أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ريتا عودة - قطرة مطر *** قصة قصيرة














المزيد.....

قطرة مطر *** قصة قصيرة


ريتا عودة

الحوار المتمدن-العدد: 1525 - 2006 / 4 / 19 - 11:06
المحور: الادب والفن
    


نظرتُ إلى الأرض أبحث عن مكان أهطل فيه.
فقد قررتُ أن أكونَ متفردة في هطولي كي لا أتبدّد عبثا. أبصرتُ مجموعة من الأطفال يتقافزون حُفاةً فوق برك الماء، يطاردون كرة، ويُرددُونَ بفرح:
طاح المطر على الطين الله يسلّم فلسطين.
رأيت كهلا يجلس القرفصاء قريبا منهم يرقب الطيور الصغيرة البعيدة في السماء ويقول في سرّه:
"متى تتلون أحلام البؤساء"؟!.
حطّت الكرة فوق أنفه، فصحا على أطفال يقطفون عن وجنتيْهِ ثمار الصباح.


***

عبرتُ بين الأزقة المُوحلة وتسمرتُ قرب غرفة طبيب نحيل يرتدي ثوب البرّ.
ينظر من النافذة.. يراقب العصافير الصغيرة البعيدة ويحلم أن تحطّ ذات أمل على كتفه..

يعود من تيهه إلى المرأة العجوز التي انتهى لتوه من الكشف عن سبب أوجاع صدرها. يرقب يديها بتوجس. تحاول المرأة فكّ صُرّة لتغوص داخلها وتحفن منها ملء راحتها قطعا نقدية نحاسيّة صغيرة، صغيرة.. تبعثرها أمامه على المنضدة وعيناها تتوسلان أن يرضى بهذه الذبائح الشحيحة.
يتنهد الشاب ويقول وقد حشرج صوته في حلقه:
• ضُبّي نقودك يمّا، الدنيا لسّة بخير.
تتدفق أنهار من الحنان في عروق المرأة. تقترب من الشاب، تحضنه وتلفّ كتفيه بثوبهاالخمري المُبرقش بالقطب الفلسطينية الكالحة.. فيزهرُ اللوز على أشجار القلب.
وأواصل أنا رحلتي كأنني فراشة خرجت للتو من شرنقة...


***


اقتربتْ فتاةٌ تفتح نافذةً، فاقتربتُ منها. وسرعان ما عادت إلى الداخل تسير بخطوات متعثّرة فأدركتُ أنّها كفيفة. جلستْ قُرب المرأة العجوز تقول لها:
* يمّا، أشتهي اليوم طبخة فريكة.
تتحسس العجوز جيب معطفها، لا تعثر إلاّ على بضع ورقات نقدية والشهر ما زال في أوّله. لا تتأفف. تبتهل: إلهي، أعطنا خبزنا كفاف يومنا. تهتف بحنوّ لسَعْدَة:
- تعالي نحصل على قسط من الراحة، وحين نستفيق ربّك بيفرجها.
عندما تستيقظ تعثر على دجاجة في المطبخ فلا تشغل بالها بمصدر رزقها بل تشرع في اعداد الفريكة.
بينما هي منهمكة في عملها يصل ابنها فيخبرها أن أحد الرجال زار المشفى، وفي يده بعض الدجاجات أتى بها للطبيب الذي استأصل الرصاصة من أحشائه دون أن يتوفر له ثمن العلاج، وحين رأى سعد في الرواق، رقّ قلبه وأعطاه دجاجة.
حدقت الأم في السماء البعيدة. رأت عصافير صغيرة كثيرة، كثيرة.. احتضنتْ ابنها. أحاطتْ عنقه بضفيرة شعرها الشائب، فحطّ كروانٌ على سقف أحلامها.


***

أخذتُ أتقافز بفرح كما العصافير الصغيرة في بيادر قمح، إلى أن رأيتُ امرأة عجوز تكاد بشرتها تكون كقشرة برتقالة جافة.
رأيتُ الحزن في تجاعيد وجهها كماء يتسرّب بين شقوق أرض عطشى. تقرفص بسكُون فوق الأرض، تعلو الهتافات حولها، كلّ يستنكر على طريقته هدم منزلها، أما هي فقد كانت تراقب الغبار الذي تراكم فوق شجرة الصبّار الشاهدة على هدم مأواها، عشّ أحلامها.
دفنتْ هواجسها في الرمال وأخذتْ تحلم براعٍ يسوق قطيعَ آمالها إلى مرعى أخضر. تنهدتْ بصمت، تتمنى ولو عَبْرَةً واحدة تجفف حُرقة قلبها.
نظرتْ إلى فوق، تستجدي عون السماء. لمحتْ عصافيرََ كثيرة، بعيدة، بعيدة.
تنهدتْ بحُرقة. راحتْ تناجي روحها:
- آآآخ.. كيف تحطّ العصافير فوق طبق القلب إذا كانت الأرض غارقة في الطوفان..؟!
بغتة، التقتْ نظراتنا. رقّ قلبي لهذي المرأة الشامخة كنخلة، الصامدة كشجرة زيتون في تربة خصبة.
قررتُ أن أهبطَ إليها لأخففّ عنها خَلّ تلك اللحظة.
قفزتُ داخلَ عينها وهناك بدأتُ اتضاعف برويّة.
فجأة,أجهشتِ المرأة في البكاء.



#ريتا_عودة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من خلفِ عنقِهِ كانَ الجرادُ يسبقني الى منفى *** قصة قصيرة
- كلّ ُ شئ ٍ صامتْ *** قصة قصيرة
- من أنا...!؟
- ما أضيق الدرب المؤَدّي الى ... الفِكرَة
- لقد ثبتت في القلب منك محبة
- حينَ تماثلَ الحلمُ لحزن ٍ سرمديّ
- هكذا قالت القصيدة
- شظايا ... كما أنا أحبّني
- كلّ غياب ٍ وأنتَ الى القلبِ أقرب
- عصفورة الجليل
- يوطوبيا الهيجاوي
- موعد في الظلّ ---- قصة قصيرة
- طيورُ أيلول ---- شذرات
- (!! ... وماتَ البلبلُ وحيدا)
- من كلّ سماء ٍ ومضة
- ...ريتاي مجنونُكِ أنا
- ستبقى خالدًا ** قصة ليست قصيرة
- أحبّكَ ... أبعد من كلّ اتجاه أوسع من كلّ مدى
- ... ورأتِ العاشقة ُ أنََّّ كلَّ ما باحتْ بهِ حسنٌ جدًّا
- الندم ُالأخير


المزيد.....




- تضارب الروايات بشأن الضربات الأميركية في نيجيريا
- مصر: وفاة المخرج داوود عبدالسيد.. إليكم أبرز أعماله
- الموت يغيّب -فيلسوف السينما المصرية- مخرج -الكيت كات-
- مصر تودع فيلسوف السينما وأحد أبرز مبدعيها المخرج داود عبد ال ...
- -الكوميديا تهمة تحريض-.. الاحتلال يفرج عن الفنان عامر زاهر ب ...
- قضية صور ريهام عبد الغفور.. نقابة المهن التمثيلية تتدخل وتتخ ...
- إعلان بيع وطن
- أفلام من توقيع مخرجات عربيات في سباق الأوسكار
- «محكمة جنح قصر النيل تنظر دعوى السيناريست عماد النشار ضد رئي ...
- منتدى الدوحة 2025: قادة العالم يحثون على ضرورة ترجمة الحوار ...


المزيد.....

- دراسة تفكيك العوالم الدرامية في ثلاثية نواف يونس / السيد حافظ
- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ريتا عودة - قطرة مطر *** قصة قصيرة