أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حمزة بلحاج صالح - من مقال العقل إلى مقال الجنون ..














المزيد.....

من مقال العقل إلى مقال الجنون ..


حمزة بلحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 6068 - 2018 / 11 / 29 - 04:16
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


« إذا جاء الجنون La Folie ليتوج مجهود العقل فذلك لأنه يكون جزءا من هذا المجهود» هكذا جاء في « تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي » للفيلسوف " ميشال فوكو "
Michel Foucault " HIstoire de la folie à l âge classique"

* صاح " نيتشه " قائلا " أنا الحقيقة " عندما أصابه الجنون سنة 1887، وأكد "فوكو" : « بأن حقيقة الإنسان لا تنكشف إلاّ مع خطر الجنون ».

* إذا كان " عصر النهضة الأوربية " قد حرّر صوت الجنون كما يقول "فوكو"، فإن العصر الكلاسيكي قد إرتد به إلى الصمت..

* إن " كوجيتو " ديكارت يمثل مطارحة العقل ضد الجنون : « أنا الذي أفكر لا يمكن أن أكون مجنونا ».

* هكذا من مقال العقل ل " ديكارت " إلى مقال الجنون ل" فوكو " ، هي مسيرة الفكر الأوروبي في تطوره وتحوله...

* ولم يكن الفكر الأوروبي وحده هو الذي إشتغل بظاهرة « الجنون »La folie

ففي التراث العربي الإسلامي، نصوص تناولت الموضوع من زوايا متعددة أدبية، تاريخية، فقهية وطبيّة تجريبية...

* ونكتفي هنا بذكر نص لإبن الجوزي، سجل فيه نوادر وأخبار الحمقي، المجانين والمغفلين...

إلى جانب إهتمام العالم العربي من الناحية الطبية بهذه الظاهرة حيث سجل "فوكو" في مصنّفه « تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي» « أن العالم العربي قد أنشأ مبكرا مستشفيات حقيقية مخصصة للمجانين» « مستشفى " فاس " في القرن السابع الميلادي،

وبغداد والقاهرة بعد ذلك » ويذكر " فوكو " « بأن العلاج في هذه المستشفيات كان يقوم على إستخدام الموسيقى والرقص ، ومشاهدة المسرحيات، والإستماع إلى أحسن القصص... إلخ».

فالفرق عظيم مع نظام العزل l Internement الذي إنتقده " فوكو "...

* لقد لاحظ شارون في القرن السادس عشر من الميلاد في كتابه " في الحكمة " De la Sagesse وجود تقارب كبير بين الحكمة والجنون تشهد عليه أفعال الخبل من البشر،

ويذكر "ميشال فوكو" بأن " إراسم " ERASME قد قرر بأن «المدخل إلى الحكمة لا بد وأن يمر بالجنون »!

* ولقد تحدث " فوكو " كثيرا عن جنون كان مؤدّاه العقل "une folie immanente à la raison…

" فلنتتبع هذا الحوار الشيّق – في نص لفولتير – voltaire – بين أحد المجانين، وواحد من الأصحاء وهو يخاطبه « إعلم يا صديقي، أنه على الرغم من أنك فقدت الحس المشترك le sens commun ، فإن روحك تظل شفافة وطاهرة وخالدة مثل أرواحنا،

ولا تختلف عنها إلاّ في حيّز الإقامة، فالنوافذ عندك مغلقة والهواء لا يتجدد وروحك مهددة بالإختناق »

فيجيبه المجنون « إنكم يا أصدقائي تفكرون في الأمر على طريقتكم أما أنا فلديّ نوافذ مفتوحة مثل نوافذكم، خصوصا وإني أرى نفس الأشياء التي ترونها وأسمع نفس الكلمات...

ومن الضروري إذن أن تكون روحي قد أساءت إستخدام الحواس أو أن تكون من نوع رديء وباختصار فإما أن تكون روحي مجنونة بذاتها وإما أن لا يكون لها وجود على الإطلاق »..

* قص علي صديقي فنان تشكيلي حكاية مجنونين من منطقتين مختلفتين من البلاد، واحد يقوم بنزع وإستئصال الحجارة والصخور الكبيرة من الأرض، واستبدالها بأخرى صغيرة الحجم!

والثاني يجمع الأذناب ( الذيول ) من عند الجزارين ثم يقوم بغرسها في الأرض!

* فسئل الأول عن سبب فعله هذا، فأجاب إنني أقوم باجتثاث واستئصال «الرؤوس الكبيرة»!! و هو يعني أصحاب النفوذ السياسي و المال و من يتحكموم في الناس ...

والسلوك رغم أنه صادر عن " مجنون " لكنه يحمل من المعنى والدلالة وفيه من المعقولية و الحكمة ما يجعلنا نقرر بانه يستبطن دلالات سياسية وثقافية وفكرية تفسر واقعنا المتردي الأزموي، وتجذر " رؤوس الريع " الكبيرة وأصحاب " المونوبول " الذين

أنهكوا إقتصاد البلاد، وعفنوا السياسة، وميعوا الحياة العامة، وبددوا قيم الإنسان الجزائري وصنعوا منه تائها حائرا لا يدري من أين جاء ولا إلى أين يسير؟!

* وسئل الثاني عن سبب فعله كذلك ، فأجاب إنني أقوم بغرس الأذناب ( الذيول ) ، ذلك أن البلاد كأن أرضها لا تنبت إلاّ الأذناب ( الذيول ) ...

* إن في عملية الزرع لفت للإنتباه قصد إدراك Perception معنى الظاهرة ( لما يحمله الإدراك من مدلول فينومينولوجي أي ظواهري )، ثم إن عملية الزرع تفيد الإنتشار أو بعبارة فقهية « عموم البلوى »...

وليست الأذناب سوى تبّع من القوم يدورون في الأفلاك والحواشي، يطوفون بالمركز، يهللون ويكبرون في كل مناسبة على ألحان جديدة، وبطبعات مختلفة... إنهم " أهل الرّيع " " و ممالك الرداءة " و " الإنتهازيون "...

* إن المجنونين غير منقطعين عن الواقع بل من عمقه ينهلان جنونهما، وهم في حالات " تأثر " و " إنفعال " و " إدراك " لجوانب من هذا الواقع " تفوق بكثير حالات اللاّوعي " و " الغيبوبة " التي عليها كثير من أفراد هذا المجتمع الذين يبدو عليهم التمتع بكامل

القوى العقلية، وتتميز كثيرا عن حالات الجشع والطمع الجنوني والتسابق على الرّيع على حساب كل القيم والمبادىء النبيلة، فأصحابها في شبه غيبوبة ولا وعي ولا إدراك...

* قلت في نفسي كأن " جنون " " المجنونين " هو هروب من هذا الواقع الآسن، مع إبقاء شعرة معاوية معه أو هو موقف إحتجاجي وشرخ في جدار الصمت المطبق والمفروض، وتجاوز لحالات الإنسداد Blocage المؤدي إلى " الإنتحار "...

* لقد فضّلا الإحتجاج بالجنون ليفلتا من آلة القمع والتعنيف والتهميش...

* لقد اختارا بدلا من الإقصاء القهري، التهميش الطوعي المؤسس على هذين " الموقفين الجنونييّن "، فاحتمى كل واحد منهما بقوانين الأرض وشرائع السماء التي ترفع القلم على المجنون...

* إن هذا يذكرنا بمقولات فوكو حول الجنون المؤدي إلى العقل....


* ولعله كان من الأفضل أن نذكر المثالين دون تعليق؟ ..

ألم يقل ميشال فوكو « دع المقال وحده يتحدث » " laisser parler le discours seul ..



#حمزة_بلحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفلسفة في الجزائر ...
- العرب المسلمون الأنوار و التنوير..
- الله ... (1)
- الطفل يسكنني..
- العقل التوحيدي في التاريخ : من هنا نبدأ و نشتغل
- في المفكر الكبير حاج حمد و ما خفي كان أعظم ...
- تيقظ يا ابن بيه .. يا شيخ ..ما أحلى رغد العيش ..
- في مقولات الأكثرية و الأغلبية و إرادة الأمة و الحاكمية الاله ...
- عذرا - نيتشه - لقد إتفقنا و تصالحنا ..و إلهنا هو إلهك..
- في المغلق و المفتوح
- ألقوا بها في البحر ...ديفيد هيوم
- الأمركة لا تعني أن تقبل أمريكا رؤية نفسها في مراة الأطراف
- السنة ليست قاضية على الكتاب ..
- التجديد شعارا و التجديد ثورة عميقة في العقل و منظومة الفهم . ...
- في الفلسفة و الفكر و العلوم الأساسية و التجريبية..
- الجزائر : في العلاقة الرخوة لبعض المعربين بلغتهم تزلفا للأصو ...
- مداخل النظر و التأسيس في الفكر السياسي الإسلامي..
- نحو قراءة تحليلية نقدية لمنجز مالك بن نبي الفكري حول النهضة ...
- هل يكون الفيلسوف فيلسوفا و مفكرا بعدد الكتب الورقية التي كتب ...
- الجماعات و الدول الإسلامية و المال المبعثر


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حمزة بلحاج صالح - من مقال العقل إلى مقال الجنون ..