أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - صائب خليل - ثغرة الدرس الأول














المزيد.....

ثغرة الدرس الأول


صائب خليل

الحوار المتمدن-العدد: 1459 - 2006 / 2 / 12 - 09:48
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


لا أدري بالطبع متى تعلمت الرسم, لكني اذكر اليوم الذي اشترى لي والدي فيه اصباغاً زيتية وكنت طالباً في أواخرالإبتدائية أو بداية المتوسطة....حينها جلست لأرسم لوحة "عظيمة".
لم اكن مستعجلاً, فقد كنت اعلم ان دافنشي قد استغرق خمسة سنوات لرسم "الموناليزا", فماذا لو استغرقت لوحتي سنة أو اكثر؟ الا يفعل كبار الفنانين ذلك؟

وعندما تعلمت الشطرنج كنت احلم بالطبع بالبطولة, ورحت اقفز فوراً الى قراءة وتحليل دسوت ابطال العالم مثل اليخين وتال وبوتفينيك. كنت اشتري كتباً عناوينها مثل : "أقوى 100 دست في الشطرنج" و "روائع الشطرنج". هذه الكتب كنت اقرأها بنهم. أما كتاب كابابلانكا "مباديء الشطرنج" او شيء من هذا القبيل, فلم يكن يثير حماسي ولم استطع تحمل قراءة اكثر من بضعة صفحات منه.

في جامعة الموصل تعلمت التنس مع بعض الأصدقاء, وفوراً كنا نضرب الكرة بكل قوتنا, ونتطلع الى ضربات ابطال التنس في التلفزيون ونسجلها ونعيدها لنحاول تقليدها في المرة القادمة. كان هناك مدرب تنس ممتاز في الموصل وكانت هناك فرص ممتازة للتعلم الطبيعي المتدرج, لكن من يحتاج الى التعلم "الطبيعي"؟

هل تغيرتُ كثيراً بعد كل تلك السنين؟ لا أدري, فها انا اكتب في الصحافة وما ازال اخطأ بين الضاد والظاء وكيفية كتابة الهمزة والرفع والنصب وغيره!

ربما اكون مثالاً متطرفاً ولكني متأكد ان الباقين من اصدقائي لم يكونوا يختلفون كثيراً. لأنني لاحظت فيما بعد عليهم مثلما لاحظت على نفسي ما أسميه اليوم: ثغرة الدرس الأول.

لم يكن الأمر ملفتاً للنظر في العراق, حيث الجميع يفعل الشيء نفسه بدرجة او بأخرى, ولكن حين وصلت اوروبا كانت "تغرة الدرس الأول" واضحة تماماً. فرغم انني كنت اضرب كرة التنس بكل قوتي فأنها لم تكن تعبر الشبكة الا قليلاً, ان عبرت. بينما يرسلها طفل صغير نحيف اليدين كالقذيفة الى الساحة الثانية وبلا جهد كبير, فما هو السر؟

السر هو ان هذا الطفل لم يكن مستعجلاً. تعلم اولاً ان يمسك المضرب بشكل صحيح, ثم ان يسحب المضرب الى الخلف قبل ان يتحرك, وبشكل مدروس, الى حيث سيستقبل الكرة وهويقف بشكل جانبي صحيح وكتفه باتجاه الشبكة, ثم ليحرك جسمه كله في الضربة الموجهة. السر هو ان هذا الطفل كرر الحركات الأولية والضربات البسيطة مرات ومرات قبل ان يحاول ان يضرب كرة واحدة بقوة. السر هو انه كان يمتلك التواضع والهدوء اللازم ليتعلم الدرس الأول اولاً.

صحيح ان مجتمعاتنا لاتتيح الفرصة دائماً للتعلم بهدوء ونظام, لكن هذا ليس صحيح دائماً, وفي الأحيان التي تتاح لنا فيها فرص التعلم فإننا نتجنبها ان وجدنا منها مهرباً.

لست بصدد القاء اللوم على نفسي ولا على الاخرين في مجتمعنا, فما تكون في نفسيتنا كان معظمه خارج ارادتنا. فالظروف والتربية لم تكن تبعث فينا من الثقة بالنفس لنتعلم بتروي. كنا نعيش كأن العالم سيحترق غداً. كان عالمنا يهاجم شخصيتنا ويثير شكنا بقيمتنا ويخفض ثقتنا بأنفسنا الى درجة مؤلمة. لذا كنا نريد الإسراع بتوكيد العكس وبأننا فوق تلك التهم بعدم القيمة, ولا سبيل الى ذلك إلا بالتفوق. التفوق السريع وبشيء يمكن عرضه بشكل واضح. كنا نستعجل ان نصل الى "شيء" لنزيل هذا الثقل الكبير من الشعور بالدونية الذي يبثه فينا المجتمع والتربية.

كل كتب الرسم التي قرأتها كانت تقول ان يجب البدء برسم سكتشات قبل ان ترسم اللوحة, وأن هذا امر اساسي للتعلم, لكني لا اذكر اني سمعت تلك النصيحة مرة واحدة في حياتي, كما اني لم ار احد اصدقائي أو زملائي في معهد الفنون الجميلة في المنصور يفعل ذلك! كم دفعنا جميعاً ثمن هذا الخطأ؟

واليوم اجد آثار تلك الثغرة العراقية بأمتياز (ولعلها العربية بأمتياز ايضاً) في معظم من اصادفهم من الناس. فصديقي عازف العود الممتاز لم يتعلم الى اليوم قراءة النوتة, ولا يعرف اهمية البعد الموسيقي الخامس, رغم انه كان يمكن ان يفعل ذلك في بضعة ساعات من الاف الساعات التي قضاها يعزف عوده.

إنه استعجال الإنتاج وقطف الثمر قبل اوانه. انه استعجال الإستعراضية المهدئة للمقالق في قيمة الفرد الشخصية, فهو بالتالي رد فعل لهجوم مجتمع عدائي على شخصية الفرد فيه.

إن انتقلنا الى السياسة فلن يفشل المراقب في رؤية ملامح ثغرة الدرس الأول على السياسيين العراقيين اليوم. فتجد فلاناً قد قضى عمره في السياسة والنضال لكنه لم يقرأ كتاباً واحداً, وربما ولا مقالة واحدة عن اسس التفاوض, او يقود حزباً في الأنتخابات دون ان يقرأ كتاباً عن فن الإلقاء.

كذلك اراهن ان القليل فقط قد قرأ كتاباً عن تأريخ اميركا الحديث وتحليلاته ليتفهم طبيعة هذا العملاق الخطير الذي يشاركه فراشه. انه يكتفي بالفكرة العامة التي تصله بشكل ما, ويصبح اما مؤيداً متحمساً او معارضاً متحمساً او لا ابالياً, وفي كل الحالات لا يمتلك اسباباً محددة تعطيه رؤية تعينه في تفسير التفاصيل الكثيرة لهذه الشراكة الإجبارية و المرونة لموقفه وتزيد قدرته على الحركة دون ان يفقد الإتجاه.

رغم كل شيء, يبقى مناسباً لكل منا, حين يلاحظ "ثغرة الدرس الأول" تعرقل حياته وعمله وسعادته ان يسارع لملئها وأن لا يستحي أن يكون الوقت قد تأخر, فدرس متأخر خير من ثغرة دائمة, وأن لاينصت للمثل الساخر القائل " بعدما شاب ودوه للكتاب", وان يكون لديه ما يكفي من الشجاعة والتواضع للعودة الى مقعد الدرس.

في هولندا دخلت دورة ابتدائية في التنس, فتعلمت خلال شهرين ما ادهشني, وجعلني اتساءل لم قضيت اعاني بسبب ضربات خاطئة. لكن ان كان النقص في دروس التنس اورثني الكثير من المعاناة والام الرسغ والكتف, فأن تلك الثغرة في سياسي يقود البلاد يمكن ان تسبب خسائر فادحة لخمسة وعشرين مليون انسان في حالة العراق, واكثر منها او اقل في البلدان الأخرى. لذا فالسياسي مدعو قبل غيره أن يبحث في نفسه عن تلك الثغرات لسدها, وبكل تواضع!



#صائب_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عهد شرف ضد التملق
- أعتذر باسم الشعب العراقي للباكستانيين والأمريكان
- المثقفون أحفاد الزرقاء: تحية متأخرة الى الحوار المتمدن
- ألقاه في اليم مكتوف اليدين: الحكومة العراقية القادمة
- تعالوا نراجع الأمر بهدوء : محاولة لإكتشاف الأرهاب
- تحليل الموقف العراقي بعد الانتخابات
- ديمقراطية اقسى من الدكتاتوريات: ثلاثين عاماً عقوبة التشهير ب ...
- بين صوت العقل وصوت القطيع ودور الإعلام
- إسرائيل صديقاً: هولندا مثالاً, والعراق مرشحاً
- إنتخاب علاوي مخالف لروح الدستور
- تحليل للموقف العراقي بعد عملية كشف سجن الجادرية
- في شغل المناصب الحساسة, المتهم مذنب حتى تثبت براءته
- لفيروز...من قلبي سلام
- أسلاف قناة الجزيرة
- لاتشتموا الماء لأنه يخرّ من الثقوب
- أرهاب قانون الارهاب
- الإيحاء بالدونية
- أتحج طوائف المسلمين معاً في العيد القادم؟
- افكار اثارتها الاخبار - 1
- لماذا اعتقل الكردي الجريء كمال سيد قادر؟


المزيد.....




- بعد جملة -بلّغ حتى محمد بن سلمان- المزعومة.. القبض على يمني ...
- تقارير عبرية ترجح أن تكر سبحة الاستقالات بالجيش الإسرائيلي
- عراقي يبدأ معركة قانونية ضد شركة -بريتيش بتروليوم- بسبب وفاة ...
- خليفة باثيلي..مهمة ثقيلة لإنهاء الوضع الراهن الخطير في ليبيا ...
- كيف تؤثر الحروب على نمو الأطفال
- الدفاع الروسية تعلن إسقاط 4 صواريخ أوكرانية فوق مقاطعة بيلغو ...
- مراسلتنا: مقتل شخص بغارة إسرائيلية استهدفت سيارة في منطقة ال ...
- تحالف Victorie يفيد بأنه تم استجواب ممثليه بعد عودتهم من موس ...
- مادورو: قرار الكونغرس الأمريكي بتقديم مساعدات عسكرية لأوكران ...
- تفاصيل مبادرة بالجنوب السوري لتطبيق القرار رقم 2254


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - صائب خليل - ثغرة الدرس الأول