها التي بِيدِها أن تبادر في عملية الشفاء. فما لم تتعلّم الغُفران للشخص الذي اعتدى عليها، فإنّها ستظلُّ تشعر بأنها ضحيّته. لكن للأسف كانت كل مُحاولاتنا معها فاشلة. فازداد شعورها أكثر وأكثر باليأس بسبب الاِحتقان النفسي والإحساس بالغضب والحيرة، وأخيراً حاولت أن تخنق نفسها فتم نقلها إلى المستشفى.
إنّ الجراح النفسية التي يُخلّفها الاعتداء الجنسيّ ربما تستغرق سنوات لتشفى. وعادة ما تترك مثل هذه الجراح آثارا تستمرُّ لمدة طويلة. لكن يجب ألا يؤدّي الأمر إلى الشعور بالعذاب مدى الحياة أو إلى الانتحار. وفي كُلّ الحالات التي تتشابه مع حالة هذه الفتاه وجدتُ الضحايا يحصلون على تحرّر وحياة جديدة عندما يغفرون للمُغتصب، ويغفرون للذين سمحوا باستمرار الاغتصاب أو فشلوا في رؤية ما كان يحدث في ذلك الوقت، ولم يتمكّنوا من إيقافه. لا تعني المغفرة بالضرورة النسيان أو التغاضي عن الأمر. ولا يتوقّف الأمر هُنا بالتأكيد على شرط الالتقاء وجهاً لوجه مع المعتدي حتى أنه لا يُنصح به في حالة الاغتصاب. لكنه يعني بالتأكيد أن تتّخذ قراراً طوعياً بالتوقُّف عن الكراهية، لأنّ الكراهية لا تساعد بشيء ولن تقودُك إلى شيء مفيد، فهي تنتشر في الشخص مثل السرطان حتى تُدمّره بالكامل.



#محمد_برازي (هاشتاغ)       Mohamed_Brazi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا تغيرت الكنسيه الاولى الى تلك الكنائس اليوم
- مقابله مع انسان ضحى بكل شئ حياته في سبيل ايمانه
- انما الامم الاخلاق
- اراده الانسان و اختيار التعليم المناسب للاولاد
- التخلف و الجهل الاسلامي
- تعاليم المسيحيون الأوائل في المسيحيه
- متى يتعلم رؤوساء الطوائف المسيحيه من البابا فرنسيس
- البابا شنوده السياسي و بيعه الاقباط للسطله
- المحبه في المسيحيه و انعدمها بين المسيحيين
- رؤوساء و حكام العرب هم اسباب البلاء على البلاد العربية
- يا مسلمين عار عليكم هذا الفكر الارهابي السلفي
- الفكر الداعشي الارذوكسي القبطي
- الكنسيه القبطيه و دورها في تخلف مسيحين مصر الجزء الثاني
- الكنسيه القبطيه و دورها في تخلف مسيحين مصر
- الاسلام السياسي و الارهاب و لماذا يكون اتباعه ارهابيين
- العقليه الشرقيه الدينيه الجزء الثالث
- العقليه الشرقيه الدينيه الجزء الثاني
- الاسلام السياسي مع الاخوان المسلمين
- الاسلام السياسي و الفكر الارهابي
- العقليه الشرقيه الدينيه


المزيد.....




- وزير خارجية إسرائيل: مصر هي من عليها إعادة فتح معبر رفح
- إحباط هجوم أوكراني جديد على بيلغورود
- ترامب ينتقد الرسوم الجمركية على واردات صينية ويصفها -بغير ال ...
- السعودية.. كمين أمني للقبض على مقيمين مصريين والكشف عن السبب ...
- فتاة أوبر: واقعة اعتداء جديدة في مصر ومطالبات لشركة أوبر بضم ...
- الجزائر: غرق 5 أطفال في متنزه الصابلات أثناء رحلة مدرسية وال ...
- تشات جي بي تي- 4 أو: برنامج الدردشة الآلي الجديد -ثرثار- ويح ...
- جدل حول أسباب وفاة -جوجو- العابرة جنسيا في سجن للرجال في الع ...
- قناة مغربية تدعي استخدام التلفزيون الجزائري الذكاء الاصطناعي ...
- الفاشر تحت الحصار -يمكنك أن تأكل الليلة، ولكن ليس غداً-


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - محمد برازي - الحقد و الكره و ما الحل للخروج من فخ الانتقام؟