ٱلخليفة

سمير إبراهيم خليل حسن

الحوار المتمدن-العدد: 1539 - 2006 / 5 / 3 - 06:17
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

"وإذ قال رَبُّكَ لِلملَٰۤئِكَةِ إِنِّى جَاعِل فِى ٱلأرضِ خلِيفَةً قَالُوۤا أَتَجعَلُ فِيهَا مَن يُفسِدُ فِيهَا وَيَسفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحنُ نُسَبِّحُ بِحَمدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّىۤ أَعلَمُ مَا لا تَعلَمُونَ(30) وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُم عَلَى ٱلمَلَٰۤئِكَةِ فَقَالَ أَنبِـءُـونِى بِأَسمَآءِ هَٰۤؤُلآءِ إِن كُنتُم صَٰدِقِينَ(31)" ٱلبَقَرَةُ.
فمَن هو ٱلخليفة ٱلذى جآء عنه فىۤ إعلان ٱللّه ٱلعربىّ "إنِّى جاعل فى ٱلأرض خليفة"؟

لقد خلق ٱللَّه كلَّ شىءٍ وفق زوجية تكوينيّة "ميِّت حىّ". ومن ٱلأشيآء ٱلحيّة هو ٱلبشر ٱلذى نفخ ٱللّه فيه من روحه وجعله "ءَادَمَ" ٱلإنسان. وبنفخ ٱلرّوح فيه جعله ٱللّه يملك ٱلقدرة للعلم بـ "ٱلأَسمَآءَ كُلَّهَا" ويخلف إن أراد وٱتبع مناهج رَبِّه ٱلتى يرسلها له.
فكيف وبأىّ أمر يخلف ٱلإنسان فى ٱلأرض؟
لقد بيّن ٱللّه فى كتابه ٱلعربىّ ٱلِسان أنّ له ٱلأسمآء ٱلحسنى:
"وللَّهِ ٱلأسمَآءُ ٱلحُسنَىٰ فَٱدعُوهُ بِِهَا وَذَرُوا ٱلَّذِينَ يُلحِدُونَ فِىۤ أَسمَٰۤئِهِ سَيُجزَونَ ما كانُوا يَعمَلُونَ" 180 ٱلأعراف.
وعدَّدها فى ٱلكتاب لتبيّن للإنسان مسألة خلافته ٱلمعلنة من ٱلخالق. فٱللّه هو ٱلخالق وٱلخليفة خالق. ويبيّن ٱللَّه ٱلفرق بين ٱلخالقين:
"فَتَباركَ ٱللَّه أَحسَنُ ٱلخٰلقينَ" 14 ٱلمؤمنون.
وٱللّه هو ٱلعليم وٱلخليفة عليم بمقدار علمه بـ "ٱلأَسمَآءَ كُلَّهَا" وهو ما يبيّنه ٱلبلاغ:
"وماۤ أُوتِيتُم مِنَ ٱلعِلمِ إلاَّ قَليلاً " 85 ٱلإسراء.
ٱلأسمآء ٱلحسنى تدلّ على مطلقٍ تقابلها نسبية هذا ٱلاسم عند ٱلخليفة. فٱللّه هو ٱلسّميع وٱلخليفة سميع. وٱللّه هو ٱلبصير وٱلخليفة بصير. وٱللّه هو ٱلقوىّ وٱلخليفة قوىّ. وٱللّه هو ٱلقدير وٱلخليفة قدير. وٱللّه هو ٱلعزيز وٱلخليفة عزيز. وٱللّه هو ٱلخبير وٱلخليفة خبير. وٱللّه هو ٱللَّطيف وٱلخليفة لطيف. وٱللّه هو ٱلرّحيم وٱلخليفة رحيم. وٱللّه هو ٱلجبَّار وٱلخليفة جبَّار. وٱللّه هو ٱلمنتقم وٱلخليفة منتقم. وٱللّه هو ٱلملك وٱلخليفة ملك. وٱللّه هو ٱلحليم وٱلخليفة حليم. وٱللّه هو ٱلغنىّ وٱلخليفة غنىّ. وٱللّه هو ٱلحميد وٱلخليفة حميد. وٱللّه هو ٱلمؤمن وٱلخليفة مؤمن.. إلىۤ أخر ٱلأسمآء ٱلحسنى ٱلتى لا نجد من بينها ٱسمآء كٱلكاهن وٱلشاعر وٱللاعب وٱلجاهل وٱلكافر وٱلضعيف وٱلمريض وٱلذليل وٱلفقير وٱلظالم وٱلغافل وٱلناۤئم وٱلقرد وٱلخنزير وغيرها من ٱلأسمآء ٱلتى تدلّ على مَن فقد روحه وصار إلى ٱلبهيم أقرب. وهؤلآء هم ٱلّذين لا يعلمون من ٱلأسمآء شيئُا.
لقد جآء فى كتاب ٱللّه أنّه بلاغ للناس:
"هـٰذا بلـٰغ لِّلنَّاس ِوليُنذروا بهِ وَلِيَعلَمُوۤا أَنَّما هُوَ إِلـٰه وٰحد وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا ٱلأَلبـٰبِ" 52 إبرٰهيم.
فعن أىۤ أمر أراد ٱللّه بلاغنا ؟
وقد بيَّن ٱلبلاغ أنّ ٱلتّذكّر لأولى ٱلألباب. وهم أصحاب ٱلقلوب ٱلتى ٱمتلأت بما نجم عن ٱلبحث ٱلعلمى ٱلذى يبيّن ٱستقرار ٱلنبإ.
أما بقية ٱلناس فقد بيّن ٱلبلاغ حالهم:
"وإنَّ كثيرًا مِّنَ ٱلنَّاس عن ءَايـٰتِنا لَغَـٰفِلُونَ" 92 يونس.
"وما يُؤمِنُ أَكثرُهُم بٱلَّلهِ إِلاَّ وهُم مُشركُونَ" 106 يوسف.
"ولقد ذَرَأنا لِجهنَّم كثيرًا مِّنَ ٱلجنِّ وٱلإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم أذان لا يسمعون بهاۤ أولـٰۤئك كٱلأنعٰم بل هم أضلُّ أولـٰۤئك هم ٱلغٰفلون" 179 ٱلأعراف.
وهؤلآء يعبدون مناهج ليست من عند ٱللَّه. وهم بعبادتهم يمتنعون عن ٱلعلم ويظلمون أنفسهم بما يعبدون:
"وَيَعبُدُونَ مِن دُونِ ٱللّهِ مَا لَم يُنَزِّل بهِ سُلطٰنًا ومَا لَيسَ لَهُم بهِ عِلم ومَا لِلظَّٰلِمِينَ مِن نَصِيرٍ" 71 ٱلحج.
وعلمُ ٱلظالم ظنون:
"ودخََلَ جَنَّتَهُ وهو ظَالم لِّنَفسِهِ قالَ مآ أظُنُّ أن تَبيدَ هَٰذِهِ أبَدًا" 35 ٱلكهف.
فظلم ٱلنفس يأتى به جهلها فى ٱلحقِّ وفى سنّته. وٱلجهل واحد من أبرز ٱلأسمآء ٱلتى تمنع عن صاحبه ٱلخلافة. وبٱلجهل تتولد ٱلظُّنون وتقوى على ٱلعلم وتكذّب به:
"بَل كَذَّبُوا بِمَا لَم يُحِيطُوا بعِِلمِهِ ولَمَّا يَأتِهِم تَأوِيلُهُ كَذٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِين مِن قَبلِهِم فَٱنظُرُوا كَيفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلظَّٰلِمِينَ" 39 يونس.
لأنّ ٱلتأويل لا يحدث إلا بطاعة أمر ٱللّه:
"ٱقرَأ بِٱسمِ رَبِّكَ ٱلَّذِى خَلَقَ" 1 ٱلعلق.
وٱلقرءُ لا يحدث إلا من بعد طاعة أمره ٱلعربىّ:
"قُل سِيرُوا فِى ٱلأرضِ فَٱنظُرُوا كَيفَ بَدَأَ ٱلخَلقَ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِئُ ٱلنَّشأَةَ ٱلأَخِرَةَ إنَّ ٱللَّهَ علىٰ كُلِّ شَىءٍ قَدِير" 20 ٱلعنكبوت.
وبٱلنظر يبدأ ٱلعلم ويبدأ ٱلعمل من أجل ٱكتساب ٱسم خليفة. وٱلعلم فى ٱلحقِّ فيه ريب. وحتى يكون ٱلعلم بٱلشىء لا ريب فيه يجب تكرار حدوثه وفق سنّة لا تتبدّل. وهو ما يبيّنه بلاغ ٱللّه ٱلعربىّ:
"فَلَن تَجِدَ لِسُنّتِ ٱللَّهِ تبدِيلا ولن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللّه تَحوِيلا" 43 فاطر.
