أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - صائب خليل - العامة والسادة في حافلة نقل الركاب: خيار بين الإمام علي ومعاوية














المزيد.....

العامة والسادة في حافلة نقل الركاب: خيار بين الإمام علي ومعاوية


صائب خليل

الحوار المتمدن-العدد: 1524 - 2006 / 4 / 18 - 12:06
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


صوت صديقي القادم من التلفون البعيد يملؤه الألم وهو يحدثني عن حال العراق. لم يكن الألم هذه المرة بسبب الإرهاب ولا انقطاع الكهرباء ولا ضيق الحال, بل شيء جديد..الم جديد لم اسمع به من قبل.

اوقف الباص الذي كان صاحبي يستقله شاب يرتدي ملابس الميليشيات, وبادره بالسؤال بأدب: "حضرتك من السادة ام من العامة؟"
"نظرت اليه بأسف وحسرة" قال صاحبي " وقلت له: لا اخوية احنة زمايل... بس انتو بشر."

وصلني ما احس صديقي من الم الإهانة لهذا السؤال, من خلال جوابه ومن خلال نبرة صوته. متى كان الناس يُسألون في العراق مثل تلك الإسئلة التمييزية العنصرية؟ ربما كان ذلك موجوداً بشكل محصور بين ابناء الطائفة الواحدة, لكنه ينتشر اليوم على مايبدو ليصبح ظاهرة عراقية. ورغم ان التمييز الطبقي والوراثي (العنصرية) ظواهر كريهة مؤذية في اي مكان تواجدت فيه كما اثبتت تجارب العالم المتكررة المريرة, إلا انها تصبح أمراً خطيراً وحرجاً حين تنتشر فكرتها وتقبل ويتم تداولها ضمن مجموعة كبيرة تشكل الغالبية في الدولة وتتمتع بالسلطة والحكم. الخطأ الذي كان يمكن تجاهله امس, اصبح خطيراً حرجاً اليوم.

فالتحدي الذي يواجه الشيعة اليوم ليس فقط التحدي الخارجي للتلاعب بحقهم في اختيار قادتهم الذين يثقون بهم للحكومة, وإنما ايضاً في النظر الى النفس وتعديل ما اعوج من المفاهيم التي كانت لحد اليوم لاتمثل مشكلة مطروحة وحرجة, لكنها اصبحت اليوم من التهديدات التي تواجههم بحق وسلاحاً خطيراً بيد خصومهم.

لايقتصر التحدي الذي يواجهه قادة الشيعة السياسيين المقبلين على تكوين الحكومة العراقية الجديدة على تقسيم "العامة" و "السادة", بل يشمل حتى الإبتعاد عن التعامل بالتعابير الطائفية التي تثير الإنزعاج لدى بقية الطوائف مثل تعبير "ال البيت" وغيرها من التعابير المشابهة, التي تقسم العراقيين قسمين :"ال بيت" و "غير ال بيت" والتي يكثر الحديث بها بلا حذر. أنحن بحاجة الى المزيد من التقسيمات في هذه الأزمة؟

ان التصور بأن تلك المواقف والتعابير امور بسيطة لاتحتاج الى التوقف عندها, وان ليس المقصود منها اهانة طبقة او طائفة, امر خاطئ تماماً, فحجم الأمر يختلف عند المستفيد منه عنه عند المتضرر منه. قد يكون الأمر بالنسبة للبعض مجرد عادة, لكن الغالبية من الناس سيتألمون كألم صاحبي, وهم محقون! فلا يستطيع السني او المسيحي او غيره, ولا حتى الشيعي من "العامة" الذي تتيح له ثقافته ان يرفض ان يكون بمنزلة اوطأ من أي انسان اخر, لايستطيع تمرير مثل هذا الأمر ببساطة, وأستطيع الجزم مسبقاً أن اية دراسة لمشاعر الناس يمكنها ان تثبت ان تلك التعاملات لاتثير الا السخط لدى من يتم وضعهم في قائمة "العامة", وان لامكسب للشيعة فيها.

والحقيقة أن المبدأ الشيعي يتنافى تماماً ويتناقض برأيي مع مفهوم "السادة" و "العامة". فعلى طول الزمن, كان أئمة الشيعة وقادتهم ينادون بالبساطة والتواضع ويفخرون بهما, وأهم من ذلك انهم يوجهون النقد الشديد, وبحق, الى الأمويين الذين انعزلوا عن الناس ولبسوا لباس الملوك والترف ووضعوا الحجاب بينهم وبين بقية المسلمين.

