أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صائب خليل - أسلاف قناة الجزيرة















المزيد.....

أسلاف قناة الجزيرة


صائب خليل

الحوار المتمدن-العدد: 1384 - 2005 / 11 / 20 - 09:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


خلال عمرها القصير, حققت "الجزيرة" نجاحا ساحقاً, ليس على مستوى الوطن العربي فقط, بل العالم ايضاً. يكتب "عادل مرزوق" مفسراً فشل القنوات العراقية المدافعة عن اميركا امام قناة الجزيرة بـ " أن الحكومة الأميركية لم تستطع في الحقيقة أن تجيب على سؤال الجزيرة الإعلامي".

فعلى عكس الجزيرة, يرى عادل مرزوق : " كانت القنوات والمؤسسات الإعلامية العربية بعيدة على الدوام عن روح الحدث، وكانت تفتقد الجرأة، تارة نتيجة الضغوط السياسية التي تمارس عليها من قبل مالكيها ومصالحهم وتوجهاتهم الملحة، ونتيجة ضعف الإمكانات تارة أخرى" ويضيف: " البرامج الحوارية في الجزيرة والمعتمدة على الجمهور الطريق الأقصر لها في المنافسة ولفت الانتباه."
بالمقابل فأن الدفاع المباشر عن الموقف الامريكي "يصنع من قناة الحرة أضحوكة شعبية، أو في أحسن الأحوال مؤامرة أميركية جديدة".

كل هذا يبدوا جميلاً, لكن السؤال الذي حير الناس في الوطن العربي هو كيف استطاعت هذه القناة ان تخرج عن الطوق الاعلامي الشديد لتتكلم بما يدور في ذهن المشاهد العربي؟ فهذه القناة التي انطلقت من أكبر قاعدة بحرية امريكية في العالم : قطر, تتحدث عن فلسطين وتنتقد اسرائيل واميركا, وتهاجم الحكام العرب الذين وضعتهم امريكا أو ساندتهم, فما هو السر في تلك الحرية الصحفية المفاجئة التي تنطلق من دولة عربية لاتعرف الديمقراطية وتتبع حكومتها ارادة اميركا واسرائيل, اكثر من اية دولة عربية اخرى؟

فيما يلي اقدم بضعة ملاحظات وإشارات ربما تخفف العجب اولاً, ثم نظرية لتفسير الباقي منه.

الملاحظة الأولى هي ان نقاشات الجزيرة كانت عبارة عن إثارات ضوضائية تعطي الاحساس بالحرية دون إجراء مناقشة ذات وزن هام. كانت البرامج تدفع بالنقاش الى روح هستيرية فهي تسمح بالخلاف لكنها لم تعلم مشاهديها اسلوباً لمناقشة الخلاف وادارة نقاش يصل الى نتائج. لكن هذه الملاحظات ليست مقنعة, فمن المعقول ان يكون السبب هو قلة الخبرة, كما ان مجرد السماح بالخلاف في هذا الوطن المخنوق, انجاز كبير. لكن استمرار طريقة النقاش الهستيرية سنوات طويلة دون تعديل يضع علامة استفهام على القصد منها.

ألنقطة الأخرى هي انها وربما للمرة الأولى, أوصلت الصوت الأسرائيلي الى المشاهد العربي, والذي اعتبره الكثيرين الهدف الأساسي من تأسيس الجزيرة, أو ربما يعتبر واحد من اهدافها وإنجازاتها فقط.

ثم تأتي اشارات متفرقة معقولة لتفسر موقف "الجزيرة". ففي اكبر معركة صحفية خاضتها الجزيرة مع الحكومات والفضائيات العربية, اشار اعلامي من مصر الى ان قناة الجزيرة تلعب لعبة اعلامية فقط, واشار الى ان الجزيرة امتنعت عن بث فلم قتل محمد الدرة, ولم تبثه الا بعد عدة ايام, وبعد ان بثته معظم القنوات العربية, وهذا يناقض كل ادعاءات الجزيرة. معلوم ان اسرائيل بذلت جهداً كبيراً وقتها لمنع بث الفلم, لكنها تأخرت!

الإشارة الأخرى المنبهة جاءتني اثناء زيارتي للعراق في نيسان 2004, حيث التقيت صدفة بشخص قال لي ان قريب له يعمل مساعد مصور في الجزيرة, وأنه اخبره ان فريق التصوير يمتنع عن تصوير الجنود الأمريكان القتلى, واحياناً يصوروهم لكنهم يعلنون بصراحة انهم يعرفون ان تلك الصور لن تبث, وهي لاتبث فعلاً.

