كيف تتكلم؟

علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 6221 - 2019 / 5 / 5 - 18:19
المحور: الادب والفن
    

كيف تتكلم؟
**
كيف تتكلم عن بلد لم تزره سابقاً!؟
كيف تتكلم عن بلد لم تَشُمّ رائحته،
لا تتقن لغته،
لا تعرف أعياده وطقوسه،
لم تقرأ تاريخه،
لا تشعر بموسيقاه،
لا تعرف شعراءه وفلاسفته،
لم تعشق فيه،
لم تقدِّم له شيئاً
ولم تعمل فيه مطلقاً!
كيف تتكلم عن بلد لا أصدقاء لك فيه، عن بلد لم تشارك أهله ساعات فرحهم وحزنهم!
كيف تتكلم عن بلد ثان وأنت لا تعرف قيمة بلدك ولا تشعر بقيمتك الحقيقية فيه!
كيف تتكلم عن الإنسان في داخلك وأنت تعتبر أنّ الآخرين ذوو إنسانية أقل وأقرب إلى البَهيميّة!
كيف تتكلم عن حاجات الإنسان وأنت تختزل حقوقه بالعيش والحريّة والكرامة!
كيف تتكلم عن السجن وأنت لم تزرهُ!
كيف تتكلم عن الحرمان والألم المعجون بالدهشةِ من نكران الآخرين لعطائك وأنتَ نفسك لم تحاول تنظيف أنابيب الفئران بداخلك!
كيف تتكلم عن المُثُل والأخلاق وأنت تُوقع الأسى في نفس من رأى بكَ قدوة ورمزاً وآخذاً بيده إلى سكّةِ الخلاص!
كيف تتكلم عن سمو الروح والقيم الحرة وأنت ترفض وجود الروح والقيم الحرة إِلَّا وفق نظرتك المحدّدة والمنغلقة على الفلسفات الأخرى لأنّها دينية أو وجودية أو ...!
كيف تتكلم عن جمالك الداخلي الفريد وأنت لا ترى الجمال الكامن في نفوس المحتاجين الذين أُجبروا على العيش في الظل بعيداً عن الأضواء!
كيف تتكلم عن ضرورات النقد والنقد الذاتي وأنت لا تقبل الاِعتراف بأخطائك!
كيف تتكلم عن المحبة والتآخي وأنت تنظر للآخر المختلف على أنّه مُخطىء ومتخلف ومُرتَدّ!
كيف تتكلم عن عفّة النفس ونظافة الكفّ وأنت تُحابي أصحاب السَطْوة والسلطة وتربِّت على أكتافهم!
كيف تتكلم عن العمال وعيدهم وأنت تترفع عن البسطاء العاملين بإخلاص وصمت!
كيف تتكلم عن الحرية للشعوب والأفراد وأنت تحبس عائلتك بين جرذان منزلك!
كيف تتكلم عن الصراعات الطبقية والدينية والقومية والأثنية والمناطقية والعشائرية وأنت لاتسعى إلى تبديل الصراع والقتل بالتعاون والتضايف بدلاً من التضارب!
كيف تتكلم عن نذالة وسلبيات الشركات الرأسمالية الغربية وأنت تعيش على إبداعاتهم ولا تكبر إِلَّا بما أنجزوه في مجال العلم والبحث والتكنولوجيا والاختراعات والإدارة!
كيف تتكلم عن الإمبريالية الغربية وأنت تتجاهل إمبريالية الدين في شرقك والنظريات الشمولية التي تعمم نظرة سياسية واحدة للعالم المتنوع!
كيف تتكلم عن تواضع رئيسك وأنت لا ترى كيف يعيش رئيس الإكوادور ومستشار ألمانيا مثلاً وكيف يذهب بعض الوزراء والنواب ورؤساء الجامعات ومدراء الشركات إلى أماكن عملهم على دراجاتٍ عادية أو في القطارات مثل أي عامل أو طالب!
كيف تتكلم وتتكلم وتتكلم عن كل شيء وكأنك خالدٌ أبد الدهر وليس ثَمّة دُود سيأكل جسدك كما أكل أجساد من سبقوك!
كيف تتكلم والسَّماء أغاثها السَّحابُ!
كيف تتكلم وأولُ الغيثِ قَطْرٌ!
كيف تتكلم وأولُ الطريق خطوةٌ!
كيف تتكلم وأخرُ الطريق حنظلة!؟

#علي_دريوسي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات