أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - صائب خليل - عشرة طيبين يكتبون ميثاقاً لجزيرتهم















المزيد.....

عشرة طيبين يكتبون ميثاقاً لجزيرتهم


صائب خليل

الحوار المتمدن-العدد: 1338 - 2005 / 10 / 5 - 12:22
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


ما ان ارسل الفجر شعاعه الاول على صفحة المياه المضطربة, حتى رست السفينة الصغيرة, محطمة ممزقة الاشرعة. ليس لتلك السفينة ما تخجل منه, فقد صارعت طوال الليلة الماضية عواصف هوجاء عنيفة لم تشهد مثلها قبلاً. رست السفينة على ساحل جزيرة صغيرة مجهولة, فنزل ركابها العشرة, خمسة نساء وخمس رجال, يحمدون ربهم وهم يركعون وينهضون ويهزون شعرهم الملون كمثل باقة من الزهور تتمايل مع الرياح شاكرين له الابقاء على حياتهم وكل يعده بالذبائح والطاعة ما بقي على قيد الحياة.

افترشوا الارض والتحفوا السماء وغطوا جميعاً في نوم عميق استمر نهاراً وليلاً كاملين.

في صباح اليوم الثاني, تجمع الناجون من شعب الواق واق وراح بعضهم يتفحص السفينة المحطمة وينقل منها ما ينفع من بقايا, بينما ذهب اخرون يستكشفون الجزيرة. وانشغل البعض باعداد بعض الطعام. وحين اجتمعوا في المساء للعشاء اتفقوا ان يرتبوا حياتهم في الجزيرة, فربما تكون وطنهم ووطن اولادهم لزمن طويل جداً. فالجزيرة, بالرغم من موقعها المعرض للعواصف الشديدة, فهي تمتلك كل ما يحتاجه السكان لاقامة وطن جميل يعيش سكانه بسعادة ورفاه.

يتكون شعب الواق واق من عشائر وقبائل تتميز عن بعضها بلون شعرها. كان واحد من العشرة الناجون من العاصفة من "ذوي الشعر الاحمر", ورجل وامرأة من اصحاب الشعر الكلكلي, وإمرأتان ورجل من عشيرة الشعر الابقع, اما من قبيلة الشعر الازرق فقد كانوا اسعد من غيرهم بفريقهم المكون من رجلان وامرأتان.

جلس الجميع للعشاء, واتفقوا على الأسس التي سيكتبون ميثاق الجزيرة بها. فاتفقوا ان يكتب كل فرد شرطاً على صخرة يحتفظ بها في منزله احتياطاً, ثم تكتب جميع الشروط على المسلة عند النخلة الكبيرة التي تتوسط الجزيرة.

كان شعب الواق واق, إن اقلق امر احدهم, نام مبكراً, فيزوره اجداده في المنام ويخبروه برأيهم. ثم ينام في الليلة الثالية فيزوره احفاده ليعطوه رأيهم ايضاً. هكذا ذهب العشرة ليناموا ويحلموا ويكتبوا شروطهم كما ينصح اجدادهم.

في صباح اليوم التالي, جاء الجميع الى النخلة تبدوا عليهم السعادة والارادة, فقال ذو الشعر الاحمر: " لقد قال اجدادي كلمتهم: اشترط على بلاد الواق واق الجديدة ان يكون لون علمها احمراً قانياً كلون شعرنا."
ثم تكلمت صاحبة الشعر الكلكلي فقالت:" ما دام العلم سيكون احمراً, فليكن شعارنا كلكلياً جميلاً." واضاف صاحبها:" ان يجلس اصحاب الشعر الكلكلي في المقدمة في كل اجتماع ليكون الصف الاول جميلاً يبعث على البهجة والسرور".
اما عشيرة الشعر الابقع فاراد افرادها:" ان تكون هناك "بقعة" في الجزيرة لايدخله احد الا بدعوة من شخص ذو شعر ابقع" و " ان تكون لذوي الشعر الابقع السيطرة على المياه الحلوة الضرورية للابقاء على لمعان الشعر, ذلك لان افراد العشيرة الثلاثة قد سكنوا قرب النبع, فهو حق خاص بهم" و" ان تخصص سنويا كمية من فاكهة الجزيرة للعناية بالشعر الابقع للحفاظ عليه."

افراد قبيلة الشعر الازرق كانوا الاسعد حظاً لان لديهم الحق في فرض اربعة شروط فقالوا:" ان لذوي الشعر الازرق السيطرة على اشجار جوز الهند" فمنها يستخرج الزيت الضروري للعناية بالشعر, و " ان يبقى الشعر الازرق دائماً هو الاكثر في الجزيرة" و "ان يكون الازرق اللون الرسمي للجزيرة, على ان تحترم بقية الالوان" و" ان يضمن الميثاق صلوات الشعر الازرق السنوية الخاصة"

بعد المناقشة, الغي الشرط الثاني لقبيلة الشعر الازرق وحل محله " يحق لذوي الشعر الازرق تكوين جزرهم الخاصة في الجزيرة, اسوة بعشيرة الشعر الابقع, لايدخلها احد الا من كان شعره ازرق, او برفقة من له شعر ازرق". قضى سكان الجزيرة يومهم ينحتون النقاط العشرة على مسلة صخرية كبيرة نقلت الى وسط الجزيرة, ثم احتفلوا عند الغروب فقص كل منهم خصلة من شعره وعلقها على الصخرة عنواناً لتأييده لما جاء فيها.

