(( إن أصوات القذائف المتساقطة على بغداد أعذب من أجمل موسيقى سمعتها أذناي، بل هي كقرع أجراس الحرية تؤذّن لفجر جديد للعراق./ كنعان مكية / جريدة نيو ريبوبلك 26/3.))
- ثمة حدود لكل شيء إلا السقوط ! بل حتى السقوط إذا كان في مفازة أو هوة مادية له حدود ما قد تتخذ هيئة القاع أو القعر ! ماذا نسمي كلام هذا الزنيم الذي يستعذب أصوات تفجير العمارات والبيوت والمساجد في وطنه ؟ ومن قال أن العراق وطنه ؟ بل من قال إن المصفقين للطيران المعادي الذي يشوي أهلنا في بغداد وعموم المحافظات لهم صلة أو رابط بهذا الوطن ؟ ما علاقة هذا الهراء والانحطاط بالسياسة ؟ أليس هذا الكلام دعوة علنية للقتل لم يتجرأ حتى مجرم الحرب شارون على إطلاقها ؟ أي عار ألحقه هذا الشخص بنفسه وبلقب عائلته وبمن دافع عنه ووضع توقيعه الى جانب توقيعه في بيانات الدعوة لتأييد العدوان على العراق تحت مسمى " حرب التحرير " ؟ إنني أتفهم وأتأمل وجهات نظر حتى أشد العراقيين المعارضين للنظام ممن يؤيدون هذه الحرب ، أتفهم هؤلاء الأخوة مع إنني أرفض وجهة نظرهم، فهؤلاء اعتقدوا أو ظنوا بأن الحرب الأمريكية ربما تكون وسيلة لخلاص الشعب من الاستبداد ، وأكثر من هذا فأنا أتحسس مقدارا معتبرا من جدية المبررات التي يسوقونها فيما يخص ممارسات النظام طوال أكثر من ثلاثين عاما ، خصوصا وإنني من ضحايا هذا النظام مثلهم . لقد تفهمت مواقف الذين أيدوا الحرب " كعملية جراحية ماهرة ونظيفة " للقضاء على رأس النظام دون الإضرار بالشعب ، ولكن ما ارتكبه الغزاة حتى الآن من مجازر بحق الأبرياء أزال الغشاوة عن أعين هؤلاء الأخوة ولا أعتقد بأنهم مازالوا في موقعهم المؤيد للحرب والمجازر القادمة ستكون أفظع وأكثر دموية فهؤلاء أمريكان ، هل نسيتم ماذا فعلوا بالهنود الحمر والفيتناميين ؟. وتفهمت حتى من أيد الحرب ، واعتبر سقوط بعض الضحايا ثمنا لما اعتبروه تحريرا للبلاد من حكم شمولي ..قلت أتفهم ، ولم أقل أوافق على هذه الآراء بمعنى إنني أجد لهم أعذارا قوية ، ولكنها مرفوضة من قبلي ومن قبل جميع الرافضين لهذه المجزرة القذرة بحق شعبنا ، ولهذا أحافظ وسأظل محافظا على موقفي المعارض والرافض للنظام المستبد ، وفي نفس الوقت أعتبر أن غزو العراق وارتكاب المجازر بحق شعبه وآخرها مجزرة حي الكادحين في " الشعلة " عدوانا همجا يجب التصدي له وقبره في أرض العراق . ولكني ، ومع تفهمي لكل تلك الآراء ، فلا أستطيع أن أفهم ولا أتفهم كلام الزنيم كنعان مكية المستلذ بالحرائق التي يشعلها أسياده الإنكلوساكسون في العراق الحبيب و المستمتع بموسيقي القنابل و بروائح الشواء البشري المتصاعدة من هناك .