وبيّن أنّ خلق ٱللَّه حقّ يسوَّى بقوله:
"وهو ٱلَّذى خَلَقَ ٱلسَّمٰوٰتِ وٱلأرضَ بٱلحقِّ ويومَ يقولُ كُن فيكُونُ قَولُهُ ٱلحقُّ" 73 ٱلأنعام.
وقوله هو أشيآء ٱلحقِّ:
"إنَّما قَولُنا لِشَىءٍ إذآ أرَدنَٰهُ أن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ" 40 ٱلنَّحل.
وقوله هو كلماته ٱلتى تكون أشيآء لا تتبدّل:
"وتَمَّت كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدقًا وعَدلا لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِهِ وهو ٱلسَّميع ٱلعِلِيمُ" 115 ٱلأنعام.
وعلى ٱلإنسان ٱلذى ينظر ليعلم بسنّتِ ٱللَّه أن يتلوا متبعًا كلمات رَبِّه:
"وٱتلُ مآ أوحِىَ إليكَ مِن كتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِهِ ولن تَجِدَ من دونهِ مُلتَحَدًا" 37 ٱلكهف.
"لا مبدّل لكلمٰته ولن تجد من دونه ملتحدًا" فٱلأمر مقفل على ٱلناظر ولن يجد حقًّا أَخر يتوجه بنظره إليه. وفى ٱتباع ٱلتوجيه لا يوقع فى ٱلظّن. فكلمات ٱلرّبّ لا تبدَّل فٱلمآء ٱلَّذِى يتكون من هدروجين وأوكسجين يتكون من هيدروجين وأوكسجين فى ذات ٱلأشراط.
وتلاوة هذا ٱلحقِّ لا تحدث إلا بوسيلة ٱلمفاهيم ٱلمقداريّة (ٱلكمية). وهى ٱلمفاهيم ٱلفيزيآئيّة ٱلتى يستطيع مَن يتلوا بهاۤ أن يدرك جميع كلمات ٱلحقِّ من دون حدود. فٱلشىء كما وجدت ٱلفيزيآء هو تكوين مقدارىّ quantum. وهو ما بيّنه بلاغ ٱللّه ٱلعربىّ:
"وكلُّ شَىءٍ عِندَهُ بِمِقدَارٍ" 8 ٱلرَّعد.
لقد جعل ٱللّه فى ٱلأرض خليفة هو ٱلإنسان. وهذا ٱلخليفة ٱلذى يوزن وزنًا صغيرًا فى هذا ٱلكون ٱلكبير هو وحده ٱلذى يستطيع إدراك هذا ٱلحقِّ وإدراك كيف جرى خلقه وتسويته. وله هذه ٱلقدرة لأنه مجعول خليفة لِّلّه نور ٱلسَّمٰوٰتِ وٱلأرض. أمّا خلافته فلا تحقق له إلا بطاعة أمر ٱللّه ٱلعربىّ:
"قُل سيروا فى ٱلأرضِ فٱنظُروا كيفَ بَدأَ ٱلخلقَ" 20 ٱلعنكبوت.
ومَن يطع هو ٱلذى يخلف. ومَن يفسق يتخلّف وإلىۤ أصله ٱلبهيم يكون أقرب. فٱلذى يمتلك ٱلعلم ٱلفيزيآئىَ يمتلك مفتاح ٱلخلافة وهو ٱلذى بيده مفاتيح جميع ٱلمبهمات فى ٱلكون بما فى ذلك مفتاح إدراك نفسه ومسألة ٱلرّوح ٱلتى نفخها ٱللّه فى واحد من أشيآء ٱلفيزيآء ٱلحيّة.
لقد صار علم ٱلفيزيآء ٱليوم يسير وفى بحث واحد. وهذا بفعل عمل ٱلفيزيآئيين على ٱلرّغم من أنّه علم يجمع جميع ٱلظواهر (من ٱلشهور ٱلأوليّة "ٱلكواركات" إلىۤ أعظم تكوين فى ٱلسَّمآء ٱلمقسومة إلى سبع سمٰواتٍ). وأوّل مسألة فى ٱلفيزيآء هو أنّ كلّ عملية فيزيآئيّة تجرى فى مكان وزمان. وٱلمكان هو فراغ تشغله تلك ٱلعملية وهو فضآؤها ٱلذى يقيّد جريانها به وبزمانه. فحتى ٱلشهور ٱلأولية لكلٍّ منها فضآؤه. وهى لا توجد إلى ٱليوم إلاۤ أزواجًا كواركيّة (ميزون) ولكلِّ زوج منها فضآؤه.
