أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سوسن مروة - في ذكرى مجزرة -قانا - جذورهم ضاربة في رحم الأرض















المزيد.....

في ذكرى مجزرة -قانا - جذورهم ضاربة في رحم الأرض


سوسن مروة

الحوار المتمدن-العدد: 1174 - 2005 / 4 / 21 - 11:07
المحور: الادب والفن
    


ما لتلك الأفواه تنْفتِحُ وتتدلّى في الفراغ حتى ظننتُها تترصّدُ طنينَ ذبابة من سراب ما لبِثتْ تُهَوِّم في فراغ تَجاويفها ،تُشَوّشُ سَكينتَها في عُرْي الأنسجة .

أفواهٌ سادِرةٌ في انفتاحها حتى ظنَنْتُها وُلِدتْ هكذا ،ونَمَتْ،وما زالت هكذا ،على ما هي عليه.

أفواهٌ تسترخي أنفاسُها على ذلك المقعد المستطيل أَمام أقدامٍ قاعيةٍ داخل أوعيتِها الجلدية المُوحِلة...والخطواتُ لا تبعثر الترابَ وكأنّها أشباحٌٌ بِلا كثافاتٍ ولا أوزان . الأفواهُ العليلةُ ،المشغولةُ أبداً بمضغ الُّلقَمِ ،ولَوْكِ كلماتٍ مدوّرةٍ لها عيونٌ بِلا أهداب .....

وأنتَ!أينكَ أيّها القريب البعيد!؟

دمٌ يتمدّد في تجاعيد الأفواه

دمٌ يستحيل نجيعاً قاتِما لَكَأَنَّ مرارةَ الكون كلِّها تكثَّفتْ في مجراه

وأنتَ تتمدَّدُ في عروقي

والأفواهُ فاغرةٌ..سوائلُ لا لَوْنَ لها تستقرُّ في قيعانِها وتتراكم حتى كادت صفوفُ ورقِ الأقحوان تغرقُ وتغرقُ لِتغَطِّيَها فُقاعاتُ اللزوجة الباعثة على الغثيان ....


وأنت تتمدُّد في عروقي!

المذيعة لا تتوقف عن سرْد أخبار المجزرة ،إلاّ لتعلن عن أوكازيون في محلات جورج نصّار وأولاده على جميع أنواع الألبسة وفساتين الأفراح!!!

تلتوي روحي ليمزِّق صدري عواءٌ وحشيٌّ يستقرُّ في أضالعي كتلةً تَزِنُ الكرةَ الأرضية برمَّتها ..

والأفواه فاغرةٌ ..سادرةٌ في ارتخاء أنفاسها كأنّ ذلك المقعد مثبَّتٌ في الفراغ ،معلَّقٌ في عروق الريح دون سماءٍ أو تراب..دون أمواجٍ أو ظلال..



أينكَ الآن يا نبضي!؟



لم يتوقّف القصف

وإعلانات السيرك لم تتوقّف

والأفواهُ الفاغرةُ المتثائبةُ لم تنغلق..لتُطْبِقَ الشفاهُ على الشفاه وتنضغطَ الأسنانُ على بعضها في اصْطِكاك الغيظ..

أما من قرارٍ للهاوية؟!

أخلعُ جسدي عن لزوجة المكان ..

أخلع البياض الملوث..

أستأذنُ من المذيعة الحريصة على تسْليتي،لأخرجَ من صوتها بزفرةٍ واحدة

يلفُّني شلاّلٌ من الدّمع الأعمى..

أُكوِّمُ الأفواهَ في زاوية المكان كحَبّاتِ الكُمَّثْرى..تصْمِت ..تتعرَّى من أنسجتها ،محاولةً الصراخ..والإعتذار؟!

أينكَ أيها المُوغِلُ في تجاويف خافقي؟



الهديرُ لا يستكين!

