|
انزلاقات متشابهة بين الاستبداديين والشبه ديمقراطيين ..
مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 6192 - 2019 / 4 / 5 - 09:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
انزلاقات متشابهة بين الاستبداديين والشبه ديمقراطيين ..
مروان صباح / لم تكن تقنية الانزلاق تخص فقط الأنظمة الاستبدادية التى تجد دائماً طرق متعددة قادرة على إعادتها إلى سدة الحكم ، فقد شهد القرن الأفريقي هذا الانزلاق وعلى الأخص دولة مثل الكونغو وايضاً ابتكر الرئيس بوتين طريق انزلاقي يُؤْمِن استمراره بالحكم لكن الشيء الجديد ، أن تشهد دولة مثل تركيا انزلاق خجول لا يقوى على ابقاء حزب العدالة والتنمية على الكرسي أو بدأ التهديد يصيب شخصيات الحزب من الصفوف الاولى بل لم يكن الحزب أن ينتصر طالما الحكمة غابت عن المستوى السياسي ، بادئ ذي بدء ، سأبدأ بالسبب الرئيسي والجوهري الذي اصاب الحزب العدالة والتنمية في العمق ومن ثم سآتي إلى أسباب أخرى ساهمت ايضاً في هذه الهزيمة وليست انتكاسة كما يحلو للبعض تصنيفها ، ولأنني شخصياً أعتقد بأن الديمقراطية في تركيا لم تتراجع لكن الذي تراجع وتراجع معها حزب العدالة هي الحرية ومن هنا نفتح باب الإساءة التى أساء لها الحزب في المقام الاول لنفسه قبل الجمهورية ، فالله عز وجل يقول في سورة الحجر ( إن الساعة اتية فصفح الصفح الجميل ) ، في تقديري ، تعامل الحزب الحاكم مع الإنقلاب الفاشل كَمَا أشارت التقارير اصبع الاتهام بتدابيره للداعية والرجل الأعمال فتح الله غولن وجماعته ، بطريقة شيطنة الأخر أو جاءت ردود فعله بشيطانات مضادة على شيطنة معارضة جماعة غولن وللتاريخ تسجيلات كبرى في هذا السياق الشيطاني بين شيطنة المعارض وشيطنة الحاكم وشيطنة الحاشية للإثنين وقد تكون أهمها شيطنة أبن المقفع التى اقدمت الحاشية على حرق أباه نكاية به رغم صيته الذائع وإنجازاته الكبرى في الأدب العام وتأديب الحاكم بشكل خاص كما جاء في كتابِه الشهير كليلة ودمنة الموجه بالطبع للحكام وبالرغم ايضاً ، اتفاق العلماء حول صفاته المميزة ، كان الجاحظ في سياق متصل قد لقبه بالفارس الجميل بل عندما سأله من أدبك كون الأدب يُفضّل على العلم ، قال نفسي ، فإذا رأيت من غيري حسناً أتيته وإن رأيت قبيحاً تركته . لكن عندما بات يشكل حارس أمين للدولة ، عبر نصائحه متوالية للحاكم وبشكل مباشر بات ايضاً يؤسس لقواعد تساهم بهزيمة الحاشية إياها لهذا على الفور ألصقوا له تهمة الاعتناق للمانوية التى تلخص فكرتها( بالمخلص والافتداء ) أي اتهم بالزندقة التى من خلالها يساهم بإفساد عقول الناس عندما بدأ بنقل وطرح علم أرسطو .
