|
رءيس مجلس النواب الجديد : محمد الحلبوسي
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 5999 - 2018 / 9 / 20 - 17:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ولد محمد الحلبوسي عام 1981، وكان عمره 22 عاماً حين سقط نظام صدام حسين في حربه الخارجية مع الولايات المتحدة الامريكية ، وخلال هذين العقدين من الزمان كان الحلبوسي واحداً من الملايين التي كان الكبت والحرمان من المشاركة السياسية الصفة المشتركة بينها . لقد حرم عليها نظام صدام حسين النشاط السياسي ، ومنعها من التفكير والتساؤل عما يجري . كانت علاقة النظام بمحكوميه تقوم على روءية النظام الثابتة : من ان جميع العراقيين متامرين ويضمرون الخيانة ، وهي تهمة كافية لان تحكم عليهم بالعيش كقطيع : واجبه السمع والطاعة لاوامر النظام وايعاز منظماته الحزبية والأمنية ...
اصبح الحلبوسي بعد سقوط نظام صدام : واحداً من الملايين التي دعاها المحتل الامريكي للمشاركة في اتخاذ قرار إدارة الشان العام . فهو كالكثير من مجايليه ومن الذين سبقوه في الولادة قد عاش فضاءين : فضاء الكبت والحرمان المليء بالأوامر والنواهي والمحرمات لمنهج حكم صدام حسين ، وفضاء ما بعد السقوط والاحتلال عام 2003 الذي فرض فيه المحتل الامريكي نظاماً سياسياً شبيهاً - من حيث الشكل للنظام المركزي للدولة المحتلة - ، فالحلبوسي في الحالتين ابن ظرف خاص وابن مرحلة في تاريخ العراق : لم يسهم هو ولا ملايين العراقيين في صناعتها ، وانما أسهمت القوة العسكرية في إنتاجها ( الانقلاب العسكري لحزب صدام حسين عام 1968 ، وإسقاط القوة العسكرية الامريكية له ولنظامه في حرب عام 2003 ) لقد تربى الحلبوسي في مناخين : مناخ الكبت والحرمان من المشاركة السياسية قبل 2003 ، ومناخ الصراع المذهبي والقومي بعد هذه السنة . وحين اتخذ الحلبوسي قرار المشاركة السياسية ( لصناعة مستقبل الامة ) انطلق كغيره من القوى السياسية الجديدة ( وهي قوى سياسية اسلامية ذات توجه مذهبي ) من مقولات محلية موروثة عن تاريخ زاخر بالصراعات المذهبية : وكانت المقولة الاساسية التي انطلق منها : هي مقولة الفرقة الناجية الواردة في حديث منحول على النبي محمد ، وهي مقولة خلافية تسببت في شق المجتمع وانقسامه على نفسه بين شيعة وسنة .. لكن ماذا يفعل رجل يريد ان يعمل في النشاط السياسي ، كيف يتمكن من جمع القوة اللازمة لانطلاقته السياسية ان لم يخاطب ويغازل العامة من الناس في ما يوءمنون به : والاهم ان يرسم له صورة البطل المدافع عن معتقداتهم ؟ ...
فكرة الدفاع عما يعيش عليه العامة من الناس من اوضاع ومن معتقدات ، هي الاستراتيجية الاولى في النشاط والتبشير السياسي لدى سياسيي الشيعة والسنة على السواء ، وهي الفكرة التي تتضمن وجود عدو يريد الاطاحة بهذه المعتقدات ، ويتآمر لإقامة مجازر جماعية لتصفية أعضاء المذهب جسدياً ، وللرد على هذا التامر يجب بالضرورة تكوين ميليشيا المذهب المسلحة التي تدافع عنه . ان الخوف الذي اشاعه سياسيو الشيعة والسنة في أوساطهم الانتخابية وإعلانهم عن التطوع للدفاع عن المذهب هو الذي جعل منهم سياسيين مرغوبين في اعين ناخبيهم . فهم لم يفوزوا وفق برامج وضعوها لتطوير حياة الناس ، وتحديث أساليب عيشهم ، والارتقاء بها - عبر العمل على تنويع مصادر الدخل وإيجاد الوظاءف للقضاء على البطالة بل فازوا بالضبط لان وعيهم السياسي مطابق لوعي العامة ويخلو من قلق الخوف على المستقبل ، وبهذا أعادوا انتاج نظرية التامر الصدامية اذ اصبح العراقيون مجدداً متهمون بالتآمر : السنة على الشيعة والشيعة على السنة ...