وٱلأمر ٱلهامّ فى هذا ٱلعلم هو فى حدوث ٱلعملية ٱلفيزيآئيّة ٱلتى لا تتبدّل مهما تكررت. فٱلكلمة تولد وتموت بذات ٱلأشراط. وهذا هو ٱلأمر ٱلذى يجعل من علم ٱلفيزيآء علم فى ٱلحقِّ يرقى بصاحبه إلى ٱليقين. فعندما ينشأ ريب فيما قاله ناظر فإنّ ٱختبار قوله يوقف ٱلرّيب فيه. لأن ٱلحدث ٱلفيزيآئىّ لا تتبدّل أشراطه. فـ أرخميدس ٱكتشف فى زمانه سنّة طفو ٱلأشيآء. وفى وقتنا نحن يستطيع كلّ مِّنَّا ٱلتوَّكُّد من ثبات هذه ٱلسنّة. وكان علمآء ٱلفيزيآء قد أوقفوا ٱلرّيب فى سنّة بقآء ٱلطاقة من بعد هلاكها فى شىء سابق. وهو ما بيّنه بلاغ ٱللّه ٱلعربىّ:
"كلُّ شئٍ هالِك إِلاَّ وَجهَهُ" 88 ٱلقصص.
فوجهة هلاك ٱلشىء وبقآء ٱلطاقة ٱلمستهلكة فيه لا تبديل لها.
إنّ ٱلحدث ٱلفيزيآئىّ يوجب وجود أشراطه. فأىّ ٱختبار يجرى فىۤ أماكن مختلفة من ٱلأرض على حدث فيزيآئىّ ينجم عنه ذات ٱلحدث. وهذا هو ٱلسبيل إلى وقف ٱلرّيب وإلى ٱليقين ٱلذى بيّنه بلاغ ٱللّه ٱلعربىّ فى جزء ٱلمآء:
"الۤـﻤۤ(1) ذٰلك ٱلكتـٰب لا ريب فيه(2)" ٱلبقرة.

إنّ ٱلذين يطيعون ٱللّه ينفقون ممَّا رزقهم فى سبيل هذه ٱلطاعة. وهم ٱلذين يقيمون ٱلصَّلَوٰة علىۤ أىّ حدث. وهم ٱلذين يؤتون ٱلزَّكَوٰةَ فلا يعتدون ولا يتجبرون ولا يفجرون ولا يرجفون ولا يفسدون فى ٱلأرض. وهم ٱلذين يخلفون فىۤ أسمآئه ٱلحسنى. وهم ٱلذين يعلمون أنّ ٱلقول "فَلَن تَجِدَ لِسُنّتِ ٱللَّهِ تبدِيلا ولن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللّه تَحوِيلا" وٱلقول "لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِهِ" يبيِّنان لهم أنّهم يستطيعون متابعة طاعتهم للأمر "قُل سيروا فى ٱلأرضِ فٱنظُروا كيفَ بَدأَ ٱلخلقَ". إذ لو كان هناك تبدّل فى ٱلسِّنَّة وتبدّل فى ٱلكلمات لكان تكرار ٱلحدث ٱلفيزيآئىّ مستحيلا. وما كان من علم لهم فىۤ أىِّ شىء. ليس هذا فحسب. بل ما كان للإنسان من تكرار لوۤ أنه حدث ووجد ذات مرّة.
"لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِهِ" فى هذا ٱلقول مفتاح لِّتكرار ٱلحدث ٱلفيزيآئىّ ٱلحىّ ٱلذى ينظر ويوقف ٱلرّيب فى قول ناظر بٱلعودة إلى ٱختبار ما وصل إليه حتى يبلغ ٱليقين. وتكراره يخضع لثبات سنّة ٱلحدث "فَلَن تَجِدَ لِسُنّتِ ٱللَّهِ تبدِيلا ولن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللّه تَحوِيلا".