بالطبع عندما يعود العقل السليم لرسالة ابن المقفع التى أرسلها لأبو جعفر المنصور والتى كانت سبب في قتله يجد كل ما جاء بها لَيْس سوى دراسة إرشادية تعين الحاكم على حكم الدولة ، فالرسالة كانت قد طالبت بحقوق الناس وإقامة مؤسسات مستقلة للدولة وتمكين العلماء والمفكرين من إدارتها وتحدثت عن ادرارات التى أدارت الإمبرطوريات الكبرى والتى حكمت البشرية وايضاً قارنت حكم المنصور بحكم الأوائل في المدينة المنورة وكما أشار عن مسألتين ضروريتين ، الأولى كيفية رفع مكانة الدولة الاسلامية من خلال مشروع إصلاحي وايضاً أهمية حرية الرأي بل ايضاً تكلم عن ضرورة انتقال الدولة إلى الادراة المدنية التى مهمتها تذويب الفوارق العرقية والمناطقية والعائلية فيها أو تلك التى تشكلت على قواعد المصالح الضيقة مع مرور الزمن كما أكد على ضرورة إعادة النظر بالعسكرية الاسلامية ومنحها تفويض تطوري مختلف عن ما هو قائم من تقليد بليد وعرج على القضاء واهمية انتقاء افراده واستقلاليته لأن أثر الحاكم والقاضي على الناس عظيم فاذا صلحا صلحت خاصية الحاكم وهذا لا يحصل إلا بصلح إمامها الذي بصلحه يصلح المجتمع ، لقد أظهرت رسالة ابن المقفع وهي عصارة أفكاره الإصلاحية عن نضوج عقله وقوة فكره وهي دليل عن شيء أخر ، استبكاره المعرفي عن وجود ضعف في أركان الدولة الذي سينقلها من فاشلة وبالتالي يعرضها الفشل في المنظور القريب إلى استباحات من هنا وهناك طالما هناك رأي واحد ومستبد ، بالطبع نتكلم عن رجل لم يتجاوز الأربعين من عمره عندما تم قتله .
الآن ما يهمنا من كل ذلك ، نتائج الانتخابات التركية الأخيرة والتى كان من المفترض كحزب مثل حزب العدالة أن يكتسح فيها ، لكن تراجع إلى حد التساوي مع المعرضة والتى كما هو معلوم ، معارضة مفلسة ليس لها تاريخ خدماتي وسياسي لكنها استطاعت هزيمة حزب العدالة ولم تكتفي بخسارته طالما استطاعت بالتساوي معه ، وهذه فرصة جيدة للحزب من أجل البحث عن أسباب هزيمته المدوية ومن المفترض وضع في مقدمة الدراسة ، رد السلطة على محاولة الانقلاب بطريقة لا تليق بحجم الكادر والمستشارين الذي يتمتع به الحزب ، لأن الشيطنة التى اعتمدها كسلوك لحل الأزمة ، افقدت الوطنية الجامعة ولم تحل الأزمة بقدر أنها توارت عن المشهد فظهِّرت في الانتخابات ، في المقابل تصاعد خطاب الرئيس اوردغان في ولايته الأخيرة عن السلطنة والسلطان العثماني ، فالشعب التركي لم يتمنى يوماً بالعودة للسلطنة بتركيبتها الجبروتية التى مثّلها على سبيل المثال السلطان القانوني بل يتطلع الشعب إلى رجل كالفاتح محمد الذي يمثل الزهد والإصلاح الطبقي ومدنية الدولة وليس الاصراف والتبذير الحاصلين فالله في كتابه الكريم قال ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يردون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين ، لأن في النهاية ، خلفية الرئيس اوردغان خدماتية بحتة ، لقد جاء إلى سدة الحكم بمهارة الخدمات التى قدمها في مدينة إسطنبول ، أي سر نجاحه كان لقربه المعيشي من عامة الشعب ، من هنا ، فإن الانصاف يتوجب إقرار الخلاصة التالية ، كان الأولى بعد السيطرة على مفاصل الانقلاب ومحاسبة الاشخاص المخططين ، الانتقال الفوري إلى وضع دراسة تستطيع التعامل مع الأعداد الكبيرة المرتبطة مع جماعة غول كمواطنين وليس كأعداء دائمين ، بل كان السلوك الذي انتهجه حزب الحاكم مع المنقلبين أقرب إلى الشيطنة الذي ولد تكبر ونوع من الإستبداد وبفضلهما أُدخلت البلد في مربع الحرمان ، لقد حرّمت البلد من الطاقات الفاعلة من أداء مهامها في المجتمع الذي جعل تركيا تتراجع على صعد كثيرة وأهمها الاقتصاد والسياحة ، وهذا يعود إلى انعكاس الخلل في معالجة الأزمة بطريقة الصفح والاستيعاب وبالتالي أضعف الوحدة الوطنية وبنى نوع من الخوف في اوساط الطبقات المختلفة واخفق في تقديم حكم عادل مبني على الصفح والصفح إياه .
في غمرة ازدحام الانتخابات ، هناك ثلاثة مسائل لا بد للحزب العدالة الحاكم في تركيا وضعها في دائرة المراجعة ، في عبارة أخرى للأسف خضعت الدبلوماسية إلى المزاجية الهوائية تارةً والخشبية اطوراً وليس من الحكمة التى بدورها تقدم مصالح الدولة على الخطاب العاطفي والشكلي ، كانت أزمة الصحفي المغدور جمال الخاشقجي فرصة كبيرة في تحسين العلاقات ( التركية السعودية ) بل هي فرصة نادرة في تمكين الاقتصاد التركية وإخراجه من الارتهان إلى التحرر مادامت المتغيرات مع واشنطن محتملة وغير ثابتة ، من جانب أخر لم تحسن سياسة الرئيس اردوغان التصرف مع الأزمة القطرية والدول التى قاطعتها بل كانت سياسات التى اتخذتها تركيا باتجاه رئاسة السيسي في مصر غير ناضجة وقاصرة البصيرة ، فكيف يمكن لتركيا تُفسر علاقاتها المتجمدة مع أغلب الدول الخليج ومصر أو تلك التى يُمارس التخبط فيها كسلوك مع إدارة واشنطن ، لهذا كانت خلاصة الانتخابات ، هي التذكير بوجوب تفعيل المراجعة الشاملة وبشكل دقيق وايضاً يتوجب اضافة مستشارين اختصاصين من كافة مناطق العالم بشؤون دولهم لأن من المهم التوقف عند جملة عابرة للبروسلي قالها في فيلمه لعبة الموت عام 1978م ( لا أخش من رجل تدرب على ألف ركلة بقدر خشي من أخر تدرب على ركله واحدة ألف مرة ) . والسلام كاتب عربي
#مروان_صباح (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سكموني المقاومجي
-
إعادة الطبقة الوسطى مؤشر للدولة العدالة ...
-
أسباب فشل حراك غزة وحماس بلا عمق دولي أو إقليمي ..
-
بولا والعشاء الأخير
-
التغير في الجزائر في ظل النتف وإعادة الرسم ...
-
الطائفية تطرح نفسها كبديل للأوطان ...
-
بين منظومة الثايد الأمريكية و400 اس الروسية يقف الشرقي في حي
...
-
إخفاقات الجزائريون في الماضي تمنح الطرفين دروس للانتقال السل
...
-
الجزائريون يبحثون عن من يخرجهم من البدايات ليلحقهم بالعصور .
...
-
إصرار على الترشح هو أمر استفزازي ومهين ليس إلا ...
-
أربعون عام من الرداءة حتى استحسن ذلك مزاج الشعب الايراني ...
-
مصطلح دبلوماسي جديد
-
الفشل في السودان كان المقدمة للسلسلة إفشالات ...
-
التضحية خير من الخضوع ...
-
الإنسان بين الإدراك والأشراك ...
-
ثنائية القاعدة
-
الأقطش خانه التوصيف ..
-
رسالتي إلى الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد والرئيس اوردغان
...
-
دول شكلية وميليشيات حاكمة ...
-
حمامات الدم / الأسباب وامكانية التصحيح ...
المزيد.....
-
وسائل إعلام إيرانية: أكثر من 10 آلاف حاج عالقون في السعودية
...
-
مصدر عسكري إيراني: أكثر من 70% من الصواريخ أصابت أهدافها بدق
...
-
مصر.. القبض على -المذيع الفرفوش- بسبب فيديوهاته المخلة
-
الجيش الأردني: سقوط طائرة مسيرة وانفجارها بكامل حمولتها
-
الحرس الثوري الإيراني يعين خلفا لرئيس استخباراته الذي اغتالت
...
-
مدفيديف: الضربات الإسرائيلية على المنشآت النووية خطيرة وقد ت
...
-
نوفاك: روسيا مستعدة لبدء إمدادات الغاز عبر المسار السليم من
...
-
الجيش الإسرائيلي يصدر أوامر إخلاء لمنطقة صناعية في إيران (خر
...
-
من هو -الغوريلا- الذي يؤثر على استراتيجية ترامب تجاه إيران و
...
-
ابتكار درع صيني جديد فائق المقاومة للحرارة
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|