بعد عودتي من العراق بفترة قصيرة تلقيت النبأ المؤلم بالمذبحة التي اقترفتها دبابة امريكية بعائلة صديقي العزير عبد اللطيف القيسي في ديالى حيث دمرت سيارتهم بمن فيها من نساء واطفال وشباب في وضح النهار وأمام الناس, وحين حاول احد المارة ان يفتح باب السيارة ليخرج منه من كان يشوى داخلها, قتلوه هو الاخر!

مثل هذا الخبر, كان سيكون فرصة عظيمة لقناة تبحث عن حرية الكلمة والسبق الصحفي, بل وخاصة للجزيرة المتهمة بأنها تبحث عن زلات واخطاء وجرائم الامريكان في العراق, فكيف نشرت الجزيرة الخبر؟ نشرته على انه كان "من قبل مجهولين"!! هؤلاء "المجهولين" يعرفهم كل اهالي بعقوبة, فكيف صاروا "مجهولين" عند اقوى واجرأ قناة فضائية عربية, تتقصى الاخبار المضادة لأميركا؟

تبدوا الجزيرة أذن كأنها "عميل مزدوج" ينتقل بين الطرفين بشكل لايثير الكثير من الانتباه, فما هو سر الجزيرة, وهل هي حرة محايدة كما تدعي ام أن لها ولائها, وإن كان فإلى اين يتجه ذلك الولاء؟

قبل الاحتلال بدت الجزيرة متحيزة في برامجها الحوارية الى كل ما هو ضد الامريكان, فشمل ذلك تحيزاً لصالح صدام حسين الذي كان يقدم نفسه على انه الأشد عداء لأميركا خاصة بعد تورطه في احتلال الكويت. كانت الجزيرة تنقل ببعض التحيز, وجهة نظر العرب المعادين للامريكان وبذا حصلت على مكانة خاصة لدى العرب والعالم في الحقيقة, اذ اعترف بهذا التحيز كحقيقة ثابتة كل من اعداء اميركا واصدقاءها.

هذه الصبغة "المعادية لأميركا" أتاحت للجزيرة ان تكون مصدر ثقة عندما تأتي بخبر في صالح اميركا مثلاً, فيقول الناس "شهد شاهد من اهلها". كذلك, اصبحت مصدر ثقة كبيرة في الاخبار الخطيرة التي تستدعي عادة الحرص والشك والتمحيص. فلو ان مصدر اشرطة بن لادن واتباعه كان الـ (CNN ) أو (FOX) لتشكك الناس بسرعة اكبر في انها لعبة امريكية.

لدينا مثال من الحرب العالمية الثانية على إذاعة كانت تبث عكس رسالتها. فـ "إذاعة الجنود من كاليه" والتي كانت تبث الى جيوش الالمان التي كانت تحتل فرنسا, كانت تقدم نفسها كإذاعة شعبية المانية وطنية لخدمة بلاد الاباء, في حين انها كانت اذاعة تابعة للمخابرات البريطانية. كانت ألاذاعة متفوقة في طاقتها واسلوبها على منافساتها الالمانيات فكانت تبث قريبا من موجة البث الوطنية الالمانية وتغطي عليها احياناً.

كانت "إذاعة الجنود من كاليه" تستعمل وسائل نفسية متطورة, فيستعمل مذيعوها اللهجة التي يستعملها الجنود الالمان فيما بينهم, وكان العملاء البريطانيين المتواجدين بين الجنود الالمان في ميدان القتال يزودون الإذاعة بأخر التعابير والاخبار التي تهم الجنود, فكانت مثلاً تسمي القادة بألقابهم الألمانية. إضافة الى ذلك فقد كانت تحصل بسرعة كبيرة على اخبار مبارات كرة القدم وغيرها من الاخبار المحلية التي تجري في المدن الالمانية وتنقلها بتفاصيل ممتعة الى الجنود الالمان في الجبهة.