ارتبط النشاط السياسي بعد 2003 بالقوة : قوة السياسي من قوة تنظيماته الميليشياوية ، وبقدر ما يسعى الى تعظيمها عدداً وعدة بقدر ما يصبح ذا حض كبير بالحصول على المنصب والامتيازات . نشاط سياسي من هذا النوع ، له آلياته الخاصة التي تتطلب من الناشط السياسي فهمها واستيعابها ، ويبدو ان محمد الحلبوسي تعقلها بسرعة الموهوب في معرفة طرق اشتغال آلياتها والتفنن في معرفة ممراتها ودهاليزها ومتاهاتها : ولذا فان الهجاء والتشكيك والطعن في شخص الحلبوسي لا ينفع ابداً في حل هذه المتاهة التي يتخبط فيها العراقيون ، إنما الصحيح ان يتوجه العراقيون بالنقد للظروف التي جعلت الحلبوسي وسواه من السياسيين العراقيين يكرسون جل أوقاتهم للكيفية التي بها يتسلقون هرم السلطة حيث المال الوفير والامتيازات الكثيرة ، وهذا لا يتم الا بازاحة الاخرين عن طريقهم ...
تشبه المرحلة التي باشر فيها الحلبوسي نشاطه السياسي : السوق السوداء التي يهرب اليها سراً كل ما هو غير شرعي وغير قانوني ، وهي سوق مطلوبة دولياً واقليماً تحقق من خلالها هذه الدول مصالحها ، لكن الطلب الخارجي يظل مجرد رجاء ان لم تتوفر له قاعدة سياسية مستعدة لان تجعل من السوق السوداء : القانون الطبيعي وما عداه نوعاً من الشذوذ والهذيان ...
بسرعة عاصفة تمكن مهربو السوق السوداء بما يملكون من دعم خارجي ، من قلب معادلة العلاقة بين الوطن وما يضم من أديان وطوائف وعشاءر وقوميات ، الى علاقة مكوناتية اصبح فيها لكل واحدة من هذه المكونات وطنها الخاص ، تقيم فيه امارتها الخاصة التي يعلو فيها صوت الأمراء على صوت : الدستور والقضاء وقرارات مجلس الوزراء وتشريعات البرلمان . في هذه الإمارات لا يوجد دستور بل يوجد عرف ، ولا تسري عليها قوانين الدولة بل الكلمة الفصل فيها لسلطة الإمارة التي تتدخل بشكل مستمر بآلية عمل دواءر الدولة . هذه هي المعادلة السياسية التي شق فيها ومن خلالها الحلبوسي وسواه من السياسيين شيعة وسنة طريقهم الى مجلس النواب : معادلة الطاءفة فوق الوطن ، والمتعصب الطاءفي فوق المواطن . فالفترة التي باشر فيها محمد الحلبوسي حضوره السياسي فترة اصبح فيها المهربون وناشطو السوق السوداء هم الوزارات وهم السيطرات وهم كتاب عقود النفط وموردي الأسلحة وهم المشرفون على التجارتين الداخلية والخارجية وهم ضباط الامن والمخابرات والجيش : كانت خطوتهم الاولى اضفاء صفة الشرعية على سوقهم السياسبة السوداء عن طريق دورية الانتخابات التي ينشطون فيها تحت شعار : أَعْط صوتك لابن عشيرتك وابن مدينتك وابن طاءفتك ، وحاذر من التصويت لابن الدين والطاءفة والقومية الاخرى الذين يتآمرون على مصيرك ، وقد عزز ت داعش من الخوف الموجود بهزيمتها لجيش المالكي ، من العودة الى استجداء الرحمة من أمراء الحرب لصد داعش من التقدم جنوباً ...
