أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد شفيق توفيق - في شعاب الارض واوردتها















المزيد.....

في شعاب الارض واوردتها


رائد شفيق توفيق
ِ Journalist and writer

(Raid Shafeeq Tawfeeq)


الحوار المتمدن-العدد: 6100 - 2018 / 12 / 31 - 15:07
المحور: الادب والفن
    


في شعاب الارض واوردتها
رائد شفيق توفيق
اذا كان العملاء والخونة قد سدو باب المحبة فنحن فتحناها مشرعة للاحبة ..
من يحاول اجتياح الجبال لن ينجح .. قد يتسلقها لكنه لن ينجو ان حاول اجتياحها فهي عصية علي الغرباء ومليئة بالضواري ، وعلى الرغم من القحط الذي الم بها تبقى عصية على الجميع حتى فم الزمان لم يتمكن من مضغها.. لقد سكنت بلادي الاوبئة والجوع مذ دخلتموها وتناثر اهلها في شعاب الارض واوردتها يحملون ألمهم بصمت متأهبين لزراعة الارض لتلد قمحا حالما تمطر السماء ؛ لن تبقى هذه الارض صامتة فحكاوي الغربة تحرك سكونها بعد ليل طويل جثم عليها فاهلها وحدهم من يفتح الباب للشمس ولن تبقى حقولها ضامرة ، ولن يبقى اهلنا يحدقون بعيون منكسرة كالنسور الجريحة فقد بدأت تنهض من سباتها لتزيح عبوس ايامها القاحلة فهي عائدة لتحقيق طموحاتها ، ولن تكون بيضاء كشيب السنين بل ستكون بيضاء ذهبية كنور الشمس وخيوطها لتقتل حشرات الارض ولن تكون مأدبة طعام لمن لايستحق ؛ انها تنقل اوجاعها الى من تسبب بها دافعة بكل قوتها القهر الى الهاوية لتعود لقاءات الاحبة وتسامرهم في الليالي المقمرة مصاحبة ضحكات خافتة كي لا توقض النائمين باطمئنان ليصحو صباحا يسابقون صياح الديكة حاملين بلادهم في قلوبهم لتنتشر بهم خطواتهم بتشعبات لا حدود لها لاعمار الارض التي اهملت لتلد الخير من جديد ، فلا خيار امامهم الا طي صفحة الماضي الاليم بالصبر لكي يروو به مستقبلهم وقد غرسو قلوبهم في ارضهم كبذور ترنو الى السماء لتمطرها حبا ؛ سائلين الله البركة حتى يعود الحليب الى ضروع الماشية التي ضمرت من سنين .. ينتظرون نهوض الحقول من سباتها الطويل بعد ان نست الارض لونها الاخضر ، لمحو ايام القحط الذي لازمها حتى اوشك العمر على النفاذ وغدى ضحايا الحشرات اكثر من موتى الاوبئة .
لقد غدت بلادي بلا خصوصية لكثرة الوجوه الكالحة التي ملأت صورها الساحات والشوارع والازقة ، واصواتها النشاز ازاحت تقاطيع الانتسامة من الوجوه لترسم بدلا منها تجاعيد بؤس واسى وحياة شحيحة تتوكأ على انات مكتومة وهي تشاهد الاحبة يغادرون هذه البلدة الطيبة متناثرة احلامهم في زوايا المنزل وحيطان بيوت المحلة التي شهدت فرحهم وشقاوتهم انهم يرحلون الى المجهول في رحلة محفوفة بالمخاطر لا يعرفون معالمها هربا من هول ما يجدون ، فهذه البلدة تقاطر عليها اللصوص من كل حدب وصوب وكأن لا بلاد على البسيطة سواها .. انهم يوصون الناس بان يلزمو ظلهم وان لا يخالفو السيد وبتحمل شظف العيش وبؤس الحياة والطاعة في كل شيء من اجل سلامتهم .. بقي الناس يجترون هذه الوصية سنين ولم يكن هناك من يجروء على مجرد التفكير بالوصية لا مخالفتها .
هاجس الرحيل هو الهاجس الوحيد الذي سيطر على خواطر الناس بعد الاهوال التي عاشوها فقر وجوع ومرض اذ كل من اشتكى او تذمر من ذلك يسفك دمه ويحلل قتله .. انهم يهربون من الجحيم خلسة من دون ان يعلم بهم احد خشية القتل والتنكيل والسجن اوالثار ؛ هؤلاء الراحلون غالبا ما يخلفون ورائهم ابنائهم واملاكهم ، في مغامرة تحتاج الى شجاعة متناهية ؛ الى من يضع عمره على كفه ويقدم على ما قد يقوده الى الموت اكثر من الحياة .
بلدتي تحولت الى ارض غبراء تنتشر فيها الامراض والفاقة فالارض يابسة تسكنها الغربان اعشاشها على رؤوس اشباه الرجال غنائها نواح يذرف دماء الابرياء .. هذه البلدة اختارها السيد دون سائر البلاد لتكون مخبأ له ليحتمي بها من اعداءه الذين دمر حياتهم باعماله السيئة ، بلدتي كانت غنية بالماء والاشجار وجعل الله فيها الماء غدقا في جنباتها فضمر مجرى انهارها وبانت انحناءاتها الواسعة التي تحتضن المدن بحنان ، فاخذت تضيق في استسلام ونبتت شجيرات العاقول والاشواك على ضفافها مكان اشجار الفاكهة والازهار وغابت الفراشات وهجرتنا طيور الوروار والخضيري واللقالق وما عادت تأتينا في مواعيدها حسب فصول السنة تزامنا مع تفاقم القحط .. تحطمت الطرقات واغلقتها شجيرات الاشواك ولم يبق الا طريقا واحدا يربطنا بالمدن الاخرى كشريان الحياة لكنه صار نهبا لاتباع السيد ، ويبدو ان اهالي بلدتي آمنو بالسيد ولم يحاولو البحث عن مخرج لعوزهم فركنو الى جبروته واتباعه كانهم اصفاد تكبل المدينة .
كان اهلي كجبال الله الشامخة تحمي ربوات وسهول وبقاع كنواطير تجثم على صدور اعدئها ؛ هذا ما بقي في الذاكرة فتحولت النضارة في وجوه الاطفال الي ملامح قاسية صادقة التجهم تنتشر في الطرقات والمزابل لساعات وساعات وفي تقاطعات الشوارع والجسور تتوسل الناس لقمة تسد بها جوع عائلة ، بعيدا عن التدقيق والمسائلة من نقاط التفتيش وحواجز العسكر التي تملأ الطرقات .. مصلوب ذلك المولود الذي ولد والذي لم يولد بعد في مدينة منذورة للسيد ظاهرها قدسي وباطنها معلق بين نوازع البشر فسواد ليلها غواية لعوب غانية .. رغبات دفينة تشد الوليد الى ارض نزل فيها من بطن امه سمعت صرخته الاولى شهدت اولى خطواته المتعثرة وحلم سكن دقائق خيالاته ليصحو على حاضر ينساب الي ظلمة النسيان حيث تضيع الاحلام تشبث بها اكثر لكنها تضيع الى غير رجعة .
هالات ضياء تحيط مدنا تقدست في عيون قاصديها صلاة وسجود ونذور بينما تسكن المدن خلف اقنعة وابواب مغلقة مستغلة الرباط الذي لا فكاك منه بين الانسان والمكان .
انهار من الذكريات تحملني الى بيتنا القديم في محلتنا «باب الشيخ» ودفق حكايات جدي الجميلة تحمل بؤس اليوم ممتزجا بفرح الامس حيث ترسم الاماكن صورها عابسة مدلهمة تنعي من بناها .
علي حافة النهاية تبزغ ذكريات البداية ، في خريف العمر انا على عتبات الكهولة يشتعل بي حنين الى عمر مضى .. في اجترار الماضي تغرق شطآن الحاضر لعل شيئا منها يصمد في الغربة ليبقى اثرا يروي ما سطره الاجداد للاحفاد عما تركوا ورائهم وتحسرو على ما اضاعو .. لتتناثر قصص الاباء على تضاريس الحياة ومنعطفاتها بين البعد والاغتراب والتشرذم في القارات على مفارق الهجرة والشتات الذي ايقض الذكريات وعن ما لا يتداوله الناس من قصص وحكايات ضاعت في زحام رحلة الموت عن الوطن .. الوطن قاموس عشق البشر ومهوى فؤاد المبعد قسرا او اختيارا .



