أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - مظهر محمد صالح - الشام وجرار زيت الزيتون



الشام وجرار زيت الزيتون


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 6256 - 2019 / 6 / 10 - 01:24
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


الشام وجرار زيت الزيتون
مظهر محمد صالح
ضاق مزارع شجرة الزيتون ذرعا بأية حكمة تتوافر في بلاد الشام والتي غاب عنها العقل، وقست القلوب، إلا حكمة واحدة أمامه، تنعى جميع الحكم، وهو ان يتطلع إلى طواحين الحرب، التي صارت عدتها مادة قتل وأداة حرب لعديد جيوشها، المشتبك بعضها مع بعض، والتي صنعت من بقايا معاصر إكسير السلام، معاصر زيت الزيتون، بخشبها وحديدها، لتصبح إكسيرا فعالا للحرب، بعد أن أمسى وقودها الحارق هو زيت السلام البارد نفسه. لجأ مزارع شجرة الزيتون، ذلك الرجل الطاعن في السن، إلى القبو، الذي تستودع فيه جرار زيت شجرة الزيتون السائل، وتستقر فيه بسلام. وهو ينتابه شعور بالخوف، امسى يؤرقه، ولا شفاء منه، إلا بعد أن يدهن جسده ببلسم الخلود، وهو الزيت المحفوظ في جراره. وعندما ولج المكان، الذي تستريح فيه أوعية الزيت تحت الأرض الباردة، لم يجد سوى ركام من حطام لأوعية، امتزج سائلها المسفوح في أرض القبو بدماء حاملي غصن الزيتون من أبنائه، من زرّاع شجرة الحياة، باستثناء تلمسه لجرة واحدة مفقودة، اختلسها أمراء الحرب والارهاب، ليصبوا الزيت على النار، كي تشعل أشجار مزرعة الزيتون، وتقلع أغصان السلام، في حرب جنودها من الغرباء ممن جاء ليقتل السلام بحرائق تضيْء الطريق إلى نهايات النفق المظلم، ولكن من دون ضوء وحتى وقت قريب . مفارقتان حادتان مررت بهما، في طفولتي وكهولتي معا، شكلتا مقدمة حادة في تفسير كيف تكسر جرار زيت الزيتون. في احدى ايام طفولتي وفي عقد من عقود القرن العشرين، انحدرت الحافلة، التي كنت أحد راكبيها مع والدي، وهي تسير رويداً بطريق صخري ملتوي يحاذي مجرى نهر الفرات، والحافلة منحدرة في مسارها حقاً نحو السهل الرسوبي وبوصلتها الدائمة هو مسار المياه المتدفقة من أعالي الفرات، والقادمة من بلاد الشام، لتصب في وادي الرافدين، وقبل أن ندخل مدينة هيت، البقعة
التأريخية العريقة، استوقفتنا نقطة تفتيش من رجال الشرطة، وبملامح حادة ومتوترة، تتناسب وتوتر العلاقات الدائمة بين البلدين الجارين، ضمن لعبة الأخوة الأعداء وقتذاك.فقد أجرت المفرزة تفتيشا دقيقا لحقائب المسافرين، الذين كانوا يرتجفون خوفاً من المجهول ، أبلغنا عريف الشرطة، المسؤول عن البحث والتحري، عن أمر أدهشني حينها ، وهو أنهم يفتشون عمن يحمل قطعة، أو أكثر، من صابون زيت الزيتون المصنوع في بلاد الشام، فالويل والثبور لمن تُكتشف عنده قطعة واحدة من صابون زيت الغار الشامي ويغرق السوق بفقاعاتها. كانت عينا عريف الشرطة تقدح نارا لاهبة، معلناً، وبصيحة عالية ومزمجرة، أن قطعة الصابون المكتشفة في حقائبكم ايها الرجال مثلها مثل من يحمل سلاحا ناريا محظورا!!!!!!أصابتني الدهشة واعتصرني الألم وخذلني الخوف ، وأنا اعلم أن الأمة العراقية، بمختلف أقوامها، من الجبل إلى السهل، تغتسل وتبارك أجسادها بالصابون الحلبي العابر للسيادة، بما في ذلك عريف التفتيش نفسه، الذي أفزعنا خشيةً ورهبة.
استعدت ذاكرتي اليوم ثانية على لهيب الفتنة التي اشعلت جرارالزيت المسكوب على أشجار الزيتون وحقوله الخضراء نفسها، لتستبدل زيتها، الذي يكاد يضيْء الدرب نحو السلام، إلى حرائق، لا تخلف إلا الظلام والموت في بلاد اسمها الشام. فلم انفك من ان اتحدث بسري مردداً :لا أريد، اليوم، وأنا في بلاد وادي الرافدين، أن أرى زيت الزيتون المسكوب من جراره المحطمة في اعالي المياه، ممتزجا بدماء الأبرياء، يسيل منحدرا مع جريان الماء، من أقاصي سريان الفرات. أريد مياها نقية، مضاءة بشجرة الزيتون، ارتوت، حقاً، من الفرات نفسه، كي تعانق نخيل العراق جنوباً، بحب، ومودة، وسلام. عدت من فوري لاراجع كهولتي ، يوم حالفني الحظ أن أتطلع، وأنا في زيارة إلى اليابان قبل اعوام إلى اكتضاض رائع من مخان ودكاكين العاصمة اليابانية، طوكيو، المزدهرة في بضائعها، والمتميزة بتنسيق أدهشني روعته .فبعد أن سلبت الألوان الجميلة لب عقلي ،عبر تناسق تلك السلاسل المخزنية الجميلة، وقع نظري على وعاء، أو زنبيل، يحمل قطعاً من الصابون الشامي، المصنوع من زيت الزيتون، والمصدر إلى أسواق أقاصي الشرق. عندها، علمت أن الأمة اليابانية هي الأخرى تغتسل بزيت السلام الشامي، مثلها مثل الأمة العراقية. إنها شجرة زيتون البحر المتوسط، التي نتبارك بزيتها نحن أمم الشرق كافة، في وقت أخذت فيها أشجار الزيتون تتهاوى وتحترق، وتتساقط فيها جرار زيت الزيتون واحدة تلو الأخرى لتكون حطاماً في بلاد عظيمة اسمها: الشام. قلت في نفسي: ربما هي آخر قطعة صابون ستصل إلى بلاد اليابان، بعد أن كسرت معاول الارهاب جرار الزيت، وحطمت معاصر ثمار الزيتون، واستبدل أمراء الحرب قطع الصابون بقطع السلاح، على غرار ما أخبرتنا نقطة تفتيش هيت، في نظريتها المتشائمة عن صابون زيت الزيتون في خمسينيات الحرب الباردة ...لا ادري!!! فعسى أن يكون ذلك الشرطي الهيتي على قيد الحياة، لأبلغه بأن الأمة السورية قد دخلت لعبة الحرب استبدلت فيها قطع الصابون بالأسلحة النارية، وتحولت بقابا جرارُ حفظ زيتها البارد، الى علب تسخن البارود المشتعل ، ليبرهن لنا أمراء الارهاب نظرية مفادها :أن الدم وزيت الزيتون لا يجلسان في جرة واحدة.