المؤلم في الأمر أن كلام هذا الزنيم لم يستثر أية ردة فعل عراقية ، لا من الرافضين ولا من المؤيدين للمقتلة الأمريكية بحق شعبنا ، مع أن جريدة "السفير" البيروتية أعادت نشر كلام مكية وعلق عليه أحد كتابها بمقالة في عدد يوم أمس الجمعة . ماذا يمكن للمرء أن يزيد من كلام تعليقا على هذا السقوط الأخلاقي المعبر عنه بكلمات كنعان مكية ؟ وهل أقول هنيئا للسادة في "الحملة من أجل المجتمع المدني" الذين طالما جمعوا التواقيع لبيانات مكية المؤيدة " لتحرير العراق " من شعبه ؟!
- أوجه الآن تحية ممزوجة بعتاب مرِّ الى السيد حيدر الشيخ علي عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الكردستاني الذي قال قبل قليل ( الرابعة مساء 27/3/شاشة قناة الجزيرة )ضمن ما قال أن الكرد عاشوا في العراق مع إخوانهم العرب وغيرهم منذ آلاف السنين ، وإنهم لن يدمروا العلاقات التي تربطهم بهم ويخسروا المحيط العربي من أجل سواد عيون الأمريكان . أحييه على هذه اللمحة التي لم تجعله يلتحق بركب المتنكرين لعلاقات الأخوة العراقية العربية الكردية التركمانية الكلدانية وغيرهم ، و بالمراهنين على الهمج الأمريكان المسلحين وأعاتبه وأنقده: فأقول أن هذه اللمحة التاريخية والعاطفية لا تكفي ، وإن حزبا يسمي نفسه شيوعيا ويمضي وقته بالتفرج على المظليين الأمريكان يهبطون بالآلاف على ثرى كردستان بحاجة الى وقفة جادة ومراجعة سريعة فالغزاة سيعودون الى وطنهم ذات يوم قريب أيها الأخوة الأكراد ، أما العرب والتركمان والكلدان فباقون معكم في هذا القدر الجغرافي الذي يسمى العراق شئتم أم أبيتم .. ولن أعلق على ما قاله ممثلو الأحزاب الكردستانية الأخرى المؤيدة للغزاة، فالشعب الكردي سيحاسبهم وهو جدير بذلك ! أما بالنسبة لنزعة التمايز عن الآخرين بعدد ضحايا قمع النظام فهي نزعة بائسة حقا، نرجو أن لا تكون مقدمة لتمايز عنصري وسياسي ، فالقمع الاستبدادي والمجازر لم تستثن فئة أو قومية أو طائفة أو طبقة في المجتمع العراقي ، والنظام في هذه الحيثية كان "عادلا" نسبيا في توزيع القمع ، و حتى مدينة تكريت ذاتها دفعت من ضحايا قمع النظام أكثر مما دفعته مدن أخرى . وكما أن مذاق الحرية واحد عند جميع العراقيين ، فإن مذاق القمع والظلم واحد هو الآخر ، وليس من الصائب أخلاقيا وسياسيا المتاجرة حتى بأعداد الشهداء من أجل مطامع سياسية حيث يدعي شخص أن الكرد ظلموا وقمعوا أكثر من غيرهم فيرد عليه الشيعي بأن الشيعة هم أصحاب الحصة الأكبر من القمع والضحايا وهكذا يأتي ثالث ورابع للمشاركة في "مازاد " الدم البشري هذا . مؤسف ومضر جدا هذا النوع من التمايز والمزايدات والمتاجرة بجثث ضحايا القمع ونرجو أن يكف عنه الجميع إن كانوا يعتقدون حقا بأن العراقيين شعب واحد .