وعندما بدت علائم الهزيمة الالمانية وتقدم الحلفاء في اواخر الحرب أصاب الأتصالات الالمانية الضرر الشديد الى درجة ان العديد من قادتهم بدأ ينصت الى الاذاعة للحصول على تقارير عن الموقف, ويستعملونها حتى لتعديل مواقع الجيوش على خرائط الحرب. كانت التقارير التي تقدمها الإذاعة صحيحة في 99 من كل مئة مرة, لكنها في المرة المئة ادخلت فيها المخابرات البريطانية معلومات مضللة متقنة بواسطة خبراء للخداع, ادت الى إرسال القوات الالمانية الى الفخ.

لقد وفرت "إذاعة الجنود" طاقتها للكذب الى اللحظة المناسبة, مستفيدة من الوقت ومتحملة بعض الخسائر الصغيرة لتشحن الثقة في مستمعيها الذين تراخى انتباههم وحذرهم مع الزمن ومع كثرة الاخبار المناسبة التي تؤكد براءة الإذاعة, حتى جاءت لحظة الضربة القاضية, فاكتشفوا الحقيقة متأخرين!

هذا لايعني ان لـ "الجزيرة" نفس دور إذاعة الجنود بالضبط, لكن الفكرة الأساسية ممكن ان تكون واحدة, والستراتيجية واحدة: إرخاء الحذر لدى المتلقي وبناء ثقة لدى الناس بمصدر اخبار تحت السيطرة التامة للجهة التي لا يثقون بها, لتتصرف به كما تريد في المواقف الحرجة وفي تمرير الروايات الصعبة التصديق خاصة.

وهذا لايعني أيضاً ان (جميع) العاملين في الجزيرة مدركين بالضرورة لهذا الدور, فمن الممكن ان تسمح لصحفيين صادقين ببناء ثقة الناس بالمحطة لحين الحاجة. كما ان هذا لايعني ان يتجنب المرء مشاهدة المحطة, فهي مصدر اخباري هام. انما يعني ان يبقي المرء انتباهه وتمحيصه لكل خبر, وأن لايسمح لحذره بالتراخي.


في هذه المقالة اعتمدت على بضعة مصادر اهمها الدراسة التالية (بالانكليزية) :
http://libraryautomation.com/nymas/radioproppaper.htm



#صائب_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لاتشتموا الماء لأنه يخرّ من الثقوب
- أرهاب قانون الارهاب
- الإيحاء بالدونية
- أتحج طوائف المسلمين معاً في العيد القادم؟
- افكار اثارتها الاخبار - 1
- لماذا اعتقل الكردي الجريء كمال سيد قادر؟
- ملاحظات على حملة -نعم للدستور- الاعلامية
- الحزب الشيوعي العراقي وتساؤلات عن المحتوى اليساري في مواقفه
- أنا اقول لا: مراجعة قبل التصويت على الدستور في العراق
- عشرة طيبين يكتبون ميثاقاً لجزيرتهم
- علينا ان ننسى: البريطانيان كانا يحملان جهاز تفجير عن بعد
- فتوى السيد الاخيرة
- إيمان العلمانيين بالزرقاوي!
- عراقيوا الخارج خارج الدستور
- تعديلات الدستور تزيده اعوجاجاً: الغاء مادة حقوق الانسان الدو ...
- تأجيل الدستور لتعديلات طفيفة لاقناع اليسار العراقي للتصويت ع ...
- رغم مصائبه, ليس العراقي معفياً من فهم العالم: الارهاب, اميرك ...
- في الدستور تنازلات بلهاء عن حق العراق في التكنولوجيا
- ما موقف الشيوعيين من المادة 110 ثانياً؟
- الارهاب المبدع


المزيد.....




- تمساح ضخم يقتحم قاعدة قوات جوية وينام تحت طائرة.. شاهد ما حد ...
- وزير خارجية إيران -قلق- من تعامل الشرطة الأمريكية مع المحتجي ...
- -رخصة ذهبية وميناء ومنطقة حرة-.. قرارات حكومية لتسهيل مشروع ...
- هل تحمي الملاجئ في إسرائيل من إصابات الصواريخ؟
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- البرلمان اللبناني يؤجل الانتخابات البلدية على وقع التصعيد جن ...
- بوتين: الناتج الإجمالي الروسي يسجّل معدلات جيدة
- صحة غزة تحذر من توقف مولدات الكهرباء بالمستشفيات
- عبد اللهيان يوجه رسالة إلى البيت الأبيض ويرفقها بفيديو للشرط ...
- 8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صائب خليل - أسلاف قناة الجزيرة