أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبدالرزاق دحنون - إلى أين نحن ماضون؟















المزيد.....

إلى أين نحن ماضون؟


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 5998 - 2018 / 9 / 19 - 21:07
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


(يلقي مجنون حجراً في بئر فيعجز أربعون حكيماً عن إخراجه)
مثل أرمني
1
أتساءل هل يمكن أن أكون -دون أي تناقض- عربياً, ومسلماً,وشيوعياً, ونباتياً, وصائماً, وباحثاً, ومؤخراً, ومُحباً للروايات, ومن مريدي فيلسوف المعرة, ومناضلاً من أجل جياع الأرض, ومؤيداً لقول فولتير: "قد أختلف معك في الرأي, ولكني على استعداد لأدافع حتى الموت عن حقك في التعبير عن رأيك" ومناصراً لحق المرأة في العدالة الاجتماعية , و من أتباع ليف تولستوي, وأن أكون من أولئك الناس الشاسعين الذين يمدون ظلالهم على آفاق شاسعة, وأن أكون إنساناً على وجه الدقة, وأكون مسؤولاً, وأن أعرف الخجل أمام بؤس لا يبدو أنه يتعلق بي, وأن أزهو بنصر كلّل هامات الرفاق, وأن أُحس وأنا أضع حجري أنني أًعمّر العالم.
لا يمكن أن أتصور أن هناك من يظن أنني أُعاني من نقص في عقلي أو ثقافتي لمجرد أنني مسلم, فأنا أعرف غنى ثقافتي وتاريخي وتراثي. وهذا الاحساس بالامتلاء, والوقوف على أرض ثقافية صلبة أنا مدين به لتراث فكري حضاري إنساني عميق و عريق. وأنا لا أعتبر أن هناك عالماً عربياً وعالماً غربياً, أنتمي إلى مجتمع عربي ضمن العالم الأوسع, وهذه الكرة الأرضية ليست ملكاً للغرب, إذ أن لي الحق فيها, ولي الحق في ثقافة هذا العصر , لأنني أمتلك حضارة ويمكنني أن أساهم بها على الصعيد العالمي.
2
استعرتُ في هذه المحاججة أسلوب الكاتب الهندي "أمارتيا سن" الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1998 لمساهمته في اقتصاديات الرفاهية وعمله على صعيد نظرية التنمية البشرية ووسائل محاربة الفقر والحرية السياسية.حيث يؤكد في كتابه "الهوية والعنف...وهم المصير الحتمي" أن هذه النشاطات الجمعية التي ينتمي إليها أحدنا تكوّن شخصيته وترسم هويته, وفي الوقت نفسه ليس فيها ما يمكن أن يُعتبر الهوية الوحيدة.حيث علينا أن نقنع أنفسنا أولاً, ومن ثم الآخر الذي نتقاسم معه أسباب العيش, أن لنا انتماءات متعددة , و هذه الانتماءات تتفاعل فيما بينها بطرق مختلفة.
وقد جاء في الأثر أن رجلاً سلَّم على أبي العيناء, من أهل القرن الرابع الهجري, وكان أعمى, فسأله: من الرجل؟ قال: من بني آدم. فقال أبو العيناء: مرحباً بك, والله ما كنتُ أظن هذا النسل إلا قد انقطع. هل الانتماء إلى أبينا آدم في عصرنا الحديث طريق نجاة مأمون؟ وبالتالي فإن هذا الانتماء يواجه تحديات وحشية عندما نوحّدالتنوع في نظام تصنيف مهيمن مزعوم يعتمد على الدين, أو الطائفة, أو الثقافة, أو الحزب, أو الأمة, أو الحضارة. ففي حياتنا اليومية العادية نرى أنفسنا كأعضاء لمجموعات متنوعة ننتمي إليها جميعاً. وحقيقة أن يكون المرء علمانياً أو ليبرالياً أو شيوعياً لا يتعارض مع كونه مؤمناً يُصلي في الكنيسة كل أحد, وذلك لا يتعارض مع كونه ينشط في حزب شيوعي ولا يمنعه من أن يكون صديقاً لعدد كبير من المسلمين يدخل بيوتهم ويأكل من خبزهم. ولعلها نادرة تستحق الذكر أن "مصطفى جقمور" من أهل مدينة إدلب في الشمال السوري هو أحد رفاقنا في الحزب الشيوعي ظلَّ لأكثر من ستين عاماً شيوعياً مؤذناً, يؤذن في الناس, ويُصلي في المسجد. حالة نادرة لا شك في ذلك, ولكن أي شخص هو عضو في جماعات مختلفة متعددة – ومن دون أن يكون ذلك تناقضاً بأي شكل من الأشكال- وكل من هذه الهويات الجمعية التي ينتمي إليها هذا الفرد تعطيه هوية اجتماعية تجعله شخصاً مهماً بالفعل.
3
لنأخذ على سبيل المثال أهل الصين تجدهم يعتنقون إلى جانب الأديان الرئيسية في تاريخ الصين -إلى جانب التاوية المحلية- هناك البوذية والإسلام والمسيحية التي دخلت الصين من خارجها. مع أن الكونفوشيوسية احتلت مكانة حاكمة وسميت بالدين الكونفوشيوسي, فإنها ليست ديناً حقيقياً. الصين تختلف عن معظم دول العالم في موقفها تجاه الأديان ففي الغرب المسيحي والعالم الإسلامي كان وما زال تقسيم المذاهب الدينية صارماً حيث لا يمكن للشخص الواحد أن يؤمن بدينين معاً بل لا يمكنه أن يشترك في طائفتين لدين واحد. في الصين يمكن أن تتعايش الأديان ويستفيد بعضها من بعض. فقد شهدت البوذية و التاوية تطوراً كبيراً في الصين وسميتا مع الكونفوشيوسية الأديان الثلاثة الكبرى. وأخذ كل منها بعض أفكار الدينين الآخرين فأصبح الجمع بين الأديان الثلاثة اتجاهاً تاريخياً ضرورياً, هذا من ناحية, ومن ناحية أخرى يمكن أن تتعايش هذه الأديان في قلب الشخص الواحد, فيمكن أن يكون المرء بوذياً و تاوياً معاً ويكون تابعاً للكونفوشيوسية أيضاً. و نادراً ما نجد في مكان آخر في العالم مثل هذه الروح المتسامحة في استيعاب الأديان.
4
إن العالم المقسم حسب الهوية أكثر إثارة للشقاق والنزاع بكثير من التصنيفات الجمعية والمتنوعة التي تشكل العالم الذي نعيش فيه. إن الأمل في أن يسود الانسجام عالمنا المعاصر يكمن إلى حد كبير في فهم أوضح لتعددية الهوية الإنسانية وفي تقدير الحقيقة أن البشر يستطيعوا أن يصلوا إلى بعضهم وأن يعملوا ضد فصل حاد بينهم على أساس خط واحد متصلب من التقسيم الذي لا يمكن عبوره. لنأخذ على سبيل المثال فيلسوف المعرة -أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي- المُكنى بأبي العلاء المعري, فأنت تجد الناس لا يعرفونه إلا رجلاً ملحداً، فإذا سألتهم عن علة إلحاده، رووا لك أبياتاً في اللزوميات، تنطق بإنكار الشرائع، وازدراء الأنبياء، وهذا القدر هو فقط ما عرفه الناس عن فيلسوف المعرة. مع أنه لا ضرورة لأن تكون ديانة المرء هي كل هويته على وجه الحصر. والإسلام بشكل خاص, كديانة, لا يلغي الاختيار المسؤول للمسلمين في كثير من مجالات الحياة. والحق أنه من الممكن أن يأخذ مسلم وجه نظر صدامية متوحشة وأن يكون آخر متسامحاً للغاية من دون أن يتوقف أي منهما على أن يكون مسلماً.
وحقيقية الأمر أن فيلسوف المعرة رقيق القلب, شديد الرحمة, كثير العطف على الضعيف, وحسبك أنه أمّن الحيوان من تعديه على نفسه, أو ولده أو ثمراته. فقد مرض فوصفوا له الدجاج فامتنع وألحوا عليه حتى أظهر الرّضا فلما قدم إليه لمسه بيده فجزع, وقال: استضعفوك فوصفوك, ثم أبى أن يأكل. اجتمعت في فيلسوف المعرة المقومات النموذجية لمفكر حر، ألمَّ بفكر العرب وثقافتهم، واستمدَّ من تلك الثقافة رموزها الفلسفية، فأنضجها في أتون العقل، وصنع منها مشروعاً حضارياً عملاقاً نستطيع القول إنه ما زال حياً إلى يومنا هذا. وهو بهذا القيد يكون المعبّر الأمثل عن منحى التنوير في الإسلام.



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تغريدات ناجي العلي القاتلة...أخي المواطن من ضربك على خدك الأ ...
- إنَّ الكلامَ معَاقِلُ الأَشْرافِ
- مكتبة -إبلا- في إدلب من أقدم مكتبات العالم
- دفاتر شيوعية
- شفان...في أجمل أغنية عن الزوجة في العالم
- الصورة التي كادت تتسبب في طردي من الحزب الشيوعي
- الصَّحفيَّة دي...شيوعيَّة
- ريجيس دوبريه...خمسون عاماً على كتاب -ثورة في الثورة-
- لينين و الانتفاضة
- الشيوعيون...أصحاب اللّحف المُقَطَّعة
- ساعتان مع الشيوعي النبيل نبيه رشيدات
- بنطال كارل ماركس
- الماركسية-اللينينية في أربعة صناديق من الكرتون
- الأسطورة في وعي كارل ماركس
- كارل ماركس مفكراً
- كارل ماركس ما زال حيَّاً
- الوقوع في حُبِّ كارل ماركس
- مشاعيَّة كارل ماركس


المزيد.....




- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبدالرزاق دحنون - إلى أين نحن ماضون؟