أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سوزان خواتمي - كسارة البندق














المزيد.....

كسارة البندق


سوزان خواتمي

الحوار المتمدن-العدد: 1532 - 2006 / 4 / 26 - 11:12
المحور: الادب والفن
    


منذ أن دارت الشائعات في أروقة مديرية الثقافة ، وشحوم السيدة وكيلة الدائرة تذوب . ما بقي تحت سترتها هيبة زائفة .. همة فاترة .. وأنفاس تضيق .
كانت تتجنب النظرات فتلوي عنقها نحو الجهة الأخرى ، وتذوي بين لوحي كتفيها .

- يا جماعة خلاصة العبارة تكمن في قدسية العمل .. أطالبكم جميعاً بتحليل راتبكم والإخلاص .
ما كادت تنهي خطبتها العصماء حتى دفعت كرسيها إلى الخلف واندفعت نحو الخارج .. مع تسارع خطوها كان الوقت ينزلق فوق ميناء ساعتها فاراً من محاولاتها للحاق به .
لم يحدث أن تأخرت عن موعدها معه . كانت تهرول من باب كليتها حتى الحديقة الخلفية . تتخذ مكانها فوق المقعد الخشبي . تبتلع لهاثها لتقول له إنها بانتظاره منذ دهر . لكن دوام الحال من المحال ، فحين تحابا آنذاك ، كانا شبه عاطلين متفرغين لوجيب العاطفة.
اليوم هي امرأة على أعتاب الخمسين تمسح جفنيها كل ليلة بمرطب مضاد للتجاعيد ، وقد انتدبتها الوزارة إضافة إلى عملها لتترأس اجتماعات الاتحاد النسائي الدورية . وهو رجل يودع الخمسين بجاذبية شعر رمادي ، وجلال مدير عام إضافة إلى إشرافه على الأنشطة الثقافية في الدائرة نفسها .. هما معاً شخصيتان عامتان لماماً ما يلتقيان وإن فعلا فلأجل هذه المناسبة أو ذاك الاحتفال .
مركز المدينة و غبش نظارتيها يسببان لها الدوار . تعرف سلفاً أن العثور على مكان تركن به سيارتها ضرب من المستحيل . تستسلم لاحتمال المخالفة المرورية ، و تركنها تحت إشارة متعامدة لممنوع الوقوف .
تترجل ساحبة قدميها من قعر السيارة ، وترميهما بإرهاق واضح الواحدة بعد الأخرى فوق الرصيف .
ثلث ساعة بعد السابعة مساء ، لا فائدة من الهرولة .
في نهاية الأمر ستصل متأخرة لسبب أو لآخر لتراه مكروباً حانقاً .
كما توقعت ، بدأ الحفل . كانت ردهة المسرح خالية إلا من شخصين يثرثران ويدخنان .
تقترب من باب القاعة ، فيصلها أنين كمان مكتوم . تدفع الباب . تطوقها الموسيقا من كل جانب ، فينعكس فوق وجهها امتعاض طارئ .
في شبه العتمة تتلمس موطئ قدميها ، وتتقدم بحذر متجهة نحو الصف الأول .
تميز قمة رأسه المستديرة شبه الصلعاء . كانا جنباً إلى جنب متجاورين ، بكتفين متقاربين ، يكادان لولا هنيهة يتلامسان ، بل ما الذي سيمنع خصلات شعرها الغجري من أن تحط فوق كتفه ، أو أن تختلط بالباقي من شعر رأسه ؟.
لم يدهشها قربهما ، فلطالما كانا كذلك ، إنها مديرة مكتبه تنسق مواعيده الكثيرة ، وربما كانت تعرف ميقات لقائهما الليلي الحميم .
لم ينتبه إليها إلا حين حط ظلها فوق وجهه المنار بانعكاس إضاءة المسرح . تنحنح بارتباك مسوياً جذعه المائل . انتبهت جارته للحركة النافرة ، فالتفتت .
أشارت لها بإصبعها : مكاني .
بسرعة تخلت لها عن مقعدها الملاصق له .. منتقلة إلى المقعد المجاور .
تجلس إلى جانب زوجها .. بينهما .
يقترب برأسه منها و يهمس : تتعمدين الوصول متأخرة .
كانت الفرقة السمفونية مستمرة في عزف لحن لتشايكوفسكي . أذناها لا تلتقطان النغم ، لكنها قرأت الإعلان البارز عند المدخل .
كان المايسترو يهيمن على آلاته وعازفيه . يشير بعصاه انخفاضاً وعلواً . يرشدهم بحركات ذراعيه المنشورتين في الهواء . يهز جسده مغمض العينين كمن يطير . كانت له سيماء العباقرة : وجه شاحب بفك عريض و شعر طويل ملموم إلى الخلف ، بذلة ضيقة .. حمالات جلدية لامعة .. عقدة عنق حمراء يختنق بها .
مساعدة زوجها لا تبدو مرتاحة في مقعدها الجديد ، كانت تتحرك باستمرار متململة كأن مسماراً ينخزها ، مسوية خصلة شعر تتهدل فوق جبينها ، مبتعدة بجسدها حتى النقطة الأقصى من المقعد ، وقد أراحت خدها فوق باطن كفها .
ليس أسهل على امرأة من تجاهل امرأة أخرى .. أما زوجها فقد تسمر إلى يسارها في الطرف القصي الآخر ، وقد لمعت حبيبات العرق فوق جبينه ، متابعاً باهتمام حركات المايسترو المجنونة .
بحثت عن يده ، وأطبقت عليها في نية الانصهار دفئاً .
لم يستجب لأصابعها المتشنجة سوى إبهام لامسها ببرود وخفة .
أطلقت زفيراً عجزت عن الاحتفاظ به . همت بالانسحاب لكنها عدلت عن الفكرة الساذجة .
جنحت وحدها خارج السرب المنسجم .. تشايكوفسكي اللعين لم يجد مكاناً يكّسِر فيه بندقه سوى رأسها ، إنه لا يعبأ بمهماتها المستحيلة كي تبدو امرأة شاملة : زوجة نضرة وأماً مستحيلة وسيدة منزل من الدرجة الأولى و موظفة تحلل راتبها ، وهو حين يبدع موسيقاه باسترخاء رجل متعجرف ، لا شأن له بيوم إجازتها الذي يتحول إلى كابوس من الركض المتواصل لتنهي سباقها الماراثوني ذبيحة فوق الفراش .
مازالت الموسيقا تحفر نفقاً في دماغها .. تنسكب حارة فوق وجنتيها .. تخرج من أصابع قدميها .. من المسافات الفاصلة بين أفكارها .. تعلو موجة تكسر ضلوعها .. وموجة أخرى تغرقها .. تختنق بطعم الملح في أنفها وفمها ..
تفلت يده .



#سوزان_خواتمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا تبكي النساء
- عصفور الغفلة
- قبلة أنيقة لموتٍ محتمل
- تعال كثيراً مادمت أورطك بجنوني
- كتابة بالأحمر الرديء
- عشر خيبات لمولود
- طين يبتكر ضلوعه
- كفن من ضجر
- ِمن يعثر على وجهي؟
- زهر البرتقال
- منذ زمن لم تضحكك طفلة
- أسميك حبيبي
- زمن يشتعل في النسيان
- فانتازيا الحب
- ابتهجوا أيها الرجال : المرأة تؤيد ضربها
- إليك تزحف المسافات يا وطن الزجاج
- مناصفة نتقاسم الحب عتبات وعرائش
- صلاة
- أزمة شعوب
- الوطن والمواطنة - بين الحلم والممكن


المزيد.....




- ضحك من القلب مع حلقات القط والفار..تردد قناة توم وجيري على ا ...
- مصر.. الأجهزة الأمنية تكشف ملابسات سرقة فيلا الفنانة غادة عب ...
- فيودور دوستويفسكي.. من مهندس عسكري إلى أشهر الأدباء الروس
- مصمم أزياء سعودي يهاجم فنانة مصرية شهيرة ويكشف ما فعلت (صور) ...
- بالمزاح وضحكات الجمهور.. ترامب ينقذ نفسه من موقف محرج على ال ...
- الإعلان الأول ضرب نار.. مسلسل المتوحش الحلقة 35 مترجم باللغة ...
- مهرجان كان: -وداعا جوليا- السوداني يتوج بجائزة أفضل فيلم عرب ...
- على وقع صوت الضحك.. شاهد كيف سخر ممثل كوميدي من ترامب ومحاكم ...
- من جيمس بوند إلى بوليوود: الطبيعة السويسرية في السينما العال ...
- تحرير القدس قادم.. مسلسل صلاح الدين الأيوبي الحلقة 25.. مواع ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سوزان خواتمي - كسارة البندق