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رجل في العصر الاستعماري لسنغافورا:(السير ستانفورد رافلسSir T ...
- من أفضل ما قرأت اليوم . قصة حقيقية من مصر:
- حديث الاربعاء
- إقتصاديات اللحوم ... الى اين ؟
- غرائب إقتصادية...!
- امريكا اللاتينية... اجنحة الاقتصاد القوية
- الاسواق الناشئة..... قوة اقتصادية لا تُقهر
- لمحات من تاريخ العالم الاقتصادي . الجزء الثالث/شجرة البن
- لمحات من التاريخ الاقتصادي للعالم . الجزء الثاني /الضريبة ون ...
- لمحات من تاريخ العالم الاقتصادي . الجزء الاول/اوروبا والشرق
- حرب الخليج : اللعبة ذات المجموعة السالبة ! / الجزء الثاني
- حرب الخليج : اللعبة ذات المجموعة السالبة!/الجزء الاول
- الفضة..عظام الآلهة الفرعونية!
- الهيدونية والريعية الاقتصادية
- الماس بين الاطيان
- قانون باركنسون ... جد أم هزل!
- المدفع الملكي الصامت
- فيليب هوفمان....الساعة ٢٥
- السياسة النقدية الامريكية: صراع الصقور و الحمائم . الجزء الث ...
- السياسة النقدية الامريكية: صراع الصقور و الحمائم


المزيد.....




- تكريم الملياردير المصري محمد منصور بوسام الفروسية يثير انتقا ...
- طلاب في جامعات بريطانيا يحتجون مواقف جامعاتهم من الحرب على غ ...
- مخاوف من تقسيم السودان بعد تشكيل الدعم السريع إدارة مدنية في ...
- بوليتيكو: مصر طلبت تمويلاً ومساعدات عسكرية من أمريكا استعداد ...
- رئيس وزراء بولندا يكشف عن -جدل مثير- أشعله نظيره الإسباني في ...
- محققون صينيون في باكستان للتحقيق في هجوم انتحاري راح ضحيته 5 ...
- إيرلندا.. التوجه لمحكمة العدل ضد إسرائيل
- محكمة -باسمانّي- تقضي باحتجاز متورط تاسع في هجوم -كروكوس- ال ...
- فريق RT يرصد أوضاع مدينة ياسينوفاتيا
- الدفاع المدني في غزة: مئات الشهداء في محيط مجمع الشفاء لم نت ...


المزيد.....

- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم
- افغانستان الحقيقة و المستقبل / عبدالستار طويلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - مظهر محمد صالح - الشام وجرار زيت الزيتون