#رائد_شفيق_توفيق (هاشتاغ)       Raid_Shafeeq_Tawfeeq#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخروف والديك حصة من؟..... الاحزاب دول دكتاتورية داخل الدولة ...
- وداعا 2018 سؤالنا هو ... ايهما اشرف كفار قريش ام عمائمكم ؟
- اصبحنا شعب بلا هوية يبحث عن الحقيقية بين أرواح شريرة تستعبده ...
- حمار … في حديقة الحيوانات
- الانتفاضة مستمرة ..... ...
- الشعب لن يسكت فهو منتفض وسوف يستمر بالانتفاض ..... لماذا امر ...
- اخي العراقي .. لن ترحل إلى المستقبل إذا بقيت تعتقد أن الماضي ...
- العراق غير صالح للحياة فالمدارس المتخلفة والبطالة والفساد تب ...
- آيات زرعت الخوف والرعب بين الناس......... جانب اخر من قبسات ...
- برغم شحة الامطار العاصمة تتحول الى برك ومستنقعات .... ...
- قبسات من ظلمات حيث السرقات المحمية بالقانون والصفقات والميلي ...
- حتى الحلم في وطني حرام والميت أعلى سعرا من الحي. ....... ...
- قتل الأسماك جريمة كبرى لانهاك الاقتصاد وتفسيرات حكومية مقنعة ...
- هل حكوماتكم منذ الاحتلال الامريكي للعراق قانونية ؟ ...
- رئيسي وزراء للعراق .. العملية السياسية مهزلة واستهزاء بالعرا ...
- لا احد يستطيع ايقاف التظاهرات … هوة واسعة بين المجتمع العراق ...
- اسئلة بلا اجوبة ..... ...
- لابد من تدخل الامم المتحدة وتدويل قضية العراق لانقاذ الشعب . ...
- كل الزعامات في العراق طائفية وهي السبب في شقاء العراقيين ... ...
- من اين ناتي بالارادة الوطنية العراقية ؟ ... عبد المهدي على خ ...


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد شفيق توفيق - في شعاب الارض واوردتها