أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - لقيط














المزيد.....

لقيط


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6073 - 2018 / 12 / 4 - 01:30
المحور: الادب والفن
    


إلى الطريق، الذي جاء منه وشكّل مصيره لاحقاً، يُنسب اسمُهُ ـ كما علمنا في زمنٍ آخر. " طارق " هذا، كان صديقَ العُمر المبكر وبقيت صورته ضبابية في طيات الذاكرة لحين أن جلاها يوماً حديثُ الأم بمناسبة متابعتنا لفيلمٍ كلاسيكيّ، يتعرض لحكاية طفلٍ لقيط.
في صدر الزقاق، وعلى مساحة فسيحة تشغل غالبيته حديقة ذات أشجار مثمرة، كان يتربع منزلُ أصدقاءٍ من جيلنا. جدّتهم لأبيهم، عُرفت آنذاك بكونها قابلة ولّدت العديدَ من نساء الحارة. ذات ليلة، وفيما كنتُ ما أنفكّ أنهلُ حليبَ أمي، كانت القابلة تقوم بإخراج مولود إلى نور الحياة. تمت الولادة إذاً تحت جنح الظلام، وكان من المقدّر كذلك أن يجري التعتيم على هوية أم المولود. سرّ هذه المرأة، بقيت محتفظة به القابلة ونقلته معها بعد بضعة أعوام إلى القبر. أما المولود، فما لبثَ أن عرفَ والدة جديدة في زقاقنا نفسه.
منزل " حوطيش "، كانت جدرانه الشمالية ملتصقة بجدران منزلنا. أغصان شجرة الليمون، المثقلة بالثمار المتلألئة مثل مصابيحٍ صفر، كانت تستلقي على السطح الفاصل بين البيتين الجارين. في خلال مناسباتٍ نادرة، حينما كان الأهلُ يغشون منزل جيرانهم، دأبوا على ملاحظة مدى الهدوء المهيمن، وذلك بسبب خلوه من الأولاد. رجل المنزل، كان منزوٍ مع امرأته " فاطمة " في غرفة، بينما شقيقته المطلقة تشغل الغرفة الأخرى مع ابنيها البالغين. إلا أنّ الحال لم يكن كذلك في فترة طفولتي، آنَ كنتُ أتواجد هناك بهدف اللعب مع " طارق ". ذات مرة، وبينما كنا نلهو أمام منزل صديقنا الوديع، إذا بأحد الصبيَة الكبار يدفعه فيسقطه أرضاً. صرخَ فيه صديقنا، مهدداً: " سأشكوك لماما فاطمة.. "
" فاطمة ليست أمك، يا هذا! "، ردّ الصبيّ بنبرة مسمومة. ظل صديقنا واجماً للحظات، يُدوّر الجملة في رأسه. وما عتمَ أن أندفع إلى داخل منزله، مُجهشاً ببكاء مرير. لحظات أخرى على الأثر، وكانت شقيقة " حوطيش " تمسك بأذن ذلك الصبيّ الطائش لتشدها بقوة: " لو كررتَ ذلك الكلام، لأخبرتُ والد طارق بالأمر وهوَ سيعرف شغله معك ".
" حوطيش "، كان رجلاً طيباً وطريفاً. إلا أنه بحسَب وقائع يرويها الأهل، لم يخلُ من نوبات نزق كانت تعتريه بين وقت وآخر. عمله في مركز الشام القديمة، كساقي قهوة متنقل، لعلها ضافرت في التشويش على الجانب الجيد في خلقه. وحدهم الأطفال، كانوا قريبين لقلب الرجل، بعد امرأته، وذلك نتيجة حرمانهما من الخلف. أما وقد منحته السماءُ ابناً، منذ تلك الليلة الظلماء، فإنه من الطبيعي أن يغدوَ في غاية الرضا والسعادة. تصاريف القدر، شاءت أن تغتال حياة الرجل، على حين فجأة، ولم يكن يشكو من مرضٍ ما. حينَ قضى زوجها نحبه، لم يعُد لامرأته مقامٌ في المنزل. أشترت منها شقيقته حصتها في المنزل، ثم شيّعتها إلى الباب بعينين تسيلان دمعاً حارقاً. " طارق "، اختفى أيضاً من الزقاق وما أسرعَ أن شمله النسيان. بقية القصة، عرفتها بعد عقود طويلة وعلى لسان والدتي.
الأرملة، لم يكن في وسعها رفض أحد أقاربها لما تقدم بعرض الزواج منها. ولكن صدمها شرطه الصارم، أن تتخلى عن الولد. لم يطل أمرُ ترددها، على أيّ حال. وفيما كانت " ماما فاطمة " تزف لرجلها الجديد، سيقَ الصبيّ المسكين إلى مأوى الأيتام. من ذلك المكان، الموحش الكئيب، حضرت يوماً إحدى السيدات إلى الزقاق. قالت لشقيقة زوج الأرملة: " طارق، في حالة صحية سيئة. لقد قضى أياماً دونَ أن يضع شيئاً تقريباً في فمه، قضاها في نحيب متواصل وعلى لسانه اسم ماما فاطمة ". لوحت المضيفة يدها في حركة يائسة، وقد بان التأثر الشديد على وجهها: " زوج المرأة، التي ربت الصبيّ، حظّر عليها بتاتاً زيارته ".
" طارق "، كان وقتئذٍ في الثامنة من عُمره. كانت له أم رائعة، ولم يكن يتصور كم سيغدو العالمُ بدونها غريباً، ظالماً، مدمِّراً.





#دلور_ميقري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شيرين وفرهاد: الفصل السادس 5
- شيرين وفرهاد: الفصل السادس 4
- شيرين وفرهاد: الفصل السادس 3
- غسق أزرق
- شيرين وفرهاد: الفصل السادس 2
- شيرين وفرهاد: الفصل السادس 1
- شيرين وفرهاد: بقية الفصل الخامس
- تورغينيف وعصره/ القسم الخامس
- شيرين وفرهاد: الفصل الخامس 2
- شيرين وفرهاد: الفصل الخامس 1
- شيرين وفرهاد: الفصل الرابع 5
- طريدة منفردة
- شيرين وفرهاد: الفصل الرابع 4
- تورغينيف وعصره/ القسم الرابع
- شيرين وفرهاد: الفصل الرابع 3
- تورغينيف وعصره/ القسم الثالث
- شيرين وفرهاد: الفصل الرابع 2
- تورغينيف وعصره/ القسم الثاني
- شيرين وفرهاد: الفصل الرابع 1
- تورغينيف وعصره


المزيد.....




- عودة الثنائيات.. هل تبحث السينما المصرية عن وصفة للنجاح المض ...
- اختفاء لوحة أثرية عمرها 4 آلاف عام من مقبرة في سقارة بالقاهر ...
- جاكلين سلام في كتابها الجديد -دليل الهجرة...خطوات إمرأة بين ...
- سوريا بين الاستثناء الديمقراطي والتمثيل المفقود
- عامان على حرب الإبادة الثقافية في قطاع غزة: تدمير الذاكرة وا ...
- من آثار مصر إلى الثقافة العالمية .. العناني أول مدير عربي لل ...
- اللاوا.. من تراث للشلك إلى رمز وطني في جنوب السودان
- الوزير المغربي السابق سعد العلمي يوقع -الحلم في بطن الحوت- ف ...
- انتخاب وزير الثقافة والآثار السابق المصري خالد العناني مديرا ...
- بعد الفيلم المُرتقب.. الإعلان عن موسمين جديدين من مسلسل -Pea ...


المزيد.....

- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - لقيط