التأريخ الشيعي يعج بالأمثلة والأقوال والمواقف المبجلة للتواضع والناقدة للتمييز والتكبر, وليس من الصعب ملئ كتاب كبير منها, لكني اختار مثالاً أعجبني بشكل خاص ومميز يتحدث عن الأمام علي بن ابي طالب فيقول:

"و من عظيم تواضعه (ع) أنه خرج يوما على أصحابه،و هو راكب، فمشوا خلفه، فالتفت إليهم فقال : "ألكم حاجة؟" قالوا:لا يا أمير المؤمنين! ولكنا نحب أن نمشي معك. فقال لهم: " إنصرفوا فإن مشي الماشي مع الراكب مفسدة للراكب و مذلة للماشي." *

الحكمة الكبيرة التي تتضمنها القصة, والتي جعلتها اكثر اهمية عندي من اقوى تعابير التواضع والمساواة واكبر مثالاً من كل المواقف الأخرى المثالية التي يعج بها تأريخ الإمام علي, هي انها تشير بوضوح الى ان التقسيم الطبقي الى "راكب" و "ماشي" تقسيم طبقي, او عنصري او طائفي, يصيب بالضرر كلا الشخصين فهو " مفسدة للراكب و مذلة للماشي", حتى وإن كان بشكل رمزي وتطوعي وودي, اراده الماشون أنفسهم, فكيف إذا كان مفروضاً ومؤسساً بشكل نظام طبقي رسمي يقوم على الوراثة؟

تخيلت ان الإمام علي كان يجلس في حافلة الركاب مع صاحبي, فيصعد شاب مسلح يريد التفتيش ويبدأ بتقسيم الركاب فيطلب من "العامة" النزول ومن "السادة" البقاء في الحافلة. ما الذي سيختاره الإمام علي برأيكم؟ ليس لدي اي شك للحظة واحدة انه سينزل وينتظم مع "العامة" احتجاجاً على التمييز ومساندة لهم. ان الإمام علي سيخجل ان يجد نفسه في طبقة تميزه عن بقية الناس, كما خجل حين رأى اصحابه يمشون وهو راكب وعدها مفسدة.

ولو كان معاوية هو الآخر يستقل تلك الحافلة, فما ترونه فاعلاً؟ انه سيبقى بلا شك مع "السادة", فهو من اعاد الشكل الطبقي السائد قبل الإسلام الى الخلافة الإسلامية, وزاد عليه, فثبت عادات الملوك وعين لنفسه الحجاب يفصله عن الناس و يرفعه عنهم.
فيا ايها "العامة" من الشيعة, هل ترون في الحال عدلاً ام ان لكم من الشجاعة لمواجهة حقيقة هذا التمييز, فترفضون ان تعاملوا بما رفضه علي لإصحابه, فوصفه بصدق وبلا مراوغة بـ "المذلة"؟
وأنتم ايها "السادة" الشيعة, ما ترون؟ اتبقون في الحافلة "سادة" ام تنزلون مع "العامة"؟ أتختارون"مفسدة" معاوية وما تتضمنه من مزايا وجاه, أم تفضلون عليها صحبة الإمام علي وتواضعه الرافض لأي تمييز, وتخسرون تلك المزايا؟ الأمر متروك لكم!



#صائب_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحذير عاجل من حملة غش بالإنترنيت على العراقيين
- الحمد لله ليس ما في العراق حرب اهلية!
- أيها الجعفري لاتنسحب
- المصباح الوحيد في الشارع
- مبدأ مقهى ابو فاتح
- ما ايسر بيت قلته؟ هدية مشاغبة الى الحزب الشيوعي العراقي بعيد ...
- سلام عليك بلادنا
- إنه العشق يا نزار جاف
- الخيارات الأمريكية للعراقيين: علاوي أو الحرب الأهلية– سيناري ...
- لنمتنع عن ذكر الهوية الطائفية للضحايا: مشروع قانون لتفادي ال ...
- الذكرى الثالثة للتحدي بين الإنسان والكاتربيلار
- هولندا: امل بربيع يساري بعد شتاء يميني طويل
- هولندا: لنعبر عن امتناننا لليسار الأخضر بانتخابنا له غداً في ...
- لا ديمقراطية إلا في العراق: عشرة ادلة!
- خطوطك الحمراء شرفك..فمن لاخطوط له لاشرف له
- مراجعة حسابات معركة الكاريكاتير
- ثغرة الدرس الأول
- عهد شرف ضد التملق
- أعتذر باسم الشعب العراقي للباكستانيين والأمريكان
- المثقفون أحفاد الزرقاء: تحية متأخرة الى الحوار المتمدن


المزيد.....




- جونسون يتعهد بـ-حماية الطلاب اليهود- ويتهم بايدن بالتهرب من ...
- كيف أصبحت شوارع الولايات المتحدة مليئة بكارهي اليهود؟
- عملية -الوعد الصادق- رسالة اقتدار وردع من الجمهورية الإسلامي ...
- تردد قنوات الأطفال علي جميع الاقمار “توم وجيري + وناسة + طيو ...
- -بالعربي والتركي-.. تمزيق 400 ملصق للحزب الديمقراطي المسيحي ...
- اللجنة الوزارية المكلفة من القمة العربية الإسلامية تصدر بيان ...
- حدثها اليوم وشاهدوا أغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- السعودية.. فيديو تساقط أمطار غزيرة على المسجد النبوي وهكذا ع ...
- فرنسا تعزز الإجراءات الأمنية أمام أماكن العبادة المسيحية
- المجلس اليهودي الأسترالي يتضامن مع مظاهرات طلاب الجامعات الد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - صائب خليل - العامة والسادة في حافلة نقل الركاب: خيار بين الإمام علي ومعاوية