أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامي الذيب - فلسطين والنازية اليهودية - حلقة 10 (الحل)













المزيد.....

فلسطين والنازية اليهودية - حلقة 10 (الحل)


سامي الذيب
(Sami Aldeeb)


الحوار المتمدن-العدد: 6227 - 2019 / 5 / 12 - 11:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هذه هي الحلقة العاشرة والأخيرة من سلسلة مقالاتي عن فلسطين والنازية اليهودية، ستتبعها حلقة ردا على تعليقات المتابعين.
واصدر حلقاتي عن فلسطين والنازية اليهودية بالصوت والصورة باللغة العربية والفرنسية في قناتي
https://www.youtube.com/user/samialdeeb/videos
واكرر هنا بأن عبارة اليهودية النازية ليست مني. فهي عبارة الفيلسوف الإسرائيلي اليهودي، استاذ في الجامعة العبرية في القدس، Yeshayahou Leibowitz يشعياهو ليبوفيتش، الذي توفى عام 1994، وكان ناقدًا شديدًا جدًا لسياسة اسرائيل التي وصفها بأنها يهودية نازية Judeo-Nazi
وفي هذه الحلقة الأخيرة سوف ابين ما هو الحل التي اقترحه لمنطقتنا تعيسة الحظ وشعوبها ضحية التعاليم الدينية والأطماع الغربية. وقد يكون هذا الحل طوباويا، بعيدًا عن الواقع، مرفوض من الغالبية العظمى من الرأي العام العالمي والعربي والإسلامي. واحتمال ذلك الرفض لا يعفي المثقف من واجب دق جرس الإنظار. فالمثقف مثل الطبيب، عليه أن يحدد المرض ويقترح العلاج، وليس أن يراعي رغبات المريض أو أهله.

سؤال: هل أدين فقط النازية اليهودية؟
-----------------------
جوابي: طبعًا لا. فأنا أدين جميع أنواع النازيات، بداية بالنازية اليهودية الأم، مرورا بالنازية الإسلامية التي هي صورة عنها، وبالنازية الألمانية التي هي وليد النازية اليهودية. ومن يتابع كتاباتي وأشرطتي ومحاضراتي يرى بأن غالبيتها العظمى تنتقد الإسلام. وأنا ضد دولة يهودية كما ضد دولة إسلامية، لأن كل دولة ترتكز على الدين هي دولة نازية بالضرورة. والنازية تعني إقصاء مجموعة ما بسبب العرق أو الدين. وتركيزي في عنوان هذه السلسلة على النازية اليهودية سببه أن بعض أو كثير من الملحدين والتنويريين والغربيين ينتقدون النازية الألمانية والإسلام، ولكن لا يتجرؤون على نقد النازية اليهودية. وإذا شبهنا النازية بشجرة، نجد أن جذور النازية يهودية، والأغصان إسلامية وألمانية. ولا يمكن القضاء على النازية إلا إذا قلعناها من الجذور. وكلامي عن النازية اليهودية والنازية الإسلامية والنازية الألمانية لا يعني أني اعتبر كل اليهود وكل المسلمين وكل الألمان نازيين. فأنا أتكلم عن منظومة فلسفية وقانونية قام بصياغتها منظرون بين اليهود والمسلمين والألمان. واعتبر اليهود والمسلمين والألمان من بين ضحايا تلك النازية، عن وعي أو عن جهل. فكما يقال: كل شعب يستعبد شعبًا آخر يخلق سلاسله بذاته. وبعد تسع حلقات عن النازية اليهودية دعوني اتكلم هنا هن النازية الإسلامية.

النازية الإسلامية
----------
أعتبر النازية اليهودية هي النازية الأم لأنها تقصي غير اليهود. وهي التي الهمت النازية الألمانية، وقبل ذلك، النازية الإسلامية. فالقرآن، بالمختصر المفيد، هو كشكول من تأليف حاخام يهودي مسطول، أخذ الكثير من النظم والتعاليم اليهودية، ولا يسع المجال هنا لتفصيلها، وأحيل القارئ إلى طبعتي العربية للقرآن. فالنازية الإسلامية الإقصائية تفرق بين الناس على أساس الدين كما تفعل اليهودية مع بعض الإختلاف، إعتمادا على القرآن المدني. وهنا لا بد من التفريق بين القرآن المكي المسالم والقرآن المدني العنيف كما فعل المرحوم محمود محمد طه. فالقرآن المدني يقسم البشر إلى مؤمن بالإسلام، وغير المؤمن بالإسلام.