هذان ٱلقولان ٱلعربيان هما سند لعالم ٱلفيزيآء فى جميع أعمال نظره. وقد وجد علمآء ٱلفيزيآء لأنفسهم سبيلا يستندون عليه (نظام اسناد فى ٱللغة) reference system يستخدمه ٱلناظر وهو يصلِّى على شىء بعيد. فيسنده إلى شىء ثابت ويتابع صلوٰته عليه لفترة من ٱلوقت فيعلم أنّه متحرك أو ثابت. وهذا ٱلسبيل لا مبدّل له فى علم ٱلفيزيآئىّ وهو ٱلذى يجعل من علمآء ٱلفلك يعلمون بحركة ٱلنجوم وٱلكواكب ويحسبون أوقات سباحتها ٱلفلكية وحركتها حول نفسها. وهذا ٱلسبيل تسميه ٱلفيزيآء "مبدأ ٱلنسبية". وإنَّ أىَّ عمل وصفىٍّ فى ٱلفيزيآء ٱلفضآئية غير ممكن من دون شىء يستند عليه ٱلناظر ٱلمصلِّى. ويمكن ٱختبار هذا ٱلسبيل من دون تأثر فى بعد وزمن ٱلشىء ٱلذى يصلِّى عليه ٱلناظر ليوصفه ويعلم به. فمثلا سرعة ٱلضوء لا مبدّل لها وهى ٱلسبيل ٱلذى يستند إليه علمآء ٱلفيزيآء ٱلجزئية فى وصفهم للسرعات ٱلأصغر. وقد صاروا يعلمون أنّه لولا وجود ٱلسرعات ٱلأصغر من سرعة ٱلضوء لكان كلّ شىء فى ٱلكون ضوءًا. وأنَّ ٱنخفاض سرعة ٱلشهور هو ٱلذى يجعلها حدثًا فيزيآئيًّا ينجم عنه شيئًا. وأنّ ٱلأشيآء ٱلتى ليست ضوءًا هى هذا ٱلكون ٱلكبير ٱلواسع ٱلمنظور ونحن منه.
كان علمآء ٱلفيزيآء قد توصلوۤا إلى ٱلعلم بسنّة ٱلأشيآء ٱلتى تتحرك بسرعة أقلّ من سرعة ٱلضوء. وقد ميزوا علمهم بهذه ٱلأشيآء وسرعتها بٱلوصف mechanics classic "ٱلميكانيكا ٱلكلاسيكية" حركة ٱلأشيآء ٱلمبصرة. وبعد أن بلغ علمهم بهذه ٱلحركة قدرًا عظيمًا توصلوۤا إلى ٱلعلم بسنّة ٱلفيزيآء ٱلضوئيّة. وميزوا علمهم بها بٱلوصف "ٱلميكانيكا ٱلنسبيّة". وهذا ٱلعلم جعلهم يزيدون من أعمال ٱليقين فىۤ أعمال ٱلميكانيكا ٱلكلاسيكية بفعل قوّة ٱلاسناد ٱلضوئىّ.
لم يتوقف علم ٱلفيزيآء عند ٱلأشيآء ٱلمنظورة بٱلبصر بل تابع نظره فىۤ أشيآء لا تدركها حواسه مستعملا من أجل ذلك قوّة تصوّره ٱلنسبىّ. وهو بطاعة ٱلأمر 20 ٱلعنكبوت وبمتابعة ٱلنظر فى حركة وسلوك ٱلأشيآء ٱلمبصرة ٱستطاع إدراك أمر غير مبصر مثل ٱلكهرومغناطيسية وقوّة ٱلشّدّ (ٱلجاذبية). ووجد أنّ قوّة ٱلشّدّ (ٱلجاذبية) تحدث بواسطة أىّ أشيآء فيزيآئيّة. وهى ٱلتى تحدّد هيئة (هندسة) ٱلتكوين للفضآء وٱلزمن.
إلاۤ أنّ ٱلفيزيآء إلى ٱليوم لم ترَ قوّة ٱلشموس وٱلنفور غير ٱلمبصرة. وهى قوّة تصدر عن شىء عظيم ٱلمكان وفضآؤه أعظم هو ٱلشمس. وٱستنادًا إلى سنّة ٱلزّوجية فى ٱلتكوين:
"ومن كل شىء خلقنا زوجين لعلكم تذكرّون" 49 ٱلذَّاريات.
