أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبدالرزاق دحنون - غسَّان كنفاني ماركسياً















المزيد.....

غسَّان كنفاني ماركسياً


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 6032 - 2018 / 10 / 23 - 09:59
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


(نُشر هذا المقال في صحيفة "طريق الشعب" الحزب الشيوعي العراقي)

يقول فضل النقيب في تقديم المجلد الخامس من الأعمال الكاملة لغسَّان كنفاني الصادر في طبعته الأولى عام 2015 والذي ضمَّ بين دفَّتيه بحوثاً سياسية قيِّمة ومهمة من جهة, وطازجة ما تزال في حضورها من جهة أخرى. وقد تعثَّر صدروها وتأخر أكثر من أربعين عاماً بعد استشهاده:
كنتُ معه في مكتب مجلَّة "الهدف" لسان حال الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مساء أحد أيام السبت أواخر آب 1970. وبعد أن أنهى عمله تركنا المكتب لنستقلّ سيارته إلى بيته في حيِّ الحازميَّة من ضواحي بيروت, وقبل أن يقود السيارة اعتذر غسَّان عن أنه نسي كتاباً يريد أن يحضره للبيت, فعاد إلى مكتب المجلَّة وأحضر معه كتاب "الدولة والثورة" تأليف لينين. وقال أنه في حاجة إلى الكتاب لأنه يُعدّ دراسة عن الماركسية, فابتسمت, فقال كأنه يُجيب على ابتسامتي: ولكن ستكون مكتوبة على طريقتي الخاصة.
في الواقع كلّ ما كتبه كنفاني جاء مكتوباً على طريقته المميزة, كان يكتب, و يُغرّد -بلغة اليوم- داخل السرب وأحياناً كثيرة خارج السرب, هذا ديدنه في كل ما كتب, ملغياً بذلك الحواجز بينه وبين موضوعه الذي ينغمس فيه. جاءت دراسته تحت عنوان "الماركسية, في المجال النظري, في المجال التطبيقي, المناقشة" في حدود سبعين صفحة بَسَطَ فيها رؤيته عن الماركسية من وجهة نظر مفكِّر مقاتل في الخندق المتقدم من قلب المعركة, وهي تختلف اختلافاً بيناً عن رؤية أصحاب المكاتب المغلقة أو عن رؤية أهل الفكر المعلَّب الخارجين لتوِّهم من معطف "بيليكوف" بطل قصَّة انطون تشيخوف الرجل المعلب-تجدها منشورة في المجلد الثاني من الأعمال المختارة في أربعة مجلدات التي ترجمها عن الروسية الرجل النبيل أبو بكر يوسف- هذه النماذج البشريَّة التي تخشى كلّ تجديد وكلّ مبادرة بل وتفرح حين تدعها تعيش في ماضيها الغابر وعُلبها المُغلقة.
يقول غسَّان كنفاني:
كنقطة ارتكاز لموضوعنا أُحبّ أن أستعير الفيلسوف جون ديوي لأؤدي على لسانه تفسيراً لماهية الفكر البشري. فهو يرى أن الفكر في الأساس أداة لخدمة الحياة, وأن الناس يُزاولون التفكير مضطرين, أي أن تفكيرهم هو طريقة يواجهون بها صعوبات حياتهم. أما مقياس صحة هذا التفكير فيُستقى من مدى ما يُحققه من نجاح في المضمار التطبيقي.
نعم, بداية موفقة, كان في هذه الدراسة مقاتلاً, شجاعاً, واقعياً, حالماً, وقد بلغ من العمر في حينها أزيد من ثلاثين عاماً, ومما يؤسف له أنه ولد على عجل ورحل على عجل, فكان يقتحم المواقع الفكرية اقتحاماً, كأخيه أرنستو تشي جيفارا. ذخيرة سلاحه حبّه هذه الجماهير الغفيرة الكادحة, هؤلاء البؤساء أصحاب الأقدام الحافية في المخيمات, الجائعون, المعذبون, المهمشون في بلاد الشتات, يبحث معهم عن طرق خلاصهم من شقاء لا يُفارقهم. يبحث معهم لا يبحث لهم, لأنه كان مهموماً معهم, همَّه إنسان المخيم, وبيوت الصفيح, وأطفال الأزقة في المخيمات, والنساء الكادحات من الصباح إلى المساء, كأم سعد تلك المرأة "المدرسة اليومية" التي يتعلم منها, يريد أن يصل معهم إلى برِّ الأمان, والعودة معهم إلى ديارهم في فلسطين, لأن اللِّباس المُستعار لا يردّ برداً زمهريراً, وكانت جماهير المخيمات بردانة, تعبانة, لذلك فتش عن كارل ماركس لعله يجد عنده الحلَّ. فهل وجد عند هذا الشيخ الجليل ما كان يَصْبُو إليه, هو القادم من حركة القوميين العرب وشباب الثأر مع رفيق دربه جورج حبش؟
أنا هُنا لن أقرأ ما كتبه غسان كنفاني بعين الباحث المدقق, فهذه مهمة أخرى, بل سأسير معه سير الرفيق المخلص, وأنا أعرف ومقتنع بعنوانه العريض في روايته أم سعد "خيمة عن خيمة تفرق" وفي القياس: ماركسي عن ماركسي يفرق. ما رأيك في أني أحبُّه وأريد أن أسير معه في هذا الحديث سيرة الصديق الوفي الأمين فلا أسوؤه في نفسه ولا في رأيه, ولا أذهب مذهب أصحاب العلم الذين يضجون بموضوع بحثهم فيخضعونه لألوان من التمحيص وضروب من التحليل, يحملونه من ذلك ما يطيق وما لا يطيق, ويعرضونه من ذلك لما يحبّ وما لا يحبّ. وأنا أعرف تماماً أنه أحبّ الماركسية وأهلها. فهو يكتب في مجلَّة الصياد باسمه المستعار فارس فارس بتاريخ 2/3/1972: ربَّما كان ماركس واحداً من القلائل الذين لا يمكن أن تُكتب سيرةُ حياتهم بمعزل عن تلك العمارة الفكريَّة الهائلة التي أفنى عمره يبنيها حجراً فوق حجر.
أفلو كان غسّان كنفاني حيَّاً معاصراً وكنت له صديقاً أتراني كنت أظهر من امره ما يقتضي إظهاره, وأجهر بما يفرض أن يجهروا به مضحياً في سبيل ذلك بما يمكن أن يكلف ذلك من الحزن والألم؟ أم تراني كنت أوثر ودَّه وأرعى حقه فأحفظ عليه غيبه ولا أوذيه فيما لا يحبّ الناس أن يؤذوا فيه من أمورهم؟
من وجهة نظري, أنا مع رأي فضل النقيب, الذي يؤكد بأن غسَّان كنفاني اقترب في موقفه من موقف المُناضل و المفكِّر الباكستاني الثوري الكبير "إقبال أحمد" الذي عاش تجربة الثورة الجزائرية وثورات تحررية أخرى, ودرسها درساً متقناً, واستخلص منها الكثير من العبر, لذلك نقل أفكاره بحبِّ-على حدِّ تعبير إدوارد سعيد- إلى رفاقه في المقاومة بعد زيارة معاقلهم في جنوب لبنان في نهاية سبعينيات القرن العشرين, وحذَّر الفصائل الفلسطينية المُقاتلة من مخاطر الوقوع في فخِّ الاعتماد على الكفاح المسلَّح خياراً نضالياً وحيداً من دون تأطيره بنضال جماهيري تحرري وطني واجتماعي وقومي.
ليتك يا غسَّان كُنْتَ بيننا اليوم لتعرف ما آلت إليه أحوال الخلق في هذا الزمن الأغبر, ولكن هيهات, ما كلُّ ما يتمنى المرء يُدركه/ تجرى الرياحُ بما لا تشتهي السفنُ. وقد كانت الرياح التي ضربت مواقعنا عاصفة عاتية. قتلوك حين كنتَ لا تزال تنمو وتكبر، وكان خطرك على إسرائيل أكبر من أن يتحملوا وجوده, فنسفوك نسفاً.
وفي مساء يوم الفاجعة قالت ابنتك ليلى لأمها الدنماركية-الفلسطينية آني هوفي كنفاني: ماما، لم تكن تلك غلطة بابا، الإسرائيليين هم الذين عملوا على وضع القنبلة في سيارته. كان صباحاً صيفياً دامياً في بيروت يوم السبت الثامن من تموز 1972 يزن سبعة كيلوغرامات من المتفجرات مزَّقت جسد ذلك الغزال الذي كان يُبشِّر بزلزال.



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلمة حق عند سلطان جائر
- خطابٌ مفتوح إلى الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة
- قناديل ماركس
- قضية الجورنالجي الشيخ علي يوسف يوم 25 تموز 1904
- كنز الأموال بين الانجيل و القرآن
- رحم الله إيفان شيرفاكوف
- كيف تعرف أن السمك سعيد؟
- الدين النصيحة
- حجارة رجم الزانية سوداء
- مروان بن محمد يمنع لعب الشطرنج في دولته
- خطابٌ إلى الأمةِ الأمريكية
- هامش على سيرة الروائي العراقي علي الشوك
- نصُّ وقصيدة للمفكر العراقي هادي العلوي
- عشرون عاماً على رحيل المفكر العراقي هادي العلوي ...سلامٌ علي ...
- إلى أين نحن ماضون؟
- تغريدات ناجي العلي القاتلة...أخي المواطن من ضربك على خدك الأ ...
- إنَّ الكلامَ معَاقِلُ الأَشْرافِ
- مكتبة -إبلا- في إدلب من أقدم مكتبات العالم
- دفاتر شيوعية
- شفان...في أجمل أغنية عن الزوجة في العالم


المزيد.....




- التطبيع بين المغرب وإسرائيل: من المستفيد؟
- هجوم إسرائيل العسكري على إيران: هاوية مرعبة للشعب الإيراني و ...
- سقوط الدكتاتورية الأسدية. ماذا بعد؟ الوضع الراهن في سوريا
- الموظفون//ات العاملون//ات بالتعليم العالي: بين مطرقة الإصلاح ...
- تيسير خالد : القصف الاميركي للمنشآت النووية الايرانية عمل إج ...
- حكومة الحيتان تحاصر المستأجرين لتمرير قانون الطرد بالقوة
- هل يحلق صائد الطائرات الصيني في سماوات إيران قريبا؟
- مقالات الاخبار..اراء فيما حصل وما يحدث، كتاب جديد للدكتور كا ...
- مشاركة الرفيق جمال براجع الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي ...
- بيان مشترك من منظمات مستقلة في إيران: معارضة للحرب وللسياسات ...


المزيد.....

- الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني الأبيض في النظرية الماركسي ... / مسعد عربيد
- أوهام الديمقراطية الليبرالية: الإمبريالية والعسكرة في باكستا ... / بندر نوري
- كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة / شادي الشماوي
- الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: ... / رزكار عقراوي
- متابعات عالميّة و عربية : نظرة شيوعيّة ثوريّة (5) 2023-2024 / شادي الشماوي
- الماركسية الغربية والإمبريالية: حوار / حسين علوان حسين
- ماركس حول الجندر والعرق وإعادة الانتاج: مقاربة نسوية / سيلفيا فيديريتشي
- البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية / حازم كويي
- لينين والبلاشفة ومجالس الشغيلة (السوفييتات) / مارسيل ليبمان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبدالرزاق دحنون - غسَّان كنفاني ماركسياً