المسلم هو المواطن بالدرجة الأولى ويتمتع بكامل الحقوق. وبخصوص غير المؤمنين بالإسلام، فيتم تقسيمهم إلى قسمين رئيسيين:
1) من ليسوا أهل كتاب حسب التعبير الإسلامي، وتحكمهم خاصة الآية 5 من سورة التوبة التي تقول: فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا واقاموا الصلاة واتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ان الله غفور رحيم. ووفقا لكتب التفسير والفقه المعتبرة، يُعطي من لا ينتمون لأهل الكتاب خياران:
- الإسلام، فيصبحوا متساوون مع المسلمين في الحقوق والواجبات (مع بعض التحفظات لا داع لذكرها هنا)
- وإذا رفضوا الإسلام يُقتلون مع ما يلحق ذلك من سبي النساء والاسترقاق ومصادرة أموالهم كغنائم حرب
وفي حالة ضعف المسلمين، فإنه يؤخذ منهم الجزية إلى أن يقوى المسلمون عليهم. وعلى هذا الأساس تم إبادة 80 مليون هندوسي. وهي أكبر جريمة إبادة عبر التاريخ.

2) أهل الكتاب، وهم خاصة اليهودي والنصارى (وشبه بهم المجوس والسامريين). وتحكمهم خاصة الآية 29 من سورة التوبة التي تقول: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون. ووفقا لكتب التفسير والفقه المعتبرة، يعطي أهل الكتاب ثلاث خيارات:
- الإسلام، فيصبحوا متساوون مع المسلمين في الحقوق والواجبات (مع بعض التحفظات لا داع لذكرها هنا)
- دفع الجزية وهو صاغرون، والهدف من ذلك اشعارهم بالذلة حتى يفضلوا الإسلام على البقاء في دينهم. والشريعة تنقص من حقوق أهل الذمة: فمثلا يحق للمسلم من الزواج من مسيحية أو يهودية، أما المسيحي واليهودي لا يحق له الزواج من مسلمة. من جهة أخرى يحق للمسيحي واليهودي أن يصبحوا مسلمين، أما المسلم الذي يترك الإسلام فيقتل بحد الردة
- إذا رفضوا الإسلام ودفع الجزية يُقتلون مع ما يلحق ذلك من سبي النساء والاسترقاق ومصادرة أموالهم كغنائم حرب

وإن بقينا في منطقة فلسطين، هناك من يشكك في أصل الفلسطينيين وحتى في أصل اليهود سابقا. ولكن يمكن القول بأن تلك المنطقة عرفت غزوات دون توقف. وتغير إسم المنطقة التي (وفقا للتوراة) كانت تحمل إسم أرض كنعان، كما تغير دين سكانها عبر العصور. فما لا شك فيه هو أن سكان تلك المنطقة كانوا يدينون بالوثنية، وهيكل سليمان المزعوم هو في حقيقته معبد وثني، وقد تحول بعضهم لليهودية دون أن يتركوا عبادة الأوثان بالكامل، ثم تحول منهم للمسيحية، ومن المسيحية تحولوا للإسلام. وعامة يرث الشخص دين والديه، وإن ترك المسلم دينه يُقتل. وعلى هذا الأساس يمكن القول بأنه ليس هناك مسلم واحد في فلسطين اختار الإسلام بمحض إرادته. فغالبية أهل غزة والخليل ونابلس وجنين وغيرها يدينون اليوم بالإسلام. ولو رجعنا للتاريخ، لرأينا أنهم كانوا وثنيين تحولوا لليهودية، ثم للمسيحية، قبل أن يصبحوا مسلمين مع الوقت.
وإن قارنا النظم اليهودية بالنظم الإسلامية نجد تشابه كبير بينها، ولو أن اليهود طبقوا قوانين ديانتهم، كما يريد بعض رجال الدين، لوجدنا أنهم أقل تسامحا مع من لا يتبعون ديانتهم من المسلمين. ولكن كليهما مخالف لحقوق الإنسان التي تحرم التمييز على أساس الدين وتسمح بالحرية الدينية.

هلوسات دينية يهودية وإسلامية ومسيحية صهيونية
------------------------------
رأينا في الحلقات السابقة أن سياسة إسرائيل مبنية على نظم دينية. لا بل هي الدول الوحيدة في العالم التي تعطي الجنسية لكل شخص يدين بدين الدولة، بينما هدمت 81% من قرى فلسطين وشردت أهلها. ولو خلى الميدان لحميدان، فإن كل من هو يهودي سوف يطرد من وطنه وأرضه وتهدم ما بقي من قراه لذنب واحد أنه غير يهودي، فلا يحق لغير اليهودي الإقامة فيما يسمونه أرض إسرائيل. وتأتي إسرائيل بكل يهودي مهما كانت دولته وتمنحه حق الإقامة والجنسية بينما تحرم غير اليهودي من ارضه ووطنه، ومن هنا اصنف إسرائيل بدولة نازية. ويرى اليهود بأن هدم المسجد وبناء هيكل سليمان - الذي كان أصلا معبدًا وثنيا – هو من علامات مجيء المسيح. ولا يمكن إقامة الهيكل على أنقاض المسجد إلا بعد التطهير الذي يتم من خلال تضحية عجل أحمر يعد رجال الدين اليهود لميلاده في إسرائيل. وبناء هيكل سليمان سيعجل بمجيء المسيح المنتظر. وقد علق شيخ على قصة البقرة الحمراء بأن الشعب اليهودي لن يتطهر من نجاسته إلا بدخول الإسلام.

ونجد عند بعض أو قل أكثر المسلمين موقفا دينيا من فلسطين. فهم يعتبرونها أرض إسلامية ويرفضون إقامة دولة يهودية عليها. وإذا عادت سيطرة المسلمين على فلسطين، فسوف يقيمون عليها دولة إسلامية. ومشروع الدستور الفلسطيني، يقول بأن الإسلام هو الدين الرسمي في فلسطين وأن مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع. وتمارس هذه الدولة التمييز ضد غير المسلمين، على الأقل في مجال الأحوال الشخصية، إذ تسمح للمسلم أن يتزوج من مسيحية بينما تمنع زواج المسيحي من مسلمة. وتشجع التحول إلى الإسلام بينما من يرتد عن الإسلام فتفصل زوجته عنه ويسحب أولاده منه ويحرم من الميراث.
وإن تركنا المجال التشريعي وذهبنا للمجال الديني، يرى اصحاب التوجهات الاسلامية في فلسطين عموما أن في حلول عام 2022 لن يكون هناك إسرائيل اعتمادا على نبوة محمد التي يرتكزون عليها في تفسير كل المتغيرات والحوادث السياسية في فلسطين. ومن بين المنظرين لهذه النبوة الشيخ بسام جرار، مدير مركز نون الاسلامي وخطيب مسجد العين في مدينه البيره. والتيار الإسلامي يرى أن العداء مع اليهود لا يتوقف عند النزاع على أرض فلسطين. فحتى وإن أعاد اليهود كل أرض فلسطين، سوف يستمر العداء مع اليهود. ويربطون هذا العداء بحديث "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود حتى يقول الحجر وراءه اليهودي تعال يا مسلم هذا يهوديّ ورائي فاقتله".

وفي مواجهة الهلوسة اليهودية والإسلامية، هناك هلوسة الصهيونية المسيحية التي تنتمي غالباً للكنائس البروتستانتية الأصولية والتي تؤمن بأن قيام دولة إسرائيل عام 1948 كان ضرورة حتمية لأنها تتمم نبؤات الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد وتشكل المقدمة لمجيء المسيح الثاني إلى الأرض كملكٍ منتصر. ويعتقد الصهاينة المسيحيون أنه من واجبهم الدفاع عن الشعب اليهودي بشكل عام وعن الدولة العبرية بشكل خاص، ويعارضون أي نقد أو معارضة لإسرائيل خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية حيث يشكلون جزءاً من اللوبي المؤيد لإسرائيل. ويعارض التيار الصهيوني المسيحي أي انسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة أو أي تفكيك وإخلاء لأي مستوطنة إسرائيلية، كما يرفضون بشكل قاطع تبني حل الدولتين.

وتجدر الإشارة إلى تيار يهودي يسمى ناطوري كارتا أي حارس المدينة الذي يرفض الصهيونية بكل أشكالها ويعارض وجود دولة إسرائيل. وتعداده يقارب 5000 ويتواجدون في القدس ولندن ونيويورك. ويطالب بإنهاء سلمي للكيان الإسرائيلي وإعادة الأرض للفلسطينيين. وهذا التيار يمنع اليهود من الحصول على دولة خاصة بهم حتى مجيء المسيح. ويرى هذا التيار أن طرد اليهود سببه خطاياهم، وأي محاولة لاسترداد أرض إسرائيل بالقوة هي مخالفة للإرادة الإلهية، وقد أقر الحاخام موشيه هيرش بأن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات هو القائد الشرعي والقانوني لدولة فلسطين. وقد اشترك عضوان من هذه الطائفة بالصلاة على الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في باريس، كما اشترك الحاخام موشيه هيرش في جنازته.

نهاية إسرائيل ... ونهاية فلسطين
---------------------------
بعيدا عن الهلوسات الدينية لدى اليهود والمسيحيين والمسلمين التي تمنع أي تعايش بين البشر، يجب ان نعترف بأن المنطقة كلها على كف عفريت. فكل منهم يعتمد على إلهه لكي ينصره. وكل منهم يعد العدة للتخلص من عدوه. وإسرائيل أصبحت ترسانة حربية تمتلك ما يكفي لتدمير كل المنطقة، ولكن إن فعلت فهي تعلم أن المنطقة ستصبح بأكملها خاوية، دون شجر ولا بشر، وحتى الفئران لن تعيش فيها. وإن اعترفنا بأن الدول المحيطة بها أقل عدة وسندا، فإن بعض الصواريخ التي تصيب مصفاة البترول في حيفا ومصانع كيماوية أو مفاعل ديمونا الذري في إسرائيل، فقل حينها على إسرائيل ومن فيها السلام. وكل اصدقاء إسرائيل لن يستطيعوا إلا البكاء على أطلالها. وهل لإسرائيل أصدقاء؟ هذا ما يعتقده الكثيرون. إسرائيل هي مجرد دمية في يد دول كبرى من مصلحتها ان تبقى نار الحرب مشتعلة في المنطقة لكي تستمر مصانع السلاح في الإنتاج، ولتستمر سيطرتها على ثرواتها، ولمنع تقدمها. فنظرة على الخريطة تبين أن إسرائيل هي إسفين يهدف إلى فصل الدول العربية في آسيا عن الدول العربية في أفريقيا.

وما هو الحل؟ مثال سويسرا
---------------
السعيد هو من يتعلم من أخطاء وخيرة الآخرين. بالنسبة للغالبية العظمى لسكان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الموبوءة تعتبر سويسرا واحة سلام حيث يعم الازدهار الاقتصادي والتقدم الاجتماعي. ولو فتحت سويسرا حدودها، لما بقي أحد من سكان تلك المنطقة في بلادهم.
وحقيقة الأمر لم تصبح سويسرا ما هي عليه اليوم دون سبب. فقد مرت في فترات حروب دينية بين كاثوليك وبروتستانت كادت تدمرها. وعبارة (حروب دينية) استعملت أول مرة في التاريخ للإشارة إلى تلك الحروب في سويسرا. ومن هنا يمكن القول بأن سويسرا مرت في نفس المشاكل التي تعيشها منطقتنا، إضافة إلى كونها كونفدرالية تجمع بين 26 مقاطعة لكل منها دستورها وحكومتها وقوانينها وعلمها وخصوصياتها اللغوية والدينية. فهناك مجموعتان دينيتان رئيسيتان: كاثوليك وبروتستانت بالإضافة إلى كوكبة من الطوائف الدينية: مسلمون، ويهود، وبوذيون، وبهائيون، ومورمون، وهندوس وغيرهم. أضف إلى ذلك اربع لغات رسمية: الألمانية ويتكلمها قرابة 70 % من سكانها، والفرنسية ويتكلمها قرابة 24 % من سكانها، والإيطالية ويتكلمها قرابة 5% من سكانها، و الرومانش ويتكلمها قرابة 1% من سكانها. وتصدر القوانين في هذه اللغات الأربعة.
ولحل مشاكلها، قررت سويسرا ان ترتب وضعها الداخلي بحل المشكلة الطائفية، وذلك من خلال دستور عام 1874 الذي فصل بين الدين والدولة، وحذف المحاكم الطائفية، ووحد القانون المدني الذي يتضمن موضوع الأحوال الشخصية (مما يعني انه يحق لكل شخص ان يتزوج مع من يريد مهما كان دينه)، ومنح حرية العقيدة للجميع (فكل شخص له الحق في تغيير دينه في عمر 16 سنة، وبعد هذا العمر لا يستطيع احد ان يفرض عليه تعليم ديني)، ووحدت المقابر (أي ان الجميع يدفنون معا بالدور مهما كانت ديانتهم). كان هذا عام 1874. وبعدما صفى السويسريون مشاكلهم الداخلية واستتب السلام الداخلي، اصبح بإمكان الشعب التفرغ للعمل والتعاون معا لبناء دولة حديثة، دولة المواطنة، دولة تؤمن بمبدأ الحرية والمساواة لجميع المواطنين مهما كانت ديانتهم، بعيدا عن النزاعات الطائفية.

ولو طبقنا مثال سويسرا على فلسطين، سمها كما تشاء، يكون الحل الأمثل عمل دولة واحدة، دولة المواطنة، التي تعترف بحقوق متساوية لجميع سكانها، مهما كانت ديانتهم ولغتهم. وهذا يعني تخلي كل من اليهود والمسلمين وغيرهم من الطوائف الدينية عن امتيازاتهم الطائفية، وعمل دستور موحد يعترف بالحرية الدينية، مع جيش موحد، وقوانين موحدة تضمن مبدأ عدم التمييز على أساس الدين أو اللغة.

رفض الإسرائيليون خوفا من التعداد السكاني
---------------------------
ويرفض الإسرائيليون اليهود دولة موحدة خوفا من أن يصبح غير المسلمين أكثرية ويحولوها لدولة إسلامية اعتمادا على نتائج التصويت ومبادئ الدمقراطية. ولكن يتناسون مبدأ غير التمييز وفصل الدين عن الدولة وهما مبدءان أساسيان. فاليهود يرفضون هذين المبدئين، وكذلك الأمر بخصوص المسلمين. ودولة قائمة فقط على مبادئ الديمقراطية تتحول إلى دولة نازية. ولذلك تبدأ وثيقة حقوق الإنسان بمبدئي المساواة وعدم التمييز على أساس الدين. فإذا فصلت الدين عن الدولة لم يعد لعدد أبتاع دين معين أي دور في إدارة الدولة.

وفي نفس الوقت يرفض الإسرائيليون اليهود قيام دولة فلسطينية بالمعنى الحقيقي. فهم يريدون منطقة منزوعة السلاح، لا تسيطر لا على الأرض ولا على المياه ولا على الحدود. ومن المعلوم أن ترامب كان بداية يؤيد فكرة دولة واحدة. وأمام رفض الإسرائيليين، قال بأن بإمكانه العيش مع دولتين. إلا أن مما تسرب حتى الآن من صفقة القرن لا مكان لدولة فلسطينية مستقلة. وسنجد أنفسنا آخر الأمر في دولة واحدة تمارس الفصل العنصري في حدودها. وتدريجيا سوف تتحلل هذه الدولة كما تحللت دولة جنوب أفريقيا.

ونحن نرفض قيام دولتين منفصلتين، حتى وإن كانت احدهما منقوصة السيادة لأن ذلك يعني إقامة دولتين نازيتي: دولة نازية يهودية، ودولة نازية إسلامية. ولا نرى حلًا خارج إقامة دولة واحدة مع حقوق متساوية دون أي تمييز على أساس الدين. ونحن ضد أن يطرد اليهود حتى الذين أتوا إلى فلسطين مع فكرهم النازي والذي أدى إلى تدمير 81% من قرى فلسطين، ما دام انهم يعترفون بجرائمهم واستعدادهم للتعايش مع غير اليهود، متخليين عن نازيتهم. لا بل نذهب أبعد من ذلك. فحتى ننتهي من مسمار جحا، لا أرى مانعا من مجيء كل اليهود إلى فلسطين لكي يساهموا في تكوين مجتمع متقدم علميًا وأجتماعيا، على شرط التخلي عن مبادئهم النازية. ومن جهة أخرى يجب الإعتراف بحق اللاجئين الفلسطينيين الذين شردوا عام 1948 في العودة لقراهم المهدمة وإعادة بناؤها. فكثير من تلك القرى تم طمسها بالكامل وزرع غابات عليها لإخفاء جرائم النازية اليهودية. ولاستيعاب كل هذه الأعداد من اليهود والفلسطينيين، نرى إقامة دولة موحدة تجمع بين الأردن وفلسطين، ومستقبلا لبنان وسوريا، مع حق كل من سكانها في العيش حيثما يريد، كما يحدث في سويسرا بين المجموعات الدينية واللغوية المختلفة، على أن يضمن القانون مبدأ المساواة وعد التمييز.

معضلة هيكل سليمان المزعوم والمسجد الأقصى
-----------------------------
يعتبر المسلمون الجامع الأقصى أول القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. واليهود يعتقدون أن في ذاك المكان كان يقوم هيكل سليمان المزعوم ويرون فيه قبلتهم كما أن الكعبة هي قبلة المسلمين. ولا يخفى على أحد ان اليهود والحركات المسيحية الصهيونية ينوون هدم المسجد الأقصى لكي يعيدوا بناء هيكل سليمان المزعوم مكانه. ولن ندخل في الركيزة التاريخية لكل من هيكل سليمان المزعوم وقصة الإسراء والمعراج. ولكن من المؤكد أن في ذاك المكان كان يقوم معبد وثني. ولن يسمح المسلمون بأي حال من الأحوال المساس بالمسجد الأقصى. وأي حل للصراع الفلسطيني اليهودي يتطلب إيجاد حل لهذه المعضلة. وقد يوكل ذلك إلى لجنة حكماء من الطرفين لتدارس الأمر. ومن بين الحلول التي قد تطرح بناء هيكل لليهود بجانب الجامع الأقصى، علما بأن مساحة تلك المنطقة تبلع قرابة 144,000 متر مربع. ومثل هذا الحل يساهم في عدم المساس بالمسجد الأقصى. وسوف يصطدم هذا الحل باعتقاد اليهود أن ذاك المكان بالكامل مقدس، ووجود المسجد الأقصى يعتبر تدنيس له. وهناك من يرفضون جملة وتفصيلا تواجد غير اليهود في القدس، لا بل في كل فلسطين. والمسلمون في نفس الوقت يرفضون إقامة هيكل على أرض المسجد الأقصى، كبيرا كان أو صغيرا. مقدرة الطرفين في إيجاد حل لهذه المعضلة سيكون دليل على رغبة الطرفين في التوصل إلى تعايش بينهما. ولكن هل هناك رغبة من الطرفين في إيجاد حل دون سيطرة طرف على الطرف الآخر وفرض حلوله الإقصائية عليه؟

كلمة ختامية ليهودي مينوحين والأب الياس شكور
-----------------------------------
في خطاب أُلقي في 5 أيار 1991، أمام الكنيست الإسرائيلي، قال عازف الكمان الشهير يهودي مينوحين:
الذين يعيشون بالسّيف يموتون بالسّيف. والإرهاب والخوف يُولِّدان إرهاباً وخوفاً. الحقد والكراهيَّة هما أمران مُعديان بشكل حتمي ... هناك أمر واضح بشكل أكيد وكافٍ، هو أنَّ الأسلوب المُدمِّر في الحُكْم بواسطة الخوف وازدراء الكرامة الأساسيَّة للحياة، وهذا الاختناق المستمرُّ لشعب محتل يجب أنْ يكون آخر الأساليب المُتبنَّاة من قِبَلِ الذين هم أنفسهم يعرفون جيِّداً المعنى الرّهيب والألم الذي لا يُنسى لمثل هذا الوجود. هذا لا يليق بشعبي الكبير اليهود.

وفي مقابلة صحفيَّة مع الأب الياس شكور، وهو من سُكَّان برعم، إحدى القرى التي دمرها الإسرائيليِّون، قال:
نحن مواطنون من الدرجة الثّانية، نعم؛ هناك درجات. أعتقد في الواقع أنَّه في إسرائيل لا يوجد إلا درجة واحدة هي درجة المواطنة اليهوديَّة. ثمَّ يوجد من هم خارج الدرجات والمهمّشون أي غير اليهود الذين يتم التسامح معهم، لكنَّهم غير مقبولين، لأنَّ اليهود لا يجدون الحلَّ المناسب للتّخلُّص منهم. ولحُسْن الحظِّ أنَّه يوجد يهود، وهم قلَّة قليلة جدَّاً، لكنَّهم موجودون، يحتجُّون ضدّ هذا التّمييز والفصل. وأخشى أنَّه من الآن ولوقت قصير جدَّاً، إذا لم تُغيِّر إسرائيل جذريَّاً في سياستها ولا تهتدي، أيْ إذا لم تُغيِّر من نهجها السّياسي، أعتقد أنَّه سوف يكون هنا خيار واحد للاستمرار في العيش هنا، وهو الخيار العسكري. هذا لا يمكن أنْ يصنع جذوراً هنا، لأنَّ فلسطين منذ ما قبل إبراهيم، منذ ملكيصادق، لم تقبل أبداً مستعمراً لا يحاول أنْ يصنع جذوراً. فهم ليسوا بصدد القيام بصناعة جذور. إنَّهم يزرعون الحقد في قلب الفلسطينيِّيْن. يجب أنْ يتغيَّر ذلك إذا أرادوا أنْ يستمرّوا في العيش في مستوى حياة إنسانيَّة كريمة في الشّرق الأوسط.
.
وكلمة أخيرة لي:
----------
في اليوم الذي سيتخلص فيه اليهود والمسلمون من نازيتهم الإقصائية ويعتبرون كل من المسيحيَّ والمسلمَ واليهوديَّ كائنات بشريَّة متساوية، ويعاملونهم على قَدَم المساواة، فإن ذلك اليوم سيصبح أوَّل يوم سلام في الشّرق الأوسط.
.
النبي د. سامي الذيب
مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com
طبعتي العربية وترجمتي الفرنسية والإنكليزية والإيطالية للقرآن بالتسلسل التاريخي وكتابي الأخطاء اللغوية في القرآن وكتبي الأخرى: https://sami-aldeeb.com/livres-books
يمكنكم التبرع لدعم ابحاثي https://www.paypal.me/aldeeb



#سامي_الذيب (هاشتاغ)       Sami_Aldeeb#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معجزات النبي سامي الذيب التي لا ينكرها أحد
- ما هو شعوركم عندما ترون اني احمل لقب النبي سامي؟
- نبؤة زوال اسرائيل
- فلسطين والنازية اليهودية - حلقة 9
- فلسطين والنازية اليهودية - حلقة 8
- عودة للخمر
- فلسطين والنازية اليهودية - حلقة 7
- فلسطين والنازية اليهودية - حلقة 6
- يدعوني للإسلام مشكورا، وهذا ردي عليه
- فلسطين والنازية اليهودية - حلقة 5
- فلسطين والنازية اليهودية - حلقة 4
- فلسطين والنازية اليهودية - حلقة 3
- فلسطين والنازية اليهودية - حلقة 2
- فلسطين والنازية اليهودية - حلقة 1
- ماذا يعتقد سامي الذيب؟
- معلومات خطيرة عن الجزائر: عائلة يهودية وراء ما يجري؟
- سبب المسبات في التعليقات - وسبب شربي الخمر
- الجزائر: إحذروا الفتنة
- مقابلة مع صحفية عن الجزائر: وضع دستور جديد أهم من تغيير الرئ ...
- هناك مؤامرة على الجزائر


المزيد.....




- بعضها أوقف التصدير... ما هي الدول التي تزود إسرائيل بالأسلحة ...
- الآلاف يرفعون علم روسيا العملاق في قبرص احتفالا بيوم النصر
- لجنة فلسطينية تدعو أهالي الضفة والقدس والداخل للانتفاضة إسنا ...
- ساحة حرب.. مشاهد مروعة لهجوم نشطاء على مصنع -تسلا- في ألماني ...
- -كتائب القسام- تفجّر نفقا بقوة إسرائيلية في رفح
- الدفاع الروسية تعلن تدمير 3 دبابات -ليوبارد- ألمانية ودبابتي ...
- تأهل المتسابقة الإسرائيلية في مسابقة -يوروفيجين- وسط تظاهرات ...
- السفارة الروسية في الإمارات تنظم أمسية احتفالية بمناسبة الذك ...
- إسرائيل تتحدث عن مغادرة مقاتلين من -حماس- رفح وتكشف عن استرا ...
- لسبب غريب.. صينيون يدهنون وجوههم باللون الأسود (فيديو)


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامي الذيب - فلسطين والنازية اليهودية - حلقة 10 (الحل)