فإنّ قوّة ٱلشّدّ لوحدها لا يمكن لهاۤ أن توجد ولاۤ أن تفعل. فقوّة ٱلشموس هى ٱلقوّة ٱلزّوج لقوّة ٱلشّدّ (ٱلجاذبية). ولهما فىۤ أرضنا فعلهما ٱلذى يتمثّل فى قوّة جاذبيتها ٱلتى حدّد شدّتها علم ٱلفيزيآء وفى قوّة شموس ٱلشّجر ٱلتى تفعل للتحرر من قوّة ٱلشّدّ. وهاتان ٱلقوّتان هما ٱلأعظم فى مجموعتنا ٱلشمسيّة. وهناك قوى زوجيّة تشبهها تحدث بين ٱلقمر وٱلأرض قوّة تشدّ وأخرى تشجر (تهرب). وهذه ٱلقوى هى ما يعرف فى علم ٱلفيزيآء بٱلمجال field وهو جوّ ٱلشىء ٱلذى تنتشر فيه قوّته.
وللجوِّ سنّته ٱلنسبيّة. فحتى ٱلشهور (ٱلكواركات) لها جوّها وهو ٱلفضآء ٱلذى تشغله مع قوتىّ ٱلشّدّ وٱلشموس ٱلمجتمعتين فيها. ولكلِّ شىء جوّه وقوتيه ٱلجدليتين صغُر أم كبُر. ومثل ذلك هى سنّة تكوين ٱلنفس ٱلبشريّة "فجور وتقوى" قوتان جدليتان تحركان ٱلنفس. وبتحكّم صاحب ٱلنفس بٱلقوتين يخلف فيزكّى نفسه بقوّة ٱلتقوى.
هذه ٱلجدلية جرى ٱلعلم بها بتطور علم ٱلمقدار quantum وسلوك أشيآئه quantum subjects ٱلتى تشبه ٱلأمواج حينًا وٱلأشيآء ٱلمنظورة حينًا أخر. فٱلسُّورة (ٱلذّرَّة) يمكن أن يكون لها هيئة ومكان فى فترة زمنية من دون سرعة. وفى فترة زمنية أخرى سرعة من دون هيئة ومكان.
وهذا ٱلأمر كان قد علم به عالم ٱلفيزيآء "هيزنبرغ" ووضع به نظرية تستند على ٱلرَّيب. وقد وجد أنّ ٱلرَّيب يتوقف فى ٱلتكوينات ٱلثلاثية ٱلسُّور وهو ما بيّنه كتاب ٱللّه:
"الۤۤـﻤۤ(1) ذٰلك ٱلكتٰب لا ريب فيه(2)" ٱلبقرة.
فٱلكتاب ٱلَّذى "لا رَيبَ فيهِ" هو كتاب ثلاثىّ ٱلسُّوَر "الۤمۤـ" جزء ٱلمآء "H2g2O". وبه يتوقف ٱلرّيب فى سرعته وهيئته ٱلمكعبة ومكانه.
فى فضآء ٱلسُّورة ٱلصّغير تبقى صفات ٱلتماثل ٱلفضآئىّ وٱلزمنىّ ثابتة وتبقى سنّة بقآء طاقة ٱلشَّدّ وقوّة ٱلشموس سارية بٱلنسبة للأشيآء ٱلمقداريّة. وصفة ٱلتماثل ٱلفضآئىّ (ٱلتجانس ٱلفراغىّ) واحدة من أهم صفاته. إلاۤ أنّ للتماثل صفة أخرى هى ٱلتماثل بين ٱليمين وٱلشمال (ٱليسار) مثل ٱلصورة فى مرءاة (مرآة) فهى متماثلة فى ٱلفيزيآء غير ٱلمقداريّة. وهذا لا ينجم عنه سنّة أخرى للبقآء.
لقد ٱكتشف ٱلفيزيآئيّون سنّة جديدة فى فيزيآء ٱلمقدار وأطلقوا عليها وصف conservation of parity "سنّة بقآء ٱلازدواج". وهو مفهوم يميّز ٱلأشيآء ٱلمقداريّة ولها خاصّة ٱلضديّة antiparticle ٱلزّوجية. وهذا ٱلمفهوم يذكّر بٱلبلاغ ٱلعربىّ:
"ومن كُلِّ شىءٍ خَلَقنَا زَوجَينِ لَعَلَّكُم تَذَكَّرُون" 49 ٱلذَّاريات.