رغم الاحتفال بالانجاز الكبير, كان القلق وعدم الارتياح يسيطر على الجميع. فهذه الليلة سيقول لهم احفادهم رأيهم بما كتبوا. ولقد نسيت ان اخبركم ان سكان الواق واق كانوا يحترمون احفادهم ويخشونهم بشكل خاص. فلم تكن اسبقية استشارة الاجداد إلا لأن الواق واقيين يريدون ان تكون الكلمة الأخيرة لأحفادهم, فهم برأيهم يعرفون افضل, كما ان لهم الحق الأكبر في اية قرارات تتعلق بالمستقبل.

في تلك الليلة حلم العشرة على الجزيرة حلماً مشتركاً يلتقون به احفادهم. ولدهشتهم لم ير الحالمين, شعر احفادهم الملون, بل رأوا مجموعة من حليقي الرؤوس, فلم يميز احداً منهم حفيداً له.

تقدم من الاحفاد رجل عرف الحالمون من كلامه انه من ذوي الشعر الاحمر, لأنه ابتدأ قائلا: " لست فخوراً بك ايها الجد الأحمر. فعلمك الاحمر بقي ذكرى تفردك المضحك بدل من ايثارك "

ثم تقدم الاخرين من الاحفاد, من رجال ونساء, كل يحدث اجداده من الذين كتبوا وثيقة الجزيرة:
" لست فخوراً بكما ولا بشعاركما ايها الكلكليان, وكلما اجتمعنا وجلسنا امام الجميع, كما اشترطتما في الوثيقة, اشعر بالخجل يأكلني ولم علي ان اضع الأخرين خلفي بدلاً من ان اكون بينهم؟ لذا قررت حلاقة شعري والوقوف مع الناس بدلاً من الوقوف بتكبر في الصف الاول."

" لست فخوراً بما فعلتم يا اجدادي "البقع". ان اصراركم على تلك "البقعة" المنفصلة لا يبرره الا خوفكم من الماضي الذي كان, وكنت آمل من اجدادي ان لايكون الخوف مرشدكم حين تكتبون مستقبلنا بل الشجاعة. الم تكن خير مرشد لكم عندما قاتلتم من حاول استعبادكم, فأين نسيتموها؟
وكيف لي ان امنع الماء عن اي انسان اخر يا اجدادي؟ ام انكم لاترون فيّ انساناً كبقية البشر, له احاسيسهم ومشاعرهم؟ ما ان استقرت "بقعتنا" وتمتعت بفائض مياهها, ونحن نرى عطش الاخرين, حتى خرج اهبل ليقول ان بيته يقع عند حافة النبع, وعليه فأن له الحق في منع الماء عن بقية سكان "بقعتنا."

اما شرطكم تخصيص الفواكه لشعرنا فلا افهمه, ولو قلتم بتخصيصها للجميع لكان اشرف لنا يا اجدادي."

"اما انتم يا اجدادي فأحار ما اقول لكم. لقد كنتم الاقوى والاكثر فتصرفتم كأنكم اكثر الناس قلقاً وخوفاً على مستقبلهم, واضعف الناس ثقة بقدرة احفادهم على الدفاع عن حقهم, فجاءت شروطكم المخجلة.

أما كان لكم ان تلعبوا دور الجامع الشامل المطمئن لغيره وانتم الاقوى والأكثر؟ اما كان لكم ان تتنازلوا عن بعض حقوقكم لتكسبوا بدلاً منها احترام شعبكم وابنائكم؟ لتعطوا الاخرين مثالاً في الايثار والشجاعة, بدلاً من إستغلالها لزيادة ما تفرضون على الاخرين؟ ان كنتم قلقين على حماية شعائركم وانتم اكثرية, فكيف يكون موقف الاقلية؟
تريدون الزيت لشعرنا الازرق وحده دون الاخرين, ليصير غيرنا مظلوماً ونصبح ظالمين. تباً لزيتكم رمزاً للظلم وتباً للمعة الشعر علامة الظالمين! لقد قصصت شعري خجلاً ولن اسمح لاحد ان يرى لونه جراء ما فعلتم."

توقف الحفل قليلاً, ثم تقدم شاب قال انه ليس حفيداً لأحد بعينه, فاجداده خليط من عدة قبائل وعشائر, فتكلم باسم سكان الجزيرة كلهم قائلاً:

" يكتب الناس وثائقهم لتساعدهم على تسيير امورهم ومواجهة المصاعب, وكنتم تعلمون ان جزيرتنا تقع في منتصف ممر العواصف والرياح, لكنكم لم تكتبوا الا عن اختلاف شعرنا, وعندما جاءت العواصف اخيراً لم نعرف ما نفعل. لقد حولتنا وثيقتكم الى شعر يتطاير من اقل نسمة ريح.

ايها الأجداد..لكم تمنينا وتوقعنا املاً ان تتركوا لنا, نحن ابناؤكم, أرضاً صالحة لزراعة أحلامنا, ووثيقة تؤكد اهم ما فينا: انسانيتنا. لكنكم, يا للعجب, لم تروا فينا الا شعرنا! لقد كبرتم اختلافنا رغم صغرها, واقللتم من شأن ما اشترك بيننا رغم عظمته.

لقد كانت الوان شعرنا رمزاً للتنوع والمحبة فحولتها وثيقتكم الى رموز للتفرقة والكراهية والعنف.
اننا لن نسمح لشعرنا الملون المختلف ان ينموا ثانية حتى يزول ما علق به من تفرقة واستبداد وكراهية وذكريات مخجلة.


في الصباح عاد سكان الجزيرة العشرة الى النخلة وقد احمرت خدودهم ونكست ابصارهم, وكل يحمل لوحته التي نحت شرطه عليها, ليحطمها امام الجميع. لقد تفاهموا دون كلام, وجلسوا يكتبون وثيقة جديدة لم يكن فيها الا ما هو مشترك بينهم.

وحين غربت الشمس, كان عشرة اناس طيبون قد اكملوا كتابة وثيقة جديدة لجزيرتهم, ليس فيها كلمة واحدة تخص اية جماعة دون غيرها. ثم جاءوا بخصل الشعر التي ربطوها عند المسلة القديمة فحلّوها, وخلطوها ببعضها حتى صارت خصلة كبيرة انعكست عليها اخر شعاعات الشمس الغاربة فتوهجت الوانها فربطوها الى المسلة كتوقيع يشمل الجميع.

نظروا الى بعضهم باسمين وقد زالت حمرة خدودهم وذهبوا الى فراشهم يتراقصون مرحاً وهم يعلمون ان احفادهم سيسعدون ويفخرون بهم ويبقون ممتنين لهم ابداً.



#صائب_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علينا ان ننسى: البريطانيان كانا يحملان جهاز تفجير عن بعد
- فتوى السيد الاخيرة
- إيمان العلمانيين بالزرقاوي!
- عراقيوا الخارج خارج الدستور
- تعديلات الدستور تزيده اعوجاجاً: الغاء مادة حقوق الانسان الدو ...
- تأجيل الدستور لتعديلات طفيفة لاقناع اليسار العراقي للتصويت ع ...
- رغم مصائبه, ليس العراقي معفياً من فهم العالم: الارهاب, اميرك ...
- في الدستور تنازلات بلهاء عن حق العراق في التكنولوجيا
- ما موقف الشيوعيين من المادة 110 ثانياً؟
- الارهاب المبدع
- لنهنئ انفسنا أن وصل بعض صوتنا الى الدستور
- لماذا ظهر الدستور كعروس منفوشة الشعر؟
- اعتراضاتي على نقاط الدستور
- حديث دكتاتور اعتيادي الى شعبه الاعتيادي
- علي فردان ودفع الشيعة العراقيين باتجاه الطائفية
- دولة الكمان العراقية: دولة -علي- بابا والاربعين حرامي
- العلمانيون والإسلام: مقالة ليست ممتعة علمانيا
- ديمقراطيينا بين ولاية الفقيه وولاية السفير
- اليسار والاسلام: فرصة للتعاون في الوقت الصعب
- اصل الانسان مرجوحة


المزيد.....




- مصور بريطاني يوثق كيف -يغرق- سكان هذه الجزيرة بالظلام لأشهر ...
- لحظة تدمير فيضانات جارفة لجسر وسط الطقس المتقلب بالشرق الأوس ...
- عمرها آلاف السنين..فرنسية تستكشف أعجوبة جيولوجية في السعودية ...
- تسبب في تحركات برلمانية.. أول صورة للفستان المثير للجدل في م ...
- -المقاومة فكرة-.. نيويورك تايمز: آلاف المقاتلين من حماس لا ي ...
- بعد 200 يوم.. غزة تحصي عدد ضحايا الحرب الإسرائيلية
- وثائق: أحد مساعدي ترامب نصحه بإعادة المستندات قبل عام من تفت ...
- الخارجية الروسية تدعو الغرب إلى احترام مصالح الدول النامية
- خبير استراتيجي لـRT: إيران حققت مكاسب هائلة من ضرباتها على إ ...
- -حزب الله- يعلن استهداف مقر قيادة إسرائيلي بـ -الكاتيوشا-


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - صائب خليل - عشرة طيبين يكتبون ميثاقاً لجزيرتهم