أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - لينا صلاح الدين - نَقْد الفَلْسَفة المِثالية














المزيد.....

نَقْد الفَلْسَفة المِثالية


لينا صلاح الدين
كاتبة

(Lena Saladin)


الحوار المتمدن-العدد: 5977 - 2018 / 8 / 28 - 22:20
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إن المُعتَرَك المادِّيّ المِثالي، هو مُعترك قديم العهد وليس بمُستحدَث، فالجانب المادِّيّ يعتقد بإسْتِقْلالية كل ما هو مَوْضُوعي، في حين أن الجانب المِثالي يعتقد بحتمية تأثير الذَاتِيّة على كل ما يُحِيطُنا للدرجة التي تفعِّل غياب كينونة الفينومينون "الظاهر الذي يتم تداركه بالحواس" بغياب النومينون "الجوهر المُنْفَصِل عن الحواس".
إن الزَلَّة الكبرى للفكر المِثالي تتجلى فيما أسميه أنا ب "وهم التميز"، هذا الوهم الذي إِخْتَلَقه الإنسان داخل عقله رافضًا الرضوخ لسلطة ما هو مُحَقَّق. فإنعكس ذلك في الأنا التي كانت في أَوْج قمتها لدى الإنسان القديم، حتى عمل على مَرْكَزة كل شيء حول الذات، فغَدت الأرض التي يقطنها مُنْتصِفةً للكون، والشمس تابع يجوب حولها. وتجلت تلك الذاتية النَّرْجِسِيَّة كذلك في رفضه التسليم بكونه نِتَاج الطبيعة ليَجْنُح للإعتقاد بكونه كائن صاحب مكانة ماجِدة قد حَطَّ من السَّماء، وأن مآله إليها رافضًا الرُضُوخ للفناء بعد الموت، حتى بات يختلق حيوات أخرى. لكن كلما إِنْتعشت المعرفة أكثر كلما أكدت على ضَئالة الكائن البشري، ورغم أن العلم قد قطع شوطا في إعادة ترميم تلكم الأفكار الذاتية البالية، وإحياء الواقعية عبر دحض فكرة مَرْكَزيته، لكن ما فتئت لتلك الذاتية الصرفة آثارها، وما فتئ الإنسان اليوم يؤمن بحيوات أخرى وبفكرة أن كل المجرات والأجرام السَمَاوِية والكائنات الزميلة لنا على وجه البسيطة قد سُخِّرت لتقبع تحت سلطته.
لو تفحصنا فحوى هذا التميز سنجد أنه لا يستند على قاعدة قويمة؛ فإن كانت إمتيازية الإنسان مستندة على الرِفعَة والأهمية على المستوى البيئي فإن الفطريات والطحالب على سبيل المثال لها أهميتها الحسيبة للحياة كذلك. وإن كانت على الحَصافَة والذكاء، فإن التعمير الذي أحدثه الإنسان قد كان في مقابله فساد. كما أن الإنسان قد تعمد استغلال إمكانياته من أجل مصلحته هو وفقط، وليس مثل كثير من الكائنات الزميلة التي تعطي للبيئة أكثر من عطائها لنفسها. كما أن ظهور الإنسان كان قبل مئاتي عام فقط، وهذا يعد 0.004% من عمر الأرض، ولا يعد شيئًا بالنسبة للعمر الإجمالي للكون؛ أي بتعبير آخر أن الكون والحياة كانا سيستمران بالإنسان أو بدونه.
زَلَّة أخرى للمثالية تتمحور في كون العقول كيانات مستقلة عن بعضها البعض، وكل عقل منها يمتلك نظرته الخاصة للحقيقة، بحيث أنه يشق بناء على ذلك الإتفاق على حقيقة ثابتة تستكين لها كافة العقول. والسبب في ذلك هو غياب المعيار المادي الذي يُبنى عليه الحكم، هذا المعيار الذي ينبغي أن يكون منفصلا عن العقل حتى يتم الأخذ بحياديته. هذا العيب -في المقابل- هو ميزة المادية، حيث أن الحقيقة الموجودة لا تتغير ولا تتأثر ماهيتها بتأويلات العقل المتضاربة. لكن هناك ما هو جليل ويستوجب طرحه هنا، وهو أن المادية لا ترفض العقل رفضا مطلقا، بل ترفض استلابه من حقيقته والأخذ به ككيان منفصل عما هو مادي. لكن دعونا نتمعن أكثر في هذا القول، حيث أننا عندما نتحدث عن أهمية العقل فإننا نتحدث عن إنتاجاته الفكرية، وعملية التفكير في حقيقتها تتمثل في كونها نشاط كهروكيميائي في الخلايا العصبية، أي أن هذه العملية التي كنا نخالها روحية الأصل هي ذات أصل مادي صَرْف. ونفس هذا المبدأ ينطبق على مفاهيم أخرى مثل السعادة في أنها ليست سوى تدفق لهرمون السيروتونين. حتى بالنسبة للوعي، على الرغم من كونه مفهوم مبهم لنا حتى الآن، لكن الإعتقاد الدارِج في الأوساط العلمية يشير إلى أنه عملية يتم فيزيائيا تفسر آلية حدوثها بواسطة ميكانيكا الكم.
رغم أن هناك الكثير من الزَلَّات الأخرى للفكر المِثالي والتي قمت بإغْفال النظر عنها حتى لا أطيل الموضوع، كتلكم الفكرة التي تتمحور حول التمييز بين فئات المجتمع لتكون الأفْضَلِيَّة للحكيم على باقي الفئات وإن كان لها إنتاجاتها الأخرى. لكن في الختام يمكننا اِسْتِنْتاج أن الأداة الوحيدة للفكر المثالي المتمثلة في الأفكار قد أضحت هي نفسها أداة مادية. وأن الأفكار لا وجود فعلي لها كوحدات مُسْتَقِلّة عن الوجود الحسي والقابل للقياس، فحتى الروح التي يندد بوجودها المثاليون لم تنجح في تأكيد ذاتها في تَجْرِبَة علمية معترف بها ما عدا تَجْرِبَة ماكدوغال التي تم دحض نتائجها فيما بعد. ومهما أصر الفكر المثالي على إمتيازية الجنس البشري وخلق وهم التميز فيه بواسطة أدوات ميتافيزيقية مجردة ومُنْفَصِلة عن المادة، فإن العلم مثلما قام بتَفْنِيد كثير من تلكم الإمتيازيات، فإن المستقبل العلمي مما لا شك فيه سيعمل على تَفْنِيد المزيد مؤكدًا على أن الإنسان ليس بمتعالٍ على الطبيعة بل هو جُزءٌ منها.



#لينا_صلاح_الدين (هاشتاغ)       Lena_Saladin#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مؤسسة معز مسعود والكذب بإسم العلم
- الديمقراطية ثقافة قطيع !! وما البديل؟؟
- السيسي ... العسكري الشُؤْم!!
- حكمة الجدة !!
- الأخلاق ..... تأريخ مسروق !!
- الحكومة الدولية وسقطة آينشتاين
- العلمانية ... ضرورة أخلاقية، لا سياسية !


المزيد.....




- معركة بين 100 رجل وغوريلا واحدة.. من سيفوز بالنزال؟
- ثعبان أسود عملاق يزحف على الشاطئ.. ما كانت ردة فعل الزوار وا ...
- الكويت: زواج -الخاطف- من الضحية لن يعفيه من العقاب
- واشنطن توافق على صفقة صواريخ للسعودية بقيمة 3,5 مليار دولار ...
- مصدر: الجيش الروسي قصف مصنعا عسكريا أوكرانيا في زابوروجيه
- الأردن.. إغلاق -خمارة- بعد افتتاحها بزفة تراثية (فيديو)
- تقرير: هكذا فاجأ ترامب نتنياهو -بمقامرته النووية- مع إيران! ...
- الهند تحظر واردات كافة السلع من باكستان
- لم يتبق خيام ولا طعام وسيموت الآلاف.. منظمات إغاثية تقرع ناق ...
- خبير عسكري: الاحتلال يتجه لـ-خنق- غزة بعد فشله في تقطيعها


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - لينا صلاح الدين - نَقْد الفَلْسَفة المِثالية