أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد كريم الساعدي - الثقافة والذاكرة















المزيد.....

الثقافة والذاكرة


محمد كريم الساعدي

الحوار المتمدن-العدد: 6192 - 2019 / 4 / 5 - 22:59
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أهم ما رُكز عليه في الثقافة الغربية والقائمون عليها ، هي مبدأ تفعيل الحضور الميتافيزيقي في الذاكرة الجمعية الغربية لذلك فأن اغلب الفلسفات التي بحثت فيما بعد الحداثة استندت على تفكيك الحضور الميتافيزيقي في الذاكرة الغربية الجمعية ، والتي كانت قائمة على أساس نوايا اللوغوس الغربي في تثبيت نقاط مهم حول كيفية تكوين ثقافة كونية يقودها العقل الغربي ، وتكون فيه الثقافات الأخرى مجرد محاكي ومقلد للحضارة الغربية . لذلك فأن فك الارتباط بين ما قدمه الحضور الميتافيزيقي للعقل الغربي في الذهنية الغربية وذاكرتها الجمعية ، وبين الأهداف والنوايا الحقيقية التي قامت عليها الحضارة الغربية ، كان لابد من تقييم الحضور الغربي في الذاكرة الجمعية ، وهذا الحضور كان له مبررات خداعة للجماهير بحجج مختلفة أهمها: مبدأ نشر الحضارة الغربية ، التي يعتقد أصحابها والمؤسسات القائمة عليها بأنها هي التي يجب ان تسود وان تقود العالم ، لذلك فأن الذاكرة بمفهومها الجمعي ،أو الذاكرة المشتركة ،أو الذاكرة التاريخية كما يسميها الفيلسوف الفرنسي بول ريكور (1913-2005) ،الذي يركز في مؤلفاته عليها ويعد التاريخ متداخل معها في سياقات ضمنية يستند عليها من يحاول قراءة التاريخ في ضوء الذاكرة الجمعية ،أو المشتركة ، وبالتالي فأن هذه الذاكرة (التاريخية الجمعية) ، هي من تستقي منها الذاكرة الفردية وتتناغم معها في إيجاد تناسق فكري ومعنوي لإنتاج ما يسمى بالتفعيل المستمر للصورة الخاصة بأحداث ،أو مواقع وأماكن معينة ، وهنا يؤكد (ريكور) على مبدأ الانسجام بين ما هو فردي ومستمر للصور الخاصة بأحداث أو مواقع وأماكن معينة ، ويؤكد (ريكور) أيضاً على مبدأ الانسجام بين ما هو فردي وجماعي في إنتاج الصور الذاكرانية ، لأن هذا الفعل يستند الى أفعال التناغم والتواصل ، لا بالاختلاف وعدم التواصل في هذا المجال ، والمهم في هذا ان تنسجم الأفعال الجزئية مع الكليات حتى لا يصبح البناء الذاكراني للصور متخلخل فيها ، لذا فأن الذاكرة التاريخية عند (ريكور) ليست ذاكرة فردية ، بل هي ذاكرة جماعية بالأساس، إذ يجب على الذاكرة الفردية ان تنسجم مع الذاكرة الجماعية ،أو كما يردد دائماً : (الذاكرة تهمني ايضاً كذاكرة مشتركة) بفعلها في زمن التجربة الذي يصارع النسيان ، من اجل ذاكرة تناظر التاريخ وهو ما لا يمكن ان يتحقق الا بعملية جدلية بين التاريخ والذاكرة ، وبما ان التاريخ وسيرته حافلة وقد وظف هذا التاريخ على وفق نوايا الحضور الغربي وميتافيزيقيته وأفعاله ضد الآخر ، فأن الذاكرة الجمعية والمشتركة للذهنية الغربية والبنى الاجتماعية لهذه المجتمعات ، حفلت بتنوع الصور المؤيد والمؤكد لأفعاله المنافسة مع خارج دائرة الثقافة الغربية ، ليس من اجل بناء عالم مشترك يسوده العدل والتنافس المثالي ، بل من اجل تحفيز كل ما هو يساق ضد المنافس ثقافياً وحضارياً ، فما معنى ان تقوم حضارة عالمية تكون فيها الشعوب مصنفة الى(أولى وثانية وثالثة) ؟ وما معنى ان يقوم عالم فيه طرف فاعل ومنتج وطرف آخر مقلد ومحاكي لما يقدمه الطرف الأول؟ ، وما معنى ان يحتكر كل ما هو مباح للطرف الأول وممنوع منه الطرف الثاني ؟ ، مثل السلاح النووي أو التكنولوجيا المتطورة التي تدخل في مبدأ الدفاع عن النفس وردع المعتدي ، وكذلك ما معنى ان يستبعد الآخر من مقعد دائم في الأمم المتحدة ؟ فلو كانت النوايا حسنة لتقاسم العالم بأجمعه القيادة والتناغم في بناء أمم متحضرة دون ان يوصّف البعض منها بأوصاف تجعلها في دائرة المستويات الأدنى من الحضارة الإنسانية ، لذلك فأن التاريخ بوصفه الباعث على إحياء الصور التي يريد إيقاظها اللوغوس الغربي في حضور متعمد في الذاكرة الجمعية بالأساس ، ويريد إعادة بناء جملة من المفاهيم التي ترسخ لمبدأ الخلاف في تقبل الأمر ، لا على مبدأ الاختلاف في الثقافة ، وبالتالي فان الاختلاف الثقافي سينعش حقيقة التنافس الإنساني لصنع عالم أفضل ، ولا بد من العودة الى ان التاريخ يكتبه المنتصر ، أو المسيطر بإمكانياته التي حرم منها الآخر والتي تعود في كثير من الأحيان الى ثروات الآخر المستغلة ، والتي حاول صياغة تاريخ الآخر ليحفظ لذاكرة شعوبه ما يريد ان يثبته ويصبح التاريخ هو المحرك والمفعل للذاكرة للتاريخ ، وما يقدمه التاريخ للذاكرة ، وكلاهما قادر على حفظ وتفعيل ما يريده القائم على تشكيل الوعي الإنساني في مكان معين من العالم ، مثلما حصل في تثبيت الصورة العقلية عن المغاير ثقافياً، مثل الشرق أوسطي ذات الملامح البدوية والعادات السيئة ، وطريقة الأكل والشرب اللاحضارية والمستمدة مما صوره الرحالة والمستشرقين عن الحضارة الإسلامية في الشرق الأوسط والتي سنناقشها في الفصول القادمة . لذلك فأن التاريخ حافل بصور المهزوم الذي يصوره المنتصر على طريقته الخاصة من اجل التهكم والسخرية وعدم الإنصاف الا في أحيان قليلة ، ومن هنا فأن العلاقة بين الذاكرة والتاريخ الجمعيين هي علاقة زواج كاثوليكي يؤيده ويصدق على أوراقه الأقوى وليس الأضعف ، ويصوغهما على ما يبقي استمراريته ، لذا فأن الجدلية قائمة بين الذاكرة والتاريخ تقوم على وفق الصيغ التالية : إذا كانت مهمة الذاكرة حفظ الماضي ، فأن مهمة التاريخ بناء ما حفظته الذاكرة ، ولما كانت الذاكرة عبارة عن صور ، فان التاريخ هو الصيغة اللفظية المعبرة عنها ، وعليه فالذاكرة نوعاً ما هي حوض الكائن الذي تتجمع فيه كل الصور العقلية والفعلية والماضية والحاضرة ، فهي عصب التاريخ الذي يحضر فيه الغياب. بل وأكثر من ذلك فأن التاريخ هو ليس فقط صيغ لفظية معبرة ، بل هو ايضاً ما سطّر في المجلدات التي اختلفت في طريقة تدوينها ، والتي أصبحت اليوم للقارئ عبارة عن مصداق لما حدث في الماضي هذا الذي حدث ودوّن، اختلف عما وقع فعلياً في ارض الحدث ، لأن من دوّن قد نقله بعد حين وليس بشكلٍ مباشر كما يحدث ألان ، فأن هذا التدوين قابل للزيادة والنقصان وقابل للتحريف والتعديل بما يتلاءم ومقررات المنتصر ، فالتاريخ الذي يحفظ الماضي ، فأن هذا الماضي لم ينتقل كما حدث بالفعل ، بل زينت فيه صور وشوهت فيه صور ، حتى ان عملية التشويه سيقت بما يتلاءم وأهداف مستقبلية قائمة على المصالح ، ومثال ذلك ما يذكرنا التاريخ المحلي للشعوب العربية بان العالم العربي لم يكن دويلات مقسمة على أساس ما هي عليه ألان ، بل كانت خارطة قديمة تمتد من الشرق وحواضره في الكوفة والبصرة وغيرها من المدن الى المغرب العربي ومدنه ، لكن المنتصر في الحروب العالمية الأولى والثانية جعل العالم العربي دول متناحرة ، وألان اتضحت ملامح التقسيم وأصبحت مذاهب وديانات وقوميات متناحرة ، وغداً ستصبح قبائل متناحرة ، في السابق لم تكن الأرض العربية ملك لأسر معينة ، أو ملوك ، بل ان المنتصر وزعها على من قال له نعم ، وقبل بما كتبه في تاريخه ، وأصبح التاريخ الإسلامي حافل بألغام ومفخخات أضافها المستشرق الفلاني والباحث الغربي ،الذي أصبحنا ننحني أمامه لأنه هو القائل دون ان نرجع الى التدقيق في المعنى هل يتلاءم مع دستورنا الشرعي وأحاديث إسلامنا الوسطي؟ ، أم فقط ان مصدر ما كتب أيدته مرجعيات غريبة لا غير ، فيجب ان نوافق على ما جاء فيه ، لذلك ليس لنا الحق في الاعتراض ، حتى على بنود الأمم المتحدة التي جعلنا فيها من أفراد العالم الثالث وقسمونا الى شرق أوسط و شرق أدنى وشرق أقصى ، بينما هم غربهم واحد ، لا يوجد غرب أوسط ، أو غرب أدنى ، أو غرب أقصى ، علماً ان مسيرة الحضارات السابقة لم يكن فيها هذا التقسيم ، لأن الصراع كان متكافأ بين الأطراف المتنافسة على قيادة العالم آنذاك.



#محمد_كريم_الساعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللاتوقع الحركي الثابت والمتحرك في فلسفة الفهم والادراك المع ...
- تفاعلية تلقي الخطاب
- أفكار في نقد سلامة الوطن
- فلسفة جيل دولوز وملامح الفهم الغيري
- الميل الى الفن
- فن الأداء وإعادة انتاج الهوية الثقافية
- عوالم أخرى
- دارون في لباسه العربي
- في داخلنا من نحن؟
- الخطاب البصري لدى الصم والبكم .
- المسرح و الاتصال البصري
- التلقي البصري عند الصم والبكم .
- تكوين الصورة المرئية وإدراك المعنى
- نقد ما بعد الاستعمار (ما بعد الكولونيالية)
- العلامات الأدائية ودلالاتها البصرية
- فوكو والحيز الجسدي
- الفنان وجدلية السؤال الجمالي
- منظرو التلقي والمفاهيم الفينومينولوجيا
- الخطاب الامريكي والفكر المتعالي
- فوكو و سعيد وهيمنة الخطاب


المزيد.....




- شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف ...
- احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين تمتد لجميع أنحاء الولا ...
- تشافي هيرنانديز يتراجع عن استقالته وسيبقى مدربًا لبرشلونة لم ...
- الفلسطينيون يواصلون البحث في المقابر الجماعية في خان يونس وا ...
- حملة تطالب نادي الأهلي المصري لمقاطعة رعاية كوكا كولا
- 3.5 مليار دولار.. ما تفاصيل الاستثمارات القطرية بالحليب الجز ...
- جموح خيول ملكية وسط لندن يؤدي لإصابة 4 أشخاص وحالة هلع بين ا ...
- الكاف يعتبر اتحاد العاصمة الجزائري خاسرا أمام نهضة بركان الم ...
- الكويت توقف منح المصريين تأشيرات العمل إلى إشعار آخر.. ما ال ...
- مهمة بلينكن في الصين ليست سهلة


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد كريم الساعدي - الثقافة والذاكرة