- و ليسمح لي السيد الشيخ علي أن أكرر نصيحتي للكرد العراقيين التي وجهتها قبل أيام قليلة وأقول : نتفهم معاناتكم ، ولكننا لن نتفهم أو نغفر أو نتسامح مع أي قتال من جانبكم الى جانب الغزاة الأجانب وأعدائنا المشتركين ضد الجيش العراقي والمقاومة العراقية فحاذروا نشوة السكر بانتصار الآخرين لأنهم سيعودون الى أوطانهم بعد أن ينتصروا ويدمروا العراق ويجزروا الآلاف من أبناء شعبه، وسوف يقيم العراقيون نظامهم وسيكون الذين قاتلوا الى جانب الغزاة قد حفروا جرحا عميقا بين شعبهم الكردي وعرب العراق أولا ، وبين الكرد وجميع الشعوب الإسلامية ثانيا، و سينظر الناس لكم غدا كما ينظرون اليوم الى الكويتيين الذي يلمعون اليوم أحذية الماينز بشواربهم ولحاهم وهم صاغرون ..
- الشجرة الخبيثة : أنا مدين بتصحيح المعلومة المعروفة عراقيا، والقائلة بأن أحد رموز النظام المستبد و ربما يكون عدي صدام أو أبوه هو من أطلق اسم الشجرة الخبيثة على أهالي الناصرية بسبب مساهمتهم الواسعة في انتفاضة ربيع 1991 ومحاولة بعض أبناء المحافظة اغتيال عدي نفسه في العملية المشهورة قبل بضعة أعوام ، وللأسف فقد وقعتُ شخصيا ضحية الترويج السائد للمعارضة العراقية المتعاونة مع العدوان الغربي وإعلامها الغبي . مع أن غباء المعارضة العراقية كان مفيدا وإيجابيا جدا هذه المرة فقد ظللت دون قصد الأمريكان وصورت لهم أن ((الهور مرق والزور خواشيك ))كما يقول المثل العراقي ، وأن الجماهير ستغرقهم بالزهور والرياحين بمجرد أن يدنسوا الأرض العراقية ، وفعلا فقد أغرقهم العراقيون فعلا ولكن ليس بالزهور بل بأشياء أخرى .. نعود الى حكاية الشجرة الخبيثة فقد ذكر السيد موسى الحسيني على شبكة الأخبار العربية ANN الجذر التاريخي لهذه المعلومة ، وقال بأن المستعمرين البريطانيين هم من أطلق هذه التسمية وان ثلاثة مقاتلين عرب عراقيين تصدوا من فوق شجرة كبيرة جنوب مدينة الناصرية لقوة كبيرة من الجيش البريطاني الصاعد نحو بغداد، فألحقوا بالبريطانيين خسائر كبيرة وأوقفوا تقدمهم ، وبعد أن عرف القائد البريطاني مصدر نيران العراقيين أمر جنوده بقصف الشجرة وقال : حطموا هذه الشجرة الخبيثة !
الدكتور الموسوي من أهل الناصرية أيضا ككاتب السطور ولكن تأثيله لهذه المقولة جعلها تتحول من سبة الى مفخرة لكل العراقيين وليس لأبناء هذه المدينة أو تلك فشكرا له ولكا أبناء تلك الشجرة .. شجرة المقاومة !
- أختم بالهوسة التي صدح بها سوادي حين قرأت له ما كتبه الزنيم كنعان مكية مكية :
يكنعان النجاسة منك اتبرت ..
كالت نجستها وأبد ما جذبت ..
قنابلهم موسيقى بإذنك وعزفت ..
منيومك رِسَّك ماسوني .. منيومك رِسَّك ماسوني !
ملاحظة : قلت لسوادي أن " منيومك " شبه جملة وليست كلمة واحدة ويجب فصل الجار عن المجرور ، ولكنه أصر على كتابتها كلمة واحدة، والمعنى في بطن الشاعر كما يقال إذ يبدو أنه نصب فيها كمينا صغيرا .
ومعنى الهوسة للقارئ غير العراقي هو : النجاسة ذاتها تبرأت منك يا كنعان وقالت بأنك أنت الذي نجستها وهي لم تكذب أبدا ، فقنابل الغزاة عزفت كالموسيقى في إذنك . أنت منذ يوم ولادتك وأصلك ماسوني ..