أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبدالرزاق دحنون - الصورة التي كادت تتسبب في طردي من الحزب الشيوعي














المزيد.....

الصورة التي كادت تتسبب في طردي من الحزب الشيوعي


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 5979 - 2018 / 8 / 30 - 10:18
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الصورة بالأبيض والأسود منشورة في أحد أعداد مجلة "المدار" الشهرية عام 1980 التي كانت تُصدرها وكالة أنباء نوفوستي السوفيتية باللغة العربية تلك الأيام. أنا الآن في الغربة في مدينة أزمير على شاطئ بحر إيجة, هارباً من الحرب في بلادي, بعيداً عن بيتي ومكتبتي حيث توجد تلك الصورة. وقد مضت 35 سنة على الحادثة, ولا أتذكَّر رقم عدد مجلة "المدار" الآن, ولكن أتذكَّر ما رُسم على غلافها بحجمها الكبير قبل أن تصير بحجم أصغر في عهد غورباتشوف: شعار اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية في الذكرى الستين لتأسيسه.
كنتُ في اجتماع حزبي أتصفح العدد الواصل حديثاُ -كنَّا نسجل اشتراكنا في مجلة "المدار" عن طريق الحزب الشيوعي- ها أنا أُفشي سرَّاً حزبيَّاً. فظهرت على أحدى الصفحات تلك الصورة الطوليَّة الرَّسمية الفخمة لأعضاء المكتب السياسي يتوسَّطهم ليونيد بريجينيف الأمين العام للحزب الشيوعي السوفيتي ومن ثمَّ يوري أندروبوف, قسطنطين تشيرنينكو, ألكسي كوسيجن, ديمتري أوستينوف, ميخائيل سوسلوف, أندري غروميكو, إدوارد شيفرنادزة وباقي أعضاء المكتب السياسي من رؤساء الجمهوريات السوفيتية وكان ميخائيل غورباتشوف أصغر أعضاء المكتب السياسي سناُ يُطلُّ برأسه في الصف الخلفي كي يظهر في الصورة وفي اللحظة الأخيرة.
هذه الأسماء لا تعني شيئاً لجيل ثورة الأنترنيت والهاتف المحمول ومواقع التواصل الاجتماعي ولكنها كانت مهمة في السياسة الدولية حتى بداية العقد العاشر من القرن العشرين. جمعتْ الصورة 26 رجلاً من القيادة السوفيتية. قلتُ للمسؤول الحزبي الذي يجلس قربي ونحن نشرب الشاي, وكان مدرَّساً جهماً في الخمسين من عمره بشارب ستاليني واضح, وكنتُ شاباً صغيراً ما أزال في أوائل العشرينيات من العمر رقيق العود, أنشر بعض المُساهمات الصغيرة في مجلة غسان كنفاني "الهدف" الناطقة باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين : رفيق انظر جيداً في الصورة ألا ترى خللاً مُرعباً؟
انتبه الرفيق المسؤول فوراً, وقد راعه السؤال. فَحَصَ الصورة جيداً, حدًّق بنظر ثاقب, تأمل وجوه القادة, أعاد النظر ثانية, ثمَّ قال: خللٌ مُرعبٌ في الصورة! رفيق أين هذا الخلل الذي تزعمه؟ تمهَّلتُ في الجواب ريثما أزن كلماتي, فقد كان المسؤول الحزبي أزيد من حجمي مرتين وزيادة, و راح يحثني على الاجابة بنظرات عينيه الزرقاوين. قلتُ: رفيق كم هي النسبة المئوية لعدد النساء في الحزب الشيوعي السوفيتي في تقديرك؟ قال: دعك من هذا السؤال الجانبي الآن وقل لي أين الخلل المُرعب في الصورة. قلتُ: الجواب في صلب السؤال. قال: لا أعلم بالضبط, ولكن أتوقع أن تكون النسبة المئوية مناصفة أو أكثر قليلاً لصالح الرجال. قلتُ: صورة قيادة الحزب الشيوعي السوفيتي خالية من عنصر النساء تماماً, كيف ذلك؟ وبما تفسِّر الأمر؟ هل كل سكان الاتحاد السوفيتي من الرجال, أيُعقل هذا في بلد يسير نحو الشيوعية؟ دُهش. ولا أعرف من ماذا. من الفكرة؟ أم من جرأة السؤال؟
قلتُ مُعبراُ بعقل شاب في بداية عمله الحزبي: رفيق الأمر بسيط للغاية, إذا افترضنا أن النسبة المئوية مناصفة أو تميل لصالح الرجال, وقد بلغ تعداد الحزب الشيوعي السوفيتي في حدود العشرين مليون مواطن, تكون حصَّة النساء عشرة ملايين امرأة, أو أقل قليلاً, أو ما شابه ذلك. و في الانتخابات الحزبية من الطبيعي أن تظهر في الصورة العديد من نساء الاتحاد السوفيتي في قيادة هذا البلد الاشتراكي. أليس كذلك؟ أين اختفت تلك النساء؟ ألا ينتخبون النساء إلى المراكز القياديَّة في الدول الاشتراكية؟ هذا هو الخلل المُرعب في هذه الصورة. وإذا كانت النساء تشكَّل نصف أفراد الطبقة العاملة السوفيتية ونصف المجتمع السوفيتي, إذا لم يكن أكثر, فمن الانصاف أن ترفع الانتخابات عدداً لابأس به من النساء إلى المناصب الرفيعة العُليا في الدولة السوفيتية لتقود دولة "الشعب بأسره" كما يُقال في وسائل الإعلام السوفيتية. ولا تنسى أننا نتحدث عن ستين عاماً من بناء المجتمع الاشتراكي. والذي من المفترض أن تكون هذه السنين قد أزالت كل الفوارق التي تميِّز بين الجنسين. كيف نفسر هذا الأمر يا رفيق؟
صمت طويلاً, ثمَّ قال: أنتَ كيف تُفسر الأمر؟ قلتُ مباشرة: تمييز عنصري, أبارتيد, كما هو الحال في جنوب أفريقيا بين البيض والسود. هُنا في المجتمع الاشتراكي الذي يسير نحو الشيوعيَّة يميزون بين الرجل والمرأة في المناصب السياسية. وهذا هو الخلل الخطير والمُرعب الذي لفت نظري. وأظن هذا الارث الثقيل من التميز بين الجنسين يُسأل عنه الرفيق ستالين.
وحين سمع كلمة ستالين كأن أفعى لدغته. قال: تنتقد ستالين يا رفيق! ثمَّ راح يبربر بألفاظ وتعابير غير مفهومة, وأنهى الاجتماع الحزبي بسرعة عجيبة قائلاً: انصحك التزام الصمت والسريَّة فيما دار في هذا الاجتماع ولن أُسجل حديثنا في محضر الاجتماعات. وخرجت من عنده.
فيما بعد قابلتُ مسؤولاً من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي واقترحَ تقييم الموقف بجديَّة ومسؤولية عالية و تقديم "نقد ذاتي" أنتقد نفسي لنقدي الرفيق ستالين, وأتوب توبة نصوحة. وهذا ما كان. ثمَّ لعنتُ بيني وبين نفسي تلك الصورة التي كادت تتسبب في طردي من الحزب الشيوعي.



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصَّحفيَّة دي...شيوعيَّة
- ريجيس دوبريه...خمسون عاماً على كتاب -ثورة في الثورة-
- لينين و الانتفاضة
- الشيوعيون...أصحاب اللّحف المُقَطَّعة
- ساعتان مع الشيوعي النبيل نبيه رشيدات
- بنطال كارل ماركس
- الماركسية-اللينينية في أربعة صناديق من الكرتون
- الأسطورة في وعي كارل ماركس
- كارل ماركس مفكراً
- كارل ماركس ما زال حيَّاً
- الوقوع في حُبِّ كارل ماركس
- مشاعيَّة كارل ماركس


المزيد.....




- مؤتمر صحفي لـ “اللجنة الشعبية للدفاع عن سجناء الرأي” اليوم ب ...
- ” العمل” تواصل الكذب .. و”مفكو حلوان” تنكل بالعمال المطالبين ...
- الرئيس الألماني يحذر من صعود اليمين المتطرف و-التهديدات المت ...
- How The UAE Is Re-Exporting Arms To Sudan
- زعيم حزب الشعب الأوروبي يدعو إلى مقاربة إنسانية لمعالجة ملف ...
- سكرتير الحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي: ندعو للإصلاح وتغيير ...
- رؤيتنا: انعدام التوازن المحلي في عالم بلا خطوط حمراء
- الكيميتية وجلابية المتحف الكبير (2-2)
- نه به پارلمانِ افکارِ توده‌ها، بردگي زنان و سلب آزادي‌ها
- الوضع السياسي الراهن ومهام الماركسيين الثوريين


المزيد.....

- كراسات شيوعية(نظرية -النفايات المنظمة- نيقولاي إيڤانو& ... / عبدالرؤوف بطيخ
- قضية الصحراء الغربية بين تقرير المصير والحكم الذاتي / امال الحسين
- كراسات شيوعية(الفرد والنظرة الماركسية للتاريخ) بقلم آدم بوث2 ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (العالم إنقلب رأسًا على عقب – النظام في أزمة)ق ... / عبدالرؤوف بطيخ
- الرؤية الرأسمالية للذكاء الاصطناعي: الربح، السلطة، والسيطرة / رزكار عقراوي
- كتاب الإقتصاد السياسي الماويّ / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(النمو السلبي: مبدأ يزعم أنه يحرك المجتمع إلى ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (من مايوت إلى كاليدونيا الجديدة، الإمبريالية ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (المغرب العربي: الشعوب هى من تواجه الإمبريالية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علم الاعصاب الكمي: الماركسية (المبتذلة) والحرية! / طلال الربيعي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبدالرزاق دحنون - الصورة التي كادت تتسبب في طردي من الحزب الشيوعي