أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد كريم الساعدي - دارون في لباسه العربي














المزيد.....

دارون في لباسه العربي


محمد كريم الساعدي

الحوار المتمدن-العدد: 5974 - 2018 / 8 / 25 - 07:03
المحور: الادب والفن
    


في غرفتي كل الأشياء مرتبة بشكل دقيق حتى أني أحفظها عن ظهر قلب ، واذا أردت شيئاً أذهب اليه دون وعي من كثر ما حفرت الأشياء في ذاكرتي، التي أغلقوها عليها وأصبحت أماكنها مقدسة داخل الغرفة .. وأنا لا أستطيع أن أغيرها الى أي مكان آخر ..
في أحد المرات حاولت أن أتصرف بهامش من الحرية في نقلها الى مكان أخر في نفس الغرفة قامت الدنيا ولم تقعد على ما فعلت ..
أرجعوا الأشياء الى مكانها بسرعة عجيبة وكأن كل من في البيت قد أتفقوا على أماكنها المحددة ..
وسألت نفسي لماذا هم لقننوني بوجودها في حياتي دون وعي بها ؟
ولماذا هكذا ترتيبها؟ ولماذا هي مرتبة بهذه الطريقة وليست غيرها؟
وهل يوجد من علمهم عليها ؟ ؟
فأنا لا أعلم .
وبعد أن سألت نفسي عن الأشياء بصغيرها وكبيرها ، ولماذا كلها في داخل هذا الغرفة بالذات؟ دون الغرف الأخرى؟ ..
فكبيرهم يتجول بغرفته بحرية لقلة الأشياء فيها التي لا تعيق حركته ..
وصغيرهم له حرية أقل على الرغم من الأشياء في غرفته أكثر بقليل من غرفة الكبير.
لكن فجأة ظهر لي سؤال حيرني هل هذه الأشياء هي في الغرفة ؟ أم في عقلي فقط؟.
لأن عقلي هو الذي يحفظ مكانها فقط , ولو أزلناها منه لا تستطيع أجزاء جسدي تذكرها ..
في المنام كل الأشياء متغيرة ولا يوجد أحد يؤنبني على تحريكها...
وسألت أمي ذات مرة قلت لها : هل تعتقدين أنني سأستخدم كل هذه الأشياء هنا ؟ أم أستطيع أن اتخلى عنها لكم في المستقبل ؟
قالت : يا بنيتي هذه الأشياء ستأخذينها معك وتستخدمينها في غرفتك الأخرى .. فقلت: وهل توجد لدي غرفة أخرى أحمل معي الأشياء نفسها ؟ وهل تبقى معي الى الأبد؟
قالت: أنها ميراث جدتك لي وهي ميراثي لك وميراثك لأبنتك وهكذا يستمر وجودها في حياتنا .
في هذه اللحظة شرد مني وعيي ولم أتذكر ما حولي ..
في افق الذاكرة لاحت لي صورة قاعتي الدراسية وأنا طالبة في كلية البنات كيف أن أحدى زميلاتي سألت أستاذ المادة ..
كان الدرس حول نظرية التطور لدارون وكان الأستاذ يشرح لنا عن التطور ومن كثرة ما أعاد لنا الدرس حفظنا مقولته عنها وعن معنى التغيير حتى نبرة صوته الخشنة أتذكرها .
كان يقول لنا: يا بنات أن التطور هو التغير في السمات الوراثية الخاصة بأفراد التجمع الأحيائي .. وحاول أن يطبقه على حياتنا اليومية بأمثله كثيرة ويربطها ببعض الامور الاجتماعية ..
لكنه لم يذكر لنا أي مثال عن نصف المجتمع الضعيف وهل يتطور في تجمعه الأحيائي ...
ونحن نتفاعل مع الدرس ونحلم بالتطور أستخدام الأشياء كون التغير والتغيير يهمني وزميلاتي أيضاً ، لأن أشيائي في الغرفة ثابتة لا تتغير ووتدها يصل الى سابع أرض .
وأنا بين ذاكرتي وحلمي الذي أصبح يبتعد مني اكثر فأكثر وبين واقعي المبهم .. في هذه اللحظة سألته بصوت عال وهو متمثل بشخصية أمي الواقفة أمامي ..
وصرخت بوجهها أيقظ الأنثى في داخلها فقلت : لكن دارون في تطوره نسي أن تاريخنا نحن البنات الشرقيات لا يتطور ..
فنحن نفس جداتنا وأمهاتنا وبناتنا نفسنا ، فمتى نجد أشيائنا وقد رتبناها بأنفسنا بشكل جديد .
ولفظت أسم دارون وأنا أمسك بكتفي أمي وقلت: يا دارون الا تنتج لنا نظرية أخرى تحاكي عقول أسلافنا وتقول لهم أن تطور الأشياء هي سنة الحياة وبقائها كالجمادات دون تطور هي من المآسي التي أنتجت لنا ضياع نصف المجتمع .. وعدت الى صمتي المطبق نطقت بعدها بهمس وحزن عميق في داخلي يبعثر أوراقي : يا دارون فقط في الاحلام نتطور وفي الحقيقة الأشياء نفسها ثابتة لا تتغير.. لا ننتج حياة جديدة بل حياة مكررة ومستنسخة كحياة جدتي وأمي ..
لكن دارون لم يسمعني كون امري لا يهمه .. وحاولت .. وحاولت مرة اخرى بعد أن جن جنون بداخلي .. وأصبحت لا أعرف نطق أي كلمة ،وكأن لساني تخلى عن وظيفته وأصبح يداً ثالثة في فورة التغيير الصامتة .. كنت أريد أن أحرك كل الأشياء في غرفتي ولو في مخيلتي المشوشة، لكن محاولاتي باءت بالفشل ...
وعدت وأنا اغمض عيني وكل شيء في عقلي تبعثر حتى أفكاري هي الأخرى تبعثرت ..
وتخيلت صورة دارون في لباسه العربي وهو ينظر الي بعينيه الغاضبتين وبسلطته المطلقة جعلتني اصمت ولا أتكلم .. وأنحنى رأسي الى الارض وعينيه تحولت كمطرقة تدق على أوتاد ثبات الأشياء في غرفتي المظلمة .



#محمد_كريم_الساعدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في داخلنا من نحن؟
- الخطاب البصري لدى الصم والبكم .
- المسرح و الاتصال البصري
- التلقي البصري عند الصم والبكم .
- تكوين الصورة المرئية وإدراك المعنى
- نقد ما بعد الاستعمار (ما بعد الكولونيالية)
- العلامات الأدائية ودلالاتها البصرية
- فوكو والحيز الجسدي
- الفنان وجدلية السؤال الجمالي
- منظرو التلقي والمفاهيم الفينومينولوجيا
- الخطاب الامريكي والفكر المتعالي
- فوكو و سعيد وهيمنة الخطاب
- فوكوياما والنظرة المتفلسفة لنا / معادلة وجودنا نحن العرب.
- الاشتغالات البصرية الجشتالتية
- انطوان تشيخوف والبناء النفسي في الدراما
- المؤثر الصوتي ودوره كوسيلة معرفية للمتلقي
- فن التمثيل والبناء السيكولوجي لدى معلمي التربية الفنية
- الجمهور وقصدية التلقي
- علاقة فن التمثيل بالتربية
- فن التمثيل في المدارس الابتدائية


المزيد.....




- رواية -الحرّاني- تعيد إحياء مدينة حرّان بجدلها الفلسفي والدي ...
- ضجة في إسرائيل بعد فوز فيلم عن طفل فلسطيني بجائزة كبيرة.. و ...
- كيت بلانشيت ضيفة شرف الدورة الـ8 من مهرجان الجونة السينمائي ...
- رائحة الزينكو.. شهادة إنسانية عن حياة المخيمات الفلسطينية
- لحظة انتصار على السردية الصهيونية في السينما: فيلم صوت هند ر ...
- -أتذوق، اسمع، أرى- كتاب جديد لعبد الصمد الكباص حول فلسفة الح ...
- “انثى فرس النبي- للسورية مناهل السهوي تفوز بجائزة “خالد خليف ...
- وفاة الممثل والمخرج الأمريكي روبرت ريدفورد عن عمر ناهز 89 عا ...
- الشلوخ في مجتمعات جنوب السودان.. طقوس جمالية تواجه الاندثار ...
- سوريا.. فوز -أنثى فرس النبي- بجائزة خالد خليفة للرواية في دو ...


المزيد.....

- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد كريم الساعدي - دارون في لباسه العربي