سوسن مروة
الحوار المتمدن-العدد: 1511 - 2006 / 4 / 5 - 12:33
المحور:
الادب والفن
في عام 1971،وبينما كانت أمريكا ،بقيادة الرئيس جونسون ،تشن حربا شاملة على فيتنام، أقيم حفل عشاء في البيت الأبيض على شرف مجموعة من المثقفين والفنانين.ومن بين الذين رفضوا تلبية الدعوة كان الشاعر روبرت لويل والكاتب المسرحي آرثر ميللر الذي أرسل برقية إلى البيت الأبيض يقول فيها:"عندما تدوّي أصوات المدافع ،تموت الفنون".وفي الحقيقة،لا يمكن للمثقفين والفنانين الملتزمين بمجتمعاتهم وقضايا شعوبهم(لا نتحدث عن الالتزام الحزبي أو الفئوي الضيق)إلا أن يتسلّحوا بالوعي النقدي والتمسك بالكرامة الإنسانية وروح الكفاح في مواجهة الهجمة المتوحشة التي تشنها الليبرالية الجديدة باستخدام الثقافة "المتأمركة" لتعزيز وترسيخ هيمنتها الاقتصادية.إذ تسعى الثقافة النيوليبرالية إلى تحويل الإبداع الثقافي والفني ،الذي يؤكد المبدع من خلالهما كينونته وذاتيته كإنسان وكحامل لشرطه الإنساني وذاكرته الإنسانية ،تحويل هذا الإبداع إلى سلعة استهلاكية يتم نزعُ الطابع الإنساني عنها وإنتاجها من أجل زيادة أرباح السوق.والتاريخ حافل بالكثير من المثقفين الذين قاوموا الظلم والاضطهاد والاحتلال من خلال نتاجاتهم الأدبية والفنية وبقوا متمسّكين بمواقفهم النضالية المشرّفة .فالفنان التشيلي فيكتور هارا كان قد كرّس فنّه وحياته في خدمة الجماهير الشعبية وقد اعتقلته زمرة بينوشت المدعومة حينذاك من المخابرات المركزية الأمريكية وقاموا بتعذيبه أبشع تعذيب فهشموا أصابع يديه وقدموا له قيثارا كي يغني ومن ثم ثقبوا جسده بالرصاص. أما خوزيه مارتيه ،أديب ومسرحي ومدرّس مقاتل وسياسي اشترك في الحركة التحررية ومن مؤسسي الأدب اللاتيني الحديث وأسّس الحزب الثوري الكوبي الذي قالت فلسفته أن التحرير سيأتي حين نتنازل جميعا عن مصالحنا الشخصية.وقد كتب رسالة لتلميذ له يقول فيها:"وفيما يختص بكوبا ،ما الذي يمكن أن أكتبه عنها؟أراني لا أجد صفحة واحدة جديرة بها؛إنما العمل الذي سنقوم به هو ما تستحقه".وهناك الكثير من المثقفين الذين زاوجوا بين الثقافة والفكر والفاعلية النضالية مثل تشي جيفارا ،غسان كنفاني،ناجي العلي والقائمة تطول.إن المثقف المبدع في أيٍّ من مجالات الإبداع ومن خلال فاعليته في المجتمع ومواقفه المنسجمة مع روح إبداعه لا بد وأن يحدّد موقعه من الصراع الدائر، تحديداً حين يكون الشعب تحت الاحتلال .وعلى صعيد الفنانين الفلسطينيين فقد تعرّض الكثيرون منهم لمصادرة أعمالهم أو إغلاق معارضهم الفنية وللاعتقال وإعاقة وصول الأعمال الفنية إلى المعارض .أورد هنا حادثة ً تدل على أن المحتل كان وما يزال يرى في الثقافة ،والفنون تحديداً ،عنصرا من عناصر الانتماء والهوية ولذا يهدف إلى إلغائها.بعد ضم مدينة القدس عام 67 اقتحم جنود إسرائيليون مكتب جامعة عربية لاعتقال مديره وعندما وقع بصرهم على لوحتين كانتا معلّقتين هناك وكانت إحدى اللوحتين بريشة الفنان إسماعيل شموط ،ففتحوا عليهما نيران مدافعهم الرشاشة.وهذا يحيلني إلى المعرض الذي أقيم في بيت القنصلة الأمريكية في القدس حيث شارك أحد عشر فنانا في هذا المعرض ضاربين عرض الحائط بحقيقة أن القنصلة تمثل الإدارة الأمريكية بكل سياساتها العدوانية تاريخيا ضد شعوب العالم أجمع ابتداء بإبادة السكان الأصليين لأمريكا مرورا باليابان وفييتنام وشعوب أمريكا اللاتينية وانتهاء برعاية الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين واحتلال العراق .ومن ناحية أخرى كيف تمكنوا من غض البصر عن "رؤية" القنصلة العبقرية حول إمكانية فصل الثقافة والفنون عن السياسة فتصريحها بحدِّ ذاته مغرقٌ في السياسة .إلا أننا يجب ألا نقع في حالة الدهشة من تصرف الفنانين "البريء من البراءة".إذ حسب، فيصل دراج،"ينطوي استئناس الهوان على إلغاءٍ متعدد الأبعاد:تلتغي الذات وهي تلغي الأسباب التي استولدت ظاهرة جديدة ودفنت ظاهرة قديمة،ويلتغى الآخر بعد أن تحرّر من فضائله وجرائمه" ..."ولهذا فإن الهوان يستلزم فقدان الذاكرة".."وتفكك الإنسان إلى حدود الاضمحلال " فقد سبق هذا المعرض معرضان بين عامي 1996 و2003 شاركت فيه مجموعة من الفنانين التشكيليين الفلسطينيين الأول كان تحت عنوان:"حجارة تنطق السلام"(كتاب تشكيل2-2005) "نظمه المتحف الدولي للفنانين ،وهو مؤسسة صهيونية عالمية ،بالتعاون مع ثماني مؤسسات صهيونية.وقد اعتبرته الحكومة الإسرائيلية تظاهرة لمحبّي السلام في العالم في مواجهة أعداء السلام من إرهابيين ومتطرفين ،دعي إليها شخصيات مثل هيلاري كلينتون ،شيمون بيريس ليئا رابين وأعضاء في حزب العمل والكنيست وكذلك شيوخ وقساوسة وحاخامات.أما المعرض الثاني فقد نظمته مؤسسة صهيونية في جاليري الواسطي في القدس العربية ."هذا الجاليري الذي أقيم لأهداف منها تطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني في المجال الفني وغيره" وهي مؤسسة ياكوف ومونيك هاريل للطباعة والنشر
لا يراد من مقالتي أن تصب في مجال التخوين أو الاتهام ،إلا أنني أتساءل، داعية إلى الحوار :هل أن أولئك الفنانين من أنصار نظرية الفن للفن أم أن لديهم حساباتهم الخاصة في هذا الشأن؟فنظرية الفن للفن، لمن لا يعرف ،تنكر الدلالات المعرفية والتربوية والإيديولوجية للفن وتعتبر أن الفنان حرٌّ من المجتمع ولا يتحمل أية مسؤولية أخلاقية تجاه الشعب .وهذا يؤدي إلى موقف عدمي وينتج فناً مسلوخَ الهويةِ والمعنى .فهل تستقيم الثقافة دون فاعلية السياسة ؟
#سوسن_مروة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