"سُبحٰنَ ٱلَّذى خَلَقَ ٱلأزواجَ كُلَّها مِمَّا تُنبِتُ الأَرضُ ومِن أَنفُسِهِم ومِمَّا لا يَعلَمُونَ" 36 يس.
وماۤ أفعله هنا هو تذكّر للبيان ٱلعربىّ ٱلذى يبيّن سنّة بقآء فعل ٱلزّوجيّة ٱلتى يعمل ٱلفيزيآئيُّون على ٱلنظر فيها وٱلكشف عنها. وما يعمله هؤلآء هو ٱلعلم فى دين ٱلحقِّ substantive law. فقد علم ٱلفيزيآئيُّون بسنّة ٱلهلاك ٱلتىۤ أعلن عنها بيان ٱللّه ٱلعربىّ:
"كل شىءٍ هالِك إلا وجهه" 88 ٱلقصص.
من أصغر ٱلأشيآء ٱلزوجيّة ٱلتى تهلك هيئتها (كتلتها) ٱلمقداريّة وتتحوّل إلى مقدار من دون هيئة. وقد توصّل علمهم إلى عدّة ٱلتكوين وهى ٱثنا عشر شهرًا (ٱلكواركات) وقوى ٱلفعل ٱلتكوينىّ ٱلتسعة عشر ٱلتى تسير بٱلعدّة ٱلشهريّة ٱلمتماثلة فى خواصها وفى سنّة بقآئهاۤ إلى تكوين ٱلكون جميعه. وتدلّنا على تماثلها ٱلأبجديّة ٱلسُّومريّة ٱلمسماريّة عدّة ٱلأبجديّة ٱلتى كمل نشؤها بٱلأبجديّة ٱلعربيّة.
هذه ٱلقدرة على ٱلعلم لدى ٱلإنسان هى بعض مِّن قدرة ٱللَّه ٱلعليم ٱلذى وصف نفسه بنور ٱلسّمٰوٰتِ وٱلأرض. وبهذا ٱلبعض من ٱلعلم يخلف ٱلإنسان فى ٱلأرض وبه ينير ما هو مبهم فى ظلمة لا يوصل إليها بصر عينه. لكن ٱلذى يوصل هو بصر قلبه ٱلذى يرى ٱلأشيآء وفق سنّة ٱلاسناد على ٱلعلم بٱلسرعة ٱلقصوى (سرعة ٱلضوء). وقد وصل بصره إلى بنية ٱلضوء ٱلتى تتكون من ٱلنيوترينو ٱلذى لا هيئة لمقداره وٱلذى يسير بٱلسرعة ٱلقصوى وينفذ فى ٱلفضآء كلَّه بهذه ٱلسرعة لا يمنعه شىء لا ٱلشمس ولا ٱلأرض. حتى لوۤ أنّ ما بين ٱلأرض وٱلشمس كان من ٱلحديد فإنّ ٱلنيوترينو ينفذ منه.
مفاهيم ٱلفيزيآء هى ٱلمفاهيم ٱلأكثر يسرًا وٱلأكثر يقينيّة. وبواسطتها يمكن ٱلنظر وٱلعلم فى جميع أشيآء ٱلكون.
أمّا ٱلشعر وٱلشعرآء فقد بيّن بلاغ ٱللّه ٱلعربىّ أنّه قول غاوٍ يهيم فى ضياع عن ٱلحقِّ وسنّته:
"وٱلشّعرآء يتبعهم ٱلغاوون(224) أَلَم تَرَ أنَّهُم فِى كلِّ وادٍ يَهيمونَ(225) وأنَّهُم يقُولونَ ما لا يفعلونَ(226)" الشعرآء.
وبيّن ٱلفرق بين قول ٱلشعر وقول ٱلبلاغ ٱلعربىّ:
"وما علَّمنٰه ٱلشِّعرَ وما يَنبَغِى لهُ إن هو إلا ذِكر وقُرءَان مُّبين" 69 يس.
كما بيّن ٱلفرق بين قوله وبين قول ٱلشاعر وقول ٱلكاهن:
"وما هو بقول شاعرٍ قليلا ما تؤمنون(41) ولا بقول كاهِنٍ قليلا مَّا تَذَكَّرُونَ(42)" ٱلحاقة.
وبيّن قرابة ٱلكاهن بٱلمجنون:
"فَذَكِّر فَمَآ أنتَ بِنِعمَتَ رَبِّكَ بِكاهِنٍ ولا مجنون" 29 ٱلطُّور.
إنّ علم ٱلفيزيآء له مأرب محدّد. هو ٱلعلم بسنّة وخصآئص وجود وهلاك ٱلمقادير وٱلأشيآء. وهو يسلك سبيلين. ٱلأوّل ٱستنباط نظرىّ. وٱلثانى ٱختبار فى ٱلمحراب من أجل ٱليقين. وهو ٱلعلم ٱلذى يجعل من صاحبه عالم بدين ٱلحقِّ substantive law وله وحده ٱلقدرة على جعل ٱلنّبإ يستقرّ:
"لِكُلِّ نبإٍ مُّستَقَـرّ وسوفَ تَعلمونَ" 67 ٱلأنعام.
وهو ٱلذى يجعل ٱلعلم به يسيرًا. وله وحده ٱلقدرة على تصديق ٱلأنبآء ٱلتى جآءت فى كتاب ٱللّه وكذّب بها ٱلجاهلون:
"بَل كَذَّبُوا بِمَا لَم يُحِيطُوا بعِِلمِهِ ولَمَّا يَأتِهِم تَأوِيلُهُ كَذٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِين مِن قَبلِهِم فَٱنظُرُوا كَيفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلظَّٰلِمِينَ" 39 يونس.

هذا عقل بين بعض ما ٱستقرّ من علم فى ٱلفيزيآء وبعض من بلاغ ٱللّه ٱلعربىّ. فهل فى مثل هذا ٱلعقل يُجرى ٱلكهنوت حواره فى ٱلدوحة؟
وهل من أجل هذا ٱلحقِّ يهدد أسامة ٱبن لادن ومن يتبعه من ٱلجاهلين؟
لقد تعاظم قول ٱلكهنوت ٱلجاهل فى ٱلدين وكأنّ ٱسم ٱلجاهل عندهم هو من أسمآء ٱللّه ٱلحسنى وبه يخلفون. وهم ٱلذين دأبوا على منع ٱلسير فى ٱلأرض وٱلنظر فى كيف بدأ ٱلخلق. ودأبوا على صيطرتهم فى مؤسسات ٱلتعليم بٱسم ٱلدين وجعلوا من ظنونهم علمًا ومن ٱلجاهلين عبادًا لظنونهم. فظلموۤا أنفسهم وظلموۤا أتباعهم ٱلذين لا يتفكرون. وشأن عباد ظنونهم يبيّنه بلاغ ٱللّه ٱلعربىّ:
"وما يؤمن أكثرهم بٱللَّه إلاّ وهم مشركون" 106 يوسف.
وهم يشركون موتى وسلاطين فيما يزعمون من إيمان. وٱلسبب هو منهاج كاهن مجنون لا سبيل له إلى ٱلعلم فى ٱلحقِّ. ومن يتبعه فى منهاجه هم ٱلجاهلون ٱلضَّاۤلون وهم كثيرون فى ٱلأرض. وإنّ طاعة هؤلآء بسبب كثرتهم تسوق إلى ضلال:
"وإن تطع أكثر من فى ٱلأرض يضلّوك عن سبيل ٱللَّه إن يتبعون إلاّ ٱلظنَّ وإن هم إلاّ يخرصون" 116 ٱلأنعام.
فهم غافلون لا يفقهون ولا يبصرون ولا يسمعون:
"ولقد ذَرَأنا لِجهنَّم كثيرًا مِّنَ ٱلجنِّ وٱلإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم أذان لا يسمعون بهاۤ أولـٰۤئك كٱلأنعٰم بل هم أضلُّ أولـٰۤئك هم ٱلغٰفلون" 179 ٱلأعراف.
وهؤلآء لا خلافة لهم فىۤ أسمآء ٱللّه ٱلحسنى. بل لهم خلافة فىۤ أسمآء ٱلقردة وٱلخنازير وٱلكاهن وٱلشاعر وٱللاعب وٱلجاهل وٱلكافر وٱلضعيف وٱلمريض وٱلذليل وٱلفقير وٱلظالم وٱلغافل وٱلناۤئم. وهذه أسمآء مَن ترك نفسه تتبع من دون علم فظلم نفسه وصار كٱلأنعام.

#سمير_إبراهيم_خليل_حسن (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات