أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - لينا صلاح الدين - لهذا أنا أشُك














المزيد.....

لهذا أنا أشُك


لينا صلاح الدين
كاتبة

(Lena Saladin)


الحوار المتمدن-العدد: 6119 - 2019 / 1 / 19 - 23:01
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


علموني في الماضي أن اختلاف الآراء وتعددها من حولي يُمكّنني من غربلةِ ما أسمعه لامتشق منه حسام الصواب، لكن هذه ليست الحقيقةُ دائماً؛ فأحياناً حدة الاختلاف تجعلني أشُك أن كل الأطراف على نفس القدر من الخطأ. ويبدو أن الفيلسوف بيرون كان يشاطرني الرأي حين تعرف -خلال تسفاره- على العديد من مقالات الفلاسفةِ الذين يخال كل واحد منهم أنه المصيب، فاهتجاهم جميعاً، وكان النصيب الأكبر من ذياك الهجو للرواقيين.
ورغم ما استبصرته من بعض الامتيازات في فلسفةِ بيرون، ولُزومها في الوقت الذي تبلورت فيه، فقد اتضح لي وجود خلل ضمني في هذه النزعة واختلاف رئيس بيني وبين بيرون حين اعتمد الشكوكية كمنهجيةٍ ثابتةٍ وأسلوب حياة؛ لأن الشك رغم أهميته لي فإني أعده وسيلة فقط أبتغي بها الوصول إلى هدف ما، هدف يتجسد في الإرتقاء بذاتي، فلا أتناوله قط كغايةٍ أبدية. وهذا ما يميز عندي بين الشك كهدف مطلقٍ والشك في المنهج العلمي الذي بدوره ينشد بلوغ الحقيقةِ العلمية. ولا بأس أن يتم تقويض هذه الحقيقة لاحقاً، لكن باستخدام التجربة، وليس مثل النهج البيروني الذي لم يمنح التجربة مجلساً في فلسفته. ومع انتقادي الدائم للفلسفة الديكارتية، ونفوري منها على عِلاّتِها، لكن جانبها الصالح بالنسبة لي أنها اعتمدت هذا الشك الذي يهدف للوصول إلى غاية ما. وإني لأرى في الشك تجسيدا للمرونةِ العقليةِ في مسيرتي الكتابية والمعرفية وتمردي على مسلمات المجتمع، فالشك كما وصفه نيتشه:"لا يجعلك مجنوناً بل اليقين من يفعل ذلك". وبذكر نيتشه -كوني متأثرة بنتاجه الفكري- فإنه على ما وجِّه إليه من إتهام بأن منهجه مُقَوِّض للقيم الأخلاقيةِ النبيلة، فقد توجب علي أن أَدْرَأ عنه هذه التهمة بالقول بأن ما فعله نيتشه لم يك سوى استخدامه الشك في تحليله الجينيالوجي لبعض من تلكم القيم، وبعد تفحصه لأصلها وأساس نشأتها وجدها تضمر أغراضاً باطنيةً خبيثةً على خلاف ما تظهره فعمل على دكها. وهنا فإن الشك النيتشاوي ليس بغايةٍ في حد ذاته، بل يخدم غرضاً يتجسد في كشف بواطن ما يعد من المسلمات، فالشك ينبغي استخدامه حتى مع ما يحسبه عامة الناس أخلاقاً، فيفرض على كل ذي عقل نسف التقاليد المجتمعيةِ التي لا تستند في أصلها التأريخي على دعامة المنطق.
هنا يتضح أكثر الفرق بين مذهبية الشك لبيرون، الذي إعتقد بأنه عوضاً عن تغيير الواقع، فمن الأسهل التأقلم معه، وبين منهجيتي في الشك والتي تشابهت مع نهج الفيلسوفين نيتشه وديكارت. فالشك بالنسبة إلى بيرون حالة ثابتة لا يجب تغييرها، وهو في هذه الحالة لم ينسف فقط العلم وإرادة الإنسان، بل ضعضع الفلسفة كذلك، فإن كان ما من هدف يمكن أن تبلغه الفلسفة فما الحاجة إليها إذن؟
العلم يقوم على الشك، لكن ليس كل شك بالضرورة أن يكون علمياً. وحينما أتحدث عن العلم فإن الشك لا يقل أهمية عن الفضول عند محاولتنا استحواذ المعرفة، فالشك هو الذي تسبب في خلق تلكم الطبيعة التراكمية للعلم. وربما تجسد هذا المفهوم بشكل واضح في فلسفة بوبر، الذي رأى بأن النظرية العلمية غير القابلة للشك والدحض لا تعد علماً فعلياً. واستدعي كذلك هنا مقولة الرائع ساغان حين ذكر بأن "الشك وسيلة تصحيح ذاتية للعلم"، فالعلم قائم على نقد ذاته، والفرق بين المفكر وغير المفكر أن الأول دائم النقد لأفكاره بغية الوصول إلى ما هو أرقى، بينما الثاني فيكتفي بواقعه.

كل شيء يحيط بي من بشر وقيمة وعادة ومعتقد وعلم يجب أن أعرضه للشك والبحث في أواصله، فتلك حيلتي للإرتقاء بالذات. كما أنه دائماً ما كان الشك هو الدعامة لنقل البشرية إلى مرحلة جديدة أكثر تَمَدُّناً. لهذا أنا أشك .. لأني حين أمتنع عنه لن أكون قد توقفت عن الشك بل عن التقدم.



#لينا_صلاح_الدين (هاشتاغ)       Lena_Saladin#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإسرائيلو-فوبيا وعَدَاءُ الشَّرْقِ -الطُفوليّ- لإسرائيل .. ...
- مسرحية -خاشقجي-
- نَقْد الفَلْسَفة المِثالية
- مؤسسة معز مسعود والكذب بإسم العلم
- الديمقراطية ثقافة قطيع !! وما البديل؟؟
- السيسي ... العسكري الشُؤْم!!
- حكمة الجدة !!
- الأخلاق ..... تأريخ مسروق !!
- الحكومة الدولية وسقطة آينشتاين
- العلمانية ... ضرورة أخلاقية، لا سياسية !


المزيد.....




- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...
- انفجار ضخم يهز قاعدة عسكرية تستخدمها قوات الحشد الشعبي جنوبي ...
- هنية في تركيا لبحث تطورات الأوضاع في قطاع غزة مع أردوغان
- وسائل إعلام: الولايات المتحدة تنشر سرا صواريخ قادرة على تدمي ...
- عقوبات أمريكية على شركات صينية ومصنع بيلاروسي لدعم برنامج با ...
- وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع ...
- تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
- السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - لينا صلاح الدين - لهذا أنا أشُك