غِربانٌ بأجسادٍ معدنيةٍ ،لها مقابضُ من نارٍ كَتَنانينَ مجنونةٍ تنْفلتُ من مداراتها لتحجبَ الضوء ..وتطحنَ كلَّ شُعاع

أفواهٌ فاغرةٌ لا تنغلق ..تظلًّ مُذْهَلةً عمّا حولها..

أحشُرُ جسدي داخل الغرفة المعدنيّة مُتهالِكةً على المقعد الرّجراج..

والأفواهُ لا تهتزُّ!

الرؤوسُ تتمايل مع تمايل السيّارة،لكأنّها رؤوس دمى لم يثبِّتْها صانعُها جيداً كيما تؤدِّي مَهمَّتها..

والعيونُ تنظر الفراغَ..هكذا!!

كَرُكّابِ صحنٍ طائرٍ قَدِمَ من أزمانٍ أخرى ،وأقمارٍ أخرى،اعْتادَ أهْلوها تخزينَ الهموم في ثلاّجات الوقت ،أو تعليبَ الدموعِ والغضبِ في أوعيةٍ مُحْكَمةِ الإغلاق، تُكَدَّسُ في مخازنَ لا يملك مفاتيحَها سوى شياطين المعابد.

وأراجيلُ الفرح يعبثون في سماء أطفال بلادي ..ولا همَّ لَهُمْ سوى اغتيال الحلم!



!هنااك

بل هناكَ في المدينة التي لا تَسْتوي على حال ..

مركزُ التوازن أنت..

توازني الضائع في ارتجاف المشهد..

والمشهدُ لا يستقيم على حال!



يدٌ تترك المِقْود..

تعبثُ في مفتاح المذياع

المذياعِ المعبَّأ بالنحيب والجثث..

ويدٌ تبحثُ عن قرارة الصّوت..ولا صوت!

أنينٌ ينبعثُ من صلادة المعدن واشتعال الحديد تحت اللّحم السّاخن..اللّحم الذي كان قبل قليلٍ طازجاً كَعِفَّةِ الوقت ويَفاعةِ الرّوح!

يدٌ ما زالت هائمةً في الفراغ ،غارقةً في سُكونها

ويدٌ تسقط من الكتف لارتجاف التراب!

هناك تحت الأنقاض طفلةٌ ذاتُ عينين حالمتين تُهَدْهِدان الدُّمية

ويدُها تمسِّد الشَّعر الذّهبيَّ حالمةً بأراجيحَ مِنْ ذهب..

العيونُ لا تتحرَّك،والأهدابُ لا تخْفِق..


وأنتَ تُطلُّ علَيَّ مِنْ مَسامَات روحي لتحرِّك أهدابَكَ الرّاسمةَ خرائط َالوجهِ في الضَّياع!

قدمايَ الضَّائعتان لا تستقِرّان في مراكزِ المدن!

والقصفُ لا يستقرّ!

وردةٌ ليْلكيّةٌ تتسامقُ..تمدُّ ظِلالَ أوْراقها باحثةً عنْ خُطاي

والطفلةُ التي هناك في المكانِ القَصِيِّ في الرّوح تُعبِّئُهُ بالبراءة

والقصفُ يلْتهم كلَّ شيء..

ترتعشُ الخطواتُ..تَميلُ ..تتكسَّر

والطفلةُ ترتعش في توازنها

تنسدلُ الأهدابُ على عينين كانَتا تحلمان بأراجيحَ في أمان الصُّدفة!!


وأنا أصعد في اخْتِناقي ..

دخانٌ أسْودُ يعبِّئُ المكان..دخانٌ كأنَّه مراوحُ التَّهْلُكة..بَعْثَرَتْ رسوماتٍ ذاتَ حوافٍّ مُحطَّمة..

الطفلةُ التي هناك .. في "قانا" ..رسمتْ قوسَ قزح...

لوَّنتْهُ بالأحمرِ القاني..

أنذاك غادَرَ القوسُ ألوانَه ثمّ راح يتأرْجحُ على أطْرافِهِ لُهاثُ الغد ويتثاءبُ الزّمانُ بَين ألْوانِهِ المَنْهوبة..

مراوحُ التّهُلكة صَبَّتْ مِدادَ حِبْرها الأسود فوق صفحة الحلم.!


أَصِلُ الطابقَ السّابع..

دخانُ النّارجيلات يتشعَّب في رئتيَّ ..أختنق!

وعيْنايَ ترْنُوانِ إلى زاويةٍ في جنوب المكان..فيعُضُّني جنوب ُاللهاث..والدمع..والضحايا..والقصف..والحرائق..والحفر

يعضُّني جنوبُ الحليبِ السّائل راسِماً على الحديد الصَّلبِ خارطاتٍ لزمن ٍ مِنْ شظايا أرواحٍ في العَدَم..

أَختنقُ ..ويختنقُ الهواء

والأفواهُ ما زالت فاغرةً

والقصفُ لا يستقرُّ على حال

وعينايَ لا تستقرّانِ على حال

أصِلُ الأصيلَ بالدّمعةِ!


أينك أيُّها القريبُ البعيد؟! أقَرَأْتَ صُحُفَ الصّباح،وصُوَرَ الصّباح،وما تَناثرَ تحت صفحاتها من رائحة العرق المتيبِّسِ على جلود الضحايا؟؟!

أينك ..وأنت تتمدّد في عروقي؟!


تَرَكوا بيوتهم..

المِخَدّاتُ مُعَبَّأَةٌ بحرارةِ ُرؤوسِهم

"رَكْوِةُ " القهوةِ غَلَتْ

نضُبَ ماؤها

أقْفَرَ المكان

والشمسُ غابَتْ في الفجر..

تركوا تُراباً معْجوناً بالأحمرِ القاني

وعرقُ أيَّامِهم والسِّنين يتصبَّبُ تَعَباً وندىً

اللّيالي انْكَمَشَتْ ..

تركوا جُذورَهم ضارِبَةً في رَحِمِ الأرضِ

لم يحْمِلوا سوى أجسادٍ أنْهَكَتْها مَحاراتُ الصُّدَف،وبطاقاتِ الهُويَّة "المُجَعْلَكَة" المُعَفَّرَة بِتُرابِ الجنوب..

الجنوب الرّاحل في الروح..

الجنوب الواقف خنجراً في الحَلْق..

الجنوب السّامق تحت القصف من أقْصى جنوبه حتى أقصى حدود الروح!!!

والأفواهُ ما زالت فاغرةً

والقصفُ لا يستقرّ

والقلبُ لا يهدأ..أينك الآن؟

أينك؟!

لِنَتَشَاغَلَ بالتَّثْآب غَيْرِ المَرْوِيِّ في الحَكايا!



رام الله



#سوسن_مروة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- “فرحي أولادك وارتاحي من زنهم”.. التقط تردد قناة توم وجيري TO ...
- فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي ...
- ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ ...
- بعد مسرحية -مذكرات- صدام.. من الذي يحرك إبنة الطاغية؟
- -أربعة الآف عام من التربية والتعليم-.. فلسطين إرث تربوي وتعل ...
- طنجة تستضيف الاحتفال العالمي باليوم الدولي لموسيقى الجاز 20 ...
- -لم أقتل زوجي-.. مسرحية مستوحاة من الأساطير الصينية تعرض في ...
- المؤسس عثمان الموسم 5.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 158 باللغة ...
- تردد قناة تنة ورنة الجديد 2024 على النايل سات وتابع أفلام ال ...
- وفاة الكاتب والمخرج الأميركي بول أوستر صاحب -ثلاثية نيويورك- ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سوسن مروة - في ذكرى مجزرة -قانا - جذورهم ضاربة في رحم الأرض