هل ينتفع الصائمون من صيامهم ؟

احمد عبدول

الحوار المتمدن-العدد: 6239 - 2019 / 5 / 24 - 12:36
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

ما ان تسأل احدا من العامة او الخاصة عن القصد من وراء صيام شهر رمضان من كل عام حتى يعدد لك عشرات الفوائد الجسدية والنفسية التي تترتب على الامساك عن المأكول والمشروب طوال ساعات النهار حتى الليل في ذلك الشهر .
ولا شك ان مثل ذلك القول يعد قولا مقبولا الى حد كبير فالصوم فريضة موجودة في اغلب الاديان السماوية وغير السماوية وهو احد الطرق العلاجية التي استخدمت قديما للتقرب من الالهة من جهة وللتخلص من السموم والدهون والتقليل من فرص الاصابة بعدة امراض كامراض المفاصل وامراض القلب كالجلطات وتصلب الشرايين من جهة اخرى , الا ان كل ما تم ذكره انما يكون اذا ما احكم الصائم مقدار ما يتناوله عند الافطار وخلاف ذلك فان الصوم سوف تكون له انعكاسات سلبية وضارة كما يؤكد مختصون في مجال التغذية حيث تكثر فرص اصابة الصائم بامراض ترتبط بالكولسترول فضلا عن امراض المعدة والصداع النصفي والجفاف والاجهاد .
ان ما يحدث خلال شهر رمضان هذه السنوات في العراق وسائر الدول العربية يكاد يخلو من اي فائدة تترتب على الصوم فالساعات الطوال التي يقضيها الصائم ممسكا عن طعامه وشرابه تجعله فريسة سهلة للنوم والكسل والتثاقل والتواكل والتهرب من التزاماته الوظيفية والاجتماعية على امتداد ساعات الصوم التي تبلغ اكثر من (15) ساعة لا تؤهل الصائم ان يحصل على صيام نوعي فيه جانب من التأمل والتفكر والاعتبار ومراجعة الذات والاحساس بمعاناة الاخرين ممن لا طمع له بالقرص ولا عهد له بالشبع فالجوع والعطش الذي يصيب الصائم طوال ساعات النهار يجعلان منه جثة هامدة خامدة لا تقدر الا على انتظار مدفع الافطار دون الالتفات الى معطيات ومدلولات كثيرة ومهمة كان بالامكان ان يحصل عليها الصائم من صومه لو كان هناك نظر ومراجعة من الفقهاء بملف الصوم في وقتنا الحاضر .

عندما شرع الصوم في العام العام الثاني للهجرة في المدينة لم تكن هناك حروب عسكرية تمتد لايام واسابيع واشهر ولربما سنوات متوالية ولم تكن هناك ورش ومؤسسات ومعامل صناعية يقف فيها العامل من الصباح حتى الليل منتصبا على قدميه ولم تكن هناك عمليات جراحية كبرىتستغرق اكثر من ( 6ـ7) ساعات واكثر وهي تتطلب جهدا ذهنيا عاليا ولم تكن هناك امتحانات وزارية للمراحل الدراسية المختلفة يؤديها الطالب وسط درجات حرارة تصل الى (60) درجة مئوية الى اخر تلك المستجدات التي لا تنسجم ولا تتلائم مع طبيعة وامكانية الجسد البشري اذا كان صائما فاقدا لنسب كبيرة من السكر وباقي السوائل في الجسم .
عندما شرع الصوم فأنه شرع في بيئة جافة كان اهلها اقرب للجوع منهم للشبع والظما منهم الى الارتواء وقلة الحركة اقرب الى مزاولة مختلف الانشطة الاقتصادية فكان الصوم حينها لا يشكل ذلك العبء الكبير على عاتقهم كما هو الحال اليوم فمع تقدم وتعقد وتشابك المصالح والوظائف والالتزامات داخل الملف الاجتماعي والاقتصادي داخل مجتمعاتنا الحديثة اصبح من الضرورة بمكان بل من الواجب المؤكد على فقهاء المسلمين ان يعيدوا النظر بساعات الصوم الطويلة والمرهقة كما يتوجب عليهم ان يعيدوا النظر بتلك الشرائح التي يجب ان يرفع عنها الصوم خلال شهر رمضان وان لا تقتصر على المريض او المسافر .

يقول الشيخ الانصاري في رسائله ( 1800ـ1864) وهو من اكابر علماء الشيعة الامامية في القرن الثالث عشر ما مضمونه ان لله حجتين بالغتين على عباده حجة خارجية تتمثل بالانبياء والرسل وحجة داخلية تتمثل بالعقل البشري كما جاء في الحديث النبوي (ان الله يبعث على رأس كل مائة عام لامتي من يجدد لها معالم دينها )
المسلمون وبدورهم قاموا بتجميد النبي الداخلي (العقل ) منذ قرون خلت وهو النبي الاهم والاخطر اذا انه النبي الاطوال عمرا والاكثر تلازما مع ما يستجد من حوادث على مرور السنوات والعقود والقرون .
تجديد معالم الدين امر مناط بشجاعة الفقيه الشجاع الذي يراعي روح العصر ومستجاته وما يترشح من ملفات وهموم لم تكن لتوجد في العهود الماضية الفقيه الشجاع هو من يحافظ على روح العبادات وجوهرها مع ضغط وتكييف لبعض جزئياتها وفصولها لرفع الأذى ودفع الضررعن كاهل المكلفين بهذه العبادة او تلك لا سيما فريضة الصوم التي اصبحت اليوم لا تعني سوى الجوع والعطش للاسف الشديد .

#احمد_عبدول (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات