أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - مصطفى الفقي … سَلطنة التشريح الفكر














المزيد.....

مصطفى الفقي … سَلطنة التشريح الفكر


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6196 - 2019 / 4 / 9 - 08:22
المحور: الادب والفن
    


"الحكاية مش التاريخ، الحكاية إزاي نقرا التاريخ.” هكذا أقولُ لنفسي كلّما جمعني لقاءٌ بالدكتور مصطفى الفقي، لُأنصِتَ إليه حكّاءً عظيمًا، عزَّ نظيرُه، يُشَرِّحُ أوصالَ التاريخ ويشرحُ أعقدَ الظواهر السياسية والاجتماعية بأسلوب يسْرٍ مرحٍ وشديد العمق في آن. أؤمنُ أن التاريخَ ليس أحداثًا ومواقفَ وحضاراتٍ وزعماءَ وشعوبًا ومعاركَ وحروبًا ومصالحَ ومواءمات. بل هو: دالٌّ ومدلولٌ ودلالة. لا شيء يحدثُ اعتباطًا. إنما الأحداثُ تجري وفق منظومة دقيقة من التراتبية والتوافقية والسببية. شيءٌ يشبه نظرية "تأثر الفراشة"؛ حيث "الكلُّ" بنيانٌ مرصوص من "الأجزاء" التي تؤثر وتتأثر؛ فتُغيّرُ ذلك "الكلَّ”. لو وقع أمرٌ في الشرق الأدنى، تجلّى أثرٌ له في الغرب الأقصى، وإن صدَعَ شأنٌ في جنوب الأرض، سُمِع وجيبٌ له في شمالها. هذا العالم المترامي يُشبه أوركسترا متناغمةَ/متصارعة تعزف كونشرتو غير متفقٍ عليه سلفًا. تتبدّلُ نوتتُه على مدار اللحظة. يُغرِّدُ الكمانُ بعذوبة، فيردُّ عليه النايُ بحزن، يزأرُ التشيللو بصلافة، فتُقرع الطبولُ مُهددةً بغضب، وينفخ الأوبوا بجنون، فيُدندنُ الهارْبُ بحكمة، فتردُّ الماريمبا ساخرةً من الجميع، وهي تُرسل ابتساماتها إلى الدُّفّ لكي يضبطَ إيقاعَه على النغم الجديد. وفي ركن المسرح، يجلسُ عجوزٌ يُنصِتُ وبين يديه دفترٌ وقلم. يضبطُ نظارتَه فوق أنفه، ويبدأ في تدوين النغماتِ التي عُزفِت للتوّ؛ عذبةً حينًا، وناشزةً أحيانًا. ذاك العجوزُ هو أبونا التاريخُ، المعلمُ الأول. يكتبُ في هوامش الصفحات: “لكلِّ جوابٍ قرارٌ، ولكلِّ مذهبٍ خاتمة”. وكما ينطبقُ الحالُ على المكان، ينطبقُ على الزمان. فوحدةُ التاريخ ظاهرةٌ تشبه القاعدة التي لا تقبلُ الاستثناء. كلُّ حدث وقع على سُلَّم الزمان، له أثرٌ ونتائجُ وتجلياتٌ في كل لحظة تالية. فلولا "أرسطو" في القرن الرابع قبل الميلاد، ولولا استنطاق "ابن رشد" لأرسطو وشرحه لأفكاره في القرن الثاني عشر، ما كانت أوروبا المتحضّرةُ اليوم. كلُّ شيء وقع في الأمس، له مَردٌّ وأثرٌ اليومَ وغدًا وبعد غد. ذلك هو "فنُّ قراءة التاريخ". القراءةُ فنٌّ عصيٌّ يفوق في تقديري فنونَ الكتابة. لأن القراءة الصحيحة فعلُ إدراك، واستقراءٌ للمستقبل. القراءةُ الواعية نوعٌ من "التوقُّع" الذي يشبه "الرؤية" رأيَ العين. فالتاريخُ (الحقيقيُّ وليس المكتوب)، لا يختلف عن علوم الرياضيات والمنطق: مقدماتٌ وتوالٍ، أسبابٌ ونتائجُ.
على شرف معرض الإسكندرية للكتاب، كان لنا "حُظوة" اللقاء بالدكتور مصطفى الفقي في ندوة عنوانها "مصرُ تطرق أبوابَ المستقبل". واخترتُ كلمة "حُظوة" لأنه من حُسن حظ المرء أن يُنصتَ إلى ذلك الرجل وهو في حال من "السَّلطنة" الحكائية. والسلطنة هنا ليست بالمعنى السياسي، إنما بالمعنى الاصطلاحي المصري، الذي لن تجد له أثرًا في المعاجم، لكن ستجده في قلب كل مصري يعشق الطرب الأصيل. "السلطنة" هي حال النشوة والتطريب التي تغمرك وأنت تُنصتُ إلى جميل القول.
ذلك الحكّاءُ العظيم، د. مصطفى الفقي، يمتلك القدرةَ على النظرة العالمية الشاملة Global لقراءة الأحداث. يتأمل الخيوطَ الدقيقة ويتتبع سريانها في جدائلَ تتواشجُ وتشتجرُ حتى تصنع الأحداثَ الكبرى. يُدرك أن ما يحدث في شرق الكرة الأرضية، يؤثر على غربها، وما يطرأ في شمالها، ينعكسُ على جنوبها. فالعالمُ ليس جزرًا منفصلةً، بل مجموعةٌ من الأواني المُستطرقة التي تتعاونُ، وتتصارعُ، حتى يظلَّ منسوبُ الماء واحدًا أبدًا. لهذا شرح لنا في تلك الندوة الثرية أن تاريخ مصر يجب ألا يُقرأ فرادى، كلَّ حقبة على حدة. بل يُدرس كوحدة واحدة متناغمة. فلا يجوز أن تقرأ حقبة السادات بمعزل عن الحقبة الناصرية. ولا يجوز أن تقرأ حقبة ناصر بمعزل عن العصر الملكي. التاريخُ المصري بانوراما متكاملة يُفضي جزءُها إلى كلِّها. ويُمهِّد ماضيها إلى حاضرِها، وحاضرُها إلى مستقبلها.
الحكايةُ في "ظاهرة مصطفى الفقي" ليست في غزير العلوم برأسه، ولا في عظيم الدرجات العلمية تُكلِّلُ هامتَه، ولا في رفيع المناصب خلال مشوار حياته، ولا في فريد مؤلفاته تسيل من مداد قلمه، ولا في حشود تلامذته تُصوّب الأنظارَ حيث يحطُّ رحالَه. الحكايةُ هي حالة "السَّلطنة" التي تضرب وجدانك وأنت تستمع إليه شارحًا ومُفسِّرًا لكل دقيقة من دقائق جسد التاريخ: ماذا، ولماذا، وأين، ومتى، وكيف حدث ما حدث؟ وماذا متوقَّعٌ أن يحدث في المستقبل؛ بناءً على ما حدث في الماضي؟ تلك هي المسألةُ. "مصطفى الفقي" في سرد التاريخ والسياسة بالنسبة لي، هو "أم كلثوم" في الطرب الرفيع. كلاهما يمنحني النشوةَ والسلطنةَ فأخرج من بين يدي أحدهما، إنسانًا جديدًا بقلب مفتوح على الحياة، وعقل مفتوح على الإدراك. د. مصطفى، أشكرك، وبارك اللهُ لنا فيك. و"الدينُ لله، والوطنُ لَمن يستحقُّ الوطن”.

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في قانون التحضُّر: البقاءُ للأضعف!
- الإسكندراني والسيسي وزيدان …. يا حفيظ!!!
- أم كلثوم ... فيروز … شيرين
- دائرةُ الحُب الأبديةُ في بيت لليان تراشر
- العسراءُ الجميلة التي اغتالتها يدُ صهيون
- ما هديتُكَ في عيد الأم؟
- البابا شنودة و... برينتون تارانت
- الأدبُ … حين يحمينا من المزورين | عن الصفحات الكاذبة
- هنا أسيوط … والذي مصرُ تعيشُ فيه
- على هامش ((تصويب)) الخطاب الديني
- البابا فرنسيس في دار زايد … على خُطا القديس الأسيزي
- صخرةُ العالم … وسوطُ السجّان
- إكليلُ غار للجميلة: سميحة أيوب
- قال الرئيس: مسيحيو مصر ليسوا أقليّة!
- عينا -نوال السعداوي- … في وهج الشمس
- أحبّوا … مثل طفلٍ ضرب قدمَه بسهم
- المركز الكاثوليكي المصري … صخرةُ الفنون الرفيعة
- ذكرياتي مع الكتاب ... في معرض القاهرة الدولي للكتاب
- تحت السرير … مع أفروديت وهيرا
- كيف خدعتُ أمي ... لقراءة الكتب الممنوعة


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - مصطفى الفقي … سَلطنة التشريح الفكر