هذا هو المناخ السياسي العام الذي تشربه الحلبوسي تماماً ، وعرف كيف يجيد استخدام أدواته وطرائق اشتغاله لكي يفوز في الانتخابات ، اذ لم يعرف عن الحلبوسي انه كان مناضلاً من اجل الحياة المدنية وحقوق الاقليات والنساء والتعددية والمساواة ، لا في عهد صدام حسين ولا في المرحلة الجديدة بعد 2003 بل يعرف عنه انه كان من المتشددين المناصرين لابناء طاءفته وهم يتحولون من طور الى طور في مواقفهم السياسية ، ولو لم يكن كذلك لما فاز في الانتخابات ...
جاء التأييد الدولي لفوز محمد الحلبوسي برءاسة مجلس النواب العراقي مصداقاً لما ذهبنا اليه من ان الرجل كان موهوباً في الكشف عن قوانين واليات اشتغال هذه السوق السياسية السوداء بسرعة فاقت سرعة شيوخ السوق من السياسيين المخضرمين . ففي وقت واحد باركت الخارجيتين الامريكية والايرانية فوزه مما يدل على ان الرجل عرف كيف يخطب ود القوتين المتنافستين في العراق ويفوز برضاهما ...
ومثلما عرف الحلبوسي كيف يرضي القوتين المتنافستين في ان معاً ، فانه سينجح في كسب ود القوى الداخلية : من تحالف الفتح الى تحالف النصر الى تحالف ساءرون ، ان عقل الرجل مفتوح على ارضاء الجميع املاً في ان الجميع سيحتفظ به أيقونة على عصر ممتد ولن ينته : عصر المحاصصة وإيدلوجيته الغالبة : ايدلوجية الفرقة الناجية ...
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تاكل حزب الدعوة
-
لا زعامة للثورة البصرية
-
ساسة من نوع آكلي لحوم البشر
-
مخجل هذا الذي يجري في العراق
-
ذاكرة ما بعد الموت
-
سواعد لاهثة
-
تابع الى 3 - 3 من مقالنا : حدود سلطة المظاهرات
-
تصوف
-
جدارية
-
حدود سلطة المظاهرات 3 - 3
-
حدود سلطة المظاهرات 2 - 3
-
حدود سلطة المظاهرات : 1 - 3
-
رواية - حرب الكلب الثانية - لابراهيم نصر الله
-
ليلة خضراء
-
نموذجان من نماذج الدول
-
حول موءتمر - إنقاذ - العراق
-
أسوار وغيتوات ودعوة الى العزلة
-
1 - من كتاب - في العشق الالهي -
-
انظروا في حل مصائبكم عن بديل للتصويت البرلماني
-
في العولمة
المزيد.....
-
سيدة تقفز من شرفة منزل تلتهمه النيران لتنقذ حياتها بمساعدة ا
...
-
جنوب السودان ينفي عقد محادثات مع إسرائيل لإعادة توطين سكان غ
...
-
اقتراح وزارة التربية الليبية إلغاء شهادة الإعدادية يثير جدلا
...
-
عملية إنقاذ بطولية لـ3 أطفال في العراق بعد نشوب حريق في شقته
...
-
خليل الحية في القاهرة بعد تصريحات أغضبت المصريين بشأن غزة
-
نويل لونوار.. دعوى قضائية ضد الوزيرة الفرنسية السابقة بسبب ت
...
-
غرق نحو عشرين مهاجرا قبالة لامبيدوزا بإيطاليا وإنقاذ العشرات
...
-
تعليق مؤقت لـ-غروك- بعد منشوراته حول -إبادة جماعية- في غزة و
...
-
المفوض العام للأونروا: ما لا يقل عن 100 طفل توفوا بسوء التغذ
...
-
عون يبلغ لاريجاني رفض لبنان التدخل في شؤونه الداخلية
المزيد.....
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|