أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حسيب شحادة - نسيب شحادة خالد في القلوب والعقول














المزيد.....

نسيب شحادة خالد في القلوب والعقول


حسيب شحادة

الحوار المتمدن-العدد: 6045 - 2018 / 11 / 5 - 23:34
المحور: المجتمع المدني
    


نسيب شحادة خالدٌ
في القُلوب والعُقول
٥ تشرين ثان ١٩٥١٢٩ أيلول ٢٠١٨

الشقيق الغالي والصديق الأعزّ،

تعجَزُ كلُّ عبارات التعزية والرثاء عن الإعراب كما يُرام، عمّا يختلِجُ في قلوب ذويكَ: زوجتك الأبيّة الأثيلة ميّادة شقحة شحادة، التي لم تترُكْكَ لوحدك ولو هُنيهة حتّى رحيلك عن هذه الفانية، وأيّ جسد يفقِد رأسَه ولا يتوجّع ويتجزّع، بناتك الثلاث كريمات المحْتِد وأهلهنّ، أحفادُك الأعزّاء، أشقاؤك وشقيقاتك، من أسىً وجوىً، من حَسْرة ولوعة، لرحيلك عنّا وعن مُريديك الكُثْر بهذه السنّ المبكّرة. الموت، مفارقة الروح لجسد كلّ كائن حيّ، هو الحقيقة الوحيدة اليقينية لدى كافّة البشر على هذه البسيطة. ولو كان سبب الموت سؤالًا مستعصيًا في الرياضيات أو الفيزياء لحلّه المرحوم نسيب وطرحه أرضًا يتفعفل.
جعلك الربُّ الرؤوف يا غالي من بين الأبرار، الذين سينعَمون بالحياة الأبدية، حياةِ الله في الإنسان، الشرِكة مع الله. ”لكن كما يقول الكِتاب: الذي ما رأتْه عين ولا سمِعت به أُذُن، ولا خطر على قلب بشَر أعدّه الله للذين يُحبّونه“ (١ كورنثوس ٢: ٩).
كنتَ يا نسيب مثالَ الإنسان العقلاني، المتأنّي، الصريح، الحليم؛ مثال الزوج المخلِص، الأب الحنون، الصديق الصدوق. ضربت مثلًا يُحتذى به في مِضْماري التربية والتعليم على مدار عقود في مدرسة ينّي الثانوية، حيث قُمتَ برسالتك بتدريس مادّتين هامّتين، الرياضيات والفيزياء، بجدٍّ وعُمق، بصبرٍ وتفانٍ، بشغفٍ وجدارة. اختبرَ ذلك خيرَ اختبار زملاؤك، الأهالي ولا سيّما آلاف الطلبة من مختلف قرى وبَلْدات الجليل الأشمّ، الذين تخرّجوا الفوج تلو الآخر من مِعطفِك.
ما غرسه الأُستاذ الفذّ نسيب جريس حريز شحادة المتواضع كسنبلة القمح الملأى بالحَبّ، الذي لا يُشقّ غبارُه، في عقول فِلَذات الأكْباد وأرواحِهم من مَنطق رياضي، وطُرق تفكير وتحليل وتفْكيك، وحبّ العلم والمعرفة، سيكبُر وينمو جيلًا بعد جيل. المرحوم نسيب نِبراس، ولا أقول كان، فما البِذار التي ”نَعَفَها“ بِأَرْيَحِيّة في أرضٍ خَصِبة إلا خير دليل على صنيعه الوضّاح ورسالته النبيلة.
كان نسيب يغرِس في قلوب طلابه وعقولهم الثقةَ بالنفس، لم ينقطع عن تشجيعهم وعن تنمية قُدْراتهم بحِنْكة وسَداد رأي، والابتسامة مُرتَسِمة على مُحيّاه. كان يحكي أبلغَ الكلام وأعمقَه وهو هادىء، صامت، عيناه تبُثّان وتستقبلان ما هو مطلوب. ما أحوجَ مجتمعاتِنا العربية لمثل هؤلاء المعلِّمين المربّين، الذين يستحقّون هذا الاسم الرفيع، إنّ الاستثمار الأجدى يبقى في الإنسان.
مسيرتنا في هذه الدنيا قدِ افترقت، إلّا أنّ أواصرَ العَلاقة الطيّبة بقيت قائمةً متنامية بمرو الزمن. ذكريات حلوة تقاسَمْناها لن تذبُل ما حَييت. نعم، لم أسكُن زمنًا طويلًا في كفرياسيف، مسقط رأسي، مقارنة بسنوات إقامتي خارجَه، في الوطن وفي الغُربة، إلا أنّ البُعد الجغرافي لم يزِدني إلا قُربًا وتفَهّمًا موضوعيًا أعمقَ للأهل والأصدقاء، للحياة بعامّة وبفلسفتها، وانتماءً لأبناء جِلدتي، لوطني وشعبي ولغتي، عنوان الهُوية القومية والتراث العريق.
تمتّعت كثيرًا بمحادثاتنا الهاتفية التي لم تعرِف لا القيل ولا القال البتّة، ذاك الداء المقيت المتفشّي في مجتمعاتنا، وبلقاءاتنا، لا سيّما الأخيرة في الربيع الفائت، أيّام عيد الفصح المجيد. كان يطيب لكَ التحدّثُ مع وعن أحفادك الذين كانوا يتهافتون عليك تهافتَ الفراشات على النور.
المرحوم، شقيقي الغالي نسيب لم يلهَثْ، بل لم تطرَأْ على باله قطّ صرعاتُ مُوضة التكريمات التي أخذت في المدّة الأخيرة بالشيوع في مدنِنا وقرانا في البلاد.

عزاؤنا يا نسيب أنّك بجوار الفادي الحبيب، وأنّك خلّفت خلفًا فالحًا صالحا.

إنّ العطاءَ في الحياة سرٌّ من أسرار الخلود
يا رمزَ الرصانة والإصرار والنخْوة والجود
منحتَ من عِلمك الثَرّ بسخاءٍ، بلا حُدود

لا ولن أنساكْ حتّى بعد أن ألقاكْ!
الصبر، الصبر، ثم الصبر لنا جميعًا!

”ولكنِ الذي يصْبِرُ إلى المُنْتهى فهذا يخْلُصُ“ (العبرانيين ١٠: ٣٦)

إنّ الإفراطَ في الأحزان والبكاء لا يتمشّى مع الإيمان والرجاء

الشكر الجزيل موصول لكلّ من واسانا بهذا المُصاب الجلل.
لا أراكُمُ الله مكروهًا في عزيز!


أخوك البعيد والقريب جدّا جدّا

حسيب جريس حريز شحادة



#حسيب_شحادة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دنيا بشارات
- بين المطرقة والسندان
- بعض الملاحظات حول ديوان شعر شخصي
- الرجُل والدبّوس -قصّة أخلاقية حكيمة
- صلحة -تنكات-
- حلقة جديدة من: حِكم، أقوال وأمثال في كل مجال (ل)
- نافذة على طائفة قمران ومخطوطاتها
- حِكم، أقوال وأمثال في كلّ مجال
- شخصان نابلسيان: أبو بدري وأبو جعام
- نظرات في -المرايا-
- -هي- ديوان شعر للدكتور فؤاد عزّام
- مذبح الصلاة يجب أن يبقى طاهرا
- حِكم، أقوال وأمثال في كل مجال (ق)
- كلمة في -قُبلة بكامل شهرزادها-
- حول دافيد بن غوريون واللغة العبرية
- إحرصوا على تكريم الميّت
- نظرات في -قانون القومية-
- صبحي الطيّب
- حِكم، أقوال وأمثال في كل مجال (ف)
- حول صناعة الكتاب في فنلندا في عصر الإصلاح


المزيد.....




- تأييدًا لغزة.. طلاب وأساتذة يتظاهرون في جامعة سيدني
- شبح المجاعة لا يغيب.. غزيون يشتكون شح السلع وغلاءها
- الحكم على مغنٍ إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- الإعدام لـ11 شخصا في العراق أدينوا -بجرائم إرهابية-
- تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت ورئيس ...
-  البيت الأبيض: بايدن يدعم حرية التعبير في الجامعات الأميركية ...
- احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا ...
- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...
- إسرائيل.. الأسرى وفشل القضاء على حماس
- الحكم على مغني إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حسيب شحادة - نسيب شحادة خالد